الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    حدث ليلا.. تل أبيب تشتعل واعتقالات بالجامعات الأمريكية وإصابة بن غفير    مصرع 76 شخصا وتشريد 17 ألف آخرين بسبب الفيضانات في كينيا    صحفي إنجليزي يكشف كواليس وأسباب أزمة مشادة محمد صلاح مع كلوب    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    طارق السيد: الزمالك سيتأهل إلى نهائي الكونفدرالية    موعد مباراة توتنهام وآرسنال اليوم في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    حالة الطقس اليوم الأحد على القاهرة والمحافظات    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أسعار الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات.. اليوم 28 أبريل    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    تتبع المنهج البريطاني.. ماذا قال وزير التعليم عن المدرسة الدولية؟    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    الفرح تحول إلى جنازة، لحظة انتشال سيارة زفاف عروسين بعد سقوطها بترعة دندرة (صور)    14 مليار دولار في طريقها إلى مصر بسبب رأس الحكمة    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    السفير الروسي: انضمام مصر للبريكس مهم جدا للمنظمة    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل عن 65 عاما    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الأحد 28 إبريل 2024 بالصاغة    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة فنية مثيرة في المتحف المصري للفن الحديث:محاكاة التشكيل لمؤلفات موسيقية
نشر في أخبار السيارات يوم 05 - 05 - 2018


جانب من الورشة
ربما كانت الفكرة جديدة علي كثير من الجمهور المصري الذي حضر الأمسية التي استضافها بهو المتحف المصري للفن الحديث تحت عنوان »ورشة.. تماس.. لوحة .. موسيقي»‬ والتي قام خلالها كل من الفنان هشام نوار والفنانة هبة صالح بالرسم الحر استلهاما من الموسيقي التي تعزف عزفا حيا بجوارهم، بهدف تسجيل انطباعاتهم اللونية المستوحاة من الإيقاع الموسيقي. وقد أقيمت الأمسية في إطار برنامج متكامل استضافه متحف الفن المصري للحديث بالتعاون مع أتيليه المؤلف الموسيقي في إطار احتفالية عن علاقة الموسيقي بالتشكيل.
تقول د.سمر يسري مسئولة النشاط الثقافي بالمتحف إن احتفالية علاقة الموسيقي بالفنون التشكيلية تضمنت الكثير من الفاعليات المتميزة ومنها محاضرة وورشة موسيقية للأطفال استلهموا من خلالها لوحات فنية من مقطوعات موسيقية وورشة لرسم الصوت .. »‬واستضاف المتحف محاضرة وريستال تحت عنوان »‬لوحات موسيقية»، وكذلك محاضرة تحت عنوان »‬صور من معرض» للدكتورة رشا طموم والتي تخللها عزف مقطوعات مستوحاة من أعمال تشكيلية ومنها مقطوعة »‬عروقي» للمؤلف الموسيقي الفنان كمال أحمد مصطفي عن لوحة إبراهيم الدسوقي، ومقطوعة »‬الحنين ينتظر شروقا» للفنان وائل سامي الخولي عن تمثال النزهة للفنان أحمد عثمان .. ومقطوعة »‬مطر الصباح للفنانة دينا تحاموقة من الأردن عن لوحة مكرم حندوقة .. كما ألف الفنان مروان علي فوزي مجموعة من الإسكتشات الصوتية عن لوحات الفنانين فاروق حسني وعصام معروف ومحمد رياض سعيد ومحمد القباني، وقدم