منذ الصباح الباكر، بدأوا يتوافدون علي الأكاديمية، كانت وجوههم صامتة، والملامح يعلوها حزن خفي لاتدركه العين الفاحصة بسهولة، سأل حامد عليش مجاوره : من أين أنت ؟ تلفت الرجل حوله قبل أن يهمس : من الإدارة العامة لضبط الإيقاع النفسي، وأنت ؟ كان الرجل طيبا معه حين صرح له بذلك، لكي يعلمه أنه مراقب، فقال : أنا ؟، لا، أنا أحلت إلي المعاش التيسيري المبرمج منذ نحو عام، وعندما تقدمت بتظلمي للجنة قياس ذكاء كائنات المملكة، تم وضعي في برنامج طويل من الدورات عليّ أن أجتازها بنجاح قبل أن يتخذوا قرارا بشأني . هز الرجل رأسه، وعاود التلفت حوله، قال : نصيحتي لك، أن تقول إن كل شئ تمام التمام، وسوف تجتاز جميع الاختبارات . دائما قلت إن كل شئ تمام التمام، في الأحاديث العادية، والتقارير، واستطلاعات الرأي، لكن ذلك لم يعد ينفع، لأن الجميع يفعلون ذلك، لابد من عمل غير عادي لتثبت لهم ذلك. عمل مثل ماذا ؟ لا أدري، طوال الوقت أفكر في هذا العمل، ماذا يمكن أن يكون، أأقف وأصرخ بالولاء ؟ أو أخلع ملابسي في ميدان عام وأكتب علي جسدي العاري بقلم فلوماستر كبير( أنا أميرالولاء) ؟، لاأدري .ضحك الرجل، وتلفت أكثر حوله قبل أن يقول بلهجة مضخمة ( أمير الولاء )، اسم رائع لفيلم سيكتسح الدنيا، أنت ملهم والله . جلسا صامتين، وبدأ الرجل يطرقع أصابعه، بينما راقب حامد عليش وجوه الجالسين، حطت نظرته علي وجه امرأة، تأملها جيدا، تساءل : أين ياتري رأيت هذا الوجه من قبل ؟ أجهد عقله حتي تذكرها، همس باسمها : زبيدة علوي، ياه ه، أيمكن أن تكون هذه المرأة تلك الزهرة التي أدهش جمالها الجميع ؟ تذكر قصتها التي كان العالم كله يعرفها، لكن أحدا لم يكن ينطق بها . كانت زبيدة شابة تجاوزت العشرين بقليل حين رأها أول مرة في أروقة مصلحة تطوير الإنسان في المملكة، وكان لجمالها المذهل رد فعل مزلزل علي كل من رأها، العيون التي تكاد تخرج من محاجرها تحملق فيها في غباء ودهشة، ومع الأيام بدأت مأساتها في النضج، سمع بجمالها )واكد الجمل(، فألحقها بسكرتاريته، ياه، واكد الجمل الذي كان الجميع يسمونه سرا واكد الثور، فحل طلوق طليق يمشي في أروقة المصلحة مشرعا قضيبه، ليخز به أقرب مؤخرة يراها، لكنه حين راود زبيدة الساحرة أيقن كم كان ذلك الجمال الطاغي غبيا لايدرك مدي سحره وطغيانه، ذلك ما عرفه متأخرا بعد ما أدركه الجميع قبله بوقت طويل، حيث أطلق عليها سرا ( الأم زبيدة ) . زبيدة المغلفة بذات باردة اندهشت جدا من ولع الرجل بجسدها، فقد كانت تعتبر نفسها وحدة مغلقة علي نفسها تماما كحيوانات القواقع، لذلك صدته، في البداية بأدب، ثم بخشونة، لكن واكد الثور أصم أذنيه، وازداد تصميما علي النيل منها، فردته بعنف، ورفعت شكواها للوزير الأول الذي قدر جيدا حين رأها مشاعر ذلك الثور، وقرر إرسالها إلي القسم الخاص بالأكاديمية المخصص للحالات الشاذة التي تخرج بالسلوك الانساني إلي نحو من الغرابة والشذوذ . وفي سنوات قليلة تم تخفيض رتبة جمالها بمجموعة من عمليات تقبيح متتالية، انتهت بوجهها إلي أن أصبح مثل كرة من العجين المختمر، ولولا سحر عينيها الذي لم يستطيعوا منه منالا ما عرفها . كان غارقا في تلك الذكريات البعيدة حين سمع صوتا ينادي : المتدربون الجدد . وقفوا جميعا، جاء الصوت : قفوا صفين . انتظموا في صفين، فعاد الصوت يعلن : للأمام سر . مشوا،وعلا صوت غنائهم خلفه : يا أخواتي عليه يا أخواتي حندوق غير لي حياتي .
رن الصوت في الممر الطويل الذي تتراص علي جوانبه فصول التدريب: قف، انتباه . توقفوا وانتبهوا، قال الرجل : المجموعة الأولي من واحد حتي ستة وعشرين، استدر . استداروا، فتح الرجل فصلا من الفصول، وقال : إدخلوا . دخلوا وتوزعوا تلقائيا علي المقاعد، وبعد خمس