المجلس الأعلى للجامعات يعلن نتائج مسابقة القبول بكليات الزراعة للدبلومات الفنية    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025.. هل تُرحل إلى الخميس؟    سعر الذهب اليوم الإثنين 29سبتمبر 2025 في المنيا    تعرف علي أسعار الحديد اليوم الاثنين 29-9-2025 في الدقهلية    أسعار الماكولات البحرية اليوم الاثنين 29-9-2025 في الدقهلية    الكوسة ب 25 جنيها.. أسعار الخضار والفاكهة اليوم الإثنين 29 سبتمبر 2025 في أسواق الشرقية    عاجل- مسئول بالبيت الأبيض: الاقتراب من الاتفاق على خطة ترامب لوقف إطلاق النار بغزة    مواعيد مباريات اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    «بنتايك» أساسي.. تشكيل الزمالك المتوقع لمواجهة الأهلي في الدوري المصري    موعد مباراة إيفرتون ضد وست هام اليوم والقنوات الناقلة    ما القصة؟ مصرع 8 وإصابة آخرين في حادث أتوبيس المنيا على الطريق الصحراوي    طقس خريفي اليوم الاثنين.. شبورة صباحية وعظمى القاهرة 33 درجة    8 متوفين و14 مصابا.. أسماء ضحايا حادث انقلاب أتوبيس بصحراوي المنيا    في لقائها مع «صاحبة السعادة».. كارولين عزمي: «مضايقتش من شائعاتي مع العوضي»    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 29-9-2025 في محافظة الدقهلية    لماذا يرتفع الكوليسترول عند الشباب؟.. الأسباب وطرق الوقاية    الشرطة الأمريكية: مقتل شخصين وإصابة آخرين جراء إطلاق نار وحريق بكنيسة في ميشيجان    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الإثنين 29-9-2025    موعد مباراة منتخب السعودية ضد كولومبيا والقنوات الناقلة في كأس العالم للشباب    تعرف على أحدث إصدارات المجلس الأعلى للثقافة    الكرملين: لا مؤشرات من كييف على استئناف المحادثات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-9-2025 في محافظة الأقصر    «سرحان وتمركز خاطئ».. حازم إمام يكشف عيوب الزمالك قبل مباراة الأهلي    تزن ربع طن.. الحماية المدنية تنجح في إنزال جثة متحللة بمدينة نصر    فيريرا يصدم نجم الزمالك قبل ساعات من مباراة الأهلي    عاجل| صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب.. الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخًا يمنيًا    عاجل| إيران تؤكد: لا نسعى لتطوير أسلحة نووية وترفض مفاوضات تدخلنا في مشاكل جديدة    استشهاد 52 فلسطينيا بينهم 9 من منتظري المساعدات في غزة    الصين وكوريا الشمالية: سنتصدى للهيمنة الأمريكية    توقف حركة قطارات الصعيد عقب خروج قطار بضائع عن القضبان في بني سويف    الداخلية تكشف تفاصيل مصرع أخطر عنصر إجرامي في قنا    المؤبد لتاجر المخدرات الصغير.. بائع ملابس حول شبرا الخيمة إلى وكر للسموم    رابط تقييمات الأسبوع الأول 2025.. خطوات تحميل ملفات PDF للطلاب من موقع الوزارة    رئيس محكمة النقض يستقبل عميد حقوق الإسكندرية لتهنئته بالمنصب    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. اليوم    شمس البارودي تتصدر تريند جوجل بعد حسمها الجدل حول عودتها للفن    مدحت تيخا: سر استمرار الحياة الزوجية «المودة والرحمة»| فيديو    وكيل تعليم الإسكندرية يكشف حقيقة صور المقاعد المتهالكة بمدرسة تجريبية    البابا تواضروس: نحتاج أن نرسخ ثقافات «التطوع والتبرع والتضرع»    142 يومًا تفصلنا عن شهر رمضان المبارك 2026    تقديرًا لجهودها.. قرار جمهوري يجدد الثقة في الدكتورة جيهان عبدالفتاح عميدًا لكلية التربية للطفولة المبكرة    حسين عيسى: انخفاض التضخم لا يعني تراجع الأسعار فورا    الأمانة العامة للصحة النفسية: إطلاق مبادرة لمواجهة إدمان الألعاب الإلكترونية.. الأمر لم يعد رفاهية    أحمد موسى: إخواني واخد أراضي كتير من بيت الوطن.. "واسطة ولا مين بيساعده"    وزير الزراعة: ارتفاع أسعار الطماطم مؤقت.. والأزمة تنتهي خلال أسبوعين    كونتي: أعجبني أداء الفريق رغم الخسارة من ميلان.. ونستقبل أهداف كثيرة    بمكون سحري.. طرق طبيعية لعلاج قرحة المعدة بدون أدوية    7 أطعمة تؤدي للإصابة ب أمراض الكلى (تعرف عليها)    إعلام فلسطيني: مستوطنون يحطمون مركبات المواطنين في بلدة حوارة تحت حماية قوات الاحتلال    الأربعاء.. مجلس النواب يبحث اعتراض رئيس الجمهورية على قانون الإجراءات الجنائية    خالد جلال: مشكلة الزمالك فى الموارد المالية ومشكلة الأهلى أوضة اللبس    «نهاياتهم مأساوية».. خالد الجندي يوضح حكم المجاهرة بالمعصية وتشجيع الفاحشة    هل يجوز تأجيل قضاء الصلوات الفائتة لليوم التالي؟.. أمينة الفتوى تجيب    «عبدالصادق» يوجه بإنشاء فرع ل«اللغات» داخل الجامعة الأهلية    مهرجان هولندا لأفلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يكشف عن جوائز دورته السادسة    ليلى علوي في أحدث ظهور مع يسرا وهالة صدقي خلال حفل عمرو دياب    بشرط وحيد.. عبدالحكيم عبدالناصر: «الأمريكان عرضوا على والدي يرجعوا سيناء ورفض»    الصداع النصفي ينهي حياة بلوجر ب«جلطة دماغية نادرة».. انتبه ل12 علامة تحذيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسطاسية.. البحث عن إيزيس معاصرة
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 09 - 2010


1
ينسج الروائي "خيري شلبي" أسطورته الخاصة من خلال شخصية "إسطاسية" التي تحمل الرواية إسمها، إسطاسية ليست شخصية مرسومة من لحم ودماء ومفردات وبصمات خاصة، قدر ما تمثل رمزاً ومعني وقيمة من القيم التي ينبغي أن يظل لها وجود علي الحياة الأرضية، لإسطاسية طقس جنائزي تبدأ به الرواية ويلقي بظلاله علي كل أحداث الرواية ومشاهدها، بل يسيطر علي حركة الدراما في النص، بالرغم من أنها لم تظهر في الرواية كشخصية حقيقية لها أحداث ومشاهد سوي في المشهد الأخير من العمل، ويعد ذلك توفيقاً من المبدع حين يضعها في غلاله من الغموض، لقد صنع الكاتب أسطورته الخاصة التي تتلاقي مع الأسطورة الفرعونية "إيزيس وأوزوريس"، فعلي خط متواز مع هذه الأسطورة التاريخية يخلَّق الروائي الأم "إسطاسية" التي تشعل النار لتمتد ألسنتها تبكي إلي السماء طالبة للعدل الإلهي، تستنزل اللعنات علي كل من ساهم في إلحاق الأذي بولدها محفوظ جرجس، إستبدل خيري شلبي الزوجة إيزيس بالأم إسطاسية وجعلها لا تجمع إشلاء إبنها وأجزائه مثلما فعلت إيزيس مع زوجها، لكنها إستمرت لأكثر من خمس سنوات، تقيم طقوسها وشعائرها، تجمع حقه في العدل الإلهي ممن قتلوه، حتي نال كل من ساهم في قتله نصيبه من انتقام السماء، فهي لا تجمع الأشلاء، لكنها بطقوسها تستدعي وقوع القصاص وتتعجل حدوثه.