عمرو أشرف الباز مقطوعة »‬البورصة في باريس» عن لوحة مارجريت نخلة، ومقطوعة »‬ثنائية الكلارنيت والبيانو» عن لوحة للفنان عصام معروف، وقدم الفنان »‬فراس نوح» مقطوعة »‬سخرية» عن لوحة جمال المرسي، وقدم رمز صبري »‬في معية محمود سعيد» حيث قام بالعزف مريم المملوك علي البيانو، ومحمد أحمد تشيلو، وعمرو إمام كلارينيت ووجدي الفوي عود ومحمد الزناتي باص كلارينت ورنا أكرم الحمبولي علي الفيولينه ومروان فوزي أكورديون ذلك إضافة إلي فاعلية الختام التي تضمنت محاضرة »‬الروابط الإبداعية بين الموسيقي والفن التشكيلي» التي قدمها د. أحمد الحناوي .. المؤلف الموسيقي وأستاذ آلة الفاجوط بأكاديمية، الفنون. »‬ورشة.. تماس.. لوحة .. موسيقي» قدم فيها كل من الفنانة هبة صالح والفنان هشام نوار محاكاة تشكيلية لمؤلفات موسيقية قدمها مؤلفو أتيلية المؤلف الموسيقي في عرض حي لجمهور الحفل لميس شمس بيانو، ومحمد أحمد علي تشيللو، وكريم حسام فيولينة، ويوسف علاء بيانو، حامد شداد كلارينيت
وعن الاحتفالية يقول الفنان طارق مأمون مدير متحف الفن الحديث إن احتفالية علاقة الموسيقي بالتشكيل بالتعاون مع أتيليه المؤلف الموسيقي تجربة من ضمن تجارب عديدة يستضيفها متحف الفن المصري الحديث وربما تأتي تلك التجارب المتنوعة في إطار تجديد دور المتحف، فنحن نتكلم لغة الإبداع الصافي والمتحف يتيح المساحة لذلك. فلم يعد المتحف في العالم يقتصر علي كونه مساحة لعرض الأعمال بل أصبح دوره الأهم في كونه مساحة تفاعلية ..مضيفا : أتمني أن نكون عنصرا محركا داخل المجتمع المصري وأن نعيد رسم شكل العلاقة بين مختلف أشكال الإبداع وتعليقا علي برنامج أتيليه المؤلف يقول مأمون : إن العلاقة بين التشكيل والموسيقي متداخلة للغاية ولا يمكن الفصل بينهما.
علاقة ممتدة
لطالما كانت علاقة الموسيقي بالتشكيل واحد من الموضوعات التي شغلت بال الباحثين والكتاب ففي بداية إحدي الدراسات التي نشرت بمجلة الفنون الأردنية تحت عنوان »‬المشهد الموسيقي في اللوحة التشكيلية» للباحثين نبيل الدّراس، ومحمد نصار، يذكر الباحثان أن مسألة العلاقة التفاعلية بين الفنون واحدة من القضايا الرئيسة في علم الجمال، ويضيفان أن المشهد الموسيقي في الموروث الفني العالمي من اللوحات التشكيلية قد احتل مكانة بارزة علي مر العصور، مما دعا إلي تسليط الضوء علي هذا المشهد كإطار يوضح »‬موسيقية» اللوحات التي لا تزال مفهوما جدليا في الأوساط الفنية النقدية.
وعن علاقة الموسيقي بالتشكيل تقول د. نهلة مطر أستاذ قسم النظريات والتأليف، بجامعة حلوان ومؤسس أتيليه المؤلف الموسيقي إن العلاقة ممتدة بين التشكيل والموسيقي، ولا يمكن الفصل بينهما، فدائما ما يتأثر الفن الموسيقي بالفن التشكيلي، خاصة فيما ورد إلينا من فنون الحضارة الأوروبية. فبعدما يتم إرساء جماليات جديدة في المعمار والفن التشكيلي، تأخذها الموسيقي لتهضمها وتنتج جماليات صوتية أخري. وفي أوائل القرن العشرين اجتمع مجموعة من المهتمين بالشأن الموسيقي في ايطاليا وأسسوا الحركة المستقبلية التي لاحظت أن الصناعة ودخول الماكينات أثر في الأجواء الصوتية المحيطة بالفرد مما أثر في طريقة معيشته، وأخذوا القرار بإدماج صوت الآلة أو الضجيج في المؤلفات الموسيقية.
