أسعار الفاكهة اليوم الاثنين 17-6-2024 في قنا    نتنياهو يقيم مجلس المشاورات بديلًا لحكومة الحرب الإسرائيلية    حالة الطقس اليوم الاثنين 17-6-2024 في محافظة قنا    وزير التعليم العالي يلتقي وفد «الروس آتوم» الرائدة في التكنولوجيا النووية    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعا بمبادرة "حياة كريمة" بمحافظات المنيا وبنى سويف وأسيوط    وزير النقل: تنفيذ خطة شاملة لتطوير كافة الموانئ المصرية تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة الأهلي لمواجهة الاتحاد السكندري    هل حدثت مشاجرة بين زيزو وناصر ماهر؟ مصدر يوضح الحقيقة    وكيله: كفاراتسخيليا يريد الرحيل.. ورد ناري من نابولي    بعد الأداء الرائع.. رومانو: ريال مدريد سيبدأ المفاوضات لتمديد عقد كارباخال    محافظ أسيوط يشيد بمشاركة شباب الأحزاب في تنظيم احتفالات عيد الأضحى (صور)    "الميكروباص اتعجن".. 9 مصابين في حادث مروع بأسيوط- صور    تفاصيل الحالة المرورية في ثاني أيام عيد الأضحى    الغردقة تتألق صيفًا بنسب إشغال قياسية وإجراءات سلامة مشددة على الشواطئ    يقترب من 50 مليون.. تعرف على إيراد "ولاد رزق 3" بأول أيام العيد    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    كيف تتجنب المشكلات العائلية خلال أيام العيد؟.. خبير التنمية البشرية يجيب    اعرف آخر وقت لتقديم الأضحية ودعاء النبي وقت الذبح    طبيبة تغذية تكشف مفاجأة: الكوارع سهلة الهضم للأطفال (فيديو)    نصيحة في كبسولة.. الخطوات اللازمة لتجنب الإصابة بأمراض القلب    وزير الإسكان: جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد يتولى تنفيذ 1384 مشروعا    توافد آلاف الزوار على حدائق كفر الشيخ ومصيف بلطيم خلال ثاني أيام عيد الأضحى    خفر السواحل الصيني يتخذ تدابير تنظيمية ضد توغل غير قانوني لسفينة فلبينية    محافظ المنوفية: إطلاق مبادرة "الأب القدوة" ترسيخا لدور الأب    الرئيس السيسي يلتقى ولي العهد السعودي في لقاء أخوي    إيرادات قياسية لفيلم Inside Out 2.. اقترب من 300 مليون دولار    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    دعاء طواف الوداع: «اللهم إن كنت رضيت عنِّي فازدد عنِّي رضا»    الري: إقبال كبير على زيارة حدائق القناطر الخيرية -(صور)    طهران تدين بيان الترويكا الأوروبية بشأن البرنامج النووي الإيراني    بدء دراسة كبيرة حول التغذية النباتية في البلدان الناطقة بالألمانية    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    إسرائيل تبحث اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية بينها الاستيطان    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    بعد قرار كولر.. الأهلي يفتح باب الرحيل أمام أليو ديانج للدوري السعودي    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    المنيا تسجل حالة وفاه جديدة لحجاج بيت الله الحرام    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العجوز والبحر


هيمنجواى فى إحدى رحلاته البحرية
"العجوز والبحر" واحدة من أكثر أعمال الأديب الأمريكي الكبير إرنست هيمنجواي رسوخًا. كتبها بلغة مفعمة بالحيوية والبساطة في الوقت نفسه. هو العمل الذي حصل علي جائزة بوليتزر الأمريكية الشهيرة وكانت سببًا رئيسيًا في حصول هيمنجواي علي جائزة نوبل عام 1954. لا يكف العمل عن إثارة الدهشة التي نجدها مع كل ترجمة جديدة وكأنها إعادة بعث أو اكتشاف جديد للرواية الرائعة. هنا نقدم جزء من رائعة هيمنجواي بترجمة جديدة للمترجم محمود حسني.
