التي أصبحت ممارستها إحدي العادات في الحياة اليومية، ولكن.. هل هناك حقل إبداعي يسمي "الرواية الحربية"؟! وما أهم سماتها؟! يصنف النقاد الرواية الحربية من حيث ثلاثة عناصر أولها مكان التجربة، وهو ميدان المعركة وهي تتصف بملامح عدة من حيث الزمن المستقيم من الماضي إلي الآن كما أن السرد يكون فيها سلساً وتتسم بوفرة العلامات الوصفية والمتصلة بخصوصية مفردات المعركة والأسلحة ووسائل المعيشة. وثانيها من خلال هوية الروائي، الذي يكون إما جنديا شارك في ميدان المعركة يرصد كل تفاصيل التجربة حتي إذا جاء الوقت المناسب كتب وأنتج وعادة تكون هذه النوعية من روايات الحرب أقل حرفة وصنعة كما أن مفرداتها وشخوصها مغموسة في الواقع وقد يكون الروائي مدنيا ولكنه عايش التجربة ميدانيا. أما التصنيف الثالث من خلال زمن كتابة الرواية يقوم علي إبراز تأثير زمن كتابة الرواية قبل وأثناء ثم بعد المعركة ففي كل رواية من حيث زمن كتابتها تبدو محملة بملامح مخالفة للأخري، وفي ذلك تأثير التحولات في المنطقة العربية علي روايات نجيب محفوظ الذي كتب "ميرامار" تعليقا علي مناخ هزيمة 67. ومن قبلها عبرت رواية (فتاة الثورة دنشواي) للكاتب محمود طاهر حقي عن فترة حفلت بالأحداث مثل الثورة العرابية، والاحتلال ومظاهر الصراع بين المحتل والفلاح المصري، إلا أنه مع الحرب العالمية الأولي نضجت تقنيات الرواية الحربية نسبيا ويكفي الاشارة إلي أحداث ثورة 1919 التي باتت من أهم الأحداث في العديد من الروايات فيما بعد وقد برزت الأسماء المهمة في سماء الأدب والرواية منها طه حسين، توفيق الحكيم، سعيد العريان، يحيي حقي وغيرهم كما برز مؤسس الرواية العربية المعاصرة ورائدها الفني نجيب محفوظ وكان ذلك بعد أحداث الحرب العالمية الثانية. أما جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية فهم الذين رسخوا فن الرواية ومنهم يوسف الشاروني ويوسف السباعي ويوسف إدريس وفتحي غانم وأمين ريان . وعندما حلت نكبة 1948 علي الأمة صارت معينا لا ينضب للعديد من الروايات منها: دماء علي الرمال ليوسف السباعي و روايات إحسان عبد القدوس وأمين يوسف غراب. أما معارك العدوان الثلاثي علي بورسعيد عام 1956 فكانت سببا في مولد أول روائية مصرية وربما عربية بالمعني الفني وهي لطيفة وروايتها (الباب المفتوح). بعد تلك الحرب شهدت الرواية المصرية العربية طفرة لم تشهدها من قبل فنيا وكميا، وربما يرجع ذلك إلي جملة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر، وهنا ظهرت بعض أسماء الروائيين أمثال إدوارد الخراط، وحسن محسب ثم جيل الستينيات مثل علاء الديب، ويوسف القعيد وعبد الحكيم قاسم، وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وغيرهم. وثمة اتفاق بين النقاد علي أن هزيمة 5 يونيه 67 بشكل علامة في رواية الحرب العربية، ليس فقط لجهة الموضوعات التي تتناولها الرواية بل أيضا علي الصعيد الفني حيث يعتبر الناقد المغربي عبد الرحيم علام أن هزيمة 1967 استأثرت بالنصيب الأوفر من الاهتمام السردي بها داخل العديد من النصوص الروائية الراصدة للأجواء العامة لحرب يونيو وانعكاساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية علي المجتمعات العربية، باعتبارها الهزيمة العربية التي كان لها، حتي اليوم، الأثر البالغ علي الوطن العربي