«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة فنية مثيرة في المتحف المصري للفن الحديث:محاكاة التشكيل لمؤلفات موسيقية
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 05 - 2018


جانب من الورشة
ربما كانت الفكرة جديدة علي كثير من الجمهور المصري الذي حضر الأمسية التي استضافها بهو المتحف المصري للفن الحديث تحت عنوان »ورشة.. تماس.. لوحة .. موسيقي»‬ والتي قام خلالها كل من الفنان هشام نوار والفنانة هبة صالح بالرسم الحر استلهاما من الموسيقي التي تعزف عزفا حيا بجوارهم، بهدف تسجيل انطباعاتهم اللونية المستوحاة من الإيقاع الموسيقي. وقد أقيمت الأمسية في إطار برنامج متكامل استضافه متحف الفن المصري للحديث بالتعاون مع أتيليه المؤلف الموسيقي في إطار احتفالية عن علاقة الموسيقي بالتشكيل.
تقول د.سمر يسري مسئولة النشاط الثقافي بالمتحف إن احتفالية علاقة الموسيقي بالفنون التشكيلية تضمنت الكثير من الفاعليات المتميزة ومنها محاضرة وورشة موسيقية للأطفال استلهموا من خلالها لوحات فنية من مقطوعات موسيقية وورشة لرسم الصوت .. »‬واستضاف المتحف محاضرة وريستال تحت عنوان »‬لوحات موسيقية»، وكذلك محاضرة تحت عنوان »‬صور من معرض» للدكتورة رشا طموم والتي تخللها عزف مقطوعات مستوحاة من أعمال تشكيلية ومنها مقطوعة »‬عروقي» للمؤلف الموسيقي الفنان كمال أحمد مصطفي عن لوحة إبراهيم الدسوقي، ومقطوعة »‬الحنين ينتظر شروقا» للفنان وائل سامي الخولي عن تمثال النزهة للفنان أحمد عثمان .. ومقطوعة »‬مطر الصباح للفنانة دينا تحاموقة من الأردن عن لوحة مكرم حندوقة .. كما ألف الفنان مروان علي فوزي مجموعة من الإسكتشات الصوتية عن لوحات الفنانين فاروق حسني وعصام معروف ومحمد رياض سعيد ومحمد القباني، وقدم عمرو أشرف الباز مقطوعة »‬البورصة في باريس» عن لوحة مارجريت نخلة، ومقطوعة »‬ثنائية الكلارنيت والبيانو» عن لوحة للفنان عصام معروف، وقدم الفنان »‬فراس نوح» مقطوعة »‬سخرية» عن لوحة جمال المرسي، وقدم رمز صبري »‬في معية محمود سعيد» حيث قام بالعزف مريم المملوك علي البيانو، ومحمد أحمد تشيلو، وعمرو إمام كلارينيت ووجدي الفوي عود ومحمد الزناتي باص كلارينت ورنا أكرم الحمبولي علي الفيولينه ومروان فوزي أكورديون ذلك إضافة إلي فاعلية الختام التي تضمنت محاضرة »‬الروابط الإبداعية بين الموسيقي والفن التشكيلي» التي قدمها د. أحمد الحناوي .. المؤلف الموسيقي وأستاذ آلة الفاجوط بأكاديمية، الفنون. »‬ورشة.. تماس.. لوحة .. موسيقي» قدم فيها كل من الفنانة هبة صالح والفنان هشام نوار محاكاة تشكيلية لمؤلفات موسيقية قدمها مؤلفو أتيلية المؤلف الموسيقي في عرض حي لجمهور الحفل لميس شمس بيانو، ومحمد أحمد علي تشيللو، وكريم حسام فيولينة، ويوسف علاء بيانو، حامد شداد كلارينيت
وعن الاحتفالية يقول الفنان طارق مأمون مدير متحف الفن الحديث إن احتفالية علاقة الموسيقي بالتشكيل بالتعاون مع أتيليه المؤلف الموسيقي تجربة من ضمن تجارب عديدة يستضيفها متحف الفن المصري الحديث وربما تأتي تلك التجارب المتنوعة في إطار تجديد دور المتحف، فنحن نتكلم لغة الإبداع الصافي والمتحف يتيح المساحة لذلك. فلم يعد المتحف في العالم يقتصر علي كونه مساحة لعرض الأعمال بل أصبح دوره الأهم في كونه مساحة تفاعلية ..مضيفا : أتمني أن نكون عنصرا محركا داخل المجتمع المصري وأن نعيد رسم شكل العلاقة بين مختلف أشكال الإبداع وتعليقا علي برنامج أتيليه المؤلف يقول مأمون : إن العلاقة بين التشكيل والموسيقي متداخلة للغاية ولا يمكن الفصل بينهما.