وعندما تحول الفن البصري إلي فن مفاهيمي في الستينيات خاصة في أمريكا أثر ذلك علي بعض الاتجاهات الموسيقية والتي استعارت هذا. وظلت مشكلة واحدة أمام من يترجم السياق البصري إلي سمعي، هو أن الموسيقي فن يكشف عن نفسه عبر الزمن وليس المكان. فبدأ الاهتمام بالكتل الصوتية اللحظية وتباينها وطريقة الاستماع إليها في الفراغ الحاوي لها، مثل ما نختبره الآن في ال surrounding sound، لكن لم تعامل هذه الكتل الصوتية علي أنها مؤثرات صوتية وإنما كانت أحداث صوتية تعبر وتؤثر بشكل مجرد، وفي كثير من الأحيان وحدها دونما تداخل وسيط آخر وتتواصل مع جمهورها. وبظهور فن التجهيز البصري، ظهر فن التجهيز الصوتي، والذي يعني بتركيب أصوات في أماكن متناثرة لإحداث أو توصيل فكرة ما.
وربما تعتبر تلك المفاهيم جديدة نسبيا علي المجتمع المصري حيث تحاول الفنانة نهلة مطر تنظيم عدد من المشروعات التي يمكن من خلالها استكشاف جوانب جديدة من الموسيقي وتأثيرها علي الفنون الأخري وعلي الأفراد وكذلك تأثرها بالفنون الأخري من خلال مشروعات مبتكرة ومنها أتيليه المؤلف الموسيقي الذي وضع فئات مختلفة في تجربة مبتكرة مع الموسيقي ومنها معاينة عدد من الموسيقيين المصريين لأعمال الفنانين التشكيليين واستلهام أعمالهم منها، وكذلك اختبار الأصوات والموسيقي علي وجدان الأطفال وتأثيرها عليهم مع محاولة لتقريب المفاهيم وخلق قنوات حوار جديدة بين ألوان الفنون بعضها البعض وبين المتلقى.. وربما لم يكن أتيليه المؤلف الموسيقى هو التجربة الأولى فى هذا الصدد حيث تقول د. نهلة : ربما لم تكن المرة الأولى التى نقوم فيها بمشروع يجمع بين التشكيل والموسيقى فى مصر بحيث تكون الموسيقى بطلا أساسيا. فقد سبق أن قمنا بتنظيم معرض «المدينة الشبح» القائم على تجهيز صوتى تم وضعه فى خمس قاعات بمركز سعد زغلول، ثلاثة منها رئيسية واثنتان فرعيتان. وهى بمثابة رحلة صوتية روحانية لأصوات مسجلة ومعدلة إلكترونيا خاصة بمدينة القاهرة وملامحها الصوتية من ماء .. عصافير.. صيادين.. ترانيم الأذان.. أصوات كلكسات السيارات.. وأصوات جماهير ميدان التحرير أعقاب ثورة 25 يناير. وكان أهم جزء هو ما يسميه أصحاب التجهيز: النفق/ حيث تم بناء طريق ضيق يمر فيه الجمهور معلق على الحائطين الجانبيين صورا من القاهرة، ويستمع خلالها إلى مؤلفة موسيقية من تأليفى مدتها 40 دقيقة وتصدر عن ثمانى سماعات موضوعة بعناية للدخول فى جو التجهيز.. وينتهى التجهيز بغرفة قدس الأقداس، وفيها جهاز كمبيوتر وسماعات رأس، ويتفاعل المتلقى معها باختيار الإنصات إلى قاهرة أحد المؤلفين الأربعة المشتركين أو أكثر، وهى مؤلفات صغيرة من الأصوات التى تم تسجيلها لكن بمعالجة شخصية لكل مؤلف ما عن التسمية، فهناك طيف للقاهرة الساحرة يمتد بنا إلى مصر القديمة وعندما نمشى فى طرقاتها نعى تلك الطبقات التاريخية، علنا نصل إلى قدس أقداس المعبد.
وقد تم تغطية جدران الغرف بنسيج أبيض وعليه إضاءة زرقاء، وتم عرض الصوت من خلال سماعات صغيرة بجهاز MP3، فى الغرف الأولى. وفيه غرفة النفق تم استخدام نظام صوتى متطور لعرض ثمانية تراكات صوتية فى آن واحد حتى تكون التجربة الصوتية قيمة ومؤثرة وجدانيا واكتشف الجمهور أن الدخول الجماعى لا يمنحهم فرصة الاستمتاع والدخول فى عمق التجربة وأصبح كل فرد يعاود الزيارة والرحلة فرادا واكتشف كل واحد أن الرحلة كل مرة وما يسمعه فى كل المراحل (ماعدا قدس الأقداس) يختلف حسب وقت دخوله وأحيانا كثيرة كانو يرجعون إلى بداية الرحلة أو يجلسون وقتا أطول فى مكان أو قاعة أكثر من الأخرى.
تجربة ملهمة جدا
ومن جانبها تذكر الناقدة الموسيقية أ. د. رشا طموم، مقررة لجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للثقافة، أن تجربة تأليف أعمال موسيقية تستلهم لوحات من متحف الفن الحديث تجربة ملهمة جدا، فمن الممتع أن نستمع إلى عمل هو عبارة عن ترجمة مؤلف موسيقى لرسالة وصلته من فنان تشكيلى .. لذا تعتبر ريسيتال «لوحات موسيقية» تجربة مهمة جمعت ما بين اثنين من أجمل الفنون وهما الفن البصرى الذى يهتم بالتعبير المكانى والفن السمعى الذى يهتم بالتعبير الزمانى .
وتضيف طموم لكن تلك التجربة لها أبعاد تاريخية فحين نتحدث عن ارتباط الموسيقى بالفن التشكيلى هناك ثلاثة زوايا مهمة أولها تتعلق بأن الفن هو مرآة للعصر، أى أن الظروف والأحداث التى يمر بها أى عصر تنعكس على كل الفنون، وقد يظهر التأثير متأخر قليلا فى أحد الفنون لكن الغالب أن تجتمع فنون العصر على جماليات فنية واحدة تقريبا وإن اختلفت الأدوات ، لأن المبدع يتأثر بكل ما حوله وينعكس ذلك فى أى عمل فنى سواء تشكيل أو موسيقى أو أدب .. فمثلا بالنظر إلى عصر الباروك الذى امتد من القرن 17 وبدايات ال 18 نجد أن شكل المعمار الذى يتميز بالإبهار والزخارف انعكس على اللوحات بكل تلك التفاصيل وزخارفه وبالتالى الرنين الصوتى للموسيقى كان كذلك..
أما الزاوية الأخرى فى علاقة التشكيل بالموسيقى فترتبط بفترة زمنية بدأت من النصف الثانى من القرن ال 19 عندما ظهرت مذاهب بعينها فى الفن التشكيلى تركت تأثيرا موازيا فى الموسيقى، مثل الانطباعية التى ظهرت عندما رسم كلود مونيه لوحة انطباع شروق الشمس، بعدها تبنى مجموعة من المصورين نفس الفكرة، وقد تأثر الموسيقيون واستخدموا أدواتهم فى ألوان الصوت والألحان الغائمة والنسيج الضبابى لتحقيق نفس الأُثر وهناك مذاهب أخرى موازية لكن أشهرها الانطباعية .
