في كتاب بلد الألف وجه، اعترف ماريو بارجس يوسا:" بيرو بالنسبة لي نوع من المرض المزمن وعلاقتي بهذا البلد كثيفة وخشنة ومليئة بالعنف الذي يميز الوله". وبالتالي نجد كل الشياطين الذين استحضرهم يوسا في رواياته بالتعاويذ كانوا بيروفيين أو نشئوا في بيرو، حتي ولو شكلوا جزءً من هذا الجحيم المتسع والعالمي الذي يأكل أحياناً الصفات الإنسانية. نجد مدرسة ليونثيو برادو العسكرية في" المدينة والكلاب"، وتجارة الرقيق الأبيض في" البيت الأخضر"، والديكتاتورية العسكرية في" حوار في الكاتدرائية". إنها الهوة التي نزل من خلالها بارجس يوسا إلي جحيم الواقع البيروفي، والتي عاد منها- مثل فيلسوف الكهف- ليحكي لنا ما شاهده. إن ضمير الغابة، علي سبيل المثال، المكتسب خلال حملة علمية جالت في الألتو مارانيون سنة 1958، لم تنبت فقط روايات تدور في بيرو مثل" البيت الأخضر"، " بانتاليون والزائرات" أو " المتحدث"، وإنما في أعمال جالت أيضاً في أرض ذات مناظر مستديرة مثل" الفردوس في الناصية الأخري"، "حرب نهاية العالم" و" حلم السلتيكي" حيث جحيم الغابة في الكونغو يحيل للجحيم الأمازوني البيروفي. من ناحية أخري، ضمير دناءة الديكتاتورية الذي تعالجه الرواية الغزيرة، التي هي" حوار في الكاتدرائية"، بتجاوزه الحدود البيروفية ليظهر من جديد في " حفلة التيس" وفي هذيان تمرد كانودوس أو تمرد الاشتراكيين الفرنسيين الحالمين، هو خاصية من خصائص الأدب البارجسيوسي، فهذه الشخصيات تمثل ضمير التعصب الذي اكتشفه مؤلف"الجراء" في المدرسة العسكرية، والذي خدمه ليطلق للطيران خلية من المتعصبين، الغرباء أحياناً مثل بان-تاليون بانتوخا في "بانتاليون والزائرات"، وبيدرو كاماتشو في " الخالة خوليا والكاتب"؛ وهي شخصيات أصابها عمي الأيديولوجيا مثل جاليليو جال في" حرب نهاية العالم"، وأليخاندرو مايتا في" حكاية مايتا"، وفلورا تريستان في" الفردوس في الناصية الأخري"؛ أو سكاري من الدين مثل الأخ فرنثيسكو في " بانتاليون والزائرات"، والمستشار في " حرب نهاية العالم"، أو مدفوع بالوله مثل ريجوبيرتو في" دفاتر دُن ريجوبيرتو"، وريكاردو سوموكورثيو في" شيطنات الطفلة الخبيثة". يبدو أكذوبة أن الواحد يجب أن يبرهن علي الأصول البيروفية لشياطين وهواجس بارجس يوسا، هذا الذي لمرضه ببيرو خسر أكثر مما كسب. أفكر في اللجنة التي ترأسها للتحقيق في مذبحة أوتشوراكاي، وأفكر في مغامرته السياسية التي دفعته للتقدم لانتخابات الرئاسة في 1990، وأفكر في العدد الهائل من المرات التي فيها أصابته الشيطنة ليوشي بالديكتاتورية والظلم وعدم الاستقرار في بيرو. لا أعتقد أن بارجس يوسا يجب أن يشكر بيرو علي جائزة نوبل. بل الحقيقة أنه بفضل بارجس يوسا سيصير الأدب البيروفي مرئياً في كل أنحاء العالم. الفرحة الحقيقية لكل المتحدثين بالإسبانية والذين يعتبرون يوسا واحداً منهم، وأنا يسعدني أنا أعرف أن ماريو وباتريثيا وألبارو وجونثالو ومرجانة سيعرفون في النهاية أنهم محبوبون. حتي وهم في بيرو