علاقة ممتدة
لطالما كانت علاقة الموسيقي بالتشكيل واحد من الموضوعات التي شغلت بال الباحثين والكتاب ففي بداية إحدي الدراسات التي نشرت بمجلة الفنون الأردنية تحت عنوان »‬المشهد الموسيقي في اللوحة التشكيلية» للباحثين نبيل الدّراس، ومحمد نصار، يذكر الباحثان أن مسألة العلاقة التفاعلية بين الفنون واحدة من القضايا الرئيسة في علم الجمال، ويضيفان أن المشهد الموسيقي في الموروث الفني العالمي من اللوحات التشكيلية قد احتل مكانة بارزة علي مر العصور، مما دعا إلي تسليط الضوء علي هذا المشهد كإطار يوضح »‬موسيقية» اللوحات التي لا تزال مفهوما جدليا في الأوساط الفنية النقدية.
وعن علاقة الموسيقي بالتشكيل تقول د. نهلة مطر أستاذ قسم النظريات والتأليف، بجامعة حلوان ومؤسس أتيليه المؤلف الموسيقي إن العلاقة ممتدة بين التشكيل والموسيقي، ولا يمكن الفصل بينهما، فدائما ما يتأثر الفن الموسيقي بالفن التشكيلي، خاصة فيما ورد إلينا من فنون الحضارة الأوروبية. فبعدما يتم إرساء جماليات جديدة في المعمار والفن التشكيلي، تأخذها الموسيقي لتهضمها وتنتج جماليات صوتية أخري. وفي أوائل القرن العشرين اجتمع مجموعة من المهتمين بالشأن الموسيقي في ايطاليا وأسسوا الحركة المستقبلية التي لاحظت أن الصناعة ودخول الماكينات أثر في الأجواء الصوتية المحيطة بالفرد مما أثر في طريقة معيشته، وأخذوا القرار بإدماج صوت الآلة أو الضجيج في المؤلفات الموسيقية.
وعندما تحول الفن البصري إلي فن مفاهيمي في الستينيات خاصة في أمريكا أثر ذلك علي بعض الاتجاهات الموسيقية والتي استعارت هذا. وظلت مشكلة واحدة أمام من يترجم السياق البصري إلي سمعي، هو أن الموسيقي فن يكشف عن نفسه عبر الزمن وليس المكان. فبدأ الاهتمام بالكتل الصوتية اللحظية وتباينها وطريقة الاستماع إليها في الفراغ الحاوي لها، مثل ما نختبره الآن في ال surrounding sound، لكن لم تعامل هذه الكتل الصوتية علي أنها مؤثرات صوتية وإنما كانت أحداث صوتية تعبر وتؤثر بشكل مجرد، وفي كثير من الأحيان وحدها دونما تداخل وسيط آخر وتتواصل مع جمهورها. وبظهور فن التجهيز البصري، ظهر فن التجهيز الصوتي، والذي يعني بتركيب أصوات في أماكن متناثرة لإحداث أو توصيل فكرة ما.