الزاوية الثالثة تتمثل فى الاستلهام المتبادل بمعنى أن تكون اللوحة مصدر الهام للعمل الموسيقى أو العكس فقد سبق أن تكرر الموضوع أكثر من مرة فى الاتجاهين فى كثير من دول العالم ومن بينها مصر .. فعلى سبيل المثال حين نتحدث عن لوحات استلهمت عمل موسيقى نجد مثلا لوحة «سيمفونية» للفنان مويتز فون شفيند استلهمها من أحد أعمال بيتهوفن.. ومن اللوحات التى تأثرت بعمل موسيقى لوحة لكاندينسكى الفنان التعبيرى الشهير التى رسمها بعد حضوره لحفل لأعمال هو شونبرج المؤلف الموسيقى النمساوي. كذلك نجد الكثير من الأمثلة فى الاتجاه المعاكس والمعنى بتأثر الموسيقيين بلوحات الفن التشكيلى، الذى اتضح فى القرن 19 عندما ظهر اتجاه بأن تكون الموسيقى وسيلة للتعبير عن شيء خارجها كقصة مثلا، ثم بدأ المؤلفون الموسيقيون يفكرون فى استلهام اللوحات وكان من أولى التجارب تجربة للمؤلف المجرى ليست الذى استلهم لوحة فيلهلم فون كولباخ وحولها لعمل سيمفونى يدور حول معركة الهون التى وقعت فى القرن الخامس واللوحة تعبر عن احتدام المعركة وبسالة الجنود حتى أن أرواحهم تحارب، وهناك لوحة أخرى أثرت على أكثر من مؤلف موسيقى وهى هى لوحة «جزيرة الموتى» للفنان أرنولد بوكلين.
صور من معرض
ولعل واحد من أشهر المؤلفات الموسيقية التى لم تستلهم لوحة واحدة بل معرض كامل تتمثل فى عمل المؤلف الروسى الشهير موديست موسورسكى «صور من معرض».. حيث كان لموسورسكى صديق فنان تشكيلى هو فيكتور هارتمان، وقد بدأت صداقتهما قبل ثلاث سنوات من تأليف العمل، وكان يجمع بينهما أهداف مثالية واحدة من أجل رفعة الفن الروسى الأصيل إلا أن وفاة هارتمان المفاجئة سببت صدمة قاسية لموسورسكى، وعندما حضر موسورسكى المعرض الذى أقيم تأبينا لهارتمان وضم 400 لوحة أحس موسورسكى أن الأفكار الموسيقية تطارده كلما انتقل من لوحة إلى أخرى ففكر فى تأليف مقطوعة موسيقية كنوع من التأبين لصديقه، وربما لم يكن هارتمان فنانا مهما فى تاريخ الفن التشكيلى حيث فقدت معظم أعماله، إلا أنه بفضل مؤلفة موسورسكى كان المتلقى يبحث عن الأعمال واللوحات التى أثرت فى الأخير ليقدم موسيقى بتلك الروعة.
وقد كتب موسورسكى العمل أساسا للبيانو وفى عام 1922، أى بعد ما يقرب من خمسين عاما قام موريس رافيل وهو واحد من أبرز المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين بإعادة توزيع هذا العمل، وكأن موسورسكى رسم لوحة بديعة بالرصاص وقام رافيل بتلوينها فاختار لكل عنصر من اللوحة اللون الذى يناسبه بمعنى أنه اختار لكل فكرة لحنية الأصوات الآلية التى تبرزها وفى نفس الوقت تحافظ على أصالتها وبالرغم من أن رافيل ليس هو الوحيد الذى أعاد هذا العمل إلا أنه نسخته هى الأشهر والأجمل.
