الجسد في الاستيطان الصهيوني بفلسطين ظل محوراً لصراعات عديدة، يمكننا منها فهم تاريخ الصهيونية نفسها. عن ثقافة الجسد وتشكلها واستقبالها في الاستيطان اليهودي بفلسطين كتبت طالي بن يسرائيل نائبة الرئيسة في معهد الأكاديمية التعليمية "كاي" ببئر سبع، كتابها "من النظرية للعمل "قصة ثقافة الجسد في الثقافة الأرض إسرائيلية". أجرت صحيفة هاآرتس حوارا معها بدأ بالقول: "كان تشكل ثقافة الجسد في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر يهدف لتقوية صورة الصبار المجتهد الجديد، ولكن هذه الثقافة عانت من شبكة مصاعب ومعارضات. دروس التعليم الجسدي في المدارس تم الإعلان عنها بوصفها خطراً علي الأخلاق، وألعاب كرة القدم في السبت أُعلن عنها كتدنيس للمقدس، وفضلت الصحافة تغطية الصراعات الأيديولوجية بين النقابات في إطار خلق الهوية القومية الجديدة بالقرن التاسع عشر، وفي أثناء كل هذا تطور عنصر ثقافي جديد: ثقافة الجسد، التي تضمنت الصحة الجسدية، التعقيم، اللعب، الرقص، النزهات، العمل الجسدي والدفاع، وبالمفهوم الواسع أيضا التعليم الجسماني والرياضي. سألت الصحفية الكاتبة عن كيفية تطور صورة اليهودي الصهيوني الجديد بفلسطين، سليم الجسد، في مقابل اليهودي القديم الذي كان يعيش في المنفي، الضعيف ومنحني الجسد، وهي الصورة الجسدية الأشهر في بدايات الصهيونية. "في نهاية القرن التاسع عشر كان التطرق لثقافة الجسد بأرض إسرائيل (فلسطين) مستنداً من ناحية علي رؤي سابقة لليهودية، ومن ناحية ثانية علي نظريات الثورة الأوروبية القومية. في الاستيطان القديم تم إنكار هذه الثقافة عقب النظر إليها كعنصر مهدد للاندماج (بالفلسطينيين). وفي الاستيطان الجديد بدأت هذه المسيرة التي انضمت فيها ثقافة الجسد كعنصر قومي إلي التعليم والثقافة الجديدتين. هذه الرؤية أنكرت صورة "اليهودي المقيم بالمنفي" المنحني والضعيف، وبدأت في نسج صورة "العبري"، الصبار"، المغروز في المشهد الذي ولد فيه. دروس الرياضة البدنية دخلت في أرض إسرائيل للمناهج الدراسية للمرة الأولي في القرن التاسع عشر. وفق أي نموذج تم تشكيلها؟ في البداية كان ارتباط التعليم الجسماني بمدارس جمعيات "عزرا" و"كل إسرائيل حفريم"، التي عملت في القدس والموشافات. رائد المعلمين للتعليم الجسماني، تشيفي نشري، كان يقوم بالتدريس وفق النموذج السويدي -العمل في صفوف بإيقاع ثابت- والذي تحوّل مع السنوات إلي النموذج الرائد. ولكن علي مدار السنوات ارتبطت به نماذج أخري (ألمانية، تعتمد علي المعدّين، وإنجليزية تعتمد علي الرياضة الخفيفة وألعاب بالكرة، في الثلاثينيات ظهرت أيضا "الرياضة الاستخدامية"، وهي نشاط جسماني يهدف لأغراض دفاعية. ما المصاعب التي واجهت ربط التعليم الجسماني بالمنظومة الدراسية؟ انتشرت آراء سابقة عن الاهتمام بالرياضة البدنية، نبعت بالأساس من الخوف من اختراق حدود التقاليد والقيم. النماذج لهذا نجدها في تجربة رسول الطائفة اليهودية بالنمسا، والذي كان يعمل من إجل أدخال الرياضة البدنية لمدرس "لمل" بالقدس في 1856. لقد اصطدم بمعارضة تم تبريرها بأن أبناءنا لا يحتاجون تقوية أجسادهم.. في مؤتمر للمعلمين بمستوطنة زخرون يعقوب، في 1903، ادّعي شخص من مستوطنة جدرا أن الرقص والمصارعة لا ينبغي أن يكونا في المدرسة وإنما يجب أن يتم تدريس التوراة والحكمة فيها. في وصف تسيفي نشري لمدرسة البنات بيافا، يتم الإشارة إلي أب أراد إخراج بناته من دروس الرياضة البدنية. طولبت البنات بارتداء بنطلونات أسفل الفساتين وقصمان طويلة. المعارضة والخوف كانا يظهران في كل مرة يتم الحديث فيها عن أوضاع الجسد أو عن حركات "غير أخلاقية"، أو الإشارة إلي أسماء أعضاء الجسم المختلفة. ألعاب الكرة التي كانت تقام يوم السبت أثارت توترات بين الصهيونيين الدينيين والجمهور العلماني، تفاقمت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. كيف تم حل هذا الصراع العنيف؟ بفضل الحاخام يتسحاك هاكوهين كوك، وهو حاخام يافا والموشافات في السنوات من 1904- 1914، والذي كان يعمل علي المصالحة، بدون إجبار، بين الدين وحياة الاستيطان الجديد. لقد ربط في منهجه بين الرؤية الصهيونية لتنمية الجسد من أجل بناء الأرض، والرؤية الدينية، التي تقرر أنه علي الجسد أن يكون صحياً وسليماً، من أجل العمل الروحي الثابت. هكذا علي سبيل المثال، قام في عام 1933 بإرسال رسالة تقدير للجنة "مكابي" عن نشاطها من أجل الإحياء القومي، برغم أنه يعرف أنها كانت تعمل يوم السبت. من أجل الدفاع عن نفسه استعان بالكتاب الديني "شولحان عاروخ"، والذي يقول إنه ليس هناك مانع في لعب الكرة يوم السبت، إلا إذا ظهر الخوف من إلغاء أوامر التوراة. ما الذي يمكننا تعلمه من دراسة صحافة هذه الفترة عن العلاقة بثقافة الجسد بين الجمهور؟ "صحافة هذه الفترة تعكس جيدا المزاج في الاستيطان. لقد امتدحوا ثقافة الجسد، لكنهم لم يعملوا كفاية من أجلها. في بداية العشرينيات بدأت في الظهور أخبار قصيرة عن مواضيع رياضية، وبشكل عام كانت تظهر في الصفحات الأخيرة. في 1927 ظهر لأول مرة في صحيفة "دافار" ملحق رياضي ثابت. ولكن دراسة صحافة العشرينيات فضلت الاهتمام بالصراع الأيديولوجي بين النقابات أكثر من تغطية النشاط الجسماني."