يعتبر إرنست همنجواي (1899-1961) من أهم الروائيين و كتاب القصة الأمريكيين علي الإطلاق.. وقد عكس أدب همنجواي تجاربه الشخصية في الحربين العالميتين الأولي والثانية، وغلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره، فعمل علي تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته. وغالبا ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدي القوي الطبيعية الأخري في صراع ثنائي وفي جوٍ من العزلة والانطوائية. وشخصيات وأبطال روايات همنجواي هم دائماً أفراد يتحملون المصاعب دونما شكوي أو ألم.. وتميز أسلوب همنجواي بالبساطة والجمل القصيرة.. ومن أشهر أعماله رواية "العجوز والبحر" التي نال بسببها جائزة نوبل للآداب (1954)، وفي حيثيات منحه الجائزة، تمت الإشارة إلي "أستاذيته في فن الرواية الحديثة وقوة اسلوبه كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة العجوز والبحر".. وتدور الرواية حول شخصية "سانتياجو" ذلك الصياد العجوز المتقدم في السن، الذي لا يزال يتمتع بحيويته.. وكان سانتياجو يربض دائماً في زورقه، ساعياً إلي الصيد في خليج "جولد ستريم". وقد ظل أكثر من ثمانين يوماً ولم يظفر بسمكة واحدة.. وقد رافقه في الأيام الأربعين الأولي ولد صغير كان بمثابة مساعد له، لكن أهل هذا الأخير أجبروا ولدهما علي قطع كل صلة بالصياد.. وذهب الغلام يطلب العمل في زورق آخر استطاع صياده أن يصطاد بضع سمكات منذ أول أسبوع. وأشد ما كان يؤلم الغلام رؤية العجوز راجعاً إلي الشاطئ، في مساء كل يوم، وزورقه خالياً خاوي الوفاض، ولم يكن يملك إلا أن يسرع إليه ليساعده في لملمة حباله، وحمل عدة الصيد، وطي الشراع حول الصاري. وكان هذا الشراع يبدو وكأنه علم أبيض يرمز إلي الهزيمة التي طال امدها. وفي يوم خرج الصياد العجوز إلي البحر لكي يصطاد شيئاً، وإذ، فجأة، تعلق بخيوطه سمكة كبيرة جدًا حجمها أكبر من حجم قاربه. وبدأ يصارعها فلا يتخلي العجوز عن السمكة ويصارعها عدة أيام وليالٍ، وتأخذه بعيدًا عن الشاطئ. ثم تمكن منها وملأه السرور وربطها في المركب، وبدأ رحلة العودة ويلقي في طريق العودة أسماك القرش التي جذبتها رائحة الدم من السمكة. وأخذ سانتياجو يصارع أسماك القرش وفي النهاية تنتصر أسماك القرش، فلا يبقي سوي هيكل عظمي، يتركه علي الشاطئ، ليكون فرجة للناظرين ومتعة للسائحين، فتذهب الجائزة ويبقي المجد. ومن يقرأ رواية "العجوز والبحر" يظهر له قوة الإنسان وتصميمه وعزمه علي نيل أهدافه والوصول إلي ما يصبو إليه وإمكانية انتصاره علي قوي الشر والطبيعة وفقا لمقولته المشهورة" الإنسان يمكن هزيمته، لكن لا يمكن قهره". رواية العجوز والبحر لإرنست همنجواي هي دعوة للعمل وللأمل، ولحث الفرد علي أن يكون إيجابياً في تعامله مع ظروف الحياة وتقلباتها.. فلا مجال في الحياة لمن ينتظر أن تأتي إليه، أو لمن لا يشقي من أجل النيل بما فيها، فالمجد يسعي إلي من يعمل بجد، تماماً مثلما فعل العجوز "سانتياجو".