"القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    المشاط: مصر وضعت بصمة واضحة في خريطة الجهود العالمية للعمل المناخي    وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي لمشروع «ديارنا» في 6 مدن جديدة    إعتماد المخطط العام لأرض مشروع «عربية للتنمية والتطوير العمراني» بالشيخ زايد    الاحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    وسائل إعلام فلسطينية: إطلاق نار مكثف من الطيران المروحي الإسرائيلي شرقي رفح جنوبي قطاع غزة    عاجل- تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في بابنوسة    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت للوقود والطاقة الأوكرانية    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    حملة رقابية مكبرة تضبط 15 مخالفة تموينية وصحية بمخابز قريتي شبرا نباص وصرد بمركز قطور    استنئاف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس    محافظ الأقصر يزور الأطفال المصابين بحادث الأتوبيس ويصرف مساعدات لأسرهم.. صور    البيئة تشن حملة موسعة لمكافحة الاتجار غير المشروع فى طيور البجع بطريق السخنة    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    خالد النبوي.. "أحنا بندور على الطريقه وأي الخيال اللي ممكن يسعد الناس"    فيديو.. لميس الحديدي تقدم برنامجها من داخل المتحف المصري الكبير: رحلة عظيمة رائعة    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    يوم علمي لقسم جراحة القلب والصدر كلية طب قصر العيني    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    ضبط سيدة اعتدت على ابنتها وأصابتها بنزيف بالمخ في كفر الشيخ    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    ارتفاع الذرة المستوردة وانخفاض المحلية، أسعار الأعلاف والحبوب اليوم في الأسواق    بدوري الأبطال .. الأهلي ينتظر الموافقة على حضور 50 ألف مشجع أمام شبيبة القبائل    تقارير : زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    لإضافة بُعد روحي وتربوي، الجندي يوضح سبب وجود مصطفى حسني في لجنة تحكيم "دولة التلاوة"    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرضوا إرادتهم ومنعوا هدم الضريح بينما كانت إرادتهم نفسها تُزور في صناديق الاقتراع!
الضريح..من يحكي ومن يفعل؟
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 09 - 2011

الضريح هو ذلك البناء المعماري الذي يُشيد علي قبر أحد الأشخاص تخليداً لذكراه، ويكون مقصوداً بالزيارة والتبرك أحياناً. وقد اتخذ كرم صابر من اسم (اضريح) معرفاً بالألف واللام عنواناً لروايته الصادرة عن دار صفصافة، وهو عنوان موضوعاتي؛ من حيث النوع؛ حيث يعين موضوعاً للنص الروائي له مركزيته وحجمه وتأثيره في سياق النص الروائي المعنون به. إذ يقدم كرم صابر عالما أسطورياً خاصاً في ذلك النص يبدؤه بالحكي عن طائر الموت والعفاريت، ثم يضم إليهم (أمنا الغولة) وغيرها من الكائنات الأسطورية التي يسيطر وجودها علي الحكي كثيراً وعلي عقول بعض الفاعلين بالنص الروائي مثل: (جمالات) و(مينا) و(زعبولا).
وعنوان "الضريح" عنوان فضائي؛ يعين فضاءً مكانياً يشتغل النص الروائي عليه ويتخذ منه مركزاً في أحداثه التي ترتبط به، فالقسم الثاني مثلاً من الرواية ينحصر تماماً في الحكي عن مقاومة أهالي القرية لهدم الضريح وينجحون في منع السلطات من هدمه، تعبيراً عن نجاح الأهالي في فرض إرادتهم بينما كانت إرادتهم تُزور في صناديق الاقتراع.
العناوين الفرعية
تشتغل العناوين الفرعية بذات الطريقة التعيّنية التي اشتغل بها العنوان الرئيسي للنص الروائي، إلا أن العناوين الفرعية الأربعة عشر جاءت تجريدية تعين أفكاراً مجردة تلخص ما جاء تحتها من النص الروائي، مثل (المقاومة) في القسم الثاني فهو عنوان يعين مقاومة أهالي القرية للسلطات الحكومية التي تريد هدم الضريح، ومثل (الجنون) في القسم الأول الذي يعين تلك الحالة التي أصابت (جمالات) نتيجة أفعال زوجها (أبو رواش) وإيداعها مستشفي الأمراض العقلية.
