القاضي أحمد بنداري: بيان الرئيس السيسي يؤكد استقلال الهيئة الوطنية للانتخابات    بنك مصر والمجلس القومي للمرأة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الشمول المالي    مصر تستعد لبدء تشغيل المنظومة الجديدة للتأشيرة السياحية في المطارات    "الرئاسة الفلسطينية": الإدارة الأمريكية مطالَبة بجدية أكبر لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات    رسميا.. تعافي تريزيجيه من الإصابة    مصرع طفل صدمته سيارة في قنا    مساعد وزير الخارجية يشيد ببرامج الاتحاد الأفريقي لإعادة إعمار الدول الخارجة من النزاعات    «الدلتا التكنولوجية» أفضل جامعة صديقة للبيئة    ساديو ماني يكشف كواليس خلافه مع محمد صلاح ويؤكد: منذ ذلك اليوم أصبحنا أقرب    شيخ الأزهر يهنئ السلطان هيثم بن طارق والشعب العماني باليوم الوطني    دموع الإيمان تهز القلوب، الشرقية تكرم عبد الله رغم عدم فوزه في "دولة التلاوة" (صور)    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يكرم مخرجى الألفية الثالثة.. تفاصيل    سانوفي تطلق دواء "ساركليزا" في مصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما المتعددة أملًا جديدًا في العلاج    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار في بنك الخرطوم المركزي (آخر تحديث)    في اليوم العالمي للطفل، تعلمي طرق دعم ثقة طفلك بنفسه    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    يونيفيل: استقرار هش على طول الخط الأزرق ونسير دوريات مع الجيش اللبناني    فقرة بدنية في مران الزمالك قبل مواجهة زيسكو    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    الشيخ رمضان عبد المعز: العمل الصالح هو قرين الإيمان وبرهان صدقه    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    مستشفى الناس تحتفل بتدشين أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط وتعلن تحولها لمدينة طبية    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    وزير الرياضة: نمتلك 55 محترفاً في دوري كرة السلة الأمريكي NBA    ارتفاع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 20 نوفمبر 2025    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    من زيورخ إلى المكسيك.. ملحق مونديال 2026 على الأبواب    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    حل الأحزاب السياسية في مصر.. نظرة تاريخية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    والده ل في الجول: أشرف داري لا يفكر في الرحيل عن الأهلي    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    سبورت بيلد: صلاح هو المشكلة الأكبر أمام تألق فيرتز في ليفربول    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    د. شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية فى حوار ل«روزاليوسف»: الضبعة توفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا والمحطة تنتقل إلى أهم مرحلة فى تاريخها    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاء الديب في وقفة جديدة:الرواية توقفت عند نجيب محفوظ
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 12 - 2011

البساطة والصدق الجارح في الحياة والكتابة هما أبرز ما يميز علاء الديب صاحب (زهر الليمون ) أحد أعذب الروايات في الأدب العربي.. فيتحدث عن الطاولة الصغيرة التي تتوسط حجرة مكتبه: "لم أغيرها منذ أربعين عاما، ولا أستطيع الكتابة بعيدا عنها"... تماما كما يحمل نفسه مسئولية نكسة 67، فقد كان عضوا في التنظيم الطليعي، ومبشرا بالأحلام الكبري التي وعدت بها الثورة، ولكنه يستيقظ فجأة ليجد الأحلام الكبري تناثرت مع الرياح، وتهشمت مثل الزجاج. يحكي في كتابه (وقفة قبل المنحدر): سألني شاب عزيز يصدق كلماتي ويتأمل فيها: "ماذا فعلت في 67 وماذا فعلت بك؟ قلت دون تدبر: قتلتني ومن يومها وأنا ميت.. لم أعش يوما حقيقيا كاملاً". لم يستطع علاء أن يتجاوز الهزيمة أو الهروب منها حتي الآن، بل حمل نفسه مسئوليتها حيث دخل في سلسلة تحولات في فترة شبابه الباكر (إخوان مسلمين ثم تنظيمات يسارية...)..ولكنه وجد نفسه في " قلب النظام" كما يقول: "كنت أعمل بالصحافة وهي كما أوهمونا في ذلك الوقت: الكتيبة الأولي ثم دخلت التنظيم الطليعي. وهذا ما ضخم بالنسبة لي حجم المأساة..لذلك كنت احمل نفسي مسئولية الهزيمة كاملة". وربما لهذا السبب تدور كل رواياته حول هذه اللحظة وتأثيراتها المستمرة حتي الآن: " لم أستطع ان اتجاوز تلك الهزيمة لأنني كنت مصدقا للأحلام الكبري التي بشرونا بها قبل النكسة". هل ثورة 25 يناير .. بمثابة إعادة الروح لعلاء الديب؟
الكتابة الجديدة لم تضف شيئا أصيلا ، هناك نجاحات فردية، ولكن لا يوجد إنجاز حقيقي أصيل
كان لديّ إحساس قوي بأن النظام سيسقط..
