لا أُخفى مدى الرعب الذى يتملكنى هذه الأيام من الحديث الدائر حول العلاوة الجديدة التى سيحصل عليها الموظفون، وهل هي: 10 % أم 5 %، أم ستكون هناك مفاجأة سيعلن عنها الرئيس مبارك خلال خطابه فى الاحتفال بعيد العمال المقبل، كما سبق أن أعلن فى 30 إبريل من العام الماضى عن علاوة ال 30 %! وأُحب أن أذكِّر القراء الكرام، بما صنعته الحكومة وقتها لتدبير موارد لتمويل تلك العلاوة، حيث فَرَضتْ مجموعة من الضرائب والرسوم الجديدة، جرَّتْ وراءها موجات من الغلاء طالت كل شيء بمعدلات وصلت إلى 100% أحيانًا، مما تسبَّب فى معاناة المستهلكين فى عام 2008م! وبرغم انخفاض الأسعار بعد ذلك فى العالم كله - خاصة السلع الغذائية - فإن كثيرًا من التجار عندنا لا يعترفون بذلك ولهم منطق غريب، ربما توضحه الواقعة التالية: فبينما كنتُ أشرب "حاجة ساقعة" بأحد محال البقالة الصغيرة بمنطقة شعبية منذ شهور، لفت نظرى أن رف زجاجات الزيت بالمحل ليست عليه تسعيرة دونما بقية الأرفف، فسألتُ صاحب المحل عن سعر أحد أنواع الزيوت الذى سبق لى شراؤه منذ أيام، فأخبرنى بأنه تسعة جنيهات. فقلت له مندهشًا: لقد انخفض السعر! فرد الرجل بلا مبالاة: "سمعت أن سعرها نزل شوية". فقلتُ له: أنا فعلا اشتريت هذه الزجاجة بسبعة جنيهات منذ أيام! فرد صاحب المحل بثقة غربية: "أنا شارى بالسعر القديم، ولما اشترى بالسعر الجديد هابيع بيه"!! وبالطبع كلام هذا البائع غير منطقي، فهل سيحاول أى تاجر فى بر مصر كلها أن يقنعنى أنه حينما كانت الأسعار تُوالى ارتفاعاتها طوال العامين الماضيين لم يكن يرفع سعر ما لديه من سلع وبضائع سبق له شراؤها منخفضة بالسعر القديم!! لستُ فى حاجة إلى أَيمَان مُغلَّظة من أى تاجر، فقد اكتويتُ - مثل بقية المواطنين - بالارتفاعات المتوالية فى الأسعار؛ حتى إن السلعة الواحدة كان سعرُها يرتفع مرتين فى اليوم الواحد: صباحًا ومساء! لكن ما أودُّ أن أقوله أن هناك قاعدة فقهية - لا أعرف لماذا يغفُل عنها التجار فى مصر - تقول: "الغُنم بالغُرم". ومقتضى تلك القاعدة أنه لا يصح للشخص أن يضمن لنفسه الغُنم ويرمى بالغُرم على عاتق غيره. والمعروف أن قانون التجارة يقوم على المخاطرة، أى احتمال الربح والخسارة، وعلى طرفى عملية البيع والشراء (البائع والزبون) أن يتحمَّلا معا نتائج ذلك، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لكن لا يُعقل أن يتحمَّل أحدَهما (وهو الزبون) الخسائر دائمًا لوