هل تعاود أسعار السيارات الارتفاع في الصيف مع زيادة الطلب؟ عضو الشعبة يجيب    ب«الزي الرسمي»... أحمد الشرع والشيباني يستعرضان مهاراتهما في كرة السلة (فيديو)    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بعد الارتفاع القياسي بجميع الأعيرة    هل هناك بنزين مغشوش.. وزارة البترول توضح    بعد هبوطه في 6 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 6-5-2025    مدينة الورد، تفاصيل أضخم مشروع في العراق بعقول مصرية، وساويرس: شيء لم ير من قبل بالمنطقة العربية    وسائل إعلام: ترامب لا يشارك في الجهود لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس    السودان يطلب مساعدة السعودية للسيطرة على حريق مستودعات وقود بورتسودان    غارات إسرائيلية تستهدف سلسلة جبال لبنان الشرقية وبلدة طيرحرفا في جنوب لبنان    الحوثيون: ارتفاع ضحايا قصف مصنع بغربي اليمن إلى قتيلين و 42 جريحا    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    رونالدو يتصدر تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد في الدوري السعودي    السيطرة على حريق شب داخل محل نجف بمصر الجديدة    «شغلوا الكشافات».. تحذير من الأرصاد بشأن حالة الطقس الآن (تفاصيل)    إحالة مرتضى منصور للمحاكمة بتهمة سب وقذف خالد يوسف وزوجته شاليمار شربتلي    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصفين الأول والثاني الإعدادي بالجيزة    رفضته ووصفته ب"المجنون"، محمد عشوب يكشف عن مشروع زواج بين أحمد زكي ووردة فيديو)    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    تطيل العمر وتقلل الوفيات، أخبار سارة لعشاق القهوة وهذه عدد الأكواب اليومية لزيادة تأثيرها    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    ضبط مبلط بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في المنيا بعد استدراجه بمنزل مهجور    الأزهر ينفي ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيله بتشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    الزمالك يستكمل اجتماع حسم مصير بيسيرو عصر اليوم    ترامب: لست متأكدا مما يرغب رئيس وزراء كندا في مناقشته خلال اجتماع البيت الابيض    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مصرع طالب إثر انقلاب دراجة بخارية بقنا    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلويّون من الشيخ الى الجنرال الى الدكتور..
نشر في المصريون يوم 28 - 04 - 2011

إذا كان ارتباط العلويين، كغيرهم، بسلطة الشيخ، في حس انتماء واحتماء تاريخيين، لهما سياقهما المعروف، فإن بروز شخصية الجنرال كوارث إيديولوجي لسلطة الشيخ عليهم، أخذت منحى جوهريا متصاعدا أبدلت السماوي بالأرضي، والمقدس بالمدنس والإلهي بالبشري. هذا سهّل عليهم قبول العزم السلطوي بأكثر قدراته بطشاً وسيطرة واحتكارا لوجودهم. فقد بات الجنرال هو الحامل الفيزيائي لقوة الشيخ وهو المعبّر غير المباشر عن الصلاحيات المفتوحة واللامنظورة لرجل الدين.
عندما كان العلوي يرزح تحت سلطة الجنرال، كان يمرر عباءة الشيخ فوق البزة العسكرية. والنجوم والنسور التي تعطي للكتفين صفة ودرجة الجنرال هي ذاتها البرزخ الذي يعبره المريد ليحقق الكفاءة الأعلى والدرجة السامية. ظن العلوي بأن أمن الجنرال استمرارٌ لأمن الشيخ، وأن عباءة الأخير تم حل خيوطها ونسج البزة الدالة للجنرال. عندما كان الضابط العلوي يتعامل بقسوة مفرطة مع العساكر في خدمتهم الإلزامية فيندر أن يثور واحد منهم أو يرد أو يدافع عن نفسه. فالجنرال المتوّج بالنجوم والنسور يمتزج بالشيخ حامل العصا طويل الذقن أو قصيرها. رزح العلوي التائه قرابة نصف قرن تحت مزيج الكلاشنكوف وقدس الأقداس. وشتائم الجنرال هي هي نصائح الشيخ وحكمته.
ضوابط الخدمة العسكرية وأدبياتها تتقاطع، في الصميم، مع آليات التأديب الديني عند العلوي التائه. فالجنرال سلطة يجب السمع والطاعة لها. والشيخ كذلك. وللجنرال درجة والشيخ كذلك. الجنرال محروس بعقيدة الجيش والدفاع عن الوطن، والشيخ محروس بقوة المقدس التي منحته مهمة التأديب السماوي. تحية للجنرال مثلها تقبيل يد الشيخ. نفذ ثم اعترض في الجيش هي هي لا تجادل في صميم المقدس. هكذا أصبح الجنرال سلطتين وقوتين ومستويين يتحرك بينهما العلوي التائه.
