طقس المنيا اليوم السبت، معتدل نهارا وبرودة ليلا وتحذير من الشبورة صباحا    حياة كريمة فى المنيا.. تنفيذ 3199 مشروعا داخل 192 قرية    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    أمطار وأعاصير تضرب دول الخليج| مطار دبي يلغي رحلاته الجوية "تفاصيل"    حين تُشرق الشمس على أسرار التاريخ..الفيوم تترقب تعامد الشمس على معبد قصر قارون.. غدًا    هام بشأن سعر الذهب اليوم السبت 20 ديسمبر| عيار 21 يسجل رقم جديد    مواعيد قطارات الإسكندرية – القاهرة اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 ذهابا وعودة    «مشاجرة عنيفة واتهامات بالتزوير».. تفاصيل القبض على إبراهيم سعيد وطليقته    فصل مؤقت للكهرباء عن مناطق بالحي الترفيهي في العبور لأعمال صيانة اليوم    ذكرى ميلاده ال95.. صلاح جاهين يصرخ عام 1965: الأغنية العربية في خطر!    لازاريني: 1.6 مليون شخص فى غزة يعانون انعدام الأمن الغذائى    «ترامب» يعلن حربًا مفتوحة على داعش.. ضربات عنيفة تستهدف معاقل التنظيم في سوريا    مقتل عروس المنوفية.. الضحية عاشت 120 يومًا من العذاب    غارات أمريكية مكثفة على تنظيم داعش | وزير الحرب يصف العملية بأنها إعلان انتقام.. وترامب يؤكد استمرار الضربات القوية بدعم الحكومة السورية    وزير الدفاع الأمريكى: بدء عملية للقضاء على مقاتلى داعش فى سوريا    ستار بوست| أحمد العوضي يعلن ارتباطه رسميًا.. وحالة نجلاء بدر بعد التسمم    حي غرب الإسكندرية يشن حملة مكبرة لإزالة المخالفات ورفع 233 طن مخلفات    ماذا يحدث لأعراض نزلات البرد عند شرب عصير البرتقال؟    المسلسل الأسباني "The Crystal Cuckoo".. قرية صغيرة ذات أسرار كبيرة!    بعض الأهالي سلموا بناتهم للجحيم.. القضاء يواجه زواج القاصرات بأحكام رادعة    إرث اجتماعي يمتد لأجيال| مجالس الصلح العرفية.. العدالة خارج أسوار المحكمة    محمد عبدالله: عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في مباريات الزمالك    كيف تُمثل الدول العربية في صندوق النقد الدولي؟.. محمد معيط يوضح    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على فنزويلا    مصر للطيران تعتذر عن تأخر بعض الرحلات بسبب سوء الأحوال الجوية    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    موهبة الأهلي الجديدة: أشعر وكأنني أعيش حلما    شهداء فلسطينيون في قصف الاحتلال مركز تدريب يؤوي عائلات نازحة شرق غزة    محمد معيط: أتمنى ألا تطول المعاناة من آثار اشتراطات صندوق النقد السلبية    محمد معيط: لم أتوقع منصب صندوق النقد.. وأترك للتاريخ والناس الحكم على فترتي بوزارة المالية    روبيو: أمريكا تواصلت مع عدد من الدول لبحث تشكيل قوة استقرار دولية في غزة    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: برنامجنا مع صندوق النقد وطنى خالص    الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة تطالب بإنهاء مشكلات الضرائب وفتح استيراد الليموزين    أرقام فينشينزو إيتاليانو مدرب بولونيا في آخر 4 مواسم    منتخب مصر يواصل تدريباته استعدادًا لضربة البداية أمام زيمبابوي في كأس الأمم الأفريقية    ضربتان موجعتان للاتحاد قبل مواجهة ناساف آسيويًا    حارس الكاميرون ل في الجول: لا يجب تغيير المدرب قبل البطولة.. وهذه