وربما تعتبر تلك المفاهيم جديدة نسبيا علي المجتمع المصري حيث تحاول الفنانة نهلة مطر تنظيم عدد من المشروعات التي يمكن من خلالها استكشاف جوانب جديدة من الموسيقي وتأثيرها علي الفنون الأخري وعلي الأفراد وكذلك تأثرها بالفنون الأخري من خلال مشروعات مبتكرة ومنها أتيليه المؤلف الموسيقي الذي وضع فئات مختلفة في تجربة مبتكرة مع الموسيقي ومنها معاينة عدد من الموسيقيين المصريين لأعمال الفنانين التشكيليين واستلهام أعمالهم منها، وكذلك اختبار الأصوات والموسيقي علي وجدان الأطفال وتأثيرها عليهم مع محاولة لتقريب المفاهيم وخلق قنوات حوار جديدة بين ألوان الفنون بعضها البعض وبين المتلقى.. وربما لم يكن أتيليه المؤلف الموسيقى هو التجربة الأولى فى هذا الصدد حيث تقول د. نهلة : ربما لم تكن المرة الأولى التى نقوم فيها بمشروع يجمع بين التشكيل والموسيقى فى مصر بحيث تكون الموسيقى بطلا أساسيا. فقد سبق أن قمنا بتنظيم معرض «المدينة الشبح» القائم على تجهيز صوتى تم وضعه فى خمس قاعات بمركز سعد زغلول، ثلاثة منها رئيسية واثنتان فرعيتان. وهى بمثابة رحلة صوتية روحانية لأصوات مسجلة ومعدلة إلكترونيا خاصة بمدينة القاهرة وملامحها الصوتية من ماء .. عصافير.. صيادين.. ترانيم الأذان.. أصوات كلكسات السيارات.. وأصوات جماهير ميدان التحرير أعقاب ثورة 25 يناير. وكان أهم جزء هو ما يسميه أصحاب التجهيز: النفق/ حيث تم بناء طريق ضيق يمر فيه الجمهور معلق على الحائطين الجانبيين صورا من القاهرة، ويستمع خلالها إلى مؤلفة موسيقية من تأليفى مدتها 40 دقيقة وتصدر عن ثمانى سماعات موضوعة بعناية للدخول فى جو التجهيز.. وينتهى التجهيز بغرفة قدس الأقداس، وفيها جهاز كمبيوتر وسماعات رأس، ويتفاعل المتلقى معها باختيار الإنصات إلى قاهرة أحد المؤلفين الأربعة المشتركين أو أكثر، وهى مؤلفات صغيرة من الأصوات التى تم تسجيلها لكن بمعالجة شخصية لكل مؤلف ما عن التسمية، فهناك طيف للقاهرة الساحرة يمتد بنا إلى مصر القديمة وعندما نمشى فى طرقاتها نعى تلك الطبقات التاريخية، علنا نصل إلى قدس أقداس المعبد.
وقد تم تغطية جدران الغرف بنسيج أبيض وعليه إضاءة زرقاء، وتم عرض الصوت من خلال سماعات صغيرة بجهاز MP3، فى الغرف الأولى. وفيه غرفة النفق تم استخدام نظام صوتى متطور لعرض ثمانية تراكات صوتية فى آن واحد حتى تكون التجربة الصوتية قيمة ومؤثرة وجدانيا واكتشف الجمهور أن الدخول الجماعى لا يمنحهم فرصة الاستمتاع والدخول فى عمق التجربة وأصبح كل فرد يعاود الزيارة والرحلة فرادا واكتشف كل واحد أن الرحلة كل مرة وما يسمعه فى كل المراحل (ماعدا قدس الأقداس) يختلف حسب وقت دخوله وأحيانا كثيرة كانو يرجعون إلى بداية الرحلة أو يجلسون وقتا أطول فى مكان أو قاعة أكثر من الأخرى.
تجربة ملهمة جدا
ومن جانبها تذكر الناقدة الموسيقية أ. د. رشا طموم، مقررة لجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للثقافة، أن تجربة تأليف أعمال موسيقية تستلهم لوحات من متحف الفن الحديث تجربة ملهمة جدا، فمن الممتع أن نستمع إلى عمل هو عبارة عن ترجمة مؤلف موسيقى لرسالة وصلته من فنان تشكيلى .. لذا تعتبر ريسيتال «لوحات موسيقية» تجربة مهمة جمعت ما بين اثنين من أجمل الفنون وهما الفن البصرى الذى يهتم بالتعبير المكانى والفن السمعى الذى يهتم بالتعبير الزمانى .
وتضيف طموم لكن تلك التجربة لها أبعاد تاريخية فحين نتحدث عن ارتباط الموسيقى بالفن التشكيلى هناك ثلاثة زوايا مهمة أولها تتعلق بأن الفن هو مرآة للعصر، أى أن الظروف والأحداث التى يمر بها أى عصر تنعكس على كل الفنون، وقد يظهر التأثير متأخر قليلا فى أحد الفنون لكن الغالب أن تجتمع فنون العصر على جماليات فنية واحدة تقريبا وإن اختلفت الأدوات ، لأن المبدع يتأثر بكل ما حوله وينعكس ذلك فى أى عمل فنى سواء تشكيل أو موسيقى أو أدب .. فمثلا بالنظر إلى عصر الباروك الذى امتد من القرن 17 وبدايات ال 18 نجد أن شكل المعمار الذى يتميز بالإبهار والزخارف انعكس على اللوحات بكل تلك التفاصيل وزخارفه وبالتالى الرنين الصوتى للموسيقى كان كذلك..
