145 ألف للطب و75 للهندسة.. المصروفات الدراسية لكليات جامعة المنصورة الجديدة    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    سعر الذهب اليوم الخميس 31 يوليو 2025.. عيار 21 بكام الآن في الصاغة؟    مصر توقع اتفاقية جديدة لتعزيز أنشطة استكشاف الغاز في البحر المتوسط    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: إعلان حركة رؤساء مباحث الثغر.. وزوج يطعن زوجته بالمحكمة لرفعها قضية خلع ضده    بعد المشاركة في تظاهرات بتل أبيب ضد مصر.. كمال الخطيب يغلق التعليقات على «إكس»    الخارجية: لا توجد دولة بالعالم قدمت تضحيات للقضية الفلسطينية مثلما قدمت مصر    منظمة التحرير الفلسطينية تطالب بإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة    البرتغال تدرس "الاعتراف بدولة فلسطين"    سانشو يخطط للعودة إلى بوروسيا دورتموند    نيكولاس جاكسون يدخل دائرة اهتمامات برشلونة    هويلوند: مستمر مع مانشستر يونايتد وجاهز للمنافسة مع أى لاعب    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة على طريق أسوان الصحراوي الغربي    دخلا العناية المركزة معًا.. زوج بالبحيرة يلحق بزوجته بعد 3 أيام من وفاتها    إزالة إشغالات وأكشاك مخالفة وعربات كارو ورفع تراكمات قمامة خلال حملة موسعة في القليوبية    قرارات تكليف لقيادات جديدة بكليات جامعة بنها    ترفض الانكسار.. مي فاروق تطرح أغنية «أنا اللي مشيت» من ألبوم «تاريخي»    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    «انصحوهم بالحسنى».. أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقيموا الصلاة (فيديو)    «صحة شمال سيناء»: زيارات مفاجئة للمستشفيات للارتقاء بصحة المواطنين    جامعة بنها تعقد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشري    ب مكونات منزلية.. وصفة سحرية لتنظيف القولون وتعزيز صحة الجهاز الهضمي    دياز: كومباني أخبرني بأنني سألعب على الجناح الأيسر.. وهذه تفاصيل محادثتي مع فيرتز    جثمت على صدره.. الإعدام لربة منزل قتلت طفلها انتقامًا بالبحيرة    اسكواش - دون خسارة أي مباراة.. مصر إلى نهائي بطولة العالم للناشئات    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    رئيس جامعة دمياط يترأس اجتماع مجلس الجامعة بجلسته رقم 233    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    عودة نوستالجيا 90/80 اليوم وغدا على مسرح محمد عبدالوهاب    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    واشنطن تبلغ مجلس الأمن بتطلع ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا 8 أغسطس    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأخبار» تقتحم العالم السري لمافيا التسول
أمبراطورية «الكتعة» تتحكم في شوارع القاهرة
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 06 - 2018


ويجني أرباح التسول على سلم مترو محطة محمد نجيب
مغامرة صحفية تكشف حصول المتسولين علي 450 جنيهاً في 10 ساعات
يومية أطفال الشوارع 80 جنيهاً.. والطعام والسكن بالمجان
»‬الشحاتين» يستأجرون الأطفال والرضع.. و»‬المعاق» الأعلي سعراً
عالم مثير يحمل بين طياته تفاصيل مرعبة، أطفال مشردة، كتب عليهم العيش بلا هوية أو مكان، دون أهل، شباب ونساء وعجائز لم يروا من الدنيا سوي وجهها العفن، لم يقرروا مصيرهم، قسوة الأيام حالت بينهم وأحلامهم، ملامح كسرها الدهر وغدر بها، فأصبحت تتوق لرحلة أخري ترحمهم من الشقاء، لا يبحثون سوي عن لقمة عيش ومكان يحميهم من أنياب زمان لا يرحم، محطات مؤلمة مرت عليهم، سقطوا داخل شباك شياطين الإنس، لم ترحم ضعفهم، استغلتهم لجني الأرباح.. »‬الأخبار» اقتحمت العالم الخفي لمافيا التسول وتخوض مغامرة تكشف من خلالها الوجه الحقيقي لعالم أطفال الشوارع وترصد تجربة واقعية استمرت أسابيع لتحكي عن مأساة هؤلاء وتنقل واقعهم المخيف وتجيب بالبراهين عن الأسئلة العالقة في أذهان الكثيرين، من يدير عالم مافيا التسول ومن يحرك امبراطورية الشحاتين الذين يجوبون شوارعنا ؟.. حكايات وأسرار تكشفها السطور القادمة التي تحتضن روايات صادمة لأشخاص يعيشون خارج جلباب الحياة.
التسول بنظام المجاميع والتوزيع علي الشوارع بجدول خاص
»‬الشحات المودرن» أحدث التقاليع.. واستغلال الأزمة السورية باب خلفي جديد
اليوم الأول كان الأصعب، فهم لا يقبلون غريبا بين صفوفهم، يعرفون بعضهم جيدا ولكن في هذا العالم المال يدير كل شيء، يفتح جميع الأبواب.. الساعة كانت الخامسة مساء، اقتربت من أحدهم، جلست بجواره أمام إحدي إشارات المرور بمنطقة وسط البلد، عرفني باسم الشهرة يدعي »‬محمود عطا».. تحدثت إليه في محاولة لإقناعه بمساعدتي لخوض مغامرة ربما تحمل الكثير من العواقب، لحظات من التفكير أعقبها موافقته بعد عرض مبلغ من المال مقابل تسهيل مهمتي في قضاء ساعات داخل هذا العالم الغامض، جلس في جلباب المعلم يشرح لي كيف أتعامل في الشارع، طلب مني ضرورة ارتداء ملابس تتناسب مع المهمة الجديدة، عرض قائمة من النصائح حتي لا يفتضح أمري فهناك لا مجال للخطأ.
مع شمس يوم جديد وفي العاشرة صباحا انطلقت للمكان المتفق عليه بالقرب من منطقة العتبة، احضر مرشدنا عبوات مناديل لبيعها، ساعة تلو الأخري، ليس هناك جديد، تابعت العمل حتي اقتربت من الثالثة عصرا ليأخذني إلي أحد الأرصفة لنحصل علي قسط من الراحة وسط جموع من الشباب والأطفال، بدأ بعضهم في الإفصاح عن حكايته كعادتهم لتفريغ همومهم، فلا أحد يسمعهم سوي أنفسهم ليروي شخص يدعي »‬الليثي» قصته قائلا : »‬الواحد زهق من الشغلانة، وخلاص نفسنا ربنا يتوب علينا، أنا من ساعة ما جيت من أسيوط ومفيش جديد، الحياة بقت تقرف، الواحد بيطلع عينه طول اليوم وفي الآخر يأخذ 80 جنيه طب دا يرضي ربنا»، قاطعته بالسؤال عن سر تواجده في الشارع واختيار الابتعاد عن أهله ليجيب بضحكة ساخرة : »‬هو في حد مننا عارف مين أهله يا عم إحنا كلنا عيال الشارع» وبعد لحظات من الصمت صدمني آخر ويدعي »‬سعيد بيبو» في العقد الثاني من عمره قائلا : الواحد نفسه يشتغل شغلانة محترمة ويبطل التسول في الشارع، المعلمين مبقوش بيرحموا، هما قاعدين في بيوتهم وإحنا بنتبهدل في الشوارع عشان في الآخر ناكل ونام، حان وقت الرحيل تحركت مع الدليل ولكن هذه المرة لمنطقة أخري بتقاطع شارع محمد محمود مع شارع يوسف الجندي بالقرب من ميدان التحرير وكانت الساعة تجاوزت السادسة والنصف، التقيت هناك بأحد ممن يعمل في مهنة التسول ليتحدث إليّ بعد الاطمئنان من مرشدي ليحكي عن مفاجأة كانت بداية الخيط لكشف الحقيقة قائلا : أنا في الشغلانة بقالي 10 سنين، وشكلي خلاص هكمل حياتي كده، الحمد لله بنكسب كويس والدنيا ماشية والمعلم مبيبخلش علينا بحاجة، أنا منطقتي هنا حسب جدول الشغل، إحنا أساسا من السلام بس بناكل عيش بالشغل في التحرير من بيع الورد وغيره واحنا كلنا أصحاب من زمان، لم يكمل حديثه بسبب أصوات تحذيرية بوجود دورية للشرطة في المكان، لم نجد سوي الفرار للهروب من السقوط في قبضة الداخلية حتي وصلنا للاختباء في أحد الشوارع الخلفية.