كان رجلًا عجوزًا ذلك الذي كان يصطاد وحده في قارب شراعي صغير في مياه الخليج وقد مر عليه 84 يومًا دون أن يصطاد سمكة واحدة. في الأيام الأربعين الأولي كان معه صبي. لكن بعد 40 يومًا دون سمكة واحدة، قال الوالدان لابنهما بنبرة أكيدة وحاسمة أن العجوز يفتقِر إلي أي شكل من أشكال الحظ. وقد ذهب الصبي تبعًا لأوامرهما إلي قارب آخر كان قد اصطاد ثلاث سمكات في الأسبوع الأول من رحلته. دائمًا ما كان يشعر الصبي بالحزن عندما يري العجوز عائدًا كل يوم بقاربه فارغًا. دائما ما كان يذهب إليه ليساعده في حمل شباك الصيد الملفوفة، عصا الصيد، رمح اصطياد الحيتان، أو الشراع الملفوف حول صاري المركب. كان الشراع مرقّعًا بأكياس الدقيق، ملفوفًا كما لو أنه علمًا لهزيمة دائمة.
كان العجوز نحيفًا وهزيلاً. لديه تجاعيد بارزة أسفل رقبته. وعلي خديّه بقعٍ بنية، من ذلك النوع الذي كانت تتسبب فيه انعكاسات الشمس علي البحر في المناطق الاستوائية، وقد كانت آخذة في الانتشار لأسفل علي جانبيّ وجهه. كانت هناك ندوب علي يديه، ظهرت كما لو أنها تجاعيد عميقة، من آثار استخدام الحبال في التعامل مع الأسماك الضخمة. لم تكن أيّ من هذه الندوب حديثة. كانت كلها قديمة، كما لو أنه قد مر عليها عوامل التعرية في صحراء بلا حياة.
كل شيء فيه كان عجوزًا. عدا عينيه اللتين كان لديهما نفس لون البحر، مُبهجتين وغير قابلتين للهزيمة.
- سانتياجو.
ناداه الصبي عندما كانا يصعدان من مكان رسو القارب علي الشاطيء.
- يمكنني أن آتي معك ثانية. لقد جمعنا بعض المال.
علّم العجوز الصبي كيف يصطاد وقد أحبه الصبي كثيرًا.
- لا. أنت الآن مع قارب محظوظ، ابق معه.
- ولكنك تذكر كيف قضيت 87 يومًا دون سمكة وبعد ذلك اصطدنا أسماك كبيرة كل يوم لمدة 3 أسابيع.
- أتذكر، أنا أعلم أنك لم تتركني لأنك لا تثق بي.
- لقد كان أبي هو ما جعلني أتركك. أنا مجرد صبي ويجب أن أطيعه.
- أعلم، إنه أمر طبيعي تمامًا.
- ليس لديه إيمان بما حدث معنا.
- نعم أفهم ما فكر فيه، ولكن نحن لدينا، أليس كذلك؟
- نعم، هل يمكن أن أقدم لك كأسًا من البيرة بالمقهي وبعدها نأخذ أدوات الصيد ونعود بها إلي المنزل.
- لم لا! لآخذ كأسًا من البيرة بين الصياديين.
جلسا علي رصيف المقهي، الكثير من الصياديون كانوا يسخرون من العجوز لكنه لم يبدُ غاضبًا من ذلك. آخرون، الصياديون الأكبر سنًا كانوا ينظرون إليه بشيء من الحزن، لكنهم لم يُظهِروا ذلك وتحدثوا معه بلطف عن الأحوال وعن الأعماق التي وصلوا إليها والطقس المعتدل.