إلا أن تقسيم كرم صابر لروايته إلي أربعة أقسام وتوزيع مجموعة من العناوين الفرعية تحت لواء كل قسم، لم يكن ذو دلالة، فكان يمكن أن يتخلي عن (القسم الأول القسم الثاني القسم الثالث ..إلخ) ويكتفي بالعناوين الفرعية التجريدية التي تعين أجزاء النص الروائي إلي مجموعة من الأفكار والقيم التجريدية (التحول الانحطاط البر الغدر المقاومة الضحايا الفاحشة ....إلخ). فوجود فكرة التقسيم إلي أقسام أربع أمام ليست علي علاقة ما بمعمارية النص الروائي سواء من حيث الشكل أو الطرح، كما أن التقسيم لا يشتغل علي معمارية الضريح مثلاً ومتخذ منها شكلاً ليربط ولو شكلياً بين ما هو متعين داخل النص الروائي ومعماريته. كما أنها الأقسام الأربعة تتفاوت في الحجم ولا تنتظم بطرق سردية تجل لكل قسم منها خصوصيته باستثناء القسم الأول كما سأذكر لاحقاً. وكذلك لا تنقسم الأحداث بطريقة دالة عبر الأقسام الأربعة.
الإهداء
يصنع الإهداء؛ باعتباره إحدي العتبات الهامة المتفاعلة من النص وباعتباره أحد مكونات النص الموازي الذي ينشئه الكاتب بنصه والذي يندرج تحت مسمي النص المحيط التأليفي علي حد تعبير جنيت Peritexte Auctorial؛ التباسا مراوغاً مع النص الروائي، إذ يقوم الكاتب بإهداء نصه لمجموعة من الأسماء الشخصيات التي يتبين القارئ فيما بعد قليل أنها هي ذاتها شخصيات عالمه الروائي، وهو عمل تخييلي، كما أوضح بالإشارة علي غلافه الخارجي إلي كونه رواية (ينتمي لجنس الروايات)، فهل يهدي الكاتب نصه إلي شخوص عالمه الروائي المتخيلة؟ أم أنه يهدي النص الروائي إلي شخوص حقيقية من عالمه؟ وبهذا يتحول النص من رواية تعتمد علي التخييل بالأساس في إنشائها إلي أحد أصناف الأدب الشخصي (رواية سيرة ذاتية، أو ذكريات، أو مذكرات)، كما أن استخدام الكاتب لضمير الجمع (نحن) عبر استخدام (نا) الفاعلين يدشن لهذا الالتباس من كونها سيرة ذاتية روائية له أو للجماعة التي أناب نفسه عنها بسرد سيرتها وذكريات قريتها، وأهدي إليها النص في المفتتح، كما أنه حين استخدم ضمير المتكلم في الروي علي قلته لصقه ببعض الشخوص التي يتوجه لها بإهدائه. مثل: (أكد مينا صديقي حين قابلته) ص24، (أكد زعبولا صديقي) ص 25، (بكي عمي أبو عيشة وقال لهم) ص49.إننا نستطيع قراءة النص علي هذا الأساس بنفس القدر الذي نستطيع به قراءته علي أساس كونه رواية تعتمد علي التخييل في إنشائها، فالأسماء المتعينة في الإهداء أو شخوص النص الروائي عاشت وماتت دفاعاً عن الضمير كما يقول في الإهداء.
الراوي
قدم النص الروائي راوياً عليماً يحيط علمه بالتفاصيل وما تنطوي عليه النفوس، إلا أنه كان مهموماً بتقديم سردٍ متدفق سريع الإيقاع يتراوح ما بين المشهدية وما بين الملخص الموجز والحذف وصنع فجوات يملؤ ها القارئ، فقدم الراوي سرده للأحداث التي تراوحت ما بين الواقعية والعجائبية/الأسطورية دون الاعتناء بالتوقف كثيراً اما م شخوصه أو أحدهم ليبوح لنا بدخيلة نفسه، أنه سرد خارجي يعين الأحداث بتفاصيلها ويلاحقها، ويبني النص عبر تراكمها.