أصبح أداء الجنرال أسوة حسنة، وفي أي شيء يفعله. حتى عندما في بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان الجنرال يخبئ تحت البزة العسكرية علب المالبورو وزجاجات البلاك ليبل من لبنان الى سورية عبر الخط العسكري، كان أسوة للمساكين التائهين الذين لايجدون مايأكلونه سوى ورق الجريدة الرسمية. وكان هذا الجنرال يحوّل علب المالبورو وزجاجات الويسكي المهربة من لبنان الى أوراق نقدية يشتري فيها بيتا أو قصرا أو فيلا، حسب درجته وتصنيفه، كان العلوي التائه ينظر الى الشنرال ( نتفق على الدمج في كلمة واحدة مابين اسم الشيخ واسم الجنرال: شنرال) نظرة إعجاب وإكبار كأسوة وكنموذج. وكان الشنرال يسكن القصر والعلوي التائه يحرسه، يحرسه فقط.
ولأن العلوي التائه قد تم تذويبه كقطعة قصدير في علبة معدّة لحراسة عباءة الجنرال وبزة الشيخ (العكس مقصود طبعاً) فقد نجح في فهم نفسه حارسا للمقدس المسلَّح، بات سرّيا وغامضا وكتوما، وهو مايتقاطع، أيضا وأيضا، مع التقية القادمة من أدبيات الشيخ (!) تحول بفعل مزيج التقية المقدسة والكتمان السياسي الى وعي معزول عن محيطه، لايعرف إلا موعد استيقاظ الجنرال من النوم وموعد ركوبه السيارة أو موعد ذهابه الى لبنان.
الشيخ، أيام الجبال، يُنادى ب "السيد". والجنرال، ايام المدينة، يُنادى ب "السيد". هناك سيدي. وهنا سيدي. هناك تقبيل اليد وهنا التحية العسكرية. إذن، كل شيء متاح لأن يدخل العلوي التائه في مدينة التذويب الإرادي للشخصية. أخذ السيد مالبورو لبنان وإسمنت سورية وسيارات قيادة الأركان. بينما العلوي التائه يزداد كتماناً وغموضا وتفككاً وجوعاً. ولأن الشنرال ضمن لعبة المزج مابين العباءة والبزة، فإن إصبع العلوي التائه لم تتزحزح لحظة واحدة عن الزناد. كل شيء جاهز لإطلاق النار.
يعود العلوي التائه الى القرية: ذقن طويلة على طريقة الميليشيا المسلحة وليس على طريقة الجيش النظامي. كان يرى في ذقن باسل الأسد، الابن الراحل للرئيس الراحل حافظ الأسد، أول من أسس للشنرالية (نذكّر بمزج الجنرال بالشيخ) كان أيضا يرى في ذقن باسل تذكيرا باطنيا بذقن الشيخ، فأصبحت عادة لدى العلوي التائه من نهاية الثمانينات في القرن الماضي أن يتم تطويل ذقن العسكري المميّز (المدعوم). كل ذقن طويلة لعسكري تعني أنه يتمكن من تهريب المالبورو من لبنان الى سوريا، وتعني أنه مفوّض بصلاحيات مفتوحة.
اكتملت عناصر المزج بين الجنرال والشيخ من السلطة الى الرتبة الى الذقن، والأجواء معدة تقريبا للدخول الى منطقة الحظر. فهناك أجزاء لم تكتمل بعد لإتمام عملية التطابق. فبعد هذا الابتلاع الجنرالي للشيخ، يجب أن يأتي الشنرال حاملا لصفات القداسة والتجسيد. لايمكن أن يتم النموذج بدون أن يحمل الشنرال الصفة الصوفية للتجسد، ذلك الذي له حساسية خاصة عند العلوي التائه الذي صُمِّم لتقبّل التجسد كطريقة مثلى للإيمان بالمقدس. وأي تجسّد أكمل من تجسد قوة المطلق في شخص الشنرال!
هنا، أصبح الشنرال، وفي شكل رسمي، تجسداً إلهيا يفهمه العلوي التائه جيدا. و لهذا لازالت أدبيات التحدث عن الشنرال المؤسس حافظ الأسد تتحدث عنه بصفته خالداً، ويُقال عنه حرفيا: الرئيس الخالد! وعلى الرغم مما لدى هذه الصفة المقدسة من حساسية مفرطة عند السُّنّي، كونها تعطي إسم الله للمخلوق، فإن العلوي التائه لم يرف له جفن باستخدامها. ذلك أن اسم الخلود الإلهي الممنوح للمخلوق الأسد، هو نفسه آلية التجسيد الديني في محفوظات العلوي التائه.