ناضورجية المعلمة
جلسنا لبعض الوقت ننتظر الأوامر للعودة من جديد، سألت أحد الهاربين عن مصير من يتم القبض عليهم ليجيب بشيء من الاستغراب : انت أول مرة تشتغل ولا إيه، طبعا »‬الناضورجية» هيبلغوا المعلمة وهي هتتصرف وتبعت حد يخرجهم من القسم، بسرعة قاطعته بالسؤال إنت شغال مع مين ؟ ليجيب : مع المعلمة »‬فتحية الكتعة» بتاعة السلام.. غادرنا المكان ولم تتضح الصورة لنا بعد، فهناك مزيد من الأسئلة تحتاج لإجابات، اتفقت مع »‬عطا» الدليل أن أقضي معه يوما آخر، في نفس الموعد تقابلنا مجددا في منطقة وسط البلد، تحركنا ولكن هذه المرة في زي مختلف ولون جديد وطريقة أخري للتسول حيث قمت بارتداء جلباب واستخدام »‬عكاز» علي أنني صاحب إعاقة، تم تجهيز الأمر في أحد الجراجات القريبة من المكان لنبدأ رحلة جديدة للكشف عن جوانب هذا العالم، ساعات من التسول ربحت فيها كثيرا من الأموال ولكن العائد حصل عليه محمود بالكامل حسب الاتفاق وعند سؤاله عن كيفية تقسيم تلك الأموال؟ قال لنا : »‬إحنا شغالين مجاميع كل مجموعة ليها إيراد لازم تجيبه في اليوم وفي الآخر بنروح لرجالة المعلم نسلمهم الفلوس وناخد اليومية وهما بيوفروا لنا كل حاجة: الأكل والشرب والهدوم والسكن والمواصلات كله ببلاش قصاد الإيراد، استكملت رحلتي لساعات أخري كنت فيها علي قرب من هؤلاء، غاب عني الدليل لبعض الوقت، لأتابع مغامرتي في الشارع وأجلس مع أحد أطفال الشوارع، رفض ذكر اسمه، ولكنه تحدث إليّ بعفوية كاملة عن عمله في الشارع قائلا : أنا شغال مع الست »‬حفيظة» ربنا يديها الصحة بمشي معاها في كل مكان وبنطلب من الناس المساعدة وفعلا الناس مش بتتأخر عشان هي ست كبيرة في السن وبنصعب علي الناس وفي الآخر بآخد منها اليومية وبتروح هي تنام في »‬المكنة» بتاعتها ويقصد بها الغرفة التي تعيش بها وأنا بروح بيتنا.
وبسؤاله عن سر تواجده معها ؟ قال : هي بتدفع إيجار لأبويا وأمي عن شغلي معاها 60 جنيه في اليوم ومفيش قدامي حاجة غير كده فبشتغل معاها وربنا بيكرمنا وأخويا شغال مع ست تانيه وعشان عنده مشكلة في عينه بياخد 100 جنيه يومية. استكمل جولتي بعد عودة الدليل الذي كان بمثابة النور الذي يضيء أمامنا الطريق ليكشف لي مزيدا من الحكايات قائلا : تعرف إحنا مش عايشين، المعلمين بيبيعوا ويشتروا فينا براحتهم وكل واحد وليه ثمن عشان إحنا ملناش أهل وفيه ناس مننا كان ليهم أهل بس تاهوا عنهم.
إتاوة العمل المنفرد
تحركت في صمت، فالواقع مرير والحقيقة مرعبة، طرحت عليه السؤال الذي تردد في ذهني كثيرا: هل كل من يتسول في الشارع يقع تحت قبضة هؤلاء المعلمين من البلطجية؟ ليجيب قائلا : »‬مش كل اللي بتشفهم في الشارع بيشتغلوا مع معلمين، في ناس كتير شغالة لحالهم بس بردوا »‬الناضورجية» من البلطجية والمسجلين اللي مسئولين عن الأماكن بيخدوا منهم نسبة »‬إتاوة» عشان يشتغلوا في الشارع وكله بيرزق والدنيا بتمشي، تجولت في الشارع أتابع حركة الأشخاص الذين يتسولون بالقرب من مكان تواجدي ربما أخرج بمزيد من الحكايات.
جلست أمام أحد المقاهي لأتابع مشهدا يؤكد صدق كلمات كل من قابلت في رحلتي داخل عالم التسول، سيدة تجوب الشوارع مع أطفال صغار تجني ثمار التسول وبعد ساعات من العمل يأتي »‬تاكسي» ليأخذها ويرحل، في نفس الموعد مساء اليوم التالي ذهبت لنفس المكان لأشاهد من جديد نفس المشهد بكل تفاصيله لندرك حقيقة أن التسول بات مهنة تحتضن الكثيرين من الأطفال والشباب والشيوخ ويديرها البلطجية والمسجلون.