حظوظنا    مدرب جنوب إفريقيا السابق ل في الجول: مصر منافس صعب دائما.. وبروس متوازن    فوز تاريخي.. الأهلي يحقق الانتصار الأول في تاريخه بكأس عاصمة مصر ضد سيراميكا كليوباترا بهدف نظيف    زينب العسال ل«العاشرة»: محمد جبريل لم يسع وراء الجوائز والكتابة كانت دواءه    محمد سمير ندا ل«العاشرة»: الإبداع المصرى يواصل ريادته عربيًا في جائزة البوكر    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    إقبال جماهيري على عرض «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه بمسرح الغد بالعجوزة.. صور    السفارة المصرية في جيبوتي تنظم لقاء مع أعضاء الجالية    وزير العمل يلتقي أعضاء الجالية المصرية بشمال إيطاليا    مصر تتقدم بثلاث تعهدات جديدة ضمن التزامها بدعم قضايا اللجوء واللاجئين    الجبن القريش.. حارس العظام بعد الخمسين    التغذية بالحديد سر قوة الأطفال.. حملة توعوية لحماية الصغار من فقر الدم    جرعة تحمي موسمًا كاملًا من الانفلونزا الشرسة.. «فاكسيرا» تحسم الجدل حول التطعيم    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الشعري السكندري
من نافذة »ناصية الشعر«
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 08 - 2015

ناصية الشعر هي احتفالية شعرية أطلقها الشاعر والناشر السكندري محمد رجب بالإسكندرية منذ عدة سنوات، وانطلقت في أبريل الماضي دورتها الثالثة باشتراك 21شاعرا وشاعرة، وبحضور شاعر العامية الكبير زين العابدين فؤاد في إطار فعاليات شتاء الاسكندرية الثقافي 2015، وناصية الشعر هي إعادة انتاج معاصرة للإحتفالية الشعرية القديمة بسوق عكاظ، حيث ، تجتمع كوكبة من الشعراء لإلقاء أشعارهم علي الجمهور الذي يلعب دور الحكم فيما بينهم ، وهي تختص أساسا بشعراء العامية
تبدو القصيدة من نافذة ناصية الشعر قصيدة شابة، بحكم أن أغلبية الشعراء المشاركين من مواليد الثمانينيات، قصيدة جماهيرية ، قصيدة شارع بكل ما يحمله التعبير من معان، هي قصيدة ولدت وسط حراك جماهيري، ناتجة عن جيل حضر كل مراحل ثورة (25 يناير) وتطوراتها وإنكساراتها، وأغلبهم شارك فيها مباشرة مثلهم كأغلب الشباب المصري، هي قصيدة شابة نها تأتي متحررة من كل ميراث التسعينيات بنشره ونظمه، مختلفة، غير متمردة علي التسعينيات تبدو وكأنها لم تسمع عنها، فأغلبية الشعراء المشاركين إن لم يكن كلهم يحاولون الإلتزام بالعروض الشعرية وإن كان أغلبهم يزن أشعاره سماعيا، فيصيب غالبا، ويخيب قليلا، إلا ان قصائدهم تتجاوز تلك (الهنات) العروضية بغنائيتها العاليه، هم دائما في منطقة اللاتحقق، فقصص الحب لا تكتمل أبدا، وقصص الإنجاز لا تصل لمنتهاها أبدا، يقفون في عالم اللا إكتمال ، يعبرون عن شعور عميق بأن وطنهم ومجتمعهم خيب ظنهم، خانهم، لم يعطيهم ما يستحقون، وهو شعور يسيطر علي أغلبية الشباب المصريين وصولا لحتي من تجاوزوا منتصف العمر، قصائدهم لا تحتفي بتفاصيل الحياة الصغيرة ولا تغرق فيها، بل هي مهمومة ومحملة بالهم العام، منخرطة فيه وفاعلة من خلاله، الشاعر نفسه يري نفسه تعبيرا وتكثيفا لمجتمعه، لحالاته، لحوادثه، فهو :
أنا قطر الصعيد مزحوم
وشايل هم ركابي
أنا الدرس اللي كان مختوم
بختم النسر ف..كتابي
أنا زحمة محطة مصر
أنا بقال ف..سوق العصر
وواد صايع ببيع الكيف
علي مكتب في قلب القصر".