تمثال النزهة موسيقيا
وأعادت تجربة أتيليه المؤلف الموسيقى إحياء فكرة التأليف الموسيقى استلهاما من أعمال تشكيلية وهو ما حدث بأكثر من صورة كان من بينها مقطوعة «الحنين ينتظر شروقا» التى ألفها الفنان وائل سامى الخولى استلهاما من تمثال «النزهة» حيث يقول عن تلك التجربة: عندما حدثتنى د. نهلة مطر عن فكرة استلهام أعمال موسيقية من اللوحات والمجسمات فى متحف الفن المصرى الحديث تحمست جدا للفكرة وذهبت معها لزيارة المتحف، وقد تركت كثير من الأعمال أثرا قويا فى نفسى. وبعد الاتصال بالمشرفة الفنية للمتحف د.سمر يسرى وبناء على المعلومات الوافية التى أتاحتها لى عن الأعمال المختارة استقر رأيى على تمثال النزهة للفنان أحمد عثمان الذى بعد أن قرأت عنه زاد إعجابى وتقديرى لأعماله وسيرته الفنية. فإلى جانب إعجابى المسبق بالتمثال وانسيابية خطوطه والتقنية العالية فى تجسيده لجماليات السيدة المصرية فى زيها التقليدى، استوقفتنى هذه النظرة للأمام فى وجه السيدتين وأوحت لى برغبتهما فى استخبار المستقبل. فقد أوحى لى مشهد السيدتين فى الملاية اللف والقلة فى يد احداهما بتأثير الفلاش باك أو استرجاع الذكريات. وما بين النظر إلى الأمام واسترجاع الماضى كانت محاولتى لترجمة هذه النزهة فى هذه اللحظة الزمنية بين ماض ومستقبل، وكأن الفنان أحمد عثمان نقل لى حنينه إلى ماض عذب بكل ما فيه من جمال وأنس واستودعه فى حلم لنظرة مستقبلية أراد أن يبلغها على يد هاتين السيدتين العابرتين فى نزهة زمنية.
يضيف الفنان : حرصت على استخدام موسيقى مألوفة يستطيع المتلقى استساغتها ولكنى أحطتها بجو من غموض المجهول المستقبلى من خلال بعض المؤثرات الصوتية من الآلات المستخدمة فى صياغة العمل. وساعدتنى نهلة مطر على إيجاد الاسم flash back/forward اخترت للعمل الاسم العربى المناسب للعمل ووجدت فى عنوان «الحنين ينتظر شروقا» ما يعبر تماما عن رؤيتى للعمل لما للحنين من تواجد فى ذكرياتنا و ما يصبغه الشروق لمفهومنا بما هو آت.
وقد قام العازفون ببعض الحركات الناتجة بالضرورة عن استكشاف مؤثرات صوتية غير معتادة من آلاتهم وهذا يضفى بعدا مسرحيا للأداء. وبجانب البعد السمعى والمرئى أحببت أن أضيف بعد حاسة الشم لما لها من تأثير فى ارتباطنا بأماكن أو مواقف أو مقتنيات. و بالنسبة لى كانت رائحة الياسمين دائماً تعيد ذكريات الحى والشوارع أيام الطفولة وهى دائماً رائحة سلام وسعادة بالنسبة لي. إلا أن الياسمين وأشجاره شحت فى شوارع الحى وأضحت النزهة بدونه غير مؤنسة فما كان لى من بديل إلا المعطر الصناعى لإضفاء أجواء مشابهة لتصورى وأحلامى عن نزهة الماضى ومشاركتها مع المتلقي. فالنزهة بالنسبة لى هى كل هذه الأبعاد: الموسيقى المحببة آنذاك وأجواء الألفة ورائحة الياسمين و هى الحنين الذى ينتظر شروقا فى عوالم المستقبل المجهول.