لكنني لم أكن أتصور قدرة الشباب علي إيقاظ
روح خلتها ذبلت
-1-
لم تكن 1952، سنة الثورة فحسب. هي السنة التي نال فيها علاء الديب الحق في الخروج من بيته... وحده. صار عمره ثلاثة عشر عاماً. في جيبه «أبونيه» للمترو، وقروش قليلة، وأحلام تسع الكون، ومسؤولية كبيرة: تغيير العالم. لم تكن تلك مسؤولية نظرية، بل ممارسة يعيشها كل لحظة، لكن «ما أقصر ذلك الوقت» يقول. سرعان ما تبدلت الفصول، وتحطمت الأحلام، وهزمت الثورة.
لقد رأي علاء الديب. اقترب بقدر لا يجعله بريئاً. اعتبر نفسه مذنباً، ومشاركاً في الخطأ، لكنّه مثل بطل روايته «زهر الليمون» لم يرتدّ، لم ينكسر، ولم يتعامل مع أجهزة الأمن مخبرا. انزوي علي نفسه، حاملاً في داخله قدرة علي الحلم بالتغيير، ورغبة في حبّ كبير يهدم الفواصل بين الناس. عندما اكتملت هزيمة الثورة بهزيمة يونيو 67، خطّ اعترافه القاسي في كتاب «وقفة قبل المنحدر - من أوراق مثقف مصري». «سألني شاب عزيز يصدّق كلماتي ويتأمل فيها: «ماذا فعلت في 67 وماذا فعلت بك؟ قلت من دون تدبر: قتلتني ومن يومها أنا ميت». لم يستطع صاحب «المسافر الأبدي» تجاوز الهزيمة. كان يسأل نفسه دائماً: «كيف صدّقت هذا الوهم؟» وكانت لديه إجابة «ميلودرامية» يبرّر بها كلّ الضياع الذي عاشه بعد النكسة: «إنّني متّ».
هل يمكننا اعتبار «ثورة 25 يناير» بمثابة »عودة الروح«؟ يضيف: »بعد النكسة، تخيّلتُ أن مصر دخلت «غرفة العناية المركّزة»، وهو عنوان رواية لعز الدين شكري، تتضمن مسحاً شاملاً وجريئاً لأوضاع مصر قبل الثورة«.
لقد رأي علاء الديب. اقترب بقدر لا يجعله بريئاً. اعتبر نفسه مذنباً، ومشاركاً في الخطأ، لكنّه مثل بطل روايته »زهر الليمون« لم يرتدّ، لم ينكسر، ولم يتعامل مع أجهزة الأمن مخبرا. انزوي علي نفسه، حاملاً في داخله قدرة علي الحلم بالتغيير، ورغبة في حبّ كبير يهدم الفواصل بين الناس. عندما اكتملت هزيمة الثورة بهزيمة يونيو 67، خطّ اعترافه القاسي في كتاب «وقفة قبل المنحدر - من أوراق مثقف مصري«. «سألني شاب عزيز يصدّق كلماتي ويتأمل فيها: «ماذا فعلت في 67 وماذا فعلت بك؟ قلت من دون تدبر: قتلتني ومن يومها أنا ميت«. لم يستطع صاحب » المسافر الأبدي « هذا الوهم؟« وكانت لديه إجابة «ميلودرامية« يبرّر بها كلّ الضياع الذي عاشه بعد النكسة: «إنّني متّ«.
