إن ما نشاهده الآن من مظاهر الفوضى والتشوّش والارتباك والعبثية، فى المشهد السياسى على كافة المستويات (مؤسسات الدولة – الأحزاب – النخب السياسية – الإعلام – عموم فئات الشعب ) يرسم ظلالا كثيفة على استقرار الأوضاع فى المرحلة القادمة، ويبدو المشهد مضطربا وبائسا، حيث لا يعرف أحد على وجه التحديد من يقود هذا المشهد وإلى أين؟ - فاللاعبون على المسرح السياسى والمتحكمون فى تحريك الأحداث ما بين أفراد قلائل أو مجموعات صغيرة أو أحزاب نخبوية تريد أن تنفى الآخر وتهمّشه، وكأنها تملك الحقيقة النهائية والأحكام القطعية والرؤى المطلقة فى كل الأمور- كل المحاسن لديها وكل الرذائل عند الآخرين- متجاوزة حرية الإرادة وحرية الاختيار عند الآخرين. - التفرق والتناحر والتشرذم والهجوم المتبادل بين القوى السياسية بدلا من التجمع والتوحد خلف مطالب الثورة، وتبنى بعضها خطابا نخبويا بعيدا عن اهتمامات المواطن العادى واستخدامها لأساليب كلاسيكية جامدة لا تصلح للتعامل مع متغيرات الشارع المصرى. - فشل جميع المحاولات فى الوصول إلى رؤى سياسية متوافقة أو متقاربة على أقل تقدير تقدم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية أو الحزبية. - غياب الأهداف القومية الجامعة لكل جهود الشعب، والذى يمكن من خلالها توجيه الطاقات المعطلة والكفاءات المهدرة والحماسة الزائدة. - بروز مجموعات غامضة لفئات إما إجرامية أو مهمشة أو يائسة ومحبطة وتصدرها المشهد السياسى المنقسم على نفسه. - الفوضى الإعلامية الحالية، وبعد وسائل الإعلام المختلفة عن الموضوعية والحيادية، وانشغالها بتصفية الحسابات والتربص بالغير وإطلاق الشائعات والترويج لها. - الجرأة على التحليل والنقد بل الجراة على الممارسة قبل أن تتوفر خلفية علمية قوية بقواعد العملية السياسية، فبجرد تشكل خلفية عن أحد الأحداث السياسية نجد عموم الجماهير والمهتمين بالشأن العام يحللون ويناقشون بل ويمارسون فأصبحت السياسة مهنة من لا مهنة له ومجالا مستباحا لكل ألوان الهواة مما زاد من حالة الفوضى والاضراب. وفى ظل هذه الأمور المتشابكة والمعقدة لا يمكن الجزم بأهمية عامل دون آخر فى تحليل أسباب هذه الفوضى، إذ تتداخل وتتقاطع مجمل الأسباب مع بعضها. والخروج من هذه الفوضى السياسية ليس أمرًا مستحيلاً، فعلينا كمصريين أن نعود للعمل معا كشركاء فى الوطن وفق معادلة «الفوز للجميع". علينا أن نحشد طاقاتنا وجهودنا لنتحرك جميعا نحو مستقبل أفضل وفق رؤى واضحة وخطط محكمة وبرامج عملية قابلة للتطبيق، ومن الطبيعى أن نواجه صعوبات ومن الطبيعى أيضا أن نتغلب عليها بالإصرار والإرادة السياسية والتوحد. والأمر فعلا يحتاج إلى نضال سياسى طويل وإرادة سياسية قوية لإعادة التوازن للشارع السياسى، فلن نغيّر من ممارستنا للعمل السياسى إلا إن غيرنا فى أنفسنا، فهل نحن فاعلون؟