وعن علاقته كموسيقى بالفن التشكيلى يقول وائل: بدأت علاقتى كمؤلف موسيقى بالفن التشكيلى منذ فترة الدراسة بأكاديمية الفنون بالقاهرة نظرا لارتباط المدارس الفنية بالموسيقى ومحاولات تبنى أفكارها وجمالياتها فى حركة التأليف الموسيقى من الكلاسيكية مرورا بالرومانتيكية والتعبيرية والتكعيبية إلى التجريدية والدادائية فى الموسيقى المعاصرة. وزاد اهتمامى بالفن التشكيلى الحديث خلال مرحلة إعدادى للماجستير الأول فى التأليف الموسيقى عام 2010 بجامعة برن للفنون حيث تناولت مؤلفات حفل التخرج للفنان فاسيللى كاندينسكى لوحة «دوائر فى دائرة» واستمر شغفى بالفن التشكيلى وبالأحرى كل ما يتعلق بالمرئى وكيفية تحويله إلى موسيقى مما دفعنى إلى دراسة المسرح الموسيقى الحديث ويعنى هذا المجال بكيفية تناول كل حركة أو نص أو صورة أو لوحة بشكل موسيقى وكذلك خلق بعد مسرحى أو مرئى للعمل الموسيقي. وحصلت على درجة الماجستير فى هذا التخصص من جامعة برن للفنون فى عام 2012.
البورصة فى باريس
أما الفنان عمرو الباز الذى قدم مقطوعتين إحداهما مقطوعة «البورصة فى باريس» عن لوحة مارجريت نخلة ومقطوعة «ثنائية الكلارنيت والبيانو» عن لوحة للفنان عصام معروف فيقول: لا يمكن فصل الموسيقى عن سائر الفنون الأخرى فالموسيقى جزء لا يتجزأ من السينما والمسرح حتى تكتمل الدائرة.
وربما لم تكن تلك تجربته الأولى فى تأليف مقطوعة موسيقية عن عمل آخر، فقد سبق له تأليف مقطوعة كبرومو لرواية الطواف للكاتب منتصر.. إضافة لذلك كانت رسالة الماجستير الخاصة به مرتبطة بالفن التشكيلى ومحورها المعالجة البروجرامية للوحة «جزيرة الموتى» .
أما فيما يتعلق بلوحتى مارجريت نخلة وعصام معروف فيقول الباز: حاولت أن أنقل فى مقطوعتى الأولى «البورصة فى باريس» ذلك الزحام والتكالب على الأموال، أما فى العمل الثانى لعصام معروف فلم أعبر عن العناصر وإنما تأملت اللوحة وحاولت أن أخلق لها زمنا مرتبطا بمجموعة اللقطات التى تصورت أنها تعكس التصوير المتتابع للوجوه .
وخلال احتفالية الختام تحدث أ.د أحمد الحناوى المؤلف الموسيقى قائلا: الموسيقى ترى والفن التشكيلى يسمع ، مضيفا أنه يمكنه أن يقضى ساعات طويلة أو يوما كاملا يتأمل عملا تشكيليا وأنه يستمع إلى كل تلك الأصوات النابعة منه مثل صوت بائع العرقسوس فى لوحة بنات بحرى مثلا. مضيفا أن هناك العديد من العناصر التى تجمع بين الفن التشكيلى والموسيقى ومنها الإيقاع والتلوين والهارموني. إلا أن هناك طرقا كثيرة معروفة لقراءة اللوحة التشكيلية بالنسبة للمتذوق ربما ليست شائعة للجمهور فيما يتعلق بالموسيقى ولذا هو يأمل أن تكون هناك مجموعة بحث لوضع تصور يمكن المتلقى تمييز عناصر الموسيقى وتذوقها وكيفية تقييم الموسيقى. ويقول الحناوي: الفنون سواء كانت منقولة بنظير فيزيقى صوتى أو ضوئى تنبع من الوجدان وتوقع شيئا فى الوجدان ..