كما أن بقية "الحروب" الأخري التي عرفتها المنطقة العربية، كان لها هي أيضا، حضور لافت في مستوي الاستثمار التخيلي والسردي لها، ومن بينها "حرب أكتوبر". التي ما زالت أجواؤها العامة، إلي اليوم، تفرض نفسها علي المتخيل الروائي العربي، كما تساهم في توسيع خياله، فالإضافة إليه وتطوير شكله العام، ويشير إلي أن نكسة 67 أنتجت روايات متعددة بينما في مصر والأردن وسوريا وفلسطين لم تحظ بمثلها انتصارات أكتوبر. ويصف الناقد المغربي محمد برادة النكسة بأنها بداية الرواية الجديدة حيث أعلن الأدب بعدها عن بقية الخطابات الأيديولوجية القائمة.. مشيرا إلي أهم ملامح الرواية الجديدة من خلال رصد الأعمال الأدبية منذ النكسة والتي تتمثل في اتخاذ موضوع السيرة الذاتية موضوعاً روائياً مع إضفاء عناصر أسطورية علي الحياة، ويتفق معه الناقد فيصل دراج في دراسة له بعنوان "من رواية الهزيمة إلي هزيمة الرواية "مشيراً إلي أن تجديد الشكل الروائي يعد تعبيراً عن سقوط فترة اجتماعية محددة بعد هزيمة يونيو وانفتاح الرواية العربية علي موضوع ثابت، لا يزال يتناسل، بأشكال مختلفة حتي اليوم، عنوانه التمزق الاجتماعي المستمد من هزيمة 67 وتواترها في جملة من الهزائم الاجتماعية ليتحول العمل الروائي علي هذا الأساس إلي جهد إبداعي يتجاوز الإبداع السابق. ويقول الناقد شوقي عبد الحكيم إن أبرز ما أفرزته الحروب في القرن العشرين هو القلق الذي أدي إلي تداخل المشاعر وغياب اليقين، الذي ولد في الأدب بصفة عامة ما سمي بتيار الوعي، وقد تجلي بصورة أوضح في القصة القصيرة لدي كثيرين من كتاب الستينيات، إلا أن الرواية لم تكن ببعيدة عن ذلك متمثلا بصورة كلية في رواية محمود عوض عبد العال "سكر مر" وبصورة ما في أعمال بهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد. ويضيف أن من السمات المميزة لأدب الستينيات ارتفاع صوت الرومانسية رغم ظهور العديد من المذاهب الأدبية فيما بعدها خاصة الواقعية التي فرضت سطوتها علي كل الآداب وإذا كان الموضوع الذي يستخدمه الكاتب واقعياً فإنه يتناوله بمنظور رومانسي بحت، حتي إن البعض اعتبر ما حدث في 73 هزيمة. والشاهد ان الرواية شاركت في التعبير عن الذات العربية المقاومة وقد ادعي البعض أن نشأة الفن الروائي، بشكله المعاصر، لم ينشأ الا بوازع المقاومة وقد يتضح هذا الأمر كثيراً عند متابعة نشأة الروايات المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين التي تابعت الأحداث والبحث عن الهوية منها روايتا فرح أنطون: الدين والعلم والمال، ورواية أورشليم الجديدة، ورواية فتاة الثورة العرابية ليوسف أفندي حسن صبري ورواية عذراء دنشواي لمحمود طاهر حقي وغيرهم. ويستطرد: لقد عبرت الرواية العربية عن مفردات المقاومة طوال تاريخها القصير من خلال البعد المكاني متمثلا في الأرض والتي حملتها الرواية دلالات ومعاني تتجاوز ملامحها المادية والبعد التراثي والتاريخي وعندما نتحدث عن التجربة الحربية في الرواية العربية، يجب التفريق بين مصطلحين هما: أدب المقاومة وأدب الحرب حيث نلاحظ استعمال أحدهما مكان الآخر للتدليل علي المعني نفسه فمصطلح أدب المقاومة أكثر شمولاً وتعبيراً من مصطلح أدب الحرب خاصة فيما يتعلق بما تعيشه الثقافة العربية وما يعانية الواقع العربي الآن من انقلابات ايديولوجية وفكرية.