مع مطلع يوم جديد وفي الساعة الثالثة عصرا كانت المحطة الأخيرة من مغامرتي علي رصيف سلم محطة مترو محمد نجيب جلست هناك، استكمل ساعات التسول لجني مزيد من الأموال محققا ما يقرب من 450 جنيها في أقل من 10 ساعات، تقابلت بشخص جديد في هذا العالم، بدأ الحوار بيننا بمطالبتي بمغادرة المكان بحجة أنه يتسول به ويجب ألا أقف له في لقمة عيشه، تحركت بعد لحظات من ذلك الحوار خوفا علي نفسي من بطش البلطجية من »‬الناضورجية» الذين ربما يراقبونني دون أن أدري أماكنهم، خطواتي دفعتني للركوب داخل إحدي عربات المترو من محطة محمد نجيب لأكتشف أن هناك عالما آخر من التسول وشخصية أخري تدير العملية بكاملها داخل محطات المترو حيث توجد سيدة في الخمسين من عمرها، ملامحها تحكي عنها، تتعامل مع الأطفال وكأنهم عبيد امتلكتهم، تصدر لهم الأوامر وعليهم التنفيذ، تقوم بتوزيعهم علي عربات المترو من أجل قيامهم بجمع الإيراد من التسول علي المواطنين وفي نهاية المطاف يعودون لها وتحصّل منهم الأرباح ثم تنصرف عنهم فقد قاموا بالمهمة علي أكمل وجه وسط غياب تام للمسئولين عن الأمن داخل محطات المترو.
داخل »‬المغارة»
في نهاية المغامرة طلبت من مرشدي اصطحابي للمكان الذي ينامون فيه ويجتمعون بداخله، رفض في بداية الأمر ولكن بعد محاولات استمرت لأكثر من نصف ساعة وافق ولكن بشرط أن نراقب المكان عن بعد ولا نجلس هناك طويلا حتي لا يلاحظ أحد وجودنا من رجال المعلم الذي يعمل معه والذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفا من العقاب الذي قد يصل إلي حد القتل مطالبا عدم نشر صورته أو الإدلاء بمعلومات عنه، وافقت رغم أنني أعلم قدر المجازفة، ذهبت إلي هناك بخطوات بطيئة، ربما لا أجيد التعامل مع الأمر لو كشف السر، وصلنا إلي مكان يطلق عليه منطقة »‬المغارة» أسفل كوبري الساحل بمنطقة شبرا، المكان يشبه الكهوف المهجورة، رائحة عفنة تفوح من هناك، أصوات عالية نخشي الاقتراب منها، فالداخل مفقود والخارج مولود، هنا كل شيء مباح، المخدرات والسلاح وغيرهما، الدخان يخفي الوجوه المتواجدة الذين تحولوا لأداة يستغلها تجار البشر من البلطجية والمسجلين الذين يفرضون سيطرتهم عليهم ويديرون وحدهم عالم المتسولين، لم أستطع الصمت لدقائق حتي طلبت المغادرة، فالمكان وحده يحتاج لتحقيق منفرد لكشف تفاصيله المأساوية والحكاية باتت واضحة ولا تحتاج لمزيد من البراهين.. غادرت المكان وأنا أنظر إلي هؤلاء الذين يعيشون في شباك تجار البشر أمثال »‬الكتعة» وغيرها من المسميات التي كنت أظن أنها لا توجد سوي في خيال مؤلفي الدراما والسينما ولكن أثبتت التجربة أن في كل مكان معلما أو معلمة تشبه »‬الكتعة» تجني كثيرا من الأرباح وتتحكم في شوارعنا من خلال مجموعة متسولين من الأطفال والشباب والشيوخ الذين يحتاجون ليد العون من الدولة من أجل إنقاذهم.
للتسول وجوه كثيرة
علي مدي ساعات رحلتي داخل هذا العالم أيقنت أن التسول أصبح مهنة تحمل وجوها كثيرة وتعتمد في المقام الأول علي الفوز بعطف الناس كما أدركت أن هناك متخصصين يعملون من أجل ابتكار أفكار جديدة للتسول من أجل ضمان استمرار المهنة في تحقيق الأرباح.. السطور القادمة نرصد من خلالها أحدث الطرق والخدع التي شهدها عالم التسول علي مدي الفترة الماضية.
