«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والوطنية والقطرية د. عصام العريان
نشر في المصريون يوم 28 - 03 - 2006

مع النجاحات المتكررة التي يحققها تيار الإخوان المسلمين السلمي عبر الآليات الديمقراطية في كثير من الانتخابات البلدية والنيابية عاد إلى الظهور الحديث عن موقف الإسلاميين عن الوطنية والقطرية بين ذام لها ومتقبل للفكرة. كتب "تركي على الربيعو" في الحياة 4/2/2006 عن "الوطنية المذمومة في الخطاب الإسلامي" يقول بصورة قاطعة (لا نعثر في الخطاب الإسلامي على مفردة "الوطنية" التي تغيب عنه نهائيا). ولا أدري كيف يجرؤ باحث أو كاتب على مثل هذا التقرير ، ويمر دون تعقيب عليه حتى مرور أسبوعين!!! تزول الدهشة إذا أكملنا قراءة المقال فإنه يعتبر مصدره كتاب الصديق "منتصر الزيات" حول الجماعة الإسلامية رؤية من الداخل ، وهذا وأيم الله ، جناية على البحث العلمي والقراءة الجادة. وتعود الدهشة مرة أخرى إذا سرنا مع المقال إلى أن نكتشف أن الخطاب الإسلامي عنده يبدأ من الشهيد "سيد قطب" وينتهي مع الأستاذ "جمال البنا" ولا يستدعي تشابه الأسماء وصلة القرابة اللصيقة للباحث إلى الذهاب إلى شقيق الثاني الإمام الشهيد "حسن البنا" الذي يعد المؤسس الثاني أو الثالث للخطاب الإسلامي المعاصر بعد الأفغاني عبده رشيد رضا. ولم يعفب الكاتب قوله في ثنايا الخطاب "وذلك على سبيل المثال لا الحصر" فالمقولة تستدعي إلى الذهن أنه حصر كل الخطاب الإسلامي ويدلل على صحة فرضيته بأمثلة قليلة. ولكي يعود إلى الاعتدال في البحث يقول :" مع كل نقائض الديمقراطية والوطنية كما يراها الخطاب الإسلامي إلا أن القبول بها أصبح واقعا ومنهجا عند الكثير من الأحزاب ، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي انخرطت قبل غيرها في اللعبة الديمقراطية وفي المجال السياسي عموما الذي عليه أن ينهض على قاعدة من التعددية السياسية التي تنهض بدورها على قاعدة من المواطنة والمساواة". ينقل عن الكاتب أن شعار "الإسلام هو الحل" شعار تحشيدي لاستقطاب الناس للعملية الانتخابية ، وأنه لا يلغي الوطنية ، بل ينهض على قاعدة من المواطنة في إشارة إلى طمأنة الأقباط. يتساءل الأستاذ تركي الربيعو في نهاية مقاله " هل سيركن الخطاب الإسلامي المعتدل منه والراديكالي إلى هذا الزاد النظري الفقير في الوطنية والمواطنة أم أنه سيطور نفسه كثير في هذا الاتجاه؟. ويتوقع أن يمر الخطاب الإسلامي بحالة مراجعة للكثير من مفاهيمه وأن هناك مرحلة جديدة مازالت ملامحها غير واضحة. *** ثم كتب "عمر كوش" في الحياة اللندنية مرة أخرى في 18/2 حول " في معنى الأمة والدولة والمواطنة" يقرر فيه أن مفهوم الأمة من المفاهيم المركبة تعرض لتغيرات وتبدلات عدة. وأن مفهوم الأمة الإسلامية جرى اختصاره في البعض الأحيان إلى جملة المسلمين فقط رغم أن مفهوم الأقليم بجانب مفهوم الجماعة يتضمن البشر والمحيط. وقد أستدعى مفهوم "دار الإسلام" في مواجهة "دار الحرب" فقط في أثناء الحروب أو حين يتهدد المسلمين خطر خارجي في حين أن مفهوم الجماعة والأمة لا ينفي التعدد والاختلاف ، وأن الدولة الإسلامية نشأت في إطار تعددي. يقرر الكاتب أيضا حقيقة غابت عن الكثيرين مثل : أن دولة المدينة قامت على أساس من التعاقد الاجتماعي الحقيقي وبإرادة طوعية حرة من خلال : بيعة العقبة الثانية وأضيف أنا إليه "وثيقة المدينة" وقد تقرر من خلال هذين العقدين أمران : الأول : أن الأمة مصدر السلطات الثاني : أعطت دولة المدينة حق المواطنة لجميع مواطنيها من دون تفرقة بينهم في لون أو جنس أو دين أو لغة. يشير