هل يمكننا اعتبار » ثورة 25 يناير« بمثابة «عودة الروح«؟
يقول «بعد النكسة، تخيّلتُ أن مصر دخلت «غرفة العناية المركّزة«، وهو عنوان رواية لعز الدين شكري، تتضمن مسحاً شاملاً وجريئاً لأوضاع مصر قبل الثورة«.
يوضح: »كان لديّ إحساس قوي أن النظام سيسقط. لكنني لم أكن أتصور قدرة الشباب علي إيقاظ روح خلتها ذبلت وماتت«. حالته الصحية منعته من النزول إلي «ميدان التحرير«، لكنّه كان يتابع ما يحدث باستمرار، من خلال ولديه، وشاشات التلفزيون... يوم «جمعة الغضب« (28 يناير) أدرك وهو يشهد قمع قوات الأمن للثوار علي كوبري قصر النيل، أنّ ذلك مشهد تاريخي. «هي الثورة إذاً«، قال يومها. «كانت لحظة خالدة غير مسبوقة ولا قابلة للكسر والانهزام، كان الكل متفّقاً علي هدف واحد: إسقاط هذا النظام الفاسد«. يري أنّ روح الثورة زُرعت في الناس، و«لن يستطيع أحد سرقتها، سواء كانت تيارات دينية أو عسكرية«. في رأيه تحاول هذه التيارات «أن تلهي الشباب عن هدفهم الرئيسي: تغيير الواقع المصري«. ما يجعله متفائلاً، أنّ الثورات «موجات«. نحن نعيش إحدي هذه الموجات ، والموجات القادمة ستكون أقوي وأكثر حسماً، بعدما اكتسب الشباب الخبرات التي تجنبهم الأخطاء«. ما الأخطاء التي يقصدها؟ يجيب: «تناثر قوي شباب الثورة، وتفتتها، ما أفسح المجال لسيطرة المؤسسة العسكرية، والتيارات المتأسلمة«.
لكن ماذا عن الأدب، وهل يمكن أن يكون مهداً للثورة؟ «من الصعب أن يتناول الأدب الثورة الآن. هناك حالة سيولة وتبعثر، من الممكن أن نري بعض القصائد التي تتناول الثورة أو الأدب الشعاراتي، لكنّه ليس أدباً حقيقياً«. لا يعوّل الأديب المصري كثيراً علي دور المثقفين. في رأيه، أصيب هؤلاء قبل الثورة «بأمراض اليسار المصري التاريخية، أي الانتهازية، والتفكك، والتشرذم، والشللية والبعد عن القواعد والجماهير«. هذه الأمراض منعت النخب من أداء دور حقيقي في الثورة.
اساله: هل تري أن ثورة يوليو كان لازمة؟
يجيب: بالشكل الذي حدثت به ليست ضرورة. كنا ننتظر تغييرا اجتماعيا وسياسيا ، وعندما حدثت "الحركة المباركة"أحبطت أشياء كثيرة. وقتها كنت منتميا لتنظيمات يسارية، وقفت موقفا ضد "الحركة". الآن أدرك أن هذه التنظيمات كانت صادقة في رؤيتها للواقع المصري.
وهل استمر موقفك من الثورة؟
يجيب: استمر، ولكن الناس وحماسهم جعلونا نري الأشياء بشكل مختلف. وكذلك الوقوع في غرام البطل الشعبي والحلم الذي أطلقه ايضا جعلني أري الأشياء بشكل مختلف.
-2-
صاحب " وقفة قبل المنحدر" يحب أن يصف نفسه ب "المسافر الأبدي" وهو عنوان لإحدي مجموعاته القصصية. مثل أبطال رواياته يبحثون دائما عن لحظات السكينة والأمان رغم جو الهزيمة والانكسار الذي يحيط بهم. ولذلك أقام لنفسه "جزيرة" في بيته الهادئ الذي ورثه عن والده بضاحية المعادي بعيدا عن صخب " القاهرة... مفضلا العزلة التي يعتبرها وسيلة النجاة. النجاة من معمعان المعارك الصغيرة هو كل ما خرج به من الدنيا وفرح به. سألته عن أقرب شخصيات رواياته إليه: أجاب" كلهم أنا!". رغم أنها شخصيات مهزومة ومحبطة ؟
ضحك: أنا أعشق المهزومين و أكره الذين يدعون الانتصار دائما.
أسأله: هل أنت غريب؟ بالقطع أنا غريب تماما. أظن أن تضخيم ما حدث في 67 نتيجة طبيعية لاحساسي الشديد بالغربة..كنت حالما". أساله: " ما الفرق بينك وبين صلاح جاهين؟". كلانا كان حالما. صلاح صديقي، ولكن كانت بيننا مسافة لم أسع انا أو هو لكسرها، كان لديه إحساس ما خاطئ أنني لا احبه. عندما انتقل للعمل بالأهرام أراد أن يجري حوارا مع مجلة " صباح الخير"، اقترح عليه لويس جريس أن أذهب إليه لأجري معه الحوار، ولكن صلاح رفض وقال: بلاش علاء أنا حاسس أنه ما بيحبنيش". هذه الكلمة جرحتني جدا، لأنها لم تكن حقيقية. وقتها كان هناك اتهام ساذج لصلاح بعد أن عمل بالأهرام، بأنه اصبح جزءا من النظام". أساله: التقاطعات بينكما كبيرة..كلاكما اعتبر أن الهزيمة نهاية للعالم؟
يجيب: هذه ليست أراء فكرية وإنما أمراض تصيب روح البني آدم. صلاح قدرته بعد 67 علي الاتصال بالناس قلت، وقدرته علي البهجة اختفت أيضا".
أسأله: هل أثرت 67 علي الكتابة .. أعاقت فكرة اللعب الفني ليصبح مثقلا بالهم السياسي؟
يجيب: بالعكس اظن أنها أطلقت فكرة اللعب، وحركت كثيرا من الكتاب في اتجاهات كثيرة.
أوضح: ولكن العمل الفني لا يحتاج أن يكون مسيسا .. أنت قدمت مثلا مسرح العبث عبر ترجمتك لمسرحية " لعبة النهاية" ..لم يحدث هذا في الأدب المصري؟.
يجيب: فكرة الموت التي تحدثت عنها بعد الهزيمة أريد أن اعدلها. البؤس العام اصبحا بؤسا خاصا، أنت أصبحت جزءا منه، الحلم تحول الي كابوس، وانسدت الطرق. لم املك العبقرية الفنية لرؤية حجم الماسأة والتعبير عنها ، زاد اتهامي لنفسي واتهامي للمادة التي أعمل عليها بالقصور ، وطرحت وقتها حلولا كثيرة خادعة. أعتقد أن الناس الذين عملوا علي تجديدات في الشكل كان فيها نوع من الخيانة. وأنا حتي الآن احاول ان اقبض علي شيء مختلف بحيث يكون له دور واهمية للمتلقي. أتذكر أنني كتبت قصة " ليس عندي ما يقال" كانت قصة بائسة، كتبتها وكأنها اعتذار وليس انتاجا فنيا، اعتذار عن " عجز". وهذه القصة كتبتها قبل الهزيمة ، بعد خروج الشيوعيين من سجون النظام، وتحالفهم مع النظام. هذا الحل كان فيه " شغل نصب" لم تحدث تعرية للأزمة التي أدت إلي الهزيمة في 67. كنت اري أن هذه الحلول تلفيقية أو إصلاحية كاذبة ، وأنا لا أدين النظام وحده عما جري، بل أيضا النخبة وكثيرا من التنظيمات التلفيقية.
