نسبه ومولده هو سيد ( في الرقم القومي السيد ) بن أحمد بن إبراهيم بن عبد المجيد . ومن هنا انقطع نسبه ولا نعرف له جداً أبعد من عبد المجيد هذا . أمه هي فتحية ( ويقال شربات ) بنت إسماعيل بن حنفي السقا . في اللحظة التي دخل فيها صدام حسين الكويت خرج سيد من رحم أمه فتحية . الذين حضروا تلك اللحظة اختلفوا اختلافا كبيرا بخصوص بقعة الأرض التي لامستها رأس السيد فور اندفاعه من رحم أمه ، بعضهم يقول " الدويقة " وفريق يقول " شبرا " وثالث يقول " الدرب الأحمر " وهناك بعض آراء تنسبه إلي أرض الإسكندرية وأخري تنسبه إلي الصعيد . سنسكت عن هذا التضارب لعلمنا بأن الجهل بمسقط الرأس لا يضر كما أن العلم به لا ينفع . لا يفوتنا أن نسجل قبل الانتقال إلي فصل جديد أن السيد هو وحيد أبويه ، أحمد الذي يعمل مبيض محارة وأمه فتحية التي لا يعرف لها عمل سوي " الحكي مع الجارات" وتربية البط في حيز صنعته بقطع الصاج أمام باب الغرفة التي هي كل مسكن الأسرة، وإن كان أهل زمانها يشهدون بحرصها وهي التي لا تفك الخط علي الحاق السيد بالمدارس . طفولته والأصل في لقبه في ظرف تاريخي بالغ التعقيد والغموض انتقلت أسرة السيد من مسقط رأسه ( الذي لا نعرفه علي وجه اليقين ) إلي الإقامة في حجرة أعلي سطح عمارة بشارع رمسيس . ليس عسيرا عليك تخيل السطح بغرفه الضيقة وحمامه المشترك وضجيجه وتناقضات ساكنيه ومشاجراتهم وأفراحهم القليلة. وسط هذا العالم العجيب قضي سيد طفولته ، ملعبه السطح وحارات الأزبكية المجاورة وشوارع كلوت بك الضيقة المتعرجة . أما عن لقب " صومال " الذي التصق به فأصبح أشهر من اسمه فقد وصل إلينا ما قالته عطيات بائعة الترمس عن صابر العجلاتي عن زوجته أم أشرف وهي صديقة أم السيد أن سيدا مذ كان في اللفة وهو لا يحب من جنس الفاكهة سوي " الموز الصومالي " وما إن عرفت قدماه المشي حتي أمتدت يداه إلي فرش عاطف الفكهاني ولم يكن يسرق من بين أنواع الفاكهة سوي أصبع أو أصبعين من الموز، ومن هنا جاء اللقب . ولكن لأن التاريخ أمانة فإن الأستاذ شحاتة محمود المحامي الشاب ( غرفته لصق غرفة أسرة السيد ) قال في معرض تبرير لقب السيد : " حالة أسرة سيد المادية كانت الضنك بعينه والولد في طفولته الباكرة كان شديد السمرة إضافة إلي نحافة تلفت النظر ومن هنا أطلق عليه زملاء الدراسة لقب صومال وهذا شغب مصري سخيف ومعروف ". وسواء صح هذا السبب أو ذاك فقد أصبح السيد يعرف باسم سيد صومال منذ كان في الصف الثالث الابتدائي . بالجملة ليس في طفولة سيد ما يثير الاهتمام اللهم إلا شروده الدائم حتي ليظنه الرائي من الذين يتعاطون الكيوف والحشيشة . علمه وأساتذته عرف السيد العلم والتعليم أول ماعرف في مدرسة " أم عباس " الإبتدائية المشتركة ، لم يكن هناك كثير ود يربطه بالمدرسة ، وكثيرا ما سمع الجيران السيد وهو يسب أم عباس التي أبتلته بمدرستها ، تلقي السيد العلم علي يد جماعة من الذين أطلق هو عليهم وصف " الرمم " فيما بعد سيتوسع السيد في استخدام هذا الوصف فيطلقه علي كل الكاذبين والمنافقين وغليظي الطبع وعلي كل أصحاب الأصوات الصاخبة وعلي كل الذين يضربون الناس بلا سبب . قال لي بعض مجايليه :" كان سيد صومال غبيا لا يفهم وشديد النسيان لا يحفظ ، وشديد الفقر لا يتعاطي