شحات آخر شياكة
»‬شحات آخر شياكة» أو »‬الشحاتين المودرن» هو مصطلح جديد داخل عالم التسول ويطلق علي رواد تلك المهنة الذين يرتدون ملابس جيدة ويضعون أفضل أنواع العطور من أجل خدعة الناس بحجة أنهم ضحايا تمت سرقتهم خلال رحلتهم إلي القاهرة ويحتاجون لمبلغ من المال للعودة للمحافظة التي ينتمون إليها وينتشر هذا الأسلوب بالقرب من المحلات التجارية والمولات الشهيرة ويحقق هؤلاء مكاسب طائلة حيث إن المساعدة في هذه الحالات لا تقل عن متوسط خمسين جنيها وبهذا يحقق هؤلاء إيرادات يومية تتخطي ال 500 جنيه.
نساء في ثوب سوريات
القضية السورية كانت ملهمة لمافيا التسول في مصر حيث تمت الاستفادة بها في تنفيذ فكرة جديدة أساسها تعاطف الشارع مع اللاجئين من أهل سوريا الذين حضروا إلي بلادنا هربا من المعارك الشرسة التي دمرت وطنهم وتعتمد الفكرة علي النساء فقط الذين يتم تدريبهن جيدا علي التحدث باللهجة السورية ويقمن هؤلاء بارتداء نفس ملابس أهل سوريا ويتجولن في الشوارع يطلبن المساعدة من أجل الحياة وهنا يقع الكثيرون في الخدعة ويقدمون لهن المساعدة علي أنهم من أبناء الشعب السوري وتحقق هذه الطريقة عائدا مرتفعا قد يتخطي ال 600 جنيه في اليوم الواحد.
معاق بأوراق وهمية
هناك طريقة أخري للتسول ولكن تعتمد علي شخص يعاني من إعاقة يرافقه أحد الأشخاص صاحب حنجرة قوية يتجولان في الشوارع ويجلسان أمام المساجد ويهتف هذا الشخص طالبا من الناس المساعدة من أجل إجراء جراحة عاجلة لهذا المعاق حاملا مستندات وهمية بحالته الصحية وهذا النوع يحقق مكاسب مرتفعة أيضا لأن الكثيرين يدفعون لهما الأموال علي أساس أنه يحتاج لمبلغ ضخم من أجل إجراء الجراحة وإنقاذه من الموت وتعد الفكرة ضمن القائمة الأكثر ربحا في عالم التسول حيث يجني الشحاذ منها مبلغا يتخطي ال 700 جنيه في ساعات عمل أقل بالشارع.
عجوز علي الطريق
الطرق السريعة هي الأخري كان لها نصيب من الأفكار والخدع فقد انتشرت طريقة جديدة للتسول وتعتمد علي كبار السن حيث يمسك أحدهم بقطعة من القماش ويقوم بتنظيف السيارات في المواقف العشوائية خاصة علي الطريق الدائري ويطلب من كل سيارة جنيها واحدا ليحقق يومية تتخطي 300 جنيه في اليوم.
خدعة عامل النظافة
خلال رحلتي اكتشفت آخرين يتجولون بزي عمال نظافة يمسكون بنفس الأدوات ولكنهم في حقيقة الأمر يختبئون داخل تلك الملابس من أجل كسب تعاطف الناس معهم وهذا النوع انتشر بشكل كبير ويتواجدون في الشارع بشكل يومي في نفس المواعيد الرسمية لعمال النظافة ويحصلون علي إجازة رسمية من التسول مع العطلات الرسمية بالدولة.
فخ وسط القمامة
هناك مجموعة من المتسولين اختاروا الجلوس وسط القمامة في شكل مشردين يتناولون طعامهم من البحث في القمامة وهذا النوع يحقق مبالغ ضخمة حيث إن الطريقة يخدع بها كثيرون ويقدم الناس علي مساعدة هذا الشخص دون أن يعلموا أنهم ضحية سقطت في شباك مافيا التسول.
متسول بدرجة بهلوان
آخرون يعتمدون علي مهاراتهم الخاصة حيث يقومون بتقديم العروض البهلوانية في الشوارع وتشتهر تلك الطريقة للتسول في المناطق الشعبية ويعد عائدها المادي هو الأقل ويقوم من خلالها المتسول بتقديم حركات استعراضية وفي نهايتها يتجول بين من حضر ليحصل علي أموال منهم، مع كل يوم جديد تظهر أفكار أخري وتبقي دائما للحكاية وجوه لم نكتشفها بعد في عالم التسول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.