أما الزاوية الأخرى فى علاقة التشكيل بالموسيقى فترتبط بفترة زمنية بدأت من النصف الثانى من القرن ال 19 عندما ظهرت مذاهب بعينها فى الفن التشكيلى تركت تأثيرا موازيا فى الموسيقى، مثل الانطباعية التى ظهرت عندما رسم كلود مونيه لوحة انطباع شروق الشمس، بعدها تبنى مجموعة من المصورين نفس الفكرة، وقد تأثر الموسيقيون واستخدموا أدواتهم فى ألوان الصوت والألحان الغائمة والنسيج الضبابى لتحقيق نفس الأُثر وهناك مذاهب أخرى موازية لكن أشهرها الانطباعية .
الزاوية الثالثة تتمثل فى الاستلهام المتبادل بمعنى أن تكون اللوحة مصدر الهام للعمل الموسيقى أو العكس فقد سبق أن تكرر الموضوع أكثر من مرة فى الاتجاهين فى كثير من دول العالم ومن بينها مصر .. فعلى سبيل المثال حين نتحدث عن لوحات استلهمت عمل موسيقى نجد مثلا لوحة «سيمفونية» للفنان مويتز فون شفيند استلهمها من أحد أعمال بيتهوفن.. ومن اللوحات التى تأثرت بعمل موسيقى لوحة لكاندينسكى الفنان التعبيرى الشهير التى رسمها بعد حضوره لحفل لأعمال هو شونبرج المؤلف الموسيقى النمساوي. كذلك نجد الكثير من الأمثلة فى الاتجاه المعاكس والمعنى بتأثر الموسيقيين بلوحات الفن التشكيلى، الذى اتضح فى القرن 19 عندما ظهر اتجاه بأن تكون الموسيقى وسيلة للتعبير عن شيء خارجها كقصة مثلا، ثم بدأ المؤلفون الموسيقيون يفكرون فى استلهام اللوحات وكان من أولى التجارب تجربة للمؤلف المجرى ليست الذى استلهم لوحة فيلهلم فون كولباخ وحولها لعمل سيمفونى يدور حول معركة الهون التى وقعت فى القرن الخامس واللوحة تعبر عن احتدام المعركة وبسالة الجنود حتى أن أرواحهم تحارب، وهناك لوحة أخرى أثرت على أكثر من مؤلف موسيقى وهى هى لوحة «جزيرة الموتى» للفنان أرنولد بوكلين.
صور من معرض
ولعل واحد من أشهر المؤلفات الموسيقية التى لم تستلهم لوحة واحدة بل معرض كامل تتمثل فى عمل المؤلف الروسى الشهير موديست موسورسكى «صور من معرض».. حيث كان لموسورسكى صديق فنان تشكيلى هو فيكتور هارتمان، وقد بدأت صداقتهما قبل ثلاث سنوات من تأليف العمل، وكان يجمع بينهما أهداف مثالية واحدة من أجل رفعة الفن الروسى الأصيل إلا أن وفاة هارتمان المفاجئة سببت صدمة قاسية لموسورسكى، وعندما حضر موسورسكى المعرض الذى أقيم تأبينا لهارتمان وضم 400 لوحة أحس موسورسكى أن الأفكار الموسيقية تطارده كلما انتقل من لوحة إلى أخرى ففكر فى تأليف مقطوعة موسيقية كنوع من التأبين لصديقه، وربما لم يكن هارتمان فنانا مهما فى تاريخ الفن التشكيلى حيث فقدت معظم أعماله، إلا أنه بفضل مؤلفة موسورسكى كان المتلقى يبحث عن الأعمال واللوحات التى أثرت فى الأخير ليقدم موسيقى بتلك الروعة.