وعن كيفية قراءة المقطوعة الموسيقية يقول : بالنظر فى تفاصيلها وما يقابله فى الفن التشكيلى أى لوحة فى الدنيا يمكن قراءتها قراءة عامة أو قراءة جزئية والموسيقى أيضا كذلك هناك الموضوع أو التيمة العامة، كذلك فإن عنصر الإيقاع هو عنصر مهم مشترك بين الفن التشكيلى والموسيقى وهو ما يترجم بأحجام الأجسام فى اللوحة والمسافات وتكرارها أو تفردها، أما فى الموسيقى فيقاس بالنسبة الزمنية بين كل نغمة وأخرى إضافة إلى الثقل الضغطى لكل نغمة..كذلك فإن هناك تلوينا فى الموسيقى أيضا وكما يعطى تغيير الألوان صدى مختلفا للعمل التشكيلي، فإن لحنا بسيطا يتغير وقعه حسب الآلة التى تعزفه وينقله إلى مناطق مختلفة فى الخيال .. فالخليط الصوتى بين الآلات يعطى نتائج مختلفة يتطلب خبرة كبيرة جدا من المؤلف الموسيقى قبل قيامه بتأليف مقطوعة وتوزيع الأصوات على الآلات .
الخروج من اللاوعى إلى الوعى
وعن تجربة ورشة تماس لوحة وموسيقى يقول الفنان هشام نوار: إن عددا من أعمالى يظل مرتبطا فى ذاكرتى بذات الأغنية أو المقطوعة الموسيقية التى استمعت إليها وقت تنفيذ العمل رغم عدم ارتباط الموضوع بينهما، مما يؤكد أن تلك المقطوعة كانت جزءا من تشكيل الحالة الوجدانية أثناء العملية الإبداعية، وربما هذه التجربة بالنسبة لى محاولة للخروج بهذه الحالة من منطقة اللاوعى إلى منطقة الوعى.
الفرشاة.. قائد موسيقى
و من جانبها أعربت الفنانة هبة صالح عن سعادتها بالتجربة قائلة: سعدت بتلك التجربة نظرا لانشغالى الدائم بتداخل الوسائط وأهمها الصوتية، وقد كان بداخلى أفكار للأداء وإطلاق العنان لقيادة فرشاتى للجزء الخفى مع أداء العازفين وأثارنى أن أكون فى مساحة لاشعورية للتعبير مع التقليل من أفكارى المسبقة ومخزونى البصرى كمدخل للتصور، وطلبت أن أترك لانفعالى والموسيقى قبلها ومن اللحظة الأولى شعرت إنى بحاجة لجدارية وأن أرسم بيدى تفاعلا مع الموسيقى، وعندما سمعت البروفة وأثارتنى حركة الآلات وإيقاعها وحركة العازفين، فقررت أن أحاول أن أمثل بفرشاتى حركة النغمة وإحساسى بها ذى صفاء ونعومة المقطوعة الأولى فاخترت اللون البنفسجى مع الأبيض وقد أثارنى أيضا صوت الكروان خارج الورشة وكأن وجدانى أصبح يسمع كل الأصوات فاخترت اللون الذهبى لتمثيل الكروان .. وأصبحت أكثر حرية باستخدام أيدى وأصابعى للتلوين لقوة النغمات وحرية الكلارنيت وحداثة المعزوفة وأصبحت لا أستطيع مقاومة الأداء باستخدام الجسد وتيقنت أننى كنت بحاجة مساحة ضخمة وأغمض وأترك الألوان تأخذنا أكثر حيث كنت أرى بداخلى حديقة وكأن العازفين ملائكة بآلات موسيقية وأنا أجرى خلفهم بفعل النغمات.
وتضيف هبة: كانت تجربة سحرية فأطلقت فى دقائق معدودة مخزونا من الصور والتداعيات لا حصر لها وأيقنت أن التماس أكبر مما كنت أتصور.
إن ما ذكرته هبة صالح يؤكد على تلك المساحات التى يمكن أن يجدها التشكيليون فى تجارب الأداء الممتزجة بالموسيقى، لا سيما عروض الأداء الحى والعكس صحيح ، وربما كانت هذه التجارب قد قطعت شوطا كبيرا فى الخارج ربما كنا بحاجة لدراستها جيدا والاستفادة من نتائجها فى تقديم عروض إبداعية جديدة على المشهد البصرى المصرى نحو مزيد من الإبداعات الموسيقية والتشكيلية الأصيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.