-3-
لم يقتصر العمل الصحفي لعلاء الديب علي " عصير الكتب" بابه الشهير، ولكنه عمل لفترة في قسم التحقيقات في " صباح الخير".. سافر في أنحاء مصر، ليكتب علي " الطبيعة" تحقيقاته بلغة أقرب إلي الشعر..وكان من بينها تحقيق عن "امرأة في جنوب مصر قتلت ابنها لأنه باع أرض والده، والقت بجثته في بئر وجلست بجوار البئر ككتلة من السواد لا تتحرك، حتي عندما رفعها رجال الشرطة جلست الجلسة نفسها أثناء التحقيقات. لغة التحقيق جذبت شادي عبد السلام الذي كان قد انتهي من كتابة سيناريو " المومياء" وظل يبحث عن كاتب يكتب له " حوار الفيلم"..وجد ضالته في علاء الديب..يتذكر: " كان شادي يتردد بشكل دائم علي أصدقائه آدم حنين وجمال كامل في المجلة، وقرأ سلسلة التحقيقات التي قمت بها، وأيضا شاهد مسرحية "لعبة النهاية" التي ترجمتها لبيكت، وكانت الترجمة محاولة مني لتطويع اللغة العربية لأي كلام يمكن أن تقوله، حتي السخرية أو العبث يمكن أن تقوله الفصحي.. فعرض عليّ العمل معه في حوار " المومياء"). يتميز شادي في عمله بأنه " نمكي" أي يهتم بالتفاصيل الدقيقة، لديه رؤية مكتملة لعمله، ظلا يعملان سويا، اليوم الكامل يستغرق كتابة صفحتين أو ثلاثاً علي الأكثر، وكان الاتفاق أن يعملا في اختيار لغة وسيطة مفهومة للجميع وفي الوقت نفسه أن يكون فيها جمال ملائم لجمال الصورة التي يشكلها شادي في فيلمه. لم يكرر علاء الديب تجربة السينما مرة أخري لأنه لم يكن هناك أحد يغري بالعمل معه مثل شادي. يضحك: " عندما أصدرت زهر الليمون قال لي محمد خان وداود عبد السيد أعمالك مغرية سينمائيا ولكن لا تصلح الآن وإنما بعد 25 عاما أخري.. "!
لم تكن تجربة السينما والصحافة هي التجارب الوحيدة اللامعة في حياة صاحب "قمر علي المستنقع".. هناك ترجمات عديدة له.. منها أعمال لبيكيت، وهنري ميلر، بيتر فايس، إنجمار برجمان، وكتابات سياسية عن هنري كيسينجر..وغيرها. ولكن أشهرها ترجمته لكتاب " الطاو" الكتاب المقدس لدي الصينيين.... والتي لم يقتنع بها، ولذا يعمل علي تقديم ترجمة أخري للعمل نفسه: " أجد متعة في محاولة صياغته مرة اخري، من المهم أن يكون سهلا وبسيطا كالماء". يضيف: " تصور مع تعلمي لاستخدام الكومبيوتر، اكتشفت 75 ترجمة للطاو، فضلا عن 7 ترجمات عربية له". وراء هذا الكتاب "طاقة عجيبة"، وراء كل كلمة فيه نافذة تطل منها علي العالم، حتي عنوانه له أكثر من معني" الطريق إلي الفضيلة، طريق الماء". حكاية الطاو قد تكون مجهولة لكثيرين كتبه لو تسو وكان مستشارا للملك، ولكنه قرر ترك منصبه ومغادرة البلدة كلها، وعلي الحدود استوقفه فلاح ورفض أن يجعله يغادر إلا قبل أن يقدم "حكمته" بعد سنوات من العمل في السلطة. فكتب 81 قصيدة تدور حول قدرة الإنسان علي المعيشة السهلة مع الطبيعة والآخرين والعالم من حوله..وأيضا: "بدون تعليمات وفروض وثواب وعقاب وترهيب وترغيب"... كما يحدث في الديانات الشرقية.