وقد كتب موسورسكى العمل أساسا للبيانو وفى عام 1922، أى بعد ما يقرب من خمسين عاما قام موريس رافيل وهو واحد من أبرز المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين بإعادة توزيع هذا العمل، وكأن موسورسكى رسم لوحة بديعة بالرصاص وقام رافيل بتلوينها فاختار لكل عنصر من اللوحة اللون الذى يناسبه بمعنى أنه اختار لكل فكرة لحنية الأصوات الآلية التى تبرزها وفى نفس الوقت تحافظ على أصالتها وبالرغم من أن رافيل ليس هو الوحيد الذى أعاد هذا العمل إلا أنه نسخته هى الأشهر والأجمل.
تمثال النزهة موسيقيا
وأعادت تجربة أتيليه المؤلف الموسيقى إحياء فكرة التأليف الموسيقى استلهاما من أعمال تشكيلية وهو ما حدث بأكثر من صورة كان من بينها مقطوعة «الحنين ينتظر شروقا» التى ألفها الفنان وائل سامى الخولى استلهاما من تمثال «النزهة» حيث يقول عن تلك التجربة: عندما حدثتنى د. نهلة مطر عن فكرة استلهام أعمال موسيقية من اللوحات والمجسمات فى متحف الفن المصرى الحديث تحمست جدا للفكرة وذهبت معها لزيارة المتحف، وقد تركت كثير من الأعمال أثرا قويا فى نفسى. وبعد الاتصال بالمشرفة الفنية للمتحف د.سمر يسرى وبناء على المعلومات الوافية التى أتاحتها لى عن الأعمال المختارة استقر رأيى على تمثال النزهة للفنان أحمد عثمان الذى بعد أن قرأت عنه زاد إعجابى وتقديرى لأعماله وسيرته الفنية. فإلى جانب إعجابى المسبق بالتمثال وانسيابية خطوطه والتقنية العالية فى تجسيده لجماليات السيدة المصرية فى زيها التقليدى، استوقفتنى هذه النظرة للأمام فى وجه السيدتين وأوحت لى برغبتهما فى استخبار المستقبل. فقد أوحى لى مشهد السيدتين فى الملاية اللف والقلة فى يد احداهما بتأثير الفلاش باك أو استرجاع الذكريات. وما بين النظر إلى الأمام واسترجاع الماضى كانت محاولتى لترجمة هذه النزهة فى هذه اللحظة الزمنية بين ماض ومستقبل، وكأن الفنان أحمد عثمان نقل لى حنينه إلى ماض عذب بكل ما فيه من جمال وأنس واستودعه فى حلم لنظرة مستقبلية أراد أن يبلغها على يد هاتين السيدتين العابرتين فى نزهة زمنية.
يضيف الفنان : حرصت على استخدام موسيقى مألوفة يستطيع المتلقى استساغتها ولكنى أحطتها بجو من غموض المجهول المستقبلى من خلال بعض المؤثرات الصوتية من الآلات المستخدمة فى صياغة العمل. وساعدتنى نهلة مطر على إيجاد الاسم flash back/forward اخترت للعمل الاسم العربى المناسب للعمل ووجدت فى عنوان «الحنين ينتظر شروقا» ما يعبر تماما عن رؤيتى للعمل لما للحنين من تواجد فى ذكرياتنا و ما يصبغه الشروق لمفهومنا بما هو آت.
وقد قام العازفون ببعض الحركات الناتجة بالضرورة عن استكشاف مؤثرات صوتية غير معتادة من آلاتهم وهذا يضفى بعدا مسرحيا للأداء. وبجانب البعد السمعى والمرئى أحببت أن أضيف بعد حاسة الشم لما لها من تأثير فى ارتباطنا بأماكن أو مواقف أو مقتنيات. و بالنسبة لى كانت رائحة الياسمين دائماً تعيد ذكريات الحى والشوارع أيام الطفولة وهى دائماً رائحة سلام وسعادة بالنسبة لي. إلا أن الياسمين وأشجاره شحت فى شوارع الحى وأضحت النزهة بدونه غير مؤنسة فما كان لى من بديل إلا المعطر الصناعى لإضفاء أجواء مشابهة لتصورى وأحلامى عن نزهة الماضى ومشاركتها مع المتلقي. فالنزهة بالنسبة لى هى كل هذه الأبعاد: الموسيقى المحببة آنذاك وأجواء الألفة ورائحة الياسمين و هى الحنين الذى ينتظر شروقا فى عوالم المستقبل المجهول.