الصيادون الناجحون في تلك الأيام هم الذين كانوا يذبحون أسماك المارلين التي يصطادونها ويضعونها بطولها علي لوحين من الخشب، حيث يقف عند طرفيّ كل لوح رجلان، ومن ثم يحملونها إلي مكان محدد ينتظرون فيه عربات الثلج التي تأخذها إلي أسواق هافانا. أما هؤلاء الذين يصطادون أسماك القرش، فكانوا يأخذونها إلي مصنع أسماك القرش في الناحية الأخري من الخليج الصغير، حيث يرفعونها عن طريق الحبال وبكرات الرفع إلي المصنع، وهناك كانت تنزع أكبادها، وتُقطّع زعانفها وتُسلَخ جلودها ثم يُقطّع لحمها شرائح للتمليح.
عندما يكون اتجاه الرياح إلي الشرق كانت الرائحة تأتي قوية من مصنع أسماك القرش عبر الميناء؛ لكن اليوم الرائحة خفيفة للغاية لأن الرياح قد عادت إلي الشمال ثم هدأت، والجو ممتع ومشمس علي رصيف المقهي.
- سانتياجو
- نعم.
كان العجوز جالسا ممسكًا بكأس البيرة ويفكر في السنين التي مضت.
- هل يمكن أن أذهب وأُحضِر بعض السردين لك من أجل الغد؟
- لا، اذهب والعب البيسبول. مازال يمكنني التجديف وروجيليو سوف يرمي الشباك.
- أود أن اذهب وأُحضِر السردين لك. إن لم أكن استطيع الصيد معك، فأود لو أخدمك بطريقة ما.
- لقد اشتريت لي كأسًا من البيرة، أنت رجل بالفعل ولا تحتاج إلي إثبات ذلك.
- كم كان عمري عندما أخذتني معك لأول مرة علي القارب؟
- خمس سنوات. كنت يومها قريبًا من أن تُقتَل عندما كنت اصطاد سمكة ضخمة. كنت أحاول أن أُسيطر عليها وأُدخِلها القارب بشيء من السذاجة. كانت علي وشك أن تُمزّق القارب إلي قطع. هل يمكنك أن تتذكر؟
- يمكنني أن أتذكر تلك الضربات العنيفة التي أحدثها ذيلها، انكسار مقعد المُجدِف، والصخب الذي صاحب كل ذلك. استطيع أن أتذكر عندما ألقيت بي في مقدمة القارب عند الخيوط الملفوفة الرطبة. كنت حينها أشعر أن القارب كله ينتفض ويهتز. الصخب الذي صاحب ضرباتك المستمرة لها بالهراوة كان يشبه محاولة قطع شجرة في الغابة، أتذكر أيضًا أن رائحة الدم كانت قوية، تملأ المكان.
- هل تتذكر حقا كل ذلك أم أنني قد أخبرتك به من قبل؟
- أتذكر كل شيء من المرة الأولي التي ذهبت فيها معك.
نظر إليه العجوز بعينيه الحانيتان الواثقتان التي لوحتها الشمس.
- لو كنت ابني، كنت سأخذك ونغامر، لكنك ابن والدك ووالدتك وتعمل مع قارب محظوظ.
- هل يمكن أن أجلب السردين؟ أنا أعلم أين يمكنني أيضًا أن أعثر علي أربع سمكات تصلح لأن تكون طُعمًا.
- لدي من الطُعم ما تبقي من اليوم. وضعتهم في الملح في الصندوق.
- اتركني أُحضر أربعة لا تزال طازجة.
- واحدة فقط، قالها وأمله وثقته لم تذهبا أبدًا. علي العكس، كانا يتجددان الآن كلما تصاعد النسيم.
- اثنتان
- اثنتان، ولكنك لن تسرقهما، أليس كذلك؟
- كنت أود لو استطيع فعل ذلك حقًا، ولكنني سأشتريهما.
- شكرًا لك.
تساءل في داخله متي أصبح سهل المراس؟ لم يستطع أن يجيب لكنه كان يعلم أنه قد أصبح كذلك بالفعل وأن الأمر ليس شائنًا ولا يحمل أي تقليل من كبرياء حقيقي.
- غدا سيكون يوما جيدا مع هذا الجو المعتدل.