الدروس الخصوصية ، وتلك الخصال الثلاث جعلت الأساتذة يصبون عصيهم علي جسده النحيف ، كان سيد يعاقب لأتفه سبب وكثيرا ما عوقب لغير سبب، وهو من ناحيته لم يكن يستسلم للعقاب فقد كان مثل الجمل يخزّن غضبه ثم ينفجر في ساعة يحددها هو ولذا فقد كمن مرة وهو في الابتدائي لأستاذ الحساب وقذفه بحجر أسال دمه وكذا فعل مع مدرس الإنجليزية في الإعدادية ، أما مدرسة الجغرافيا أبلة فاتن فقد أقسم أنه سيقذفها بقرطاس من الشطة السودانية وقد أبر بقسمه ". السر في شروده بعد حصوله علي الإعدادية التحق السيد بالمدرسة الثانوية الصناعية ، هناك لم يتعلم شيئا سوي شيء واحد فقط ، لقد عرف هو بنفسه دون مساعدة من أحد سر شروده . داخل جدران المدرسة الكالحة تذكر السيد أنه أمضي عمره يتأمل الآلات ، كل الآلات ، من الغسالة البرميل إلي أحدث أنواع الهواتف المحمولة . كانت تتملكة رغبة عارمة في معرفة كينونة الآلة ، كيف تعمل ومتي يصيبها العطب وكيف يتم اصلاحها ؟. يكون السيد مستلقيا علي الكنبة التي ينام عليها ولكنه يستطيع إخبار الذين من حوله بماركة السيارة التي تمر بالخارج فهذه فيات وتلك مرسيدس أما الثالثة فهي بيجو. أما الموتوسيكل أو " المكنة " فكان عشقه الضارب في جذور قلبه . تجرأ يوما وهو في سنوات دراسته وقدم نفسه للأسطي محمد مصطفي صاحب ورشة تصليح الموتوسيكلات في " غمرة ". قال للأسطي بكثير من الثقة :" أنا أعرف منزلتي لست الولد بلية صبي الميكانيكي ولست المهندس الذي تجلب له المقعد وفنجان القهوة . سأعمل بأجر رمزي ولكن أحذر من التعامل العنيف معي ، لا أكره شيئا أكثر من كراهيتي شتم أمي ،أما لو فكر أحدهم في ضربي فأنا أرد الصاع صاعين ". بعد قليل سيكتشف الأسطي أن الولد سيد بسم الله الرحمن الرحيم من الجن . كان السيد يفك الموتوسيكل جزءا جزءا ، يكوم الأجزاء أمامه ثم وهو شارد شروده الأزلي تبدأ يداه في العمل ، لا يمضي اليوم إلا وقد عاد الموتوسيكل الميت إلي الحياة .من أجل أمه فقط جمع سيد بين دراسته والعمل في الورشة حتي حصل علي الشهادة وعلي موتوسيكل ألفه من بواقي الموتوسيكلات المعطوبة. حياته الخاصة عندما هاجمت علامات البلوغ جسد السيد لم يلق لها بالا ، هو يعرف ما فيها ، شعر هنا وهناك وصوت خشن وعلبة سجائر مالبورو أحمر سيتقاسمها مع أبيه . اعترف مرة بأن الأمر شهد بعض التعقدات . فجاة وبدون سابق إنذار أكتشف السيد أن " صفية " ( غرفة أسرتها الرابعة علي يمين السلم ) تمتلك جسدا قويا ولينا ومتناسقا يشبه الموتوسكيل الجاوا . شاهدها منحنية تكنس البقعة المتربة دائما التي أمام غرفة أسرتها فضربها برقة علي رد فيها ، وعندما اعتدلت مفزوعة قرص نهدها الأيسر. شلت المفاجأة جسد صفية ولكنها لم تصرخ وتساقطت دموعها سريعا وقالت له :" برضه كدا ، أخص عليك دا انا زي أختك ". ليلتها حزن السيد جدا وأقسم أنه لن يفعلها ثانية ، لكنه فعلها ثانية وعاشرة وفي كل مرة كانت صفية تبكي وكان هو يحزن إلي أن كفت عن البكاء وكف عن الحزن وأصبح مألوفا أن يحتضنها . دينه وتقواه لا يتأخر السيد عن صلاة الجمعة أبدا ، ويداوم علي صوم رمضان ، قد يصلي أوقات متفرقة حسب ظروف نفسيته ، لا يعرف عن الدين سوي شخص النبي محمد ، يتخيله رجلا طويلا قمحاوي اللون له أسنان بيضاء نظيفه وكف لين