تراجع سعر اليورو اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 بالبنوك المصرية    سعر الدواجن بالأسواق اليوم 22-8-2025 فى المنوفية.. الفراخ البيضاء ب74 جنيها    نائب وزير الإسكان يترأس اجتماع لجنة إعداد مُقترح لائحة قانون تنظيم المرفق"    تليجراف: هيئة رصد الجوع الدولية ستعلن "مجاعة فى غزة" لأول مرة    زلزال بقوة 7.5 درجة يضرب ممر دريك بين أمريكا الجنوبية والقارة القطبية    رئيس الوزراء يشارك بالجلسة الختامية لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية تيكاد 9    كاتس: أبواب الجحيم ستفتح على حماس حتى يقبلوا بشروطنا لإنهاء الحرب    عودة الأهلي.. مواعيد مباريات الجولة الرابعة لمسابقة الدوري المصري    الإسماعيلى ينهى اليوم ترتيبات انعقاد الجمعية العمومية العادية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة    رمضان السيد: خوان ألفينا صفقة بارزة للزمالك    رئيس مدينة طهطا يتفقد حالة مصابى المنزل المنهار بالمستشفى العام.. صور    الاعتداء على شاب بأسلحة بيضاء وشوم فى الحوامدية    بسمة بوسيل تكشف عن تعاونها مع رامز جلال وطرح دويتو غنائي جديد    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    أخبار فاتتك وأنت نائم| إيقاف الرحلات الجوية إلى إيران.. جرائم قتل غامضة تهز فرنسا    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة 22-8-2025 بعد ارتفاعه في 7 بنوك    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    معجزة جديدة ل أطباء مصر.. طفلة جزائرية تقف على قدميها مجددًا بعد علاج 5 أشهر (فيديو)    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    درجة الحرارة تصل 42 .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    شراكة حضارية جديدة بين مصر والصين في مجال التراث الثقافي «المغمور بالمياه»    «مخضوض وواخد على خاطره».. رضا عبدالعال يقيم شيكو بانزا    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    عاصي الحلاني ينتقد فكرة ظهور المعجبات على المسرح.. ماذا قال؟    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    حرق الكنائس.. جريمة طائفية ودعوة للتدخل الأجنبي    بيان «المحامين» يكشف الحقيقة في اجتماعات المحامين العرب بتونس    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    محمد رمضان يستفز جمهوره في مصر ب فيديو جديد: «غيرانين وأنا عاذرهم»    وائل الفشني يكشف موقفا محرجا تعرض له: «أنبوبة بوتاجاز أنقذتني من بلطجي»    إذاعة القرآن الكريم| هاجر سعد الدين أول سيدة بمتحف الأصوات الخالدة    هل يمكن تحديد ساعة استجابة دعاء يوم الجمعة ؟ دار الإفتاء توضح    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    انخفاض جديد في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة محليا وعالميا    فصل التيار الكهربائي عن بعض المناطق بكفر الشيخ    نجوى فؤاد: أطالب بمعاش يكفي احتياجاتي وعلاجي    نجاح أول حالة غسيل كلوي طوارئ للأطفال بمستشفى دسوق العام    قبل انطلاق النسخة الثالثة.. صفقات أندية دوري المحترفين موسم 2025-2026    إعلام فلسطيني: استشهاد طفل بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط غزة    أونروا تحذر: عمليات الاحتلال في غزة تنذر ب"تسونامي إنساني" غير مسبوق    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    غرق طالب طب بروسيا خلال إجازته الصيفية في مطروح    ياسر ريان يشيد بأداء المصري: هو المنافس الحقيقي للأهلي على لقب الدوري    آدم كايد يعرب عن سعادته بفوز الزمالك على مودرن سبورت    التعادل الثالث.. سموحة وزد يتقاسمان النقاط بأمر تقنية الفيديو    مش هتشتريه تاني.. طريقة عمل السردين المخلل في البيت    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    خالد الجندي: الدفاع عن الوطن وحماية مصالحه من تعاليم الإسلام    هل يستجاب دعاء الأم على أولادها وقت الغضب؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن القومية والإمبراطورية والدم
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 04 - 2016