سأله الصبي: إلي أين ستذهب؟
- أود أن أبحر غدًا إلي مناطق أكثر عمقًا، أود أن أكون مستعدًا عندما تُغيّر الرياح اتجاهها. لذا، يجب أن أكون في الخارج وجاهزًا قبل أن تُشرِق.
- سوف أحاول أن أجعل الصياد الذي أعمل معه يدخل إلي مناطق أكثر عمقًا، وقتها يمكننا أن نساعدك لو اصطدت شيئًا كبيرًا.
- هو لا يحب أن يعمل بعيدًا جدًا عن الشاطيء.
- لا يحب فعلاً، لكنني سأدّعي أنني رأيت شيئًا لا يمكنه أن يراه. طائر يحاول صيد شيئًا ضخمًا من الماء. أو أجعله يطارد دولفين مثلاً.
- هل بصره بهذا السوء؟
- هو تقريبًا أعمي.
- أمر غريب، لا أعرف أنه قد ذهب أبدًا لاصطياد السلاحف البحرية. فعادة ما يكون اصطيادها هو سبب في ضعف البصر.
- لكنك كنت تصطادها لسنوات عند ساحل "موسكيتو" وبصرك جيد.
- أنا رجل عجوز غريب.
- لكنك قوي كفاية الآن لاصطياد سمكة كبيرة، أليس كذلك؟
- أظن ذلك. كما هناك الكثير من الحيل مع القوة.
- دعنا نأخذ الأشياء ونعود بها إلي المنزل، وبعدها يمكنني أن آخذ شبكة الصيد وأخرج للحصول علي السردين.
التقطا المعدات من القارب. حمل العجوز السارية علي كتفه وحمل الصبي الصندوق الخشبي مع الشباك البنية الملفوفة والمضفّرة بقوة، وعصا الصيد ورمح اصطياد الحيتان مع مجموعة من العصيّ التي يُركَب فيها الرمح.
كان الصندوق به طُعم تحت مؤخرة القارب جنبًا إلي جنب مع الهراوة التي تُستخدم للسيطرة علي السمك الكبير عندما يُربط بجانب القارب. لم يكن هناك أحد من أهل البلدة يود أن يسرق العجوز، لكنه كان من الأفضل أن يأخذ الشراع والخيوط الثقيلة معه إلي المنزل. كما أن الندي سييء بالنسبة لهما. علي الرغم من أنه كان متأكدًا من حقيقة أن لا أحد يود أن يسرقه، ظلّ العجوز يشعر أن هناك إغراء لا يفهمه تجاه أن يترك عصا الصيد والرمح في القارب.
صعدا الطريق معًا إلي كوخ العجوز، دخلا من الباب الذي كان مفتوحًا. أمال العجوز الشراع علي الحائط ووضع الصبي الصندوق والأشياء الأخري بجانبه. كان الصاري يقارب في طوله إحدي غرف الكوخ. أما الكوخ نفسه فكان مبنيًا من جذوع قوية من النخل الملكي والتي تسمي "جوانو" وفي داخله كان هناك سرير ومنضدة وكرسي واحد ومكان علي الأرضية متسِخ من أثر الطبخ بالفحم. علي حوائط "الجوانو" البنية والمستوية وذات الأغصان المتداخلة والألياف القوية، كان هناك صورة ليسوع المسيح والقلب المقدس، وأخري للعذراء وهي تحمل يسوع الطفل. كانت هذه الصور آخر ما تبقي من زوجته. يومًا ما، كان هناك صورة ملونة لزوجته علي الحائط. لكنه أنزلها من مكانها لأنها كانت تُشعره بالوحدة كلما نظر إليها فوضعها في ركن علي رف تحت قميص نظيف له.
- ماذا لديك لتأكله؟
- طبق من الأرز الأصفر والسمك. هل تريد بعضًا منهما؟
- لا، سآكل في البيت. هل تود أن أشعل النار من أجل أن تجهزهما؟- لا، سوف أقوم بذلك لاحقًا. أو ربما آكل الأرز باردًا.