وعن علاقته كموسيقى بالفن التشكيلى يقول وائل: بدأت علاقتى كمؤلف موسيقى بالفن التشكيلى منذ فترة الدراسة بأكاديمية الفنون بالقاهرة نظرا لارتباط المدارس الفنية بالموسيقى ومحاولات تبنى أفكارها وجمالياتها فى حركة التأليف الموسيقى من الكلاسيكية مرورا بالرومانتيكية والتعبيرية والتكعيبية إلى التجريدية والدادائية فى الموسيقى المعاصرة. وزاد اهتمامى بالفن التشكيلى الحديث خلال مرحلة إعدادى للماجستير الأول فى التأليف الموسيقى عام 2010 بجامعة برن للفنون حيث تناولت مؤلفات حفل التخرج للفنان فاسيللى كاندينسكى لوحة «دوائر فى دائرة» واستمر شغفى بالفن التشكيلى وبالأحرى كل ما يتعلق بالمرئى وكيفية تحويله إلى موسيقى مما دفعنى إلى دراسة المسرح الموسيقى الحديث ويعنى هذا المجال بكيفية تناول كل حركة أو نص أو صورة أو لوحة بشكل موسيقى وكذلك خلق بعد مسرحى أو مرئى للعمل الموسيقي. وحصلت على درجة الماجستير فى هذا التخصص من جامعة برن للفنون فى عام 2012.
البورصة فى باريس
أما الفنان عمرو الباز الذى قدم مقطوعتين إحداهما مقطوعة «البورصة فى باريس» عن لوحة مارجريت نخلة ومقطوعة «ثنائية الكلارنيت والبيانو» عن لوحة للفنان عصام معروف فيقول: لا يمكن فصل الموسيقى عن سائر الفنون الأخرى فالموسيقى جزء لا يتجزأ من السينما والمسرح حتى تكتمل الدائرة.
وربما لم تكن تلك تجربته الأولى فى تأليف مقطوعة موسيقية عن عمل آخر، فقد سبق له تأليف مقطوعة كبرومو لرواية الطواف للكاتب منتصر.. إضافة لذلك كانت رسالة الماجستير الخاصة به مرتبطة بالفن التشكيلى ومحورها المعالجة البروجرامية للوحة «جزيرة الموتى» .
أما فيما يتعلق بلوحتى مارجريت نخلة وعصام معروف فيقول الباز: حاولت أن أنقل فى مقطوعتى الأولى «البورصة فى باريس» ذلك الزحام والتكالب على الأموال، أما فى العمل الثانى لعصام معروف فلم أعبر عن العناصر وإنما تأملت اللوحة وحاولت أن أخلق لها زمنا مرتبطا بمجموعة اللقطات التى تصورت أنها تعكس التصوير المتتابع للوجوه .
وخلال احتفالية الختام تحدث أ.د أحمد الحناوى المؤلف الموسيقى قائلا: الموسيقى ترى والفن التشكيلى يسمع ، مضيفا أنه يمكنه أن يقضى ساعات طويلة أو يوما كاملا يتأمل عملا تشكيليا وأنه يستمع إلى كل تلك الأصوات النابعة منه مثل صوت بائع العرقسوس فى لوحة بنات بحرى مثلا. مضيفا أن هناك العديد من العناصر التى تجمع بين الفن التشكيلى والموسيقى ومنها الإيقاع والتلوين والهارموني. إلا أن هناك طرقا كثيرة معروفة لقراءة اللوحة التشكيلية بالنسبة للمتذوق ربما ليست شائعة للجمهور فيما يتعلق بالموسيقى ولذا هو يأمل أن تكون هناك مجموعة بحث لوضع تصور يمكن المتلقى تمييز عناصر الموسيقى وتذوقها وكيفية تقييم الموسيقى. ويقول الحناوي: الفنون سواء كانت منقولة بنظير فيزيقى صوتى أو ضوئى تنبع من الوجدان وتوقع شيئا فى الوجدان ..
