موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين.. «إجازه مولد النبي كام يوم؟»    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 15-8-2025 بالصاغة (آخر تحديث رسمي)    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 15 أغسطس    العملة الخضراء الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 15-8-2025 بعد آخر انخفاض    السكك الحديدية تحذر سائقي القطارات من هذا الفعل    لافروف حول قمة ألاسكا: موقفنا واضح وسنعلنه ونعول على حوار بناء    إعلام إسرائيلي: الجيش تلقى تعليمات للاستعداد لإجراء مناورات جديدة في قطاع غزة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15- 8- 2025 والقنوات الناقلة    الإسماعيلي يتلقى ضربة قوية بعد الهزيمة من بيراميدز.. ماذا حدث؟    هشام حنفي: الخطيب غاضب من أداء الأهلي أمام مودرن.. وأنصح ريبييرو بتغيير طريقة لعبه    "بعد الهزيمة من إسبانيا".. موعد مباراة مصر والنرويج في كأس العالم للشباب لكرة اليد    لاعب الأهلي السابق يوضح سبب تراجع بيراميدز في بداية الدوري    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026 في مصر للجامعات والمدارس الحكومية والدولية    طقس اليوم الجمعة في شمال سيناء: شديد الحرارة وأمطار خفيفة    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بشمال سيناء    قرارات من النيابة في حادث مطاردة "فتيات أكتوبر" على طريق الواحات    أشرف زكي يفرض الصمت الإعلامي حول أزمة بدرية طلبة لحين انتهاء التحقيق"    علاء زينهم: عادل إمام كان يفتخر بكفاحي وعملي سائق تاكسي قبل المسرح    20 صورة لعائلة زوجة ميدو احتفالا بهذه المناسبة    أجمل رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف مكتوبة    أمل جديد للنساء، فحص دم مبكر يرصد سرطان المبيض بدقة في مراحله المبكرة    بريطانيا تدين خطة إسرائيلية لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية    بوتين يشيد بجهود ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا قبل قمة الجمعة في ألاسكا    اليوم، الإدارية العليا تبدأ في نظر طعون نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    الشرطة الفرنسية تضبط 1.3 طن من الكوكايين بمساعدة الشرطة الإسبانية    ليلة رعب بالقليوبية.. معركة بالأسلحة البيضاء تنتهي بسقوط المتهمين بالخصوص    مصرع طالب في تصادم سيارة ودراجة بخارية بقنا    مفتي الجمهورية يستنكر التصريحات المتهورة حول أكذوبة «إسرائيل الكبرى»    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    خالد البلشي يستقبل الصحفي التلفزيوني عادل العبساوي في مكتبه    هشام عباس يحيي حفلًا كبيرًا في مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء 18 أغسطس    تامر حسني: «نفسي أعمل حفلات في الصعيد والأقصر وأسوان والشرقية» (فيديو)    بعد انتهاء مباريات اليوم .. تعرف علي ترتيب جدول ترتيب الدورى الممتاز الخميس 14 أغسطس 2025    رحيل مفجع.. التصريح بدفن ضحايا ألسنة نار مصنع البلاستيك بالقناطر الخيرية    لا تتجاهل هذه العلامات.. 4 إشارات مبكرة للنوبة القلبية تستحق الانتباه    أول ظهور للفنانة ليلى علوي بعد تعرضها لحادث سير بالساحل الشمالي (فيديو)    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    لافروف ودارتشييف يصلان إلى ألاسكا حيث ستعقد القمة الروسية الأمريكية    طريقة عمل سلطة التبولة بمذاق مميز ولا يقاوم    «كنت مستنياه على الغدا».. ريهام عبدالغفور تتحدث عن معاناتها نفسيا بعد مصرع والدها    الفصائل الفلسطينية: نثمن جهود الرئيس السيسي الكبيرة.. ونحذر من المخطط التهويدي الصهيوني في الضفة    رسميًا ..مد سن الخدمة بعد المعاش للمعلمين بتعديلات قانون التعليم 2025    رسميًا الآن.. رابط نتيجة تنسيق رياض أطفال 2025 محافظة القاهرة (استعلم)    خالد الغندور: عبد الله السعيد يُبعد ناصر ماهر عن "مركز 10" في الزمالك    «اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم».. دعاء يوم الجمعة ردده الآن لطلب الرحمة والمغفرة    بيراميدز يخوض ودية جديدة استعدادا للمواجهات المقبلة في الدوري    #رابعة يتصدر في يوم الذكرى ال12 .. ومراقبون: مش ناسيين حق الشهداء والمصابين    سحب رعدية تقترب.. أسوان ترفع درجة الاستعداد لمواجهة الأمطار    هترجع جديدة.. أفضل الحيل ل إزالة بقع الملابس البيضاء والحفاظ عليها    تناولها يوميًا.. 5 أطعمة تمنح قلبك دفعة صحية    وزير البترول يكلف عبير الشربيني بمهام المتحدث الرسمي للوزارة    القانون يحدد ضوابط استخدام أجهزة تشفير الاتصالات.. تعرف عليها    بعد موافقة النواب.. الرئيس السيسي يصدق على قانون التصرف في أملاك الدولة    تعرف على عقوبة تداول بيانات شخصية دون موافقة صاحبها    بالصور| نهضة العذراء مريم بكنيسة العذراء بالدقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الغيطاني حكايات من دفتر الغياب
الغداء الأخير في الحي اللاتيني
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 05 - 2016

ليس من السهل أن تكتب عن صديق كبير طوي أوراقه ورحل دون استئذان. نكث علي غير عادته وعدًا بالحضور إلي بيروت نهاية العام الفائت للمشاركة في توقيع كتابنا المشترك "باريس كما يراها العرب" في معرض الكتاب الدولي. كان وعده قاطعًا إلي حد أنه اتصل بي مرتين للتأكيد عليه وذلك قبل وفاته بأسابيع قليلة.