بتأمل الأممية الدينية من جهة والقومية (الوطنية أو العروبية) من جهة يظهر لي أن الأولي قد غذت الثانية باستمرار رغم الخلاف المعلن بينهما.يفترض هذا المقال أن فكرة الأمة لم تكن الفكرة الأساس لتأسيس النظرتين ولكن بالأحري فكرة الامبراطورية. في الأممية الدينية ثمة لحظة امبراطورية كانت "الأمة" فيها قوية، منتصرة، وباطشة أيضا، مارست الاستعمار تجاه الأمم الأخري. يفخر الإسلامي بزمان الوصل في الأندلس رغم أن إمبراطوريته فتحت البلاد استعمارا، وللتغطية علي استعمارية اللحظة الامبراطورية أخلاقيا يسمي الغزو "فتحا" ويكون الغرض من الغزو/الفتح "هداية" الأغيار/الكفار/الشعوب الأخري. بالنسبة للقومي العروبي بالذات ثمة لحظة امبراطورية لم توجد بعد، لحظة امبراطورية محتملة في المستقبل. أما القومية الوطنية فإنها تقف في منتصف الطريق بين الاثنتين: ففي ماضي القومية الوطنية لحظة امبراطورية حقيقية (استعمارية أيضا) في وسط تاريخ طويل من التعرض للاستعمار، وفي مستقبلها لحظة امبراطورية محتملة، لهذا يفخر القومي المصري مثلا بأن دولته امتدت حتي الرافدين شرقا وبرقة غربا وشمال السودان جنوبا، رغم أن هذا الامتداد حدث بالعدوان، وتجده يعاير الشعوب الأخري بالأسبقية وبالتنوير (رغم أن التنوير لا يلائم التعالي علي أي نحو). وإذا كانت اللحظة الامبراطورية الإسلامية تحققت بوجود "الأمة" فإن اللحظة الامبراطورية العروبية المتخيلة واللحظة الامبراطورية المصرية مشروطتان بوجود "الأمة" أيضا. فما هو مفهوم الأمة؟
يرتبط مفهوم الأمة بمفهوم الهوية. ثمة جماعة من البشر اجتمعوا في لحظة ما بالتشارك في هوية مميزة. هذه الجماعة لم يقلل اتصالها بالجماعات الأخري من النقاء المتخيل. النقاء الهوياتي سمح علي الدوام لهذه الجماعة بأن تكون مميزة عن الجماعات الأخري، ليس هذا فحسب، بل إن هذا النقاء منح هذه الأمة "تفوقا" و"جدارة" ومن ثم "استحقاقا" تاريخيا. الجماعة الإسلامية مُنحت التفوق والجدارة والاستحقاق بأمر إلهي "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، فيما منحت الجماعة العربية تفوقها وجدارتها واستحقاقها بالعرق واللغة (وتلك حظيت بتفوق علي نظيراتها باعتبارها لغة الله أو كلام الله علي أقل تقدير) فيما مُنحت الجماعة المصرية تلك الهبات بإنتاج الحضارة (رغم أنها توقفت عن هذا الانتاج منذ ألف عام علي الأقل). المهم أن استعادة المركز الطبيعي لهذه الجماعات مرهون باستعادة الأساس الهوياتي لكل منها. استعادة الامبراطورية الإسلامية مرهون باستعادة الالتزام بكلام الله، واستعادة الامبراطورية العروبية (التي لم توجد) بالتوحد كجماعة نقية وبالحرص علي اللغة بالطبع، واستعادة الامبراطورية المصرية باستعادة الدور الريادي الحضاري (استعادة وجه مصر استعادة روح مصر إلخ هذه المسميات التي لا تعني شيئا إلا بوجودها بإزاء آخر، إذ لا معني للروح الأمة المصرية إلا بإزاء روح غير مصرية، كما أنه لا معني للأمة الإسلامية إلا في مواجهة أمة غير إسلامية).
لهذا فإن النظرات الهوياتية الثلاث تؤسس لنفسها مركزا في الماضي، أو نقطة ابتداء، والدليل علي مركزية مفهوم الامبراطورية أكثر من مفهوم الأمة نفسها أن الأممية الإسلامية تؤسس أسطورتها علي الدولة أكثر منها علي الدعوة رغم أنها بالطبع تشرعن الدولة علي الدعوة. الفارق بين الدولة والدعوة أن الأولي تلحق علي الثانية وترتبط بالخلافة الراشدة وما تلاها من دولتين (أموية وعباسية)، وهي اللحظة الأسطورية المرهونة باستعادتها استعادة الهبات الإلهية، أما الدعوة فهي فترة ما قبل الدولة التوسعية الاستعمارية إن جاز القول. وعليه فإن الأممية الإسلامية تؤسس مركزها علي تلك اللحظة فيما وجدت العروبية مركزا لتأسيس نفسها علي أسطورة أكتوبر بالذات (باعتبارها لحظة انتصار وباعتبارها لحظة تضامن عروبي) في الوقت الذي تؤسس فيه القومية الوطنية مركزها علي لحظتين (اللحظة الفرعونية بمجدها العمراني والتوسعي الاستعماري واللحظة الستينية بزمن فنها الجميل)، الفكرة الأخيرة صحيحة ولكنها ناقصة، يمكن استكمالها بالنظر للتعالي الوطني الذي يكرر باستمرار قصصه القديمة سواء عن توسع الدولة المصرية القديمة شرقا وغربا أو عن قوة ناصر التي جعلته يتعامل مع أقرانه العرب بزعامة شيخ قبيلة فيهدد بنتف لحي الملوك العرب أو التي جعلته يواجه الغرب ندا لند، إضافة طبعا لتهديده بإلقاء اليهود في البحر.