وعن كيفية قراءة المقطوعة الموسيقية يقول : بالنظر فى تفاصيلها وما يقابله فى الفن التشكيلى أى لوحة فى الدنيا يمكن قراءتها قراءة عامة أو قراءة جزئية والموسيقى أيضا كذلك هناك الموضوع أو التيمة العامة، كذلك فإن عنصر الإيقاع هو عنصر مهم مشترك بين الفن التشكيلى والموسيقى وهو ما يترجم بأحجام الأجسام فى اللوحة والمسافات وتكرارها أو تفردها، أما فى الموسيقى فيقاس بالنسبة الزمنية بين كل نغمة وأخرى إضافة إلى الثقل الضغطى لكل نغمة..كذلك فإن هناك تلوينا فى الموسيقى أيضا وكما يعطى تغيير الألوان صدى مختلفا للعمل التشكيلي، فإن لحنا بسيطا يتغير وقعه حسب الآلة التى تعزفه وينقله إلى مناطق مختلفة فى الخيال .. فالخليط الصوتى بين الآلات يعطى نتائج مختلفة يتطلب خبرة كبيرة جدا من المؤلف الموسيقى قبل قيامه بتأليف مقطوعة وتوزيع الأصوات على الآلات .
الخروج من اللاوعى إلى الوعى
وعن تجربة ورشة تماس لوحة وموسيقى يقول الفنان هشام نوار: إن عددا من أعمالى يظل مرتبطا فى ذاكرتى بذات الأغنية أو المقطوعة الموسيقية التى استمعت إليها وقت تنفيذ العمل رغم عدم ارتباط الموضوع بينهما، مما يؤكد أن تلك المقطوعة كانت جزءا من تشكيل الحالة الوجدانية أثناء العملية الإبداعية، وربما هذه التجربة بالنسبة لى محاولة للخروج بهذه الحالة من منطقة اللاوعى إلى منطقة الوعى.
الفرشاة.. قائد موسيقى
و من جانبها أعربت الفنانة هبة صالح عن سعادتها بالتجربة قائلة: سعدت بتلك التجربة نظرا لانشغالى الدائم بتداخل الوسائط وأهمها الصوتية، وقد كان بداخلى أفكار للأداء وإطلاق العنان لقيادة فرشاتى للجزء الخفى مع أداء العازفين وأثارنى أن أكون فى مساحة لاشعورية للتعبير مع التقليل من أفكارى المسبقة ومخزونى البصرى كمدخل للتصور، وطلبت أن أترك لانفعالى والموسيقى قبلها ومن اللحظة الأولى شعرت إنى بحاجة لجدارية وأن أرسم بيدى تفاعلا مع الموسيقى، وعندما سمعت البروفة وأثارتنى حركة الآلات وإيقاعها وحركة العازفين، فقررت أن أحاول أن أمثل بفرشاتى حركة النغمة وإحساسى بها ذى صفاء ونعومة المقطوعة الأولى فاخترت اللون البنفسجى مع الأبيض وقد أثارنى أيضا صوت الكروان خارج الورشة وكأن وجدانى أصبح يسمع كل الأصوات فاخترت اللون الذهبى لتمثيل الكروان .. وأصبحت أكثر حرية باستخدام أيدى وأصابعى للتلوين لقوة النغمات وحرية الكلارنيت وحداثة المعزوفة وأصبحت لا أستطيع مقاومة الأداء باستخدام الجسد وتيقنت أننى كنت بحاجة مساحة ضخمة وأغمض وأترك الألوان تأخذنا أكثر حيث كنت أرى بداخلى حديقة وكأن العازفين ملائكة بآلات موسيقية وأنا أجرى خلفهم بفعل النغمات.
وتضيف هبة: كانت تجربة سحرية فأطلقت فى دقائق معدودة مخزونا من الصور والتداعيات لا حصر لها وأيقنت أن التماس أكبر مما كنت أتصور.
إن ما ذكرته هبة صالح يؤكد على تلك المساحات التى يمكن أن يجدها التشكيليون فى تجارب الأداء الممتزجة بالموسيقى، لا سيما عروض الأداء الحى والعكس صحيح ، وربما كانت هذه التجارب قد قطعت شوطا كبيرا فى الخارج ربما كنا بحاجة لدراستها جيدا والاستفادة من نتائجها فى تقديم عروض إبداعية جديدة على المشهد البصرى المصرى نحو مزيد من الإبداعات الموسيقية والتشكيلية الأصيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.