كما في قصيدة طويلة غير معنونة للشاعر أحمد سعد
بينما تنضح قصيدة محمد السيد عزيز بالسخرية السوداء المشبعة بالمرارة
(إعلانات مبوبة)
مطلوب عمال لمصنع جديد ببرج العرب
بمرتبات خيالية
الفين جنيه؟..لا سبعمية
يدوب يكفو الكهربا والميه
- طب وناكل منين؟
لا ما تبقيش أنفه
- فيه جواز؟
لكن مافيش خلفه
انا اللي شاحت
وانتي اللي مستلفه..
ويكشف الشاعر عمرو عبد المجيد مستوي آخر من الموقف الشعري
ومن ساسك..دهس راسك
قهر ناسك..وعلمها جحود الحب والعشرة
وع العشرة..يادوب الصفر تديني، وبشمالك !
وبيمينك بتدي الكلب.. لو يملك !!
وأنا سبعك..!!
أنا سبعك لبست صديري وأتنطط..وبأتنطط
وبأتنطط كأني القرد في موالدك..وقرداتي
لكن ما فهمش تنطيطك"
تسيطر نبرة الإحباط والهزيمة بشكل واضح ، ومع تعدد الأصوات والأساليب، لا تختفي أبدا نبرة الإحباط والشعور بالهزيمة
وعدم التحقق ، تأكيد أخر علي إرتباط الشعر بالواقع، فالإحباط لم يعد شخصيا ، مبهما، وجوديا، خاصا، بل أصبح إنعكاس للحالة العامة لجيل كامل، ناتج عن تفاعله المباشر بالعالم
حتي مع شاعر يتميز بغنائية عالية مثل فهد إبراهيم، تأتي الغنائية مثقلة بالواقع وهمومه وإحباطاته:
"الناس احلامها بقيت خايبه
ناقصه التجديد
علشان الواقع متكرر
من بدله لبدله بنتزرر
ف بنتزرزر
بنربي عيال
و مفيش اشغال
و نام ونقوم
علي نفس الحال
ف طابور العيش
او ف التموين
علشان بنزين
او حتي معاش
و ان مُت هتبقي روحت بلاش"
إلا أن (إنجازات) التسعينيات الشعرية لا تختفي كليا من المشهد الشعري بناصية الشعر،فالتوتر الوجودي أمام فكرة الموت الذي يتحدي الشاعر مهابته المخيفة فيما يشبه (الاستئناس) تظهر عند محمود إسماعيل :
"هامش
مش قلت لك
راجل عجوز
قالي ف يوم: انت ابن موت
يومها ضحكت
ان ابويا
ماسمهوش الحاج موت."
وفي قصيدة( محاولة أخيرة فاشلة) لتامر أنور:
"نفسك تكون الموت
دي الاجابة اللي ما كنتش بترضي تقولها
لما كنت بتتسأل ديما
تحب تطلع ايه؟
ماحدش كان حيفهم
العلاقة اللي بينك وبينه
بيتك اللي جنب عامود السواري....
موت (مستأنس) مستأنس في المجاورة ، والمعايشة اليومية، في تفاصيل الحياة
اخر طبلة اشترتها ف خميس رجب"
الميتين ناس طيبين قوي
ماحدش فيهم زعقلك."
الموت يصبح أكثر (أرضية) مع عمرو عبد المجيد، يصبح الموت المفروض علي المجتمع ككل نتاجا للأوضاع السياسية والاقتصادية، ليس موتا فرديا خاصا بالشاعر، بل (موتنا) نحن جميعا
"فأبات واصحي..وانا كارهك
ورافض أعيش علي حبك
وحابب أموت وأنا سايب علي جبينك كفن قلبي
وبقعة دم...متفيرس
وزرعة كره...متسرطن
ودم شهيد في ثوراتك..وما نشفشي."
هذا الاستئناس للموت لا يعني أبدا انه - اعتيادي أو مقبول، أو ان الشعراء غير محتفين بالحياة، بل اري العكس، إنه تجاوز لفكرة الموت، إسقاط للهيبة عنها، فالموت (شيء) ، تفصيلية أخري من تفاصيل الحياة يمكن بناء علاقة ما معه، علاقة جيرة أو تعود او حتي لعب واستئناس، كأن الشعراء يبشرون بجيل لم يعد الموت يخيفه ولا يرهبه، هلم لا يخافونه ولا ينتظرونه، هم يعبرونه ويسيرون.
المنجز الشعري التسعيني الاخر الذي يظهر في هذا المشهد الشعري، هو الاتكاء علي المعرفية، دمج الحصيلة المعرفية للشاعر بالقصيدة، استدعاء شخصيات تاريخية أو أسطورية محملة بدلالاتها الخاصة المستقرة، واللعب علي نغمة تلك الدلالات كأداة داعمة وكاشفة للجملة الشعرية، او تحدي تلك الدلالات بمفهوم خاص بالشاعر لإحداث مفارقة معرفية
كاشفة للمعني، او محدثة لصدمة المفاجأة لدي المتلقي حين تتحدي القصيدة معرفته المستقرة
فالشاعر احمد سعيد يستدعي إنكار الحواري (بطرس) للمسيح كإطار لعلاقته ب (هي) التي قد تكون (الوطن)- وفاء للتقليد الادبي المصري العريق في اعتبار مصر أنثي!!، ، لكنه لا يخوض في تلك المعرفية لحد الإشباع، يكتفي بالإشارة فقط ، وفيما ،بعد بنفس القصيدة يستخدم إحالات معرفية شائعة وأكثر ارتباطا بالشارع:
وف.. مسكة التليفون علي طول الطريق
ده حتي الأهلي تقريبا معادش بيكسب الماتشات
مفيش إلا الزمالك بس عشان يحرم عليا تزعلك مرة"
ويقترب الشاعر خالد جابر مسافة اخري من الاتكاء المعرفي للقصيدة التسعينية، في قصيدته : أوراق من درج بورخيس،
فيضمن في بداية قصيدته سطرين من قصيدة ( خليل حاوي)
وجوه السندباد:
كنت أمشي معه في درب سوهو
يمشي وحده في لا مكان
ثم يكملها بنص خاص به
وجهي ولكن
وتحقير الزمان
بأنا تؤامان"
هو في الحقيقة اجتزاء من نص خليل حاوي نفسه، في إعادة صياغة للنص المتضمن عبر الحذف الإنتقائي وينسب الجميع ل "بورخيس" كأنما يحاكي الإنتحالية التي أشتهر بها بورخيس في لعبة شعرية خطرة ومدهشة معا، ويسمي أحد مقاطع القصيدة "سفر التكوين" دون إيجاد أي تناص ما بين المكتوب وما بين السفر نفسه، مرة آخري لعبة شعرية خطرة يرتكز فيها الشاعر بقوة علي قدرة المتلقي علي استدعاء النص المشار إليه وخلق (تناصه) الخاص مع نص الشاعر، القصيدة ككل أقل إنفتاحا نسبيا علي المتلقي، لا تقدم مفاتيحها بسهولة، معلم أخر من معالم قصيدة النثر التسعينية، الإرتكان بقوة علي البعد المعرفي للمتلقي والرهان علي قدرته علي فك أسرار المستويات المتعددة لقراءة النص.،وهو موقف متميز وشجاع وسط ذائقة شعرية تعتمد القصيدة المفتوحة المعاني والراغبة في التواصل مع كل مستويات التلقي.
ويحضر شكل قصيدة النثر التسعينية في نص الشاعر أمير مصطفي، عبر تقسيم النص لمقاطع يقوم كل منها بذاته، ثم تدخل جميعا في علاقة مركبة لإنتاج نص واحد تتعدد مستويات التلقي فيه كلما تقدمت من (مقطع) آخر، حيث كل مقطع يلقي إضاءة مختلفة علي المقطع التالي له مع استعمال أجتزاءات من نصوص متجذرة معرفيا ودلاليا كالنصوص القرآنية لخلق حالة مفارقة تلقي مدهشة شعريا، اجتزاءات تكتفي بالإشارة دون تصريح، هل للرغبة في تجنب الغرق في القوة الدلالية للجملة الأصلية أم تجنبا للوقوع في محظور الاتهام بهتك القداسة؟!!