هذا ما يبحث عنه علاء إذن من وراء إعادة ترجمة " الطاو".. يقول: " الكتابة الإبداعية أصبحت صعبة جدا". هو يعمل منذ سبع سنوات في رواية " صيد الملائكة" يحاول فيها أن يجد تفسيرا لكلمة " برجماتية" باعتبار أنها اللبنة الأساسية في الحضارة الأمريكية المسئولة عن كل الشرور في العالم، والتي جعلت" النجاح" مقصورا فقط علي " الوصول" لا يوجد به " خير وحق وجمال حتي أن أقبح شتيمة أمريكية هي يا فاشل". الرواية عن شخص له ثلاثة اصدقاء يفقد علي مدي حياته الأصدقاء الثلاثة لأنه متمسك بقيم وإيديولوجيات تفككت وانهارت.. شخص مثالي".
هل هو أنت؟ يضحك: " فيها جزء مني، وفيها جزء من أصدقائي، ولكن شخصياتي نقعتها في طشت غسيل من كل الروايات والناس الذين عرفتهم في حياتي واستخرجتها منهم". وهل سيتم اصطياد هذا الملاك؟
يجيب: سيتم اصطياده ، سيستسلم ويفقد القدرة علي المقاومة، ربما بشكل فيزيقي، سيفقد بصره. أسأله: هل البطل هو أنت ايضا كسائر أعمالك؟ يجيب: أنا بشكل آخر، في سن مختلفة، ووضعية مختلفة بعد أن تقاعدت ورحل أصدقائي ..
أسأله كيف تصل إلي هذا العمق مع البساطة؟
يجيب: الاجابات الجاهزة ليست لها دلالة ، مسألة الوضوح تعتمد تحديدا علي الصدق مع النفس، أن تحدد من تريد ان تخاطب، إذا كنت تريد أن تخاطب صديقا لن تحاول أن تلتف علي الصياغات وتتعاجب بفكرته، بل ستخاطبه مباشرة، أعتقد ان هذا موقف أخلاقي تجاة القارئ.
أسأل: وقد يكون موقفا سياسيا أيضا؟
يجيب: بالتأكيد، حتي مع محاولات الفرد للتجريب والتجديد والبحث عن أشكال جديدة ، ينبغي ان يكون هناك إصرار علي توصيل المعني.
- هذه الفكرة كانت جزءا من مناخ الستينيات، الرغبة في تغيير
..عندما أصدرت زهر الليمون قال لي خان وعبد السيد: "أعمالك مغرية سينمائيا ولكن لا تصلح إلا بعد 25 عاماً"
العالم، هل فقدت إيمانك بهذه الفكرة؟
يجيب: بدأت برغبة في تغيير العالم، ولم يتغير وربما هذا أحد أسباب صعوبة الكتابة.. وخاصة بعد أن تغير العالم بالفعل ليصبح عالما برجماتيا.
-4-
أساله: لو عادت بك الأيام مرة اخري ما الذي ستقوم بتغييره؟
يجيب: علاقتي بالتراث العربي، والفلسفة، لم يتح عملي بالصحافة تعميق المجالين، وأيضا كنت أريد أن أعرف " مصر" أكثر بدلا من الصور الخادعة التي كانت تقدم به.
اساله: ولكن ربما الصحافة قدمت لك فرصا لكي تري مصر الأخري؟
يجيب: لم تكن بشكل معمق كما يجب، انا اخترت أن أجلس علي المكتب لأكتب " عصير الكتب" لأن الكتابة علي أرض الواقع تسبب مشاكل كثيرة.