الكاتب عمر كوش إلى حقيقة تاريخية تغيب عن الشباب الذي لم يدرس التاريخ الإسلامي : إن واقع الحال التاريخي قد اتجه إلى التعدد في الكيانات الإسلامية سواء في الخلافة العباسية في بغداد أم الأموية في دمشق والأندلس ثم نشأت كيانات الغلبة التي ارتبطت بالخلافة العباسية ارتباطا رمزيا أو أسميا ثم كانت محاولة الخلافة العثمانية لتشكيل ما يسمى "الجامعة الإسلامية" التي نجحت إلى حد ما في إدارة التنوع والاختلاف العرقي والمذهبي والديني داخلها ثم فشلت في نهاية عهدها. جاءت الحقبة الاستعمارية التي أدت إلى التجزئة والتبعية ، تجزئة الأمة الإسلامية إلى دويلات قومية بعضها مصطنع تماما (خاصة الثرية منها أو ذات الدور الخاص مثل إمارات الخليج ودول الطوق الشرقي للكيان الصهيوني) برز أثناء فترة المقاومة للاستعمار مفهوم الدولة القومية ، وحيث كان العامل الإسلامي هو الأبرز في عناصر المقاومة والمطالبة بالاستقلال والتحرر. لم يغب مفهوم الأمة عن الحس الشعبي إطلاقا لارتباطه بالمفهوم الديني لوحدة العالم الإسلامي التي كونتها العقيدة والحضارة والتراث وأحيانا اللغة على الأقل عند تلاوة القرآن الكريم. قبل وأثناء ومع الحقبة الاستعمارية نشأ مفهوم الدولة القومية الذي أحدث كما يقول عمر كوش (تأثيرات مهمة على مفهوم الدولة الإسلامية حيث نشأ تعدد من نوع جديد) يعرف الحدود السدود والجنسية والعلم والجيوش والعروش ثم جاءت موجة العولمة في إطار ما بعد الحداثة لتهدد مفهوم الدولة القومية من جديد داخل العالم كله في إطار ما يسمى بالقرية الكونية الواحدة في تهديد واضح لمفاهيم السيادة القومية والدولة والوطنية القومية والعزة القومية والأمن القومي الوطني أو الإقليمي ليحل محله مفهوم جديد عن الأمن والسلم الدوليين واستباحة التدخل في الشئون الداخلية للدول والحروب الاستباقية ليس فقط لمحاربة الإرهاب والعنف بل لمواجهة ما هو أعجب وأغرب في الشئون الصحية (إنفلونزا الطيور كمثال تهدد الصحة العالمية ، وقبلها الإيدز والسارس وجنوب البقر .. إلخ) ومعها وبعدها الهجرة الدولية وخطرها على التركيب السكاني لدول أوروبا وأمريكا .. إلخ. وهنا هبت دول العالم الثالث ومعظمها إسلامي لتحمي ما تبقى من كرامتها وسيادتها واستقلالها مما أعاد إلى الأذهان من جديد مفهوم الدولة الوطنية الذي بات يهدده مفهوم الدولة العالمية والأسواق المفتوحة وأجندة واسعة تحاول الولايات المتحدة فرضها عبر الأمم المتحدة في مؤتمرات متعددة ومتكررة حول السكان والطفولة والعلاقات الزوجية والجمعيات الأهلية وهي تتناقض مع نفسها عندما تحرم جلب جنودها أمام العدالة في المحكمة الجنائية الدولية وفي نفس الوقت يرتفع صوتها لجلب آخرين من اليمن كالشيخ عبد المجيد الزنداني أمام محاكمها الخاصة ، وتطالب بفتح الأسواق بينما يرفض أعضاء الكونجرس عقود إدارة 6 موانئ أمريكية كبرى بواسطة شركة من "دبي" وينجحون في وقف الصفقة وتأجيل تنفيذها حتى الآن. لم ينفصل الإسلاميون ولم تغب الحركة الإسلامية عن تلك التطورات الفكرية خاصة وأنهم لا يحلقون في آفاق الأفكار وفقط ولكنهم ينزلون إلى أرض الواقع وأحيانا ينطلقون من الواقع لبناء نظرية فكرية وصدق حسن البنا مؤسس أكبر حركة إسلامية شعبية في القرن العشرين الميلادي عندما وصف حركته بقوله: " نحن قوم عمليون". *** بدأت الفكرة القومية والدولة الوطنية تبرز في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وكانت ذروتها في الثورة الفرنسية وإصدار إعلان حقوق الإنسان ، وقامت الدولة القومية في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا على أنقاض الإمبراطوريات السابقة التي خلفت دول العصور الوسطى التي تحالفت فيها الكنيسة مع الأباطرة الإقطاعيين. في هذه الأثناء كانت الإمبراطورية العثمانية هي التي تسيطر على المنطقة من أرض الرافدين إلى الجزائر تقريبا. وكانت فكرة إصلاح الإمبراطورية هي السائدة في أذهان المفكرين الإسلاميين ودعاة النهضة والساسة. حمل في نهاية القرن التاسع عشر لواء الفكرة الإسلامية "جمال الدين الأفغاني" ومرجعنا الأساسي في هذا الموضوع هو السفر العظيم للأستاذ الدكتور محمد محمد حسين أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة الإسكندرية "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" في طبعته الثانية عام 1382ه (1962م) "مكتبة الآداب بالقاهرة". يقرر الدكتور في مقدمة الطبعة الثانية عن النزاع الذي طرأ في البلاد العربية بين نزعة إسلامية تليدة موروثة تمثلت في التعلق بفكرة "الجامعة الإسلامية" وبين النزعات القومية الطارئة التي أطلت على المنطقة مع أوائل القرن الرابع عشر الهجري ( العشرين الميلادي) والمعارك التي تفرعت عن ذلك حول الوطنية الخالصة وبين النزعة العروبية بعد الفرقة الطارئة فكان نزاع بين النزعات الإقليمية وبين النزعة العربية ثم ما هو تصور العروبة : هل هي امتداد للإسلامية السابقة؟ أم هي صورة من القوميات الغربية اللادينية؟ يقول الدكتور :" لم يكد الخلاف فيها جميعا يخرج عن اتجاهات ثلاثة: اتجاه يدعو إلى العودة لينابع الإسلام الأولي؛ واتجاه آخر يدعو لاحتذاء الغرب وتتبع خطاه؛ واتجاه ثالث يدعو إلى إسلامية متطورة يفسر فيها الإسلام تفسيرا يطابق الحضارة الغربية ، ويبرر أنماطها وتقاليدها الكتاب يتناول الفترة التاريخية من الثورة العرابية إلى قيام الحرب العالمية الأولى ، ويقتصر على مصر فقط ، ويبحث أساسا في انعكاس الأفكار على الأدب المصري شعرا ونثرا. واهتم بتوضيح الخطوط الرئيسية والاتجاهات العامة والتيارات الأساسية. سياسيا حمل لواء الجامعة الإسلامية "مصطفى كامل" الزعيم الوطني المصري المعروف وبدأت المزاوجة بين الفكرة الإصلاحية والمفهوم الوطني البعيد عن الجامعة الإسلامية مع فشل الثورة العرابية وقدوم الاحتلال الإنجليزي وزيادة النزعة القومية الطوارنية في تركيا عاصمة الإمبراطورية العثمانية. كان الأب الروحي للوطنية المصرية الإصلاحية هو الإمام الشيخ محمد عبده. ففي مدرسته تخرج آباء الوطنية المصرية السياسيون مثل أحمد لطفي السيد " وسعد زغلول وقاسم أمين وغيرهم. كانت سنوات المنفى للإمام محمد عبده ، وانفصاله عن أستاذه "الأفغاني" ومحاوراته مع فلاسفة الغرب مثل "سبنسر" و"هاناتو" ومجادلاته مع "فرح أنطوان" وغيره من الأسباب التي دفعته إلى بللورة فكرة جديدة تعتمد التجديد والإصلاح وتنزع إلى الهدوء بدلا من الثورة ، والتفاهم مع المحتل بدلا من المواجهة ، وإصلاح التعليم الديني الأزهري لقيادة التجديد الديني بدلا من الانصراف عنه إلى التعليم المدني.. إلخ. مات الإمام 1905م وازدهرت المدرسة الوطنية مع ثورة 1919م بعد محنة الجامعة المصرية بسبب الفتنة الطائفية التي أعقبت اغتيال بطرس غالي باشا وعقد المؤتمر القبطي الأول وما تلاه من أحداث، وكان تلامذة الإمام هم قادة الحركة الوطنية قبل وبعد الحرب الأولى. عادت الفكرة الإسلامية بقوة بعد انهيار الخلافة الإسلامية وخلع الخليفة عام 1924م وراودت البعض أحلام تولي الخلافة مثل الملك فؤاد في مصر والشريف حسين في مكة وغيرهما. ما يهمني هنا أن الحركة الإسلامية الشعبية " الإخوان المسلمون" استطاعوا بلورة رؤية واضحة نحو فكرة "الوطنية" وأيضا "الوطن" وما يجره ذلك من القضايا الوطنية الخالصة بجانب الهموم الإسلامية والعربية. وهذا ما فات الباحثون والكاتب "الربيعو" الإشارة إليه وانتقلوا مباشرة إلى حديث الشهيد "سيد قطب" واعتبره معبرا عن الخطاب الإسلامي وحده. *** قال حسن البنا في رسالة دعوتنا ( ولا يوجد لدى تاريخ لنشرها وأعتقد أنه في بداية الثلاثينات لأنها من أوائل الرسائل التي كتبها البنا) قال : "وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ، ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا ، فما وافقها فمرحبا به ، وما خالفها فنحن منه براء ، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه " . ثم بدأ بدعوة " الوطنية " وفصصها إلى أجزاء ومكونات : وطنية الحنين ، وطنية الحرية والعزة ، وطنية المجتمع ، وطنية الفتح ، وطنية الحزبية. ثم قال : " ها أنت تري أننا مع دعاة الوطنية ، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد ، وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام. ثم أضاف إلى فكرة الوطنية معاني أخري حول : حدود الوطنية ، وغاية الوطنية . ويقول في ختام العرض : " أفرأيت بعد هذا كيف أننا متفقون مع أشد الناس غلوا في الوطنية في حب الخير للبلاد والجهاد في سبيل تخليصها وخيرها وارتقائها ، ونعمل ونؤيد كل من يسعى في ذلك بإخلاص ، بل أحب أن تعلم أن مهمتهم إن كانت تنتهي بتحرير الوطن واسترداد مجده فإن ذلك عند الإخوان المسلمين بعض الطريق فقط أو
مرحلة منه واحدة ، ويبقي بعد ذلك أن يعملوا لترفع راية الوطن الإسلامي على كل بقاع الأرض " . رسالة دعوتنا.ص22 مجموعة الرسائل/ط المؤسسة الإسلامية/ بيروت/ط ثالثة 1983ه. ويقول في رسالة التعليم في ركن العمل : " ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق : 1- إصلاح نفسه 2- تكوين بيت المسلم 3- إرشاد المجتمع 4- وتحرير الوطن بتخليص من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي " . مجموعة الرسائل سابقة ص 360 وفصل مراتب الوطن عند الإخوان في رسالة إلى الملك فاروق وملوك وحكام بلدان العالم الإسلامي كلها ورئيس حكومة مصر النحاس باشا عام 1945 م. والوطن في عرف الإسلام يشمل : 1- القطر الخاص أولا . 2- ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى فكلها للمسلم وطن ودار. 3- ثم يرقي إلى الإمبراطورية الإسلامية الأولي التي شادها الأسلاف بدمائهم الغالية العزيزة فرفعوا عليها راية الله ، ولا تزال آثارهم فيها تنطق بما كان لهم من فضل ومجد ، فكل هذه الأقاليم يُسأل المسلم وبين يدي الله تبارك وتعالي : لماذا لم يعمل على استعادتها ؟ 4- ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعا ، ألست تسمع قول الله تبارك وتعالي : " وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كله لِلَّهِ " وبذلك يكون الإسلام قد وفق بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة بما فيه الخير كل الخير للإنسانية جميعا : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " ( الحجرات ) . رسالة " نحو النور " مجموعة الرسائل ص 78 . إذن هذا حديث عن الوطن والوطنية يمكن أن تتفق معه ويمكن أن تختلف مع بعضه ، لكن أن يقول كاتب إننا لا نعثر في الخطاب الإسلامي على مفردة الوطنية ، كما قررّ تركي علي الربيعو فهذا اجتراء على الحق والبحث والنظر. ولنا عودة إلى حديث البنا وتطبيقاته العملية واهتماماته هو والإخوان بالقضية الوطنية والقومية العربية وحركات التحرر الوطني.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.