اهتمت الصحف السويسرية في الأيام الأخيرة بمتابعة النقاشات الدائرة حول الضربة العسكرية التي قد تُوجّهها الولاياتالمتحدة أو مجموعة من الدول الغربية إلى نظام بشار الأسد في أعقاب الهجوم الذي استخدمت فيه القوات التابعة له يوم السبت 7 أبريل 2018 غازات سامة ضد المدنيين في الغوطة الشرقية. وأجمعت تلك الصحف أنه أيا كانت طبيعة الرد فإنه لن ُينهي الأزمة في ظل غياب إستراتيجية شاملة لمعالجة الملف السوري. "فتش عن التوقيت" بداية كتب بيير هويمان لصحيفة "بازلر تسايتونج" : "يتوقع المراقبون أن يكون رد الفعل الأمريكي على الهجوم الكيماوي قويا، ولكن السؤال ليس حول احتمال شن الرئيس الأمريكي هجوما من عدمه، بل حول توقيته، فحاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" انطلقت بالفعل باتجاه البحر المتوسط، وفي الوقت نفسه يقوم إستراتيجيون أمريكيون بإعداد قائمة بالأهداف المحتملة في سوريا، ومن المتوقع أن تقدم إسرائيل الدعم اللازم. في هذه الأثناء تتواصل الاستعدادات على الجانب الآخر، بعد إعلان ترامب عن رد انتقامي في سوريا، ما أعطى الطرف الآخر في الصراع فرصة للتحضير للضربة العسكرية، فبدورها قامت روسيا بسحب جميع السفن الحربية من ميناء طرطوس على البحر المتوسط، أما الجيش السوري فنقل كل سلاحه الجوي إلى قاعدة عسكرية روسية، انطلاقا من أن ترامب لن يجرؤ على مهاجمة المنشآت الروسية في سوريا". "الرسائل المتضاربة لواشنطن في سوريا" أما أندرياس روش، فقد كتب فى صحيفة "نويه تسورخر تسايتونج" عن الرسائل المتضاربة لواشنطن في سوريا، فبعد مرور عام على الهجوم الكيماوي في خان شيخون، يأتى هجوم "دوما" التى تبعد 20 كيلومترا فقط من قصر الرئيس السوري بشار الأسد، حيث لقي العشرات حتفهم جراء غاز الكلور، فى تلك المدينة الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة. فقبل عام أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن ضربة جوية على قاعدة عسكرية سورية ردا على مذبحة خان شيخون، ورغم الانتقادات، فقد استطاعت هذه الضربة وقف هجمات غاز السارين، لكن هذه الضربة العسكرية اليتيمة، لا تجدي نفعا في ظل غياب إستراتيجية مدروسة وسط تخبط متواصل، خاصة مع إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من الشمال الشرقي، ليس هذا فقط بل طالب الجهات المعنية بالصراع بدفع فاتورة الاستمرار في هذا الحرب، وكأن ما يجري في سوريا لا يعنيه. "عودة الشرطى الأمريكى ..أفعال وليست تغريدات" وإلى صحيفة "صحيفة لاند بوته" حيث كتب باول أنتون كروجر بلسان مستشارى ترامب قائلا:"زاد عدد الأصوات في واشنطن المطالبة بالقيام برد فعل على ما يجري في سوريا، مشيرا إلى أن "العالم يراقب ترامب، الذى لديه الآن فرصة للتصرف بشكل مختلف عن سلفه باراك أوباما وبعث رسالة بأن الشرطي الأمريكي عاد من جديد. لكن المشكلة أن أمريكا لم تعد ولن تعود، حسب وجهة نظر ترامب، الذي أعلن الخروج من سوريا قريبا جدا، حيث سعى ترامب إلى سحب كل القوات الأمريكية من سوريا والبالغ عددها حوالي 2000 عسكري، ولولا تدخل مستشاريه لكان القرار اتخذ بالفعل، رغم ذلك فإن الإشارة كانت واضحة بما فيه الكفاية، أي إجراء عسكري آخر منعزل ليس كافياً، ما نحتاجه هو إستراتيجية شاملة لسوريا، وخطة لما تريد الولاياتالمتحدة تحقيقه سياسياً ودبلوماسياً في سوريا. الإشارات المتضاربة تثير حيرة أكثر ومع ترامب أصبح الارتباك أكبر، لا أحد يعرف أولويات الأجندة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن المصالح الأمريكية أصبحت تتمثل في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما صرح روبرت ريتشر، الذي كان يرأس مركز العمليات السرية لوكالة الإستخبارات المركزية". "رغم الدعم.. هناك توترات قوية بين بشار وبوتين" وفي حوار أجري معه فى صحيفة "لا ليبرتي"، اعتبر الخبير العسكري بيار سيرفان أنه "يُمكن للولايات المتحدة وللبلدان الغربية قصف سوريا"، وذلك بالرغم من التعقيد الشديد الذي يتسم به الوضع في سوريا بالنسبة لهذه الدول. وأشار إلى أن الغربيين "يجدون أنفسهم اليوم في نفس الوضع الذي كانوا عليه في عام 2013 عند حدوث أول هجوم بالسلاح الكيميائي في سوريا بنفس المنطقة، أي في ضواحي دمشق"، لكنه استدرك قائلا: "مع الفارق المتمثل في أن الروس لم يكونوا متواجدين حينها، ولا داعش أيضا". وقال بيار سيرفان، وهو كاتب وصحفي أيضا أن "الغازات السامة سلاح دمار شامل تم نبذه من طرف الأمم، كما أن تأثيره مُرعب، فإذا تم السماح بذلك للنظام دون أي رد فعل، فإننا نتجه بسرعة إلى أن يُصبح الأمر مألوفا" وأعرب الخبير العسكري عن اعتقاده بأن الأمريكيين والفرنسيين لن يظلوا مكتوفي الأيدي هذه المرة لكن لفت إلى أن "الصعوبة تتمثل في عدم الدخول في حرب ضد نظام دمشق، فالحرب في سوريا تُخاض ضد داعش، كما يتعلق الأمر برد الفعل باسم المجموعة الدولية، والضربة العسكرية إذا ما وقعت هذه المرة فأنها ستبعث برسالة تقول لحلفاء بشار من الروس والإيرانيين: "يكفي هذا ! أمسكوا بلجام حليفكم الأسد لأن هذا اللجوء المتكرر لاستخدام الغاز غير مقبول". وبحسب بيار سيرفان فأن الرئيس بوتين بدأ يشعر - حسبما يبدو- ببعض الحرج من تصرفات بشار، وأكد أن الروس يُريدون التوصل إلى اتفاق سياسي يُعيد الاستقرار إلى البلد ويُعزز موقعهم، كما ذكر أن كتابه الذي يصدر الأسبوع المقبل بعنوان "50 ظلالا للحرب" عن دار نشر فرنسية يُؤكد على "وجود توترات قوية بين بشار وبوتين، إذ ليس بإمكان الرئيس الروسي التخلي عن الزعيم السوري لكن توجد توترات: فالأسد يتصرف بمنطق إطلاقي لأنه يُريد استعادة كامل الأراضي دون تقديم أي تنازل، وهو ما سيُؤدي إلى ترك البلد في حالة دائمة من حرب العصابات والإرهاب، وهو ما يُثير انزعاج الروس".