- هل يمكن أن آخذ شبكة الصيد؟
- بالطبع.
لم يكن هنك شبكة صيد. كما أن الصبي يتذكر متي باعها العجوز. لكنهما كانا يقومان بهذه اللعبة المتخيّلة كل يوم. لم يكن هناك طبق أرز أو سمك وكان الصبي يعلم ذلك أيضًا.
- 85 رقم حظ
- سوف أجلب شبكة الصيد وأذهب لأحضر السردين. هل ستجلس في الشمس عند باب الكوخ؟
- نعم، لدي جريدة الأمس سوف اقرأ فيها أخبار البيسبول.
لم يكن الصبي يعلم إن كانت جريدة الأمس جزء من اللعبة المتخيلة أم لا. لكن العجوز أخرجها من تحت السرير.
- بريكو أعطاني إياها.
- سوف أعود عندما أجلب السردين وسوف أضع ما يخصني ويخصك منه في الثلج ويمكن أن نتشاركهما في الصباح. يمكنك أن تخبرني عن البيسبول عندما أعود.
- "اليانكيز" لا يمكن أن ينهزموا.
- ولكني أخشي من "إنديانز أوف كليفلاند"
- كن واثقًا في "اليانكيز" يا بني. فكِر في "دي ماجيو" العظيم.
- أخشي من "تايجرز أوف ديترويت" و"إنديانز أوف كليفلاند"
- كًن يقظًا أو أنك ستخاف من "ريدز أوف سيسيناتي" و "سوكس أوف شيكاجو"
- إدرس وضع المنافسة بينهم جيدًا وأخبرني عندما أعود.
- هل تعتقد أننا يجب أن نشتري تذكرة يانصيب برقم 85؟ غدًا سيكون اليوم ال 85.
- يمكننا أن نفعل ذلك، ولكن ماذا عن ال 87 رقمك القياسي؟
- لا يمكن أن يحدث الأمر نفسه مرتين. هل تعتقد أنه يمكنك أن تجد ورقة يانصيب برقم 85؟
- يمكن أن أطلب واحدة.
- ورقة واحدة. هذه ستكلفنا دولارين ونصفا. من يمكن أن نقترض منه هذا المبلغ؟
- الأمر سهل. يمكنني دائمًا أن اقترض دولارين ونصفا.
- أعتقد أنه يمكنني ذلك أيضًا. ولكنني سأحاول ألا أقترض. في البداية تقترض ومن ثم تتسول.
- ابق دافئًا أيها العجوز، تذكر أننا في سبتمبر.
- هو شهر حيث الصيد يكثر في المحيط. أما في مايو، يمكن لأي شخص أن يكون صيادًا.
- سأذهب الآن لأحضر السردين.
عندما عاد الصبي كان العجوز نائمًا علي الكرسي والشمس قد غربت. أخذ الصبي بطانية الجيش القديمة وغطي العجوز بها حتي كتفيه. كان كتفاه غريبين، مازالا قويين علي الرغم من أنهما عجوزان. ورقبته مازالت قوية ولم تظهر التجاعيد كثيرًا عندما كان العجوز نائمًا ورأسه متدلية للأمام فعلاً.
كان قميصه مرقعًا في مواضع كثيرة منه مثل حال شراع قاربه وبدا أن الرقع قد بهتت تحت وطأة الشمس. كانت رأس العجوز بها كهولة ظاهرة ومع عينيه اللتين كانتا مغلقتين، بدا وكأن وجهه بلا حياة. الجريدة علي ركبتيه تحملها ذراعاه وقدماه حافيتان بينما النسيم يبعث شيئًا من الخدر هذا المساء.
تركه الصبي في مكانه وذهب. عندما عاد كان العجوز مازال نائمًا.
- استيقظ يا رجل، هزّه الصبي العجوز في إحدي ركبتيه.
فتح العجوز عينيه للحظة. كان كمن أتي من حلم بعيد. ثم ابتسم:
- ماذا أحضرت معك؟
- طعام، علينا أن نتناول العشاء.
