ظهر اسم القاص والروائي »آدم جونسون« علي الساحة الأدبية الأمريكية في الألفية الجديدة بقوة، ويعتبره النقاد أحد الروافد الجديدة للأدب الأمريكي المُعاصر. تحتفي الصفحات الأدبية في كبري الصحف الغربية بإنتاجه الأدبي، كما حصل في الأعوام الأخيرة علي أهم جائزتين في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولد »جونسون« عام 1967، ودرس الصحافة، وهو يعمل أستاذاً مساعداً للكتابة الإبداعية بجامعة »ستانفورد«، ويُدير عدة مشروعات إبداعية وورش للكتابة الأدبية في الوقت الراهن. أصدر »جونسون« روايته الأولي اطفيليات تشبهنا عام 2003، ونال عنها جائزة كاليفورنيا للكتاب، تبعها بمجموعته القصصية »السوق التجاري« ثم صدرت روايته الثانية اابن السيد اليتيم عام 2013 ونال عنها جائزة ابولتزر«، وأصدر مجموعة القصصية الجديدة »الحظ يبتسم« في مطلع هذا العام. فازت إحدي قصص المجموعة بجائزة صحيفة »صنداي تايمز«، ونُشرت قصصها الأخري في دوريات أدبية مرموقة. كما نالت فور نشرها عدة جوائز في الشهور القليلة الماضية، وفازت مؤخراً بجائزة »الكتاب الوطني«؛ وهي واحدة من أرفع الجوائز الأدبية الأمريكية. أكثر الموضوعات التي تناولها في أعماله هي الضعف البشري والنزوع الفطري إلي الخلود، وأثر التكنولوجيا علي تغيير الأنماط الفكرية والحياتية للإنسان. وتنقل قصصه القارئ إلي عوالم شديدة التنوع والثراء، من إعصار »كاترينا« إلي سور »ابرلين« إلي عالم »كوريا الشمالية« الخفي، إلي عوالم في المستقبل المجهول. ويمتدح النقاد قدرته علي وصف نمط الحياة الأمريكي والتعبير عنه بجدارة. وهذا جزء من حوار معه في أغسطس الماضي؛ يتحدث فيه عن الكتابة، وعن مجموعته القصصية الأخيرة. لماذا استخدمت الضمير الثاني في سرد قصة انيرفانا»، هل تعتقد أنه قادر علي إشراك القارئ في الأحداث؟ الضمير الثاني نادر الاستخدام، وهو مُعقد إلي حد ما، وقد يُصيب القاريء بالارتباك إن لم يُستخدم بطريقة مُلائمة، لأنه يشير إلي المفرد والجمع في ذات الوقت (في اللغة الانجليزية). وأكثر استخداماته شيوعاً في الصيغة الأمرية، وهو ما يحرك شعوراً لدي القارئ بأنه تلقي أمراً للتو، وغالباً ما يحب الناس هذا الشعور. كما أن الناس يستخدمون الضمير الثاني أثناء حوارهم الذهني مع أنفسهم، لذلك فهو ضمير شخصي وخاص. أحاول أن أصل إلي هذه النقطة مع القارئ حين أستخدم الضمير الثاني. في قصة »نيرفانا«، هناك الكثير من الحديث عن مفردات عالم التكنولوجيا الحديثة، هل تعايش هذا تفاصيل هذا العالم أم اضطررت للبحث داخل هذا العالم؟ لقد اعتمدت في بناء عالم القصة علي البحث علي الإنترنت. قضيتُ وقتاً طويلاً حتي تمكنتُ من خلق عالم يمزج بين الحقيقة والخيال، وشعرت بسعادة طاغية حين تناولت إحدي المجلات قصتي من منظور علمي، واستعانت بخبراء، وسألوهم هل يمكن أن تكون هذه القصة حقيقية أم لا. لقد أصبحت التكنولوجيا هي السمة الأغلب علي هذا العصر. أراها في كل مكان، ولن أنسي أول مرة أقود فيها سيارة، أو بالأحري السيارة تقودني، عن طريق برنامج »جوجل«. لن أنسي هذه التجربة؛ أن تجلس في سيارة تتحرك وحدها بسرعة ثمانين ميلاً في الساعة، وأنا أتحدث إلي صديقي ولا تنظر إلي الطريق. وحين أكون في حرم الجامعة، أري الربوتات تتحرك حولي واسمع أزيزها. كيف تأتيك أفكار قصصك، وهل هناك موضوعات مُعينة أو دوافع تفضل الكتابة عنها؟ لا أتعمد الكتابة عن موضوع مُحدد، أو أختار الدوافع والمُحركات السردية قبل الشروع في الكتابة. جاءتني فكرة قصة »جورج أوريل« كان صديقي مثلاً حين كنتُ في ألمانيا، وقمت بزيارة أحد المتاحف؛ الذي كان سجناً قديماً في الماضي. قال لي أمين المتحف إن مدير السجن السابق لا يزال علي قيد الحياة، ويسكن في هذا الحي، ويسير مع كلبه حول السجن كل صباح. جاءت الفكرة لحظتها، إلا أنني بدأت في كتابة القصة بتفاصيلها بعد عدة أشهر. لقد ظللتُ أفكر في هذا الرجل العجوز الذي يسير يومياً معه كلبه حول ما كان سجناً في الماضي، وتحول الآن إلي تذكار ضد كل ما آمن به هذا الرجل. فكرت في ذكرياته وفي أوهامه وشطحاته وحنينه إلي الماضي؛ خاصة أن أمين المتحف أخبرني عن زيارات الحراس القدامي ومحاولتهم دحض ما يقوله المرشدون في جولاتهم من معلومات حول السجن. لماذا كتبت قصة »حقائق مثيرة« عن معركة زوجتك مع السرطان، لماذا لم تكتب مقالاً علي سيبل المثال؟ أنا قاص. أحول كل شيء إلي قصة. إن كنتُ رسام كاريكاتير لرسمت قصة، وإن كنتُ مؤلفاً موسيقياً لكتبتُ أوبرا. السرد هو الطريقة التي أعبر بها عن كافة الأشياء. عقلي يعمل بهذه لطريقة ولا يعرف سواها. أنا »آدم جونسون« الكاتب، إن اهتممتُ بأي شيء سوف أراه بعين الخيال، ثم أعمل علي تطويره حتي أحصل علي قصة وشخصيات، ومكان، وزمان، وصوت، ورؤية، وساعتها أبدأ العمل، وفق منطق الكتابة نفسها. وحين أنتهي، أندهش من النتيجة مثل القارئ تماماً. تتسم جميع قصصك بالنهايات المفتوحة، إلا أنها توحي ببعض الأمل. لماذا لا تستطيع حسم قصصك علي نحو ما؟ من الطريف أن مُحاوراً آخر ألمح إلي عكس ما تقول. لقد قال إن نهايات قصصي سوداوية، وإنني شخص مُتشائم. في الواقع، أنا لا أعتقد أن نهايات قصصي مفتوحة. حين تبدأ في كتابة قصة، لديك أكثر من ألف مسار تختار بينها، ويتم حسم الخيار في نهاية القصة، وبالتالي هناك مسار وصل إلي نهايته نتيجة خياراتك السابقة. كل خيار يدفع القصة إلي مسار حتمي، ويا لها من سعادة أن تنطوي هذه الحتمية علي مفاجأة للكاتب وللقارئ علي السواء. كل عناصر القصة تخبرك بالنهاية وتجبرك عليها. أعتقد أن الإنسان يواجه فخاً وجودياً مزدوجاً. نحن أسري الزمن. نعرف الماضي جيداً عبر الذاكرة، إلا أننا لن نستعيد ما حدث مرة أخري ولن نرجع إلي الماضي. وهناك بالطبع المُستقبل المجهول، لهذا، ليس لدينا سوي اللحظة الراهنة. لذلك أظن أن الواقعية المشهدية ليست مجرد اتجاه جديد في الكتابة، ولكنها هي الوحيدة القادرة علي كشف ماهية وجودنا. والقصة هي أفضل تعبير عن هذا الفخ الوجودي بقدرتها علي مُحاكاة الحياة. تنطوي قصصك علي شخصيات وأصوات متنوعة وعديدة، كيف تصل إليها؟ أنا أحب البحث والتقصي. لقد درست الصحافة، وأحب إجراء الحوارات، ومن أهم مميزات البحث هو السعي للحصول علي قصة حقيقية عن أشخاص حقيقيين مروا بتجارب حقيقية. عليك أن تعالج هذه التجارب وتضعها في قالب سردي. أحترم من يحكي لي قصة حقيقية مؤثرة سواء كان ناجٍ من إعصار أو مُنشق من كوريا الشمالية، إنه يمنحني كنزاً يجب أن أحافظ عليه قدر استطاعتي. قد أكتب قصة مُدهشة، أو هزلية، أو سوداوية حسب التجربة التي حصلتُ عليها. أحرص علي التقاط جوهر اللحظة الحقيقية من الحياة المعروضة أمامي. جزء كبير من قصة »نيرفانا« هو تجربة شخصية، وكنتُ أكتب قصة زوجتي أثناء وجودها في المستشفي. ويجب أن أعترف أنني كتبت عن تجاربي وعائلتي في أعمال الأولي بشكل مباشر، وأعتقد أن الكثير من الكتاب يفعلون نفس الشيء. الاختبار الحقيقي يكمن في استقبال القارئ لما تكتب، هل سيجده ذات مغزي أم لا. بعدها قررتُ التحول من الكتابة عن ذاتي إلي الكتابة عن الآخرين، لقد أصبحتُ مهتماً بالأصوات التي لا نسمعها عادة، صرت أبحث عن الصوت المعزول، وأخوض في قصص الآخرين وذكرياتهم. لم أكن أكتب عن كوريا الشمالية من وجهة نظري الخاصة، بل قابلت عدداً من المنشقين وحاورتهم. لم يكن في الأمر قصة، إلا أنني بحثتُ عنها في عقولهم، وحاولت ملأ الفراغ بعد ذلك أثناء الكتابة. وحين سافرت إلي ألمانيا، ورأيت مدير السجن العجوز، قررت أن أخوض في ذكرياته. لم يكتب أحد عن هذا الرجل، ولم يقرأ أحد عنه من قبل. بعد النجاح الكبير لمجموعتك القصصية، هل تكتب مجموعة أخري الآن؟ كلا، أعكف علي كتابة رواية جديدة في الوقت الراهن. لقد أنجزت نصفها تقريباً. إنها رواية ضخمة وغريبة وتتسم بالجنون، واستغرقت وقتاً طويلاً في الإعداد لها. تدور أحداثها في حقبة ما قبل التاريخ، وتتناول فكرة التواصل الإنساني.