يعتمد الراوي في القسم الأول من أقسام رواية الضريح علي ثلاثة ضمائر يتنقل بينها ليقدم سرده الروائي بها، وهي ضمير المتكلم المفرد، ضمير المتكلمين، ضمير الغائب. وينفرد ضمير الغائب بسرد باقي أقسام الرواية. كما أنه لا يخصص عنواناً فرعياً ما في القسم الأول لأحد هذه الضمائر الثلاثة، بل أنه يمزج بينها مزجاً، فيلتفت من الروي بإحداها إلي الروي بالأخري بسهولة ودون أن يدقق في ذلك أو يحترس له أو يقدم له ما يبرره.
إننا نستطيع أن نميز بين تلك الحكاية الواقعية التي تتناول المجتمع المصري وما أصابه في الأعوام الثلاثين الأخيرة من صراعات وتحولات كبري وفساد عبر نموذج مصغر هو عالم تلك القرية التي بها هذا الضريح، وبين الواقعية العجائبية (العفاريت أمنا الغولة طائر الموت) التي أدخلنا بها وأخرجنا بها الراوي من النص الروائي "الضريح"، فطريقة السرد التي تحاول أن تنشئ عالماً عجائبياً/أسطورياً هو وجهة نظر مجموعة من البشر (مينا جملات زعبولا) والراوي الذي يلتحق بهم حين يستخدم ضمير المتكلمين في السرد، وينفصل عنهم حين يستخدم ضميره المعبر عنه ضمير المتكلم المفرد أو ينفصل تماماً مستخدماً السرد بضمير الغائب ليطرح كل معالم هذا العالم، هذا الراوي الذي يراوغنا بتحركاته السردية طيلة القسم الأول، يستقر في بقية الرواية عند السرد بضمير الغائب، وتتعدد الأسباب وراء هذا الاستقرار، ربما كان قصر نفس التكنيك المراوغ للقارئ المجهد للكاتب، وربما خوفاً من التشتت الناتج عن الإلتفات وسعياً نحو مزيد من التركيز علي الأحداث وتحولات عالم القرية وما أصابه، وربما كان الراوي لم يعد يجد ذاته متحققةً داخل هذا العالم وعبر هذا الفضاء، فاستغني عن ضمير المتكلم بصورتيه المفردة أو الجمعية الذي يعني تورطه ومشاركته في هذا العالم، ليصير راوياً غير مشارك وغير متعين به، وبهذا يتهرب أو يهرب من التبعية الأخلاقية والمسئولية عما صارت عليه الأمور في الحكاية. أن يفصل بين من يحكي ومن يفعل، فبعد أن كان الراوي يحكي ويشارك في الأفعال (نحن الذين شاهدنا بأم أعيننا طائر الموت يخطف البنات) ص 11، (كانت الدنيا ملك قلوبنا، ورغم صغر سننا لم نعجز أبداً عن فهم ما يجري حولنا في الحقول والمراوي والبيوت) ص 14، (كنا نحس وقتها أن هماً كبيراً انزاح عن قلوب البلدة) ص 21؛ صار الراوي بعيداً كل البعد إذ هو خارج الأحداث وخارج الحكاية وخارج دائرة المسئولية والتبعية الأخلاقية لما يحدث (انتهزوا الفرصة ليسمحوا للشر بالانتشار والحكم علي بلدة الحب بالموت وفقدان الهوية كي يستمروا في الحكم والنهب بإلهاء الناس بجرائم تافهة بالمقارنة بتوحشهم) ص 84، (ظل زعبولا المقتول يتذكر وهو مذهول من بلدة فقدت ذاكرتها ومشت نحو أقدارها للخراب وغاصت أقدام شبابها الملتحين بوجوههم الكئيبة في وحل الغل والتي لن تنجو أبداً منه، وتساءل وقلبه ملقي تحت أقدامهم: كيف وصلت بلدة الأمان والحب لهذا الحال؟) ص 72. ماذا لو كان استخدم ضمير المتكلمين أو المتكلم الفرد كما اعتاد في القسم الأول؟ لصار مشاركاً ومسئولاً بدرجة ما لكنه تخلي عن هذه المسئولية بالتخلي عن هذين الضميرين في الحكي/السرد، لكي تكون هناك مسافة واضحة بين من يحكي ومن يفعل، وبهذا يصير من يفعل مسئولاً بمفرده، وليس علي من يحكي أي مسئولية أو تبعية ما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.