وكما نستشعر ضعف إسطاسية لكونها أنثي مسيحية قُتِل زوجها وإبنها غدراً، كما أنها تمثل أقلية في مجتمع ظالم، ولكونها نذير شؤم يمثل مناسبة للتطير الدائم في هذه القرية "منية الكردي" إلا أننا نشعر أنها تمثل جبروتاًَ وقوة فاعلة لا متناهية، ولقد إستطاع الروائي أن يجمع في هذه الشخصية الورقية هذه المتناقضات الضعف المتناهي، والقوة المدمرة القادرة علي استنزال غضب الطبيعة وقوانين الوجود، حتي أنني شعرت في بعض المشاهد أن هناك تلميحاً من المبدع أن إسطاسية أو الإنسان هو الإله إن أراد، وأن قوة الإرادة والإصرار عليها من شأنهما مع قوة الإنسان أن تصبح هي القوة الإلهية التي لها قوة النفاذ والتحكم بالأقدار والمقدرات، يقول سيد أبو ستيت "ما يدهشني أن بنت المركوب هذه خيبت ظني وظن جميع الناس الذين استهزءوا بضآلة شأنها وظنوها خياطة هدوم علي باب الله، يعني امرأة غلبانة لا تهش ولا تنش!" الآن يتضح أنها جبروت! إنها القوة! أقوي من المصيبة! من الشرطة! من المحاكم!.. لم تكتم الحزن في قلبها حتي تموت كمداً! "لم تقبل أن يقتل ابنها بالمجان! ويبقي القتلة علي قيد الحياة". حوَّل المبدع إسطاسية من امرأة ضعيفة إلي القوة المطلقة حتي أنه وضعها في سياق اتحاد مع قوي الطبيعة من خلال مشاهد مبدعة، تتوحد فيها لعنات إسطاسية مع الريح والهواء مع الظلام والنجوم، مع المطر وألسنة النار التي توقدها، مع صخر الطبيعة وأسطح البيوت، مع المساحات الممتدة من الفراغ بيننا نحن والسماء.
يقول "فرج" سائق "عابد البراوي" وهو يحكي ملابسات موت "مصطفي عابد البراوي" "فإذا بصوت إسطاسية يصافح وجهي كزخة مطر مفاجئ سمج ولامع ومربك، المسافة بين دارنا وعزبة الحجر فركة كعب، والصوت من فوق سطح دار إسطاسية علي قمة المرتفع الجبلي يركب الهواء الرائق إلي بلدتنا، فينفرد تارة، وتارة أخري يتناسخ وتتصادم أصداؤه مع المآذن والمباني العالية فيتفتت وتتساقط فوق رؤوس أهل بلدتنا، إن صوت هذه الولية مثل الذَّرة ينشطر ويتفجر فتتصدع منه النفوس وتمتلئ بالشروخ وتصير آيلة للسقوط".
وقبل مذبحة "آل أبو ستيت" يقول حمزة أثناء عزف الآلات في الفرح ".. دخل صوت إسطاسية مندساً بين همهمة الأوتار فكأنه عصفور ضال راح يتخبط في سقف السرادق ثم اندفع خارجاً من بين الثقوب في سرعة مذهلة لكنه لسع وجوهنا وهز أعطافنا". لم تعد إسطاسية مجرد كائن بشري، لقد تخطت وتجاوزت بين أنامل وفكر "خيري شلبي" هذا الوجود المحدود؛ لتتحول إلي حالة اتحادية مع قوي الطبيعة المهيمنة الفاعلة، القادرة علي تنظيم الحياة والقيم في هذا الوجود، لقد أصبحت إسطاسية آلهة بمفهوم خاص للغاية، لقد طور المبدع إيزيس بمفهوم علمي إيماني لتصبح إسطاسية أسطورة هذه الفترة الزمنية التي نحياها.
يقول خيري شلبي "يرتفع أوار النار، يعلو زئيرها وصريخها بشكل ينذر بخطر يحرق البلدان كلها. تتفرع ألسنة اللهب مع وهج الاستعانة وجلجلة التكبيرات المؤكدة بأن الصلاة خير من النوم، عندئذ تكون إسطاسية قد دخلت في صلب النار، صارت لها عشرات الألسنة الحادة الملتهبة وصارت هي قريبة من السماء، تتطاير منها العبارات الملتهبة المكلومة إلي الفضاء كذرات من المشاعر المنصهرة في صورها، صوراً من الوجع الشعوري الأليم..".
اللافت للنظر في النص أن الروائي يخلق حالة من الاتحاد المضفور بين صوت إسطاسية وطقسها الشعائري، وبين أصوات المساجد وموجودات الطبيعة في فكر عميق يري جوهر الأشياء لا أشكالها وبدائلها، ويومئ بفنيات رائقة عن طريق المشهد والصورة الفنية والكناية عن هذا الجوهر العميق الذي هو لب الوجود وحقيقته والذي تتساوي فيه الأديان والطقوس، وتصهر كلها قيماً واحدة تنتظم علي هديها الحياة علي الأرض، هذا التصور العميق الذي يسعي إلي الوحدة الكونية هو ما يهب "إسطاسية" هذه الأسطرة العميقة.