من خلال متابعاتك للكتب طوال اكثر من نصف قرن والكتابة عنها ..كيف ترصد مشروع النهضة المصري ؟
يجيب: صحة المجتمع بعافية، متردية جدا، اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا.. هذا يؤدي إلي اختلال فكري، لا فكر سليما في واقع بهذا الشكل. لم يطرح أحد مشروعا نقديا وفكريا يستحق أن نتوقف أمامه، أمين الخولي كان آخر من امتلك مشروعا حقيقيا. وأعتقد أيضا أن الكتابة الجديدة لم تضف شيئا أصيلا ، هناك نجاحات فردية، ولكن لا يوجد إنجاز حقيقي أصيل، وأظن أن ذلك حدث منذ الستينيات وحتي الآن .
اسأل: ألم يحدث تطور في الكتابة الروائية منذ الستينيات؟
يجيب: الرواية توقفت عند نجيب محفوظ، أعلي انجاز فني في الكتابة في السنوات الأخيرة هو "أصداء السيرة الذاتية" ..كما ان الشعر توقف عند صلاح عبد الصبور. محفوظ غيّر رؤية الناس لواقعها..وتعاملهم مع هذا الواقع، جعل احساسهم بالواقع مختلفا، وبالآخرين أرق واصدق واكثر مسئولية.
أسأل: من بخلاف محفوظ فعل ذلك؟
يوسف إدريس، يوسف الشاروني، إدوار الخراط ، ثمة نضج في الشكل، وضمان وصول المضمون. هذه الكتابة عثرت علي النبع الصافي، أو الشرايين القوية.
أساله: ولكن ماذا تعني بكلمة الأصالة ..الرواية بشكل أو بآخر هي ابنة بيئة أخري؟
يجيب: هذه من الخدع التي نخدع بها أنفسنا. الأشكال العربية ثرية، وجوهر الفن الروائي موجود في التراث العربي والتراث الشعبي المصري ولكننا لم نستفد منه.
إذا كان جيل الستينيات قد خرج من رحم النكسة، وجيل التسعينيات قد خرج من رحم حرب الخليج، فهل ستتمخّض ثورة «25 يناير« عن جيل جديد في الأدب والفنّ؟ يري علاء الديب أنّ جيل «25 يناير« متخلص من كل أمراض المثقفين السابقة، ومتصل بالعالم اتصالاً مباشراً. «هذا الجيل الجديد يبحث عن أبجدية جديدة تخصه في الفن والأدب والثقافة«. نسأل الروائي السبعيني عمّا إذا كانت «ثورة 25 يناير« امتداداً ل «ثورة يوليو« أم قطيعة معها؟ لا ننتظر الإجابة طويلاً. يقول: «إنّها تنتمي أكثر إلي «ثورة 1919«، تتبنّي من «يوليو« شعبيتها وترفض عسكريتها. فثورة عام 1952، منقسمة إلي فترتين، الأولي انقلاب عسكري، تحول بالضغط الشعبي والزعامة الكاريزمية لعبد الناصر إلي ثورة شعبية«.
بعد الثورة، أصبح علاء الديب من رواد فيسبوك. من خلال بروفايله، يتفرج علي العالم. فهل يعده مفجّر الثورة؟ يجيب: «علي الشباب أن يدركوا أنّ الإنترنت ليس إلا أداةً تكنيكية، لا المجال الوحيد لمعركتهم«. في رأيه، من المهم أن تتجمع كل القوي الثورية حول مطالب موحدة، مثل إلغاء المحاكمات العسكرية. لهذا يتطلّع إلي شباب ميدان التحرير، كي يظهروا كلّ ما لديهم من قدرة علي العمل. لهذه الأسباب هو متفائل، لكنه حذر... لا يخشي علي الثورة من العسكر ولا المتأسلمين، بل يخشي علي منجزاتها من «تشرذم الثوار وتَشتّتهم«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.