- لست جائعًا للغاية.
- هيا يا رجل، فلتأكل. لا يمكن أن تذهب للصيد دون تناول شيء.
- يمكنني ذلك.
اعتدل العجوز في نومته وتناول الجريدة وطواها. ثم طوي البطانية.
- اترك البطانية حولك، لن تذهب للصيد دون أن تأكل طالما كنت حيًا.
- إذن عِشّ طويلًا وانتبه لحالك. ماذا سنأكل؟
- فول أسود، أرز، موز مقلي، وطبق من الخضار واللحم المطهي.
كان الصبي قد أحضر الطعام في حافظة معدنية من طابقين من المقهي. وكان في جيبه مجموعتان من السكاكين والملاعق والشوك ملفوفتان بمناديل ورقية.
- من الذي أعطاك كل هذا؟
- مارتن، صاحب المقهي.
- يجب أن أشكره.
- لا تقلق، فأنا شكرته بالفعل، لا تحتاج إلي أن تشكره.
- سوف أعطيه أفضل قطعة لحم عندما أصطاد سمكة كبيرة، هل يمكنه أن يقوم بذلك من أجلنا أكثر من مرة؟
- أعتقد ذلك.
- يجب أن أعطيه شيئاً أكثر من قطعة اللحم إذن. فهو يراعينا كثيرًا.
- أرسل معي أيضًا زجاجتين من البيرة.
- أحب البيرة في العلب المعدنية.
- أعرف ذلك. ولكن هذه بيرة "هاتوي"، ويجب عليّ أنا أعيد الزجاجات له بعد أن نشربها.
- هذا لطف مِنك، هل يمكن أن نأكل؟
- كنت سأسألك عن ذلك أيضا، لم أرغب في فتح الحافظة حتي تكون جاهزًا.
- أنا جاهز الآن. فقط أحتاج بعض الوقت للاستحمام.
أين سيستحم؟ فخط الإمداد بالماء علي بعد شارعين من الطريق. يجب أن يكون لدينا ماء هنا من أجله، وصابونة، ومنشفة جيدة. لماذا أنا مُقصِر في حقه إلي هذا الحد؟ يجب أن أحضر له قميصا آخر ومعطفا للشتاء وحذاء وبطانية أخري.
- طبق الخضار باللحم ممتاز.
- أخبرني عن البيسبول.
- في الدوري الأمريكي: اليانكيز متصدرين كما قلت لك.
قالها العجوز بسعادة.
- لقد خسروا اليوم.
- هذا لا يعني شيئًا. دي ماجيو العظيم كما هو وسيعود بهم مرة أخري.
- لديهم لاعبون آخرون في الفريق.
- بالتأكيد، ولكن هو من يصنع الفارق. في الدوريات الأخري، بين بروكلين وفيلادلفيا يجب أن تكون مع بروكلين. ولكن بعد ذلك أفكر في "ديك سيسلر" وركضه العظيم في الملعب القديم.
- ليس هناك أي لاعب في مستواه. لقد كان لديه رمية كرة هي الأطول بين كل ما رأيته في حياتي.
- هل تتذكر عندما اعتاد أن يأتي إلي هنا في المقهي. أردت أن آخذه في رحلة صيد ولكنني ترددت في أن أعرض عليه الأمر. وبعدها سألتك أن تعرض عليه ولكنك أيضًا كنت مترددًا.
- أعلم ذلك. لقد كان خطأ كبيرًا من جانبنا. كان من الممكن أن يقبل دعوتنا وحينها يمكننا أن نحتفظ بهذه الذكري طوال حياتنا.
- أود أن آخذ دي ماجيو العظيم في رحلة صيد. يقولون إن والده كان صيادًا. ربما كان فقيرا مثلنا وفي هذه الحالة يمكنه أن يتفهم الامر.
- سيسلر العظيم لم يكن والده فقيرًا أبدًا وكان يلعب في الدوريات الكبري عندما كان في مثل عمري.