يقول ابن عربي:
لقد صار قلبي كل صورة
فمرعي لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أني توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
2
وينجز الروائي "خيري شلبي" سرديته علي لسان الراوي الرئيسي "حمزة البراوي" في الثمانية عشر فصلاً التي تكوَّن الرواية، وعلي الرغم من هذا لا نعدم أن نشعر بتعدد الأصوات التي تساهم في بناء سردية النص، ذلك من خلال سبعة فصول فرعية إضافة إلي قص السارد الرئيسي، وقد قسمهم الروائي تحت الحروف الأبجدية، ومن خلال هذه التفريعات يواجه الروائي منطق حمزة وأفكاره ورغبته في المعرفة بمنطق الآخرين ووجهات نظرهم ورؤاهم الخاصة للحقيقة نفسها، فيستنطق "أم حمزة" في "توءمة الألم" ثم تتوالي الأصوات الأخري مثل المقدس "عازر صبحي" عمدة "عزبة الحجر"، ثم "عابد البراوي" عم حمزة والعقل المدبر للعمدة "عواد البراوي"، ثم "عبد العظيم عتمان" جزار الوقيع، ثم الأستاذ فرج سائق "عابد البراوي"، ثم زوجة العمدة "عواد البراوي" ثم "سيد أبو ستيت".
خلَّق ضفر السرد الأحادي مع هذه الأصوات المتعدد نوعاً من دفع الصراع والمواجهة، كما بث نوعاً من الحيرة ومن ثم التشويق في النص ليجعله يقترب من النص الذي يعتمد علي لغز جريمة ما يلبث أن يتكشف مع الصفحات في سرد تشويقي غامض.
وهنا نلاحظ الاتساق بين هذه التقنية السردية التي اعتمدت علي ما يشبه الاعترافات، أو الإدلاء بوجهات النظر تجاه نفس الحقيقة من الأطراف المعنية والقريبة من جريمة القتل، وبين شخصية حمزة ونوع دراسته للقانون، ورغبته أن يكون قاضياً أو نائباً يعرف الحقائق ليقيم العدل الحق، جاءت تقنية تعدد الأصوات الضمنية لتتناسب مع كونها إجابات لأسئلة ضمنية تفهم من سياق السرد، يوجهها حمزة للشخوص أو يتبرعون بها كنوع من البوح، تأتي الأصوات في السردية وكأنها استدعاءات عاجلة تطلبها التحقيق.
ويأتي السرد علي لسان الأصوات في لباس حوار من طرف واحد، كأن هناك أسئلة أو استفسارات وجهت من قبل حمزة لكنها لم تثبت في أساليب القص، لما قد يشوبها من تكرار، فيأنف الروائي من أن يصيب نصه بعض التكرارات والترهلات فيتخير أن يصوغ إجابات وحديث من طرف يمتلك جديداً، لتكثيف النص وسبكه وتتواري استفسارات حمزة، ولذا تصبح أساليب البوح وكأنها لمخاطب لا يصرح به، لكنه يعرف بالضرورة، كأن يقول عتمان الوقيع "الناس كانوا يحترمون العائلة إكراماً لخاطر الشيخ "الآن لا أحد يحترمهم عدم المؤاخذة حتي وإن زعلك هذا الكلام..".
وتتكرر هذه الأساليب في كل القص الواقع من الأصوات ويكون الموجه له الخطاب "حمزة البراوي" الراوي، وتتواري أسئلة حمزة أو التفاؤل الذي يوجه، فهي قضية واحدة ورئيسية.
ولقد نوَّع الروائي تقنيات السرد بما يتلاءم مع المكنون النفسي الداخلي لسارده "حمزة البراوي" فنلاحظ براعة الكاتب في بعض معالجات تحولات السردية، مثل أن يتحول الحوار بين حمزة وعمه عواد إلي قص حلم لعواد لكن علي لسان حمزة في قوله بعد حوار يتجاذباه "يا لها من رؤية مفزعة: رأي نفسه يقف بلبوصاً كما ولدته أمه".
أتصور أن المبدع قدَّر الهوة النفسية السحيقة بين حمزة وعمه، ولذا تخير حكي الحلم علي لسان حمزة حتي لا يحدث تعاطفاً بين القارئ وعواد لو أن السرد تم علي لسان الأخير، وهو ما لا يريده حمزة ولا يشعر به تجاه عمه، فأقصي ما نتوقعه من حمزة لأعمامه الكراهية الممتزجة بالشفقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.