ناعم ورائحة ذكية . إذا ذكر أحدهم شيئا عن النبي خرج سيد من شروده وقال بيقينه التام :" النبي ماعمروش ضرب حد أو حتي شخط في حد ، النبي كان حنين". وطنه يعرف السيد أن مصر هي وطنه وان اسم شهرتها هو " أم الدنيا " لكنه في قرارة نفسه لا يعرف عنها سوي أنها البلد الذي يصلح فيه الموتوسيكلات . عشقه وغرامه كانت صفية المرشحة الأولي بل والوحيدة لأن تكون عشق السيد وغرامه ، خاصة بعد ان انتشرت بين الجارات أخبار الأحضان التي بينها وبينه ، بل أن صفية ذاتها بدأت تتعامل معه بوصفه زوجها القادم أو علي الأقل خطيبها المرتقب . من ناحيته كان لا يعلق إلا بجملة واحدة : »أهو كلام«. الحقيقة كما تأكدت منها أن تعليق السيد الذي يبدو مستهترا كان يستر به وجود قصتيّ غرام قيدتا روحه فلم تعرف الانطلاق سوي في مداراتهما . لن نلتفت إلي غرامه بالموتوسيكلات فهذا أمر فرغنا من ذكره . القصة الثانية تربطه بالممثلة الشهيرة »هندصبري«. يذكر السيد التاريخ جيدا لأنه كتبه بقطعة فحم علي جدار غرفة أسرته، ليل الخميس الموافق 18 أغسطس 2008 ،كان الجو خانقا وكانت أمه قد أخرجت التليفزيون إلي مكان فارغ بين الحجرات ، كانت تجلس مع الجارات يحكين ويشاهدن فيلم " ملك وكتابة " ألقي السيد عليهن السلام وجلس بالقرب منهن في تلك اللحظة التي كانت هند صبري تجلس علي شاطئ البحر مع محمود حميدة وتغني له عابثة »حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه« لا أمه ولا الجارات عرفن ذلك الشيء الذي تنزل علي روحه كأنه النفحات الإلهية التي يسمع عنها، كانت هند تغني وكان نسيم البحر يبعثر شعرها وكانت أسنانها العلوية بارزة ناصعة البياض نظيفة وكان الجاكت الجينز يضم جسدها في حنان ، لحظتها وقع السيد في غرامها ، غرام عاقل ليس فيه من جنون العشق شيء، فهو لم يقم مثلا بوضع صورها علي حيطان غرفته ولم يسع مرة إلي دار سينما تعرض فيلما من أفلامها ، بل لم يكن حريصا علي تتبع مسلسلاتها ، كان يدرك تماما من هي ومن هو، لقد اكتفي بأنه أحبها وانتهي الأمر ، فقط كان يشاغبه حلم مجنون . كان يحلم بأن تركب خلفه موتوسيكل جاوا تحتضن بيديها خاصرته وتضم ظهره في حنان ، ينطلق بهما الموتوسيكل علي كورنيش المعادي ويكون الزمن شتاءا وتغني له ، له وحده »حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه« عضويته في كفاية إذا سألت السيد عن السياسة والسياسيين فسيردعليك: "دول عالم رمم ". إذن ما الذي قذف بالسيد في بحور السياسة ؟ إنها الأستاذة " ريم عبد الوهاب " المحامية . كانت ريم تتظاهر مع أصحابها وصاحباتها أعضاء حركة " كفاية " اعتراضا علي شيء لا يعرف السيد ما هو ، كانت التظاهرة كالعادة فوق سلم نقابة الصحفيين وكان السيد يتجول في شارع شامبليون باحثا عن قطعة غيار لموتوسيكل يخص زبون من زبائن الورشة ، بعد شرائه لقطعة الغيار سار باتجاه شارع عبد الخالق ثروت لكي يقطعه وصولا إلي محطة مترو جمال عبد الناصر لكي يستقل المترو عائدا إلي الورشة في غمرة ، أمام النقابة توقف مبهوتا ، كان أحد ضباط الشرطة يسحل " ريم " لماذا تعلقت عيناه بها دون غيرها من المسحولات والمسحولين ؟ السيد لا يعرف سوي إجابة واحدة " القسمة والنصيب " . دون تفكير في العواقب اندفع السيد ليخلص ريم من بين يديّ الضابط ، ناله ما ناله من الضرب والشتم لكنه خلصها وقادها عبر شوارع متعرجة يعرف هو جغرافيتها جيدا لتجد نفسها جالسة بجواره علي دكة أسمنتية في أول كورنيش المعادي . سطح النيل رصاصي باهت ونسمة تداعب الموج وريم تحكي لسيد عن " الرمم " الذين سحلوها و " الرمم " الذين يسخرون منها بينما هي تحلم لهم بمستقبل أفضل . حكت ريم في اندفاعة غير محسوبة عن حركة كفاية وبداية تأسيسها ودروها في اسقاط حاجز الخوف . لم يعلق السيد سوي بجملة بسيطة :»أنا مبحبش حد يضرب حد أو يهين حد«. كفاحه ونضاله العجيب أن ريم بنت الشريحة العليا في الطبقة المتوسطة قد تأثرت بجملة السيد بل تاثرت جدا بتكوينه كله ، أما السيد فلم تكن المقابلة مع ريم تمثل له حدثا استثنائيا، هو لم يصنع شيئا خارقا ، كل ما في الأمر أنه أنقذ مظلومة . عندما كانت ريم تدعوه للمشاركة في مظاهرة كان يشارك وإذا كلفته بتوزيع منشور كان يوزعه وإذا طالبته بترديد هتاف معين في مظاهرة معينة كان يلبي طلبها . كانت ريم مفتونة بهذا الذي يقتحم المخاطر بذات السهولة التي يدخن بها سيجارة المالبورو الحمراء . السيد لم يكن يشاركها ذات النظرة ونفس الفهم ، هو ضد الرمم وهذا كل ما في الأمر . قالت له ريم ذات مظاهرة جمعتهما :" يوما ما يا سيد سننتصر وسيذهب حسني مبارك وأولاده وأعوانه إلي مزبلة التاريخ ، يومها يا سيد سينعم الرمم الذين يسخرون منا الآن بحياة أجمل بفضل كفاحك ونضالك ، سيذهبون يا سيد إلي الانتخابات التي لن تزور ولن يذكر أحد أنك الذي جلبت له تلك النعمة ، ستقفز رواتبهم ولن يذكرك أحد، ستتحسن مدارس أولادهم ولحظتها سينسونك ، أنت يا سيد تبني الآن مستقبل الوطن ". ضحك السيد لأنه لم يفهم كلمة من خطبة ريم وعقب عليها قائلا :»ربنا يسهل«. بصقة واحدة موتوسيكل السيد الذي ألفه من بواقي الموتوسيكلات لم يخذله أبدا ، كان دائما يربت علي الموتوسيكل قائلا :" مكنة أصيلة ". تلك المكنة الأصيلة حملت جثامين شهداء شارع محمد محمود وأنقذت أرواح مئات المصابين . انتهت المعارك وأصبح السيد أحد أشهر قائدي الموتوسيكلات المنقذة . من ناحيته كان دائما يرجع الفضل إلي الله ثم لأصالة المكنة التي ما إن يلمس دواسة وقودها حتي تنبت لها أجنحة وتطير حاملة المصابين والشهداء . لم يصب السيد بخدش واحد في كل معارك الثورة المصرية التي شارك فيها منذ يوم الثلاثاء الخامس والعشرون من يناير. عندما اندلعت معارك مجلس الوزراء ذهب السيد بمكنته ليشارك في حمل جثامين الشهداء وانقاذ المصابين . مر اليوم الأول كما مرت أيام من قبله ، وكذا مر اليوم الثاني ضحي اليوم الثالث كانت المعارك حاسمة ، سمع السيد ضابطا يقول للثوار :" أنتم أو نحن ". جملة الضابط جعلت الثوار في حالة جنونية ، أما السيد فلم يهتم ، هو يعرف عمله جيدا ولا يدع شيئا يفسده ، عندما كان يحمل جثمان الشهيد الثاني من شهداء اليوم الثالث ، قطع عليه الطريق نفس الضابط صاحب الجملة الجنونية ، صرخ في وجه السيد :" ألم أقتلك من زمن مضي ؟". لم يستوعب سيد صومال سؤال الضابط وضغط علي دواسة الوقود فضغط الضابط علي زناد المسدس، زاد سيد صومال من سرعة المكنة ،أطلق الضابط رصاصة واحدة اخترقت مؤخرة رأس السيد الذي تمكن قبل سقوطه من أن يبصق بصقة واحدة باتجاه الضابط .