- عندما كنت في مثل عمرك كنت أقف علي صاري سفينة. كانت سفينة ضخمة تدور حول أفريقيا وقد شاهدت خلال رحلاتها الأسود علي الشواطيء في المساء.
- أعلم ذلك، لقد أخبرتني.
- هل نتحدث عن أفريقيا أم البيسبول؟
أُفضِل الحديث عن البيسبول. أخبرني عن جون ج. ماكجرو (ج هنا تعود علي "جوتا").
- اعتاد أن يأتي هو أيضًا للمقهي أحيانًا منذ زمن، ولكنه كان فظًا وحادًا في طريقة حديثه وصعب للغاية عندما يشرب. كان ذهنه كله معلقًا بالخيول كما هو معلقًا بالبيسبول. علي الأقل كان لديه قوائم بأنواع الأحصنة طوال الوقت في حافظته وبين حين وآخر كان يتحدث عن أسمائها في الهاتف.
- كان مديرًا فنيًّا عظيمًا، أبي يعتقد أنه كان الأفضل.
- لأنه أتي إلي هنا في كثير من الأوقات، لو "دوروش" استمر في القدوم إلي هنا كل عام، كان والدك سيقول أنه الأفضل.
- من هو المدير الفني الأعظم فعلاً، "لوكر" أم "مايك جونزالز"؟
- أظن أنهما في نفس المستوي.
- والصياد الأعظم هو أنت.
- لا، أعرف أن هناك آخرين أفضل مني.
- هذا غير ممكن، هناك الكثير من الصيادين الجيدين. والبعض فقط هم صيادون عظماء ولكن هناك فقط أنت.
- أشكرك. أنت تجعلني سعيدًا. آمل ألا تأتي سمكة كبيرة بالقدر الكافي لتجعلك خاطئاً في ظنك بي.
- ليس هناك سمكة يمكنها ذلك إن كنت لا تزال قويًا كما أخبرتني.
- ربما لا أكون لا أزال قويًا كما أعتقد. ولكن لدي الكثير من الحيل كما لدي عزيمة ومثابرة.
- يجب أن تذهب إلي النوم الآن لكي تكون مفعمًا بالنشاط في الصباح. وسوف آخذ الأشياء وأعود بها إلي المقهي.
- ليلة هانئة إذن. سوف أوقظك في الصباح.
- أنت منبهي.
- السن هو المنبه. لماذا يستيقظ كبار السن مبكرًا؟ هل هذا لأنهم لم يعد لديهم الكثير من الأيام المقبلة؟
- لا أعلم، كل ما أعلمه هو أن الشباب ينامون متأخرًا وبصعوبة.
- يمكنني أن أتذكر ذلك، سوف أوقظك في الوقت نفسه مثلما اعتدنا كل يوم.
- أنا لا أحب أن يوقظني الصياد الذي أعمل معه. الأمر يبدو كما لو أنني أقل شأنًا منه.
- يمكنني تفهم ذلك.
- نم جيدًا أيها العجوز.
خرج الصبي. كانا قد أكلا علي الطاولة بدون أي اضاءة. خلع العجوز سرواله وذهب إلي النوم في الظلام. طوي السروال وجعله كوسادة ووضع الجريدة بداخله. لف نفسه في البطانية ونام علي جرائد قديمة تغطي الصفائح الزنبركية لجسد السرير المعدني.
نام العجوز سريعًا. حلم بأفريقيا عندما كان صبيًا، الشواطيء الذهبية الممتدة، والشواطيء شديدة البياض لدرجة تؤلم العين والخلجان المرتفعة والجبال البنية العظيمة. لقد عاش طويلاً وأصبح هذا الشاطيء يأتيه في كل ليلة في أحلامه. يستمع لصوت الأمواج ويري القوارب المحلية تأتي لترسو فيه. يشم رائحة القطران والحبال القديمة المهترئة علي سطح السفينة كما لو كان نائمًا علي هذا السطح ويشم رائحة أفريقيا ونسيم الأرض التي تجلبه معها في كل صباح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.