كنت في نهاية العام 2014 قد عرضت علي جمال الغيطاني المشاركة في كتاب أشرف علي إعداده منذ سنوات عن باريس، وشرط المشاركة فيه أن يكون الكاتب قد عاش في المدينة لكي يتمكن من الحديث عن تجربته أو تجاربه فيها ومعها، واستثنيت جمال من هذا الشرط لمعرفتي أنه زار باريس عشرات المرات، وترجمت أهم كتبه إلي لغتها وقد رأيته مرارًا يذرع شوارعها ونواحيها ملاحظًا ومدونًا وقارئًا تفاصيلها وكان يفاجئني أحيانًا بإرشادي إلي نواحٍ ما كنت أعرفها أنا الذي أمضي عمرًا في عاصمة الفرنسيين.
وصلني نص الغيطاني عبر الصديق محمد الشرقاوي في غرة العام الفائت بخط يده وبعنوان "قناعي"، فأضفت إليه "قناعي في متحف اللوفر". وفيه يروي كيف أنه لا يطرق أبوابًا ولا يذرع شوارعها ولا يأنس بمطاعمها قبل أن يذهب إلي متحف اللوفر ويتقمص قناعه الفرعوني الماثل في ركن بارز من مصريات المتحف ثم ينتشر في المدينة التي أخبرني يومًا أن بعض حاراتها صارت حميمة عنده كحارات القاهرة القديمة وبخاصة الحي اللاتيني.
في زيارته الأخيرة إلي العاصمة الفرنسية في شهر أيار مايو الماضي، اتصل بي كعادته عندما يزور المدينة منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وقال بلهجة حاسمة: "المرة دي أنا عازمك علي الغداء في نفس المطعم ما فيش نقاش". قلت: "مش بيناتنا يا رجل". فقال: "أنا مُصرٌ" قلت مستسلمًا: "لا بأس. فليكن".
"مطعم لو ماشون" يقع في الحي اللاتيني علي مقربة من كنيسة سان سولبيس التي صارت شهيرة عالميًّا بعد أن دخلت في رواية دان راذر "شيفرة دافنتشي" وقد زرناها جمال وأنا معًا أكثر من مرة وتأملنا في المعبد الذي احتل حيزًا مهمًّا في الرواية، ويخيل إليَّ أنه زارها منفردًا أكثر من مرة أيضًا، فهو لا يهمل بعض الأماكن الرمزية كهذه الكنيسة.
اكتشفت مطعم "لوماشون" صدفة عبر صديق مغربي ودرجت علي اصطحاب أصدقائي الذواقين إليه، وهو يضم ست طاولات فقط لكن أطباقه فريدة من جنوب فرنسا، ورواده من أبناء الحي الراقي المحيط به أو من الغرباء الذين يعرفون أعماق المدينة ويحملهم فضولهم إلي نواحيها الغنية.
خلال الغداء بدا الغيطاني كعادته فرحًا وودودًا، تحدثنا في كل شيء تقريبًا، لكنه كان ملحًّا بأسئلته حول مصر وحول الموقف الفرنسي والأوروبي من التطورات المصرية، وكعادته كان حريصًا علي لفت انتباهي إلي أن وجهة نظري مسموعة في القاهرة وأنه لمس هذا بنفسه وأنه لا يجاملني في هذا إطلاقًا. فقلت مازحًا: "لو أن ما أقوله حاسم لربما تغيرت أشياء كثيرة ولما بقي حالنا حزينًا كما هو الآن". فضحك وضحكنا معًا وعلق: "الكلام يترك تأثيرًا قويًّا إن كان صادقًا ومنهجيًّا ومسنودًا بعلم ومعرفة".