رغم أن منح إسم الخلود يكفي لإتمام عملية المزج الجنرالي الشيخي، ويمنحها اكتمالا مذهبيا صافيا، إلا أن الأمر لا يزال يحتاج الى حجر واحد لتتم عملية البناء: الغياب. قوة الغائب تأكيد على مطلق الحاضر، أو من كان حاضرا بالأمس. فصور الشنرال المؤسس الأب لاتزال الى جانب الشنرال الابن، وفي هذا دلالة الى زمن الغيبة وقوة حضور اللامرئيين. مع تعليق صورة الشنرال المؤسس اكتملت كل عناصر تذويب العلوي التائه وتحوله الى قصدير مذهبي تم تذويبه بعناية فائقة.
من الشنرال الى الدكتور
بعد اكتمال عناصر التأديب الإلهي ومنح صفة التجسد على الشنرال المؤسس، لم يعد من الممكن قبول التجسد بصفته فعلا عسكريا صافيا أو وحيدا. فلهذا جاء الوارث مضافا اليه صفة حساسة أيضا عند العلوي التائه وهي الطبيب أو الحكمة وتحديدا طبابة العين التي ترتبط رأسيا بمؤسس المذهب أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي، فقد كان الآخر طبيبا وحقق اشتهارا بسبب هذه المهنة حتى إنه أقنع ملك الديلم بالانضمام الى مذهبه كونه شفاه وخلصه من مرضه. لهذا جمع له كتاباً سمّاها "الرأسباشية" تيمنا باسم ملك الديلم راسباش. ويعرف هذا الكتاب عند العلوي التائه باسم "مصحف التوحيد".
مع الشنرال الطبيب اكتملت حكاية العلوي التائه. يستطيع أن يرويها لنفسه ولأبنائه. ويستطيع من خلالها أن يذوّب قصدير الذات. ف "الشركال" (مزيج ثلاثي للشيخ والجنرال والدكتور) يتمتع الآن بصلاحيات الخالد نفسه ويمارسها بحرية وشفافية مطلقة. الشنرال المؤسس خسف بحماه وحلب في ثمانينيات القرن الماضي، والشركال الإبن يخسف الآن في درعا واللاذقية ودمشق وادلب. وفي الحالين كان العلوي التائه يبحث عن فرصة لتقبيل يد الشيخ وتحية الجنرال وتعظيم الطبيب. لم تخرج مظاهرة علوية الى الآن تبرؤا من الشركال، فالشركال هو الخصيبي وهو الجنرال وهو الشيخ. لاقوة اجتماعية مذهبية في العالم يمكن لها أن تقاوم هذه المقدسات المجتمعة في عائلة الأسد من الشنرال الى الشركال. الشركاليون يجوبون سوريا الآن بحثا عن أعداء معبد الأسد، سيدمرون معابد الشمس ومعابد اخناتون انتصارا لمعابد القرداحة. والسّنّي الذي يُقتَل الآن في درعا وجبلة ودمشق هو عدو المعبد وخصم للشركالية وهو خطر على التجسد المتسلسل من الشيخ الى الجنرال الى الدكتور. لم تخرج مظاهرة علوية الى الآن تبرؤا من آل الأسد. والسبب واضح ببساطة: العلوي التائه يقيم في الكلاشنكوف وينظر الى زجاجات الويسكي المهربة من لبنان على أنها الهبة الإلهية التي كافأتِ السيد، كافأت الشيخ، كافأتِ الجنرال، منحت التجسد الإلهي للشركال. لايعرف العلوي التائه أن كل قطرة دم تسقط في درعا ستحوّل زجاجات الويسكي المهربة من لبنان الى علب دم بريء لن يبرئه أحدٌ منه. لا يعرف العلوي التائه الآن أن الشركال والشنرال سيذهبان في إجازة مفتوحة، بينما سيبقى هو وحده ينظر الى حذاء السيد كأفق لانهائي للقصدير الذائب.
لن يأتي الشركال ليدافع عنه، لايدافع سيدٌ عن عبده في اية ثقافة. وسيصحو العلوي التائه بعد تجرعه لكل زجاجات الويسكي على حقيقة ستدمّر له الهيكل الذي أسسه منذ نصف قرن: سيرى ممنوح القداسة عاجزاً، والمتجسّدَ رخواً، ومطق الصلاحية قزما يفتش عن مغارة في تلك الجبال التي لطالما حرست آخرين قبله. سيرى الشركال وحيدا ضعيفا جبانا قد يضحي بكل مريديه ليبقى هو على قيد الحياة.
•كاتب وصحافي سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.