اجتزاءات مثل:
(أنا فتحنا لك.....)
(لا تحزن....)
إنا اعطيناك ال.... )
المقاطع نفسها تتفاوت ما بين محاكاة لشعراء الربابة، ونصوص معاد إنتاجها من الشعر الشعبي، مرة أخري الإرتكان بقوة علي البعد المعرفي للمتلقي وقدرته علي تحليل النص، ومفارقة إنتاج قصيدة (مقروءة) بالعامية المكرسة أساسا للقصيدة (المسموعة) او الشفهية.
علي أن الاتكاء علي المعرفية لا يتوقف عند التناص مع النصوص الأدبية والإحالات التاريخية، بل يمتد لخلق تناص مع السينما كإحالة معرفية وكحالة بصرية في نفس الوقت، بإستدعاء مشاهد (ايقونية) من الافلام الكلاسيكية
في قصيدة الشاعر تامر أنور (إسراء)
إحالة لفيلمي ( الأميرة والاقزام السبعة) و( غزل البنات) ، الإحالة هنا بسيطة ومباشرة، متوافقة مع الإحالة المعرفية الشائعة للمشاهد المنتقاة:
تفتكري طعم الشاي مع الكارتون
حيكون لذيذ؟
فيلم الأميرة وال7 أقزام
كل ما اشوفه بفتكر
لحظة ما كنتي بتضحكي
تشبهي (سنو وايت)
والشاعر يفشي سر الإحالة ذاكرا أسم الفيلم مباشرة، وفي استعارته لمشهد من فيلم (غزل البنات) يذكر اسم الفيلم مباشرة كمقدمة لاستعاراته، ذلك الكشف والمباشرة هما لنفس الشاعر الذي يبدأ قصيدته ( جوه ضحكة بنت) بالآتي:
كالعادة وحدي في عيد ميلادي
بعمل بروفة للجنازة
تحت المطر في الأوضة
بشبشب الحمام
تعبت م الحواديت
واختصار العالمية جوه ضحكة بنت
اسمها إسراء"
مع إحالة لفيلم رومانسي عن الحب الخائب المؤلم (الوسادة الخالية)
هي نفسها إسراء
لكن بمستويين مختلفين من الخطاب، وكأن الشاعر اختار في قصيدة إسراء ان يكشف مفاتيح الإحالات ليحافظ علي الجو العام ، التنوع الأسلوبي لدي الشاعر يبدو جليا، فقصيدته التي يحدث فيها نفسه عن (إسراء) مغلقة، داكنة، تستدعي رومانسية حزينة، بينما قصيدته التي يحدث فيها (إسراء)، مفتوحة، مبتهجة ، تتناص مع فيلم كارتون ومع الرومانسية الكوميدية لغزل البنات، بل هي حتي أكثر تسامحا مع تفاصيل العالم :
حتي في أيموشن ضحتك
ع الفيس "
الإحالة للمشهد السينمائي تأخذ شكلا أكثر كثافة في قصيدة (عبد الله جابر)، وهو هنا يستخدم الشخصيات السينمائية (الأيقونية) أكثر مما يستخدم الإحالة لمشاهد بعينها، شفيقه من (شفيقة ومتولي)، أبو سويلم من (الأرض)، فؤادة من (شيء من الخوف)، إحالات مختصرة تشبه قصيدته، التي تشير ولا تصرح، تبقي مغلقة نسبيا، تطالب المتلقي بقدر من الجهد للتواصل مع معانيها، مع جملها القصيرة المركزة، قصيدة عبد الله جابر طموحة في معانيها وصورها، لا تخشي تبني صور مزدحمة بل(سينمائية) الطابع إن صح التعبير :
أسمك يا "...... "
اسمك مجرد ما نكتب علي راس قصيدة
ببقي بكتبها
وملايكة
فوق كتافي بتحاسبني
"اوفيها بالحق الكريم"
وان جيت بدأت بذكر اسمك
حرب تبدأ
تخرج خيولي من الجبال ويدق طبل المعركة
طب فاكر جملة:
صوتك بيطلق حلم فيا من اللاشيء.
من أهم المميزات الواضحة للمشهد الشعري الذي عرض بناصية الشعر، الحالة المسرحية العالية، فكما تقدم القول، هذه قصائد شابة، جماهيرية، تطمح لتواصل مباشر مع المتلقي، كثير من الشعراء لهم خبرات في كتابة الأغنية، وعديد منهم عملوا او يعملون مع فرق شبابية مستقلة بحثا عن وسيط أكثر شعبية للتلاقي مع الجمهور، وأغلبهم يمتلك قدرات إلقائية رفيعة المستوي لا نبالغ إن قلنا انها تصل لقدرات العرض المسرحي ، هما شعراء مؤدون في أغلبهم، تكتسب قصائدهم حين يلقونها حياة مختلفة وتضيء بأبعاد جديدة تبدو باهتة وخفية عند قراءتها مكتوبة، وهناك تأكيد وتكريس لمهارة الإلقاء لدي أغلبهم، في إعلان واضح بأنهم شعراء جماهيريون، شعراء تواصل مباشر مع الجمهور.
وتتعدد تقنيات الإلقاء الشعري من أحمد بدر الذي يلقي قصائده باندماج عاطفي ووجداني واضح ومؤثر مستخدما تعبيرات (شارع) قوية دون الخشية من إستخدام تعبيرات و(اصوات) سوقية الطابع تبدو كدقات قوية ضابطة لإيقاع قصيدته المتسارعة الإيقاع اللاهثة المشاعر، اما الشاعر محمد السيد عزيز فيختار تعددية الأصوات بقصيدته، وهي ليست تعددية شخصيات حية، بل تعددية رءوس موضوعات :
مسألة
معادلة
مقال
إعلانات مدفوعة الأجر
يلقيها بمزيج من السخرية المتعالية والبرودة المصطنعة كأنما يدعي قراءة من مصادر مطبوعة ثابتة المعاني، بينما تتفجر الكلمات بمعان قوية مفارقة ومتحدية للعنوان مما يخلق مفارقة شعرية وأدائية ذات طابع مسرحي لا يمكن نكرانه.
الطابع المسرحي يصل لذروته مع قصيدة (كان هنا رمسيس) للشاعر حامد علي السحرتي،التي تتعدد فيها الأصوات والشخصيات، فيما يشبه عملا مسرحيا يقوم فيه الشاعر بدور الرواوي الذي ينتقل ملقيا شعره علي ألسنة شخوص متعددة، محاكيا لا اساليبهم اللغوية المختلفة فقط بل حتي لهجاتهم المختلفة، والشاعر في إلقائه يمتلك القدرة حتي علي تلوين صوته ليتوافق مع اختلاف الشخصيات من عم مجاهد الأسواني إلي نبويه الفلاحة القليوبية ودرويش سائق الاتوبيس وحتي (الضبو) تاجر المخدرات، فيما يشبه (مونودراما) شعرية موجزة، هذا الميل المسرحي كتابة وأداء يفتح الطريق لسؤال متفائل: هل يمكن لهذا الجيل ان يعيد اكتشاف الفن المندثر للمسرحية الشعرية؟ ربما ليس بمنطق صلاح عبد الصبور ونجيب سرور، بل بمنطقه هو، وبقدرته الإبداعية الخاصة، سؤال ينتظر إجابة يأتي بها المستقبل. البعد الإلقائي لشعراء ناصية الشعر لا يكتفي بالحالة المسرحة فقط، بل يكتشف الإمكانيات الطبيعية للشعر من حيث مهارات الإلقاء ، فالشاعر عمرو عبد المجيد يستلهم إيقاع فن الواو الشعبي:
ومن ساسك..دهس راسك
قهر ناسك..وعلمها جحود الحب والعِشرة
وع العَشرة..يا دوب الصفر تديني.
وهو يستعين ببنية قصيدته المقسمة إلي (مقاطع) لتأكيد حالة التدفق الإلقائي المميزة لفن الواو
الشاعر فهد إبراهيم يختار الغنائية العالية وهو شاعر غنائي متمرس والسطور الشعرية القصيرة التي تصنع إيقاعا حيا متدفقا، وهو ما يفتح المجال لدراسة أكثر توسعا عن التأثر المتبادل ما بين شعراء الأغنية وما بين النمط الموسيقي الذي تتبناه الفرق الشبابية أو الاندر جراوند.
"كوني شاعر
مش سبب اني اعرف اكتب في المشاعر ع المشاع
واني اقول مين اشتري ومين اللي باع
واني احكم ع الضمير
هرسم الدور الكبير
وابقي تايه جوه مني
يمكن اعرف اني ابطل تاني اغير
يمكن اعرف اني اكتب او اغني
وان جرحي يحل عني
وابقي مش مشتاق كتير"
الشاعر نور الدين الشريف يستخدم قدراته اللغوية المتميزة ولغته المفارقة لتأكيد قدراته الإلقائية
"لذة الجسم المشقة
بهجة الروح الوصال
نشوة النفس المذلة
حضرة الغيب الخيال
آخر اللوم المسرة
أول الحب الحياء
آفة الزهد التعلق
آية الدنيا الفناء"
وتضيء قصيدة نور الدين إحدي السمات المميزة لشعراء ناصية الشعر، الا وهو الزهد في العمل علي اللغة، فبينما تمتد جذور شعر العامية في المواويل والأهازيج والاراجيز والأزجال وفنون القول الشعبية الاخري، يبدو شعراء جيل جديد أقل اهتماما بتلك الفنون الشعرية، وأكثر التصاقا بلغة الحديث العادية، وهي مغامرة حقيقة، فلغة الحوار اليومية أو لغة الصحف المطبوعة قدر ما تمتلك من الحيوية والتجدد هي تفتقد للعمق والتنوع الأسلوبي والروافد اللغوية المتنوعة، وهو ما يفلت منه نور الدين الشريف بثقافته الإسلوبية الظاهره، بينما يرتكن بقية الشعراء علي موهبتهم وأدواتهم الخطابية لتجاوزه وهي مرة أخري رهان خطر قد يوقعهم في التكرار وإعادة الإنتاج.
من بين هذه الكوكبة من الشعراء الذين أضاؤا أمسيات ناصية الشعر تبرز أسماء بعينها:
أحمد بدر، بتدفقه الشعوري وعاطفته الملتهبة، مع تطور خبراته الشاعرية والأسلوبية نتوقع بزوغ شاعر جماهيري تحريضي شجاع أسلوبيا وذو قدرة عالية علي التواصل مع الجمهور ومعبر بقوة عن جيله ولحظته التاريخية.
أحمد سعد : شاعر متمكن من أدواته وله حضور قوي في الإلقاء المباشر، نتوقع منه تجذيرا موقفيا ينطلق بشعره إلي افاق أرحب وأجمل.
فهد إبراهيم : صوت متميز وامتلاك للحالة الغنائية دون التخلي عن الشاعرية والوقوع في فخ (الأغنية) ، متحرر من الإسهاب والترهل.
حامد علي السحرتي : شاعر ذو خفة دم شعبية حريفة الطعم يذكرنا بلذوعة بيرم الناقدة وبالأدباء المصريين بالعصر المملوكي.
نور الدين الشريف : اللغة الكثيفة الخبيرة بفنون الشعر العامي والمتمكنة منها.
تامر أنور : التنوعية الاسلوبية والصوت الشعري القوي مع لمحة رومانسية لا يمكن إغفالها.
عمرو عبد المجيد : الانفتاح علي فنون القول العامية والقدرة علي استعمالها داخل إطاره الجمالي الخاص.
أحمد السعيد : بقدرته علي التناص المعرفي والإحالي علي عدة مستويات.
عبد الله جابر : يقف علي ضفاف الفصحي جالبا الغنائم أرض العامية فيكسب شعره كثافة وثقلا يبشر بشاعر سيكون له مكانة متميزة وسط جيله.
في النهاية كانت هذه عجالة لا تهدف لبحث متعمق في العالم الشعري لكل الشعراء المشاركين بناصية الشعر، إنما محاولة استقراء لمقطع عرضي بالحالة الشعرية التي قدموها بناصية الشعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.