بخلاف غداءاتنا السابقة، كان هذا الغداء طويلًا إلي حد أننا كنَّا آخر من غادر المطعم، وفي لحظة المغادرة جاءني النادل الفرنسي من أصل مغربي سائلًا: "من هذا الرجل الوقور؟ يأتينا يوميًّا علي العشاء منذ 3 أيام". ومن ثم ألقي التحية علي جمال بالمغربية فوعده بأن يوقع له كتابًا في المرة القادمة. وغادرنا المطعم إلي فندق جمال القريب والواقع في الجهة الثانية من بولفار سان جرمان. وفي قاعة الانتظار في الفندق استمهلني لدقائق وصعد إلي غرفته ليحمل لي نسخة من المجلد الأول من أعماله الكاملة. ومن ثم ابتسامة محببة وجملة وداع أنيقة: حنتقابل في بيروت إن شاء الله.
عرفت جمال الغيطاني في أواسط ثمانينيات القرن الماضي. التقينا في صنعاء علي هامش ندوة الفن والأدب لدعم الانتفاضة الفلسطينية. وشاءت الصدف أن نصبح أصدقاء في لقائنا للعام التالي في مراكش حيث كنا مدعوين من ولي العهد في حينه والملك محمد السادس اليوم للمشاركة في احتفال جائزة المملكة السنوية لأفضل الكتب الصادرة في العام الفائت ثم تكررت اللقاءات في باريس وبيروت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والقاهرة وتخللتها معارك مشتركة دفاعًا عن الوحدة اليمنية والقضية الفلسطينية وضد الغزو الأمريكي للعراق ولكن ظلت باريس هي المكان الأكثر رحابة في لقاءاتنا... إلخ.
وكان من الطبيعي أن تتسع هذه اللقاءات لتشمل عائلتينا فيهدي بناتي نسخًا من كتبه بالفرنسية وأن نتداول هموم بلدينا والأمة العربية عمومًا وأن نتبادل إنتاجنا، كلٌّ في اختصاصه إلي أن اجتمعنا خارج "أخبار الأدب" في كتاب "باريس كما يراها العرب" الصادر أواخر العام الماضي عن دار الفارابي في بيروت.
خسارتي في الغيطاني الصديق لا تعوض، فأنا أفتقده في نواحي باريس الجميلة التي جمعتنا وفي النواحي التي أقلب في ذاكرتي تفاصيلها وملامحها في مراكش وصنعاء والشارقة والبحرين وعمان وبيروت وغيرها من عواصم العرب والعالم التي اجتمعنا فيها بمناسبة ثقافية أو للتضامن مع فلسطين أو بمحض الصدفة.
بيد أنني أعيش مع الغيطاني الأديب ما حييت فأثره الأدبي لا يموت ولا يتوقف وقد وشمني كما وشم جيلًا من العرب عمومًا والمصريين خصوصًا. من يستطيع اليوم أن يمر مرور الكرام علي "الزيني بركات" أو "أوراق شاب عاش قبل ألف عام" أو "حكايات الخبيئة"، وغيرها فهو أضاف إلي الأدب العربي الحديث حيوية مذهلة تجمع بين القديم والجديد وبين التاريخ والحاضر، وأحيا بطريقة شديدة الخصوصية صفحات كانت مغلقة إلي الأبد في التاريخ الاجتماعي لمصر المملوكية، بل كانت له قاهرته الخاصة التي حاكها بخيوط زاهية وجذابة، طبعت قراءه ووسمت توقيعه علي صفحات الأدب المصري مرة واحدة وإلي الأبد.
أما جمال الصحافي فكان فخورًا بمهنته التي جمعت بين الرسالة الحربية من جبهات القتال وصناعة الأدب والثقافة في أسبوعية "أخبار الأدب" التي أسسها وحولها إلي منبر لا يمكن تجاوزه في عوالم الثقافة العربية، وبينهما جمال المعلق السياسي الذي برع في الثقافة السياسية وفي السجال الراقي في مناسبات عديدة. توفي الصحافة البصرية السمعية تمكن الغيطاني خلال فترة زمنية قصيرة من تطويع التليفزيون وتحويله إلي وسيلة مفيدة في صناعة راقية للرأي العام مخاطبًا ذوقه وعقله ومشاعره في الآن معًا. لا يمكن لأي منا نحن أصدقاء الغيطاني أن نحيط بأثره الأدبي الواسع، وبالتالي أن نقوم بعمل ضروري هو من اختصاص النقاد الجديين الذين لن يفوتهم تصنيفه في مقام عالٍ من مقامات الأدب العربي والعالمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.