وللحفاظ علي هذا المركز (الهوياتي الامبراطوري) علي الدوام يحتاج الأممي إلي حدود وأعداء. الإسلامي يدافع عن الدين (حدود) ضد أعداء الدين (كل الذين لا ينتمون سياسيا إليه بالجملة). العروبي يدافع عن الأرض/التراب (حدود) ضد المتربصين (أعداء الأمة المرموز لهم بالاستعمار بالجملة). القومي الوطني يدافع عن الكرامة والعزة (حدود) ضد الذين لديهم عقد نقص عديدة تجاهه والذين يحسدونه طوال الوقت (الأقل حضارة بالذات). اللافت للنظر أن العروبي المصري والقومي المصري يتشاركان قواسم عديدة من الحدود والأعداء، الفارق أن العروبي المصري يقلل من التعبير عن التفوق الحضاري قدر الإمكان أملا في الوحدة مع أخيه العربي فيما لا يفوت القومي المصري أية فرصة للتعبير عن هذا التفوق.
ولاستمرار كل هذا فإن للدم كمفهوم مركزية كبيرة، خصوصا بالنسبة لهؤلاء الذين يتقاسمون التفكير في جماعتهم المتخيلة ك "عرق". قال عمر بن الخطاب ذات مرة "تعلموا النسب ولا تكونوا كنبط السواد (العراقيين الآراميين) إذا سُئل أحدهم عن أصله قال من قرية كذا". هذه عبارة تدلل علي مركزية الدم في الخطاب السياسي الإسلامي رغم أن الأممية الإسلامية تفترض تجاوزها. والملاحظ أن الإسلام وإن كان قد اتخذ موقفا من هذه النظرة العرقية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فإن التاريخ الإسلامي يدلل علي أن التشدد الإسلامي تجاه العرقية لم يفلح كثيرا بدليل أن كل الذين خلفوا الرسول بداية من أبي بكر وانتهاء بآخر خليفة عباسي كانوا من قريش! إضافة إلي ذلك فإن الإسلاميين دشنوا تراتبية عرقية تضع علي قمة هرمها الأشراف (الذين يرجع نسبهم لآل البيت، رغم مرور أربعة عشر قرنا). أما القومية فلا حاجة لإعادة رصد صلتها بالعرق! المهم هنا ليس فحسب في دلالة الدم في اتصالها بالعرق ولكن في خضوع الدم للاستعمال السياسي علي الدوام، بالطبع يظل قميص عثمان الرمزية الكبري لهذه الاستعمالية، لكن القومي أيضا يتشارك الإسلامي في استعمال أي قميص ملطخ بالدم لاستمرار الصراع ضد العدو دفاعا عن الحدود(استخدام اللفظ الديني "شهيد" من كل الأطراف مهم في هذه المسألة). أي أن تغذية الحرب علي الدوام هي شرط وجود هذه الجماعة، لأن الجماعة لا يمكنها التفكير في نفسها كذات إلا في وجود آخر، لا يمكنها التفكير في نفسها كذات إلا في حرب وجود مع الآخر (كقاتل ومقتول). والحقيقة أن زرع إسرائيل في المنطقة منذ سبعين عاما وفر ذريعة كبيرة لتوالي إنتاج كل هذه الأساطير، فهي كجماعة استعمارية منحت الأممية الإسلامية قبلة الحياة باعتبارها أي اسرائيل مؤسسة علي الدين، فيما منحت شرعية للقومية العربية لأنها برهنت علي صحة الافتراضات التي قامت عليها (المؤامرة علي العروبة كمثال)، فيما أحيت الوطنية المصرية خصوصا وقد ظلت الأخيرة في المواجهة المباشرة عسكريا مع إسرائيل منذ تأسيسها. ورغم معاهدة السلام مع مصر، ورغم توقف العرب عن التهديد المتبادل مع إسرائيل، فإن الأطراف كلها كما لو كانت قد اتفقت علي أن وجودها أصبح مرهونا بوجود الآخر، ومن ثم استمرت الأطراف كلها (بما فيها إسرائيل) في إعادة إنتاج الأساطير القديمة، ولا يبدو في الأفق أن ثمة أملا في التوقف عن إنتاج هذه الأساطير لصالح المستقبل.
ثمة عبارة تقول إن الهدف من الحرب هو إنهاء الحرب. هذه عبارة لا تناسب أيا من الجماعات السابق ذكرها بأي حال من الأحوال. بالنسبة لي أحلم بزمن ما بعد الحرب.. الحرب التي تخاض من أجل إنهاء كل الحروب. قال شارلي شابلن ذات مرة "أنا أشعر بأني مواطن في كل العالم. وأشعر أنه عندما يحين الحين سوف تزول الحواجز بين الشعوب والأمم، وينتقل الناس من مكان إلي مكان في أي بقعة في العالم، وسوف يصبحون جزءا من أي قطر فيه، وقد كان هذا علي الدوام شعوري بالمواطنة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.