لحظة فارقة فى تاريخ شخصياتنا تلك التى عشناها ونحن نستمع لخطاب تنحى مبارك فارقة.. ليس فقط لأننا صنعناها.. ولا لأنها كانت بعيدة عن تخيلاتنا طوال سنوات طويلة.. ولا لأنها جاءت نتيجة ثورة سلمية، ولكن أيضا لأنها أيقظت فينا الأمل مرة أخرى بعد طول يأس كان اليأس نتيجة حتمية للمعاناة التى عشناها ولم يشفع لنا الدعاء على الظالمين أو المحاولات الفردية للتمرد اليأس يؤدى حتما للاستسلام والإحباط والضعف والطيبة والصبر على الابتلاء لكن فى تلك اللحظة ماتت كل تلك المشاعر السلبية واستيقظ بدلا منها الأمل. فى الوظيفة المناسبة والحياة الكريمة والتعامل الآدمى والتقدم والرخاء كل من كانت لديه مشكلة أحس بأنها فى طريقها للحل كل من كان لديه حلما مستحيلا شعر بأنه قد أصبح فى متناول يده كل من كان لديه مرض شعر بأنه فى طريقه للشفاء كل الأسود بدأ يتحول تدريجيا للألوان بدأنا نرى أنفسنا لأول مرة منذ عقود.. أننا بشر ولسنا أقل آدميه ممن يحكموننا إن لنا إرادة يمكن أن تحرك الجبال التى كتمت على أنفاسنا منذ عرفنا الحياة للبعض منا كنا لأول مرة تننفس هواء بدون مبارك أو الحزب الوطنى لكن الإحداث التالية كانت أكثر من مأساوية سرقت ثورتنا السلمية إلى آخرين ومع ذلك ظل الأمل أنهم عانوا من الظلم مثلنا وربما أكثر فربما يعدلون بيننا وبينهم ربما لن يكرروا أخطاء من سبقوهم ربما سيخرجوننا جميعا من السجون ربما سيشركوننا فى الحياة معهم لكن انحدر الحال بنا إلى الأسوأ وتخيل الحاكمون أن الشعب سيعود إلى مربع الصفر ..إلى اليأس والإحباط والاستسلام والضعف والطيبة والصبر على الابتلاء والحقيقة أن كل ما سبق يلزمه سنوات لنصل إليه بينما الذى حدث فعلا هو فقدان الأمل وفارق كبير بنهما فقدان الأمل اخرج من داخلنا العنف والغضب والرغبة فى تحطيم كل القيود والقوانين حتى الأخلاقية منها اخرج أسوأ ما فى الجميع حكام ومحكومين ما يحدث الآن فى الشارع المصرى لن ينتهى لأنه نتيجة طبيعية لمعارضة ضعيفة ورئاسة خاطئة لو كانت الرئاسه تراهن على عودة الشعب لما كانوا عليه قبل الثورة من استسلام فهذا لن يحدث وإذا كانت المعارضة تراهن على استمرار الشعب فى ثورة سلمية تضعهم على رأس الحكم فهذا لن يحدث الحقيقه أن الأوضاع ستكون أسوأ يوما بعد يوم لأن الغضب والعنف سيطول أشخاصا آخرين وأماكن أخرى ونفوسا كانت أكثر ثباتا والدليل ما يحدث فى الشارع من جماعات يصغر سنها يوما بعد يوم فما بين الشباب الثورى الذين ينتمون لفئة عمرية تتعدى العشرين عاما ثم البلاك بلوك الذين تقل أعمارهم عن الثمانية عشر عاما إلى أطفال الشوارع الذين اكتفوا برشق فندق شيبرد بالحجارة تعبيرا عن الغضب المكبوت وما بين النساء الثوريات إلى الفلاحات اللاتى اخطأ فى حقهن رئيس الوزراء إلى الأقل سنا واللاتى ترغب الرئاسة فى خفض سن الزواج للتخلص منهن بسرعة توقعوا الغضب والعنف من كل شخص توقعوا التخبط من الجميع ضد الجميع لم تعد الثورة سلمية ولم يعد لها مطالب محددة موحدة لأنها جاءت نتيجة اليأس أما الآن فالغضب له مطالب أكبر وأكثر تنوعا والجميع خاسر فى النهاية فلا الرئاسة ستستقر فى الحكم ولا المعارضة ستصل إليه وربما لن تتبقى دولة فى النهاية لو لم يتم السيطرة على كمية الغضب المتصاعد كيف يمكن السيطرة على غضب مجموعات عرفت أن قوتها بين يديها.. وأن حتى القانون لا يستطيع السيطرة عليها؟ بالتفاهم والإقناع والحوار الحوار ليس مع جبهة الإنقاذ فقط لأنها لم تعد تمثل الشارع ولم تعد تمثل سوى فئة قليلة يمكن فعلا السيطرة عليها أما الآخرون فهؤلاء ليس لهم من يمثلهم بعد وهؤلاء هم الأخطر على أنفسهم وعلى مصر وهؤلاء هم من يجب أن نحتويهم ونتحاور معهم وقبل ذلك نعترف بهم الوقت لم يعد فى صالح الجميع السيطرة على الغضب أصعب كثيرا من السيطرة على اليأس فقدان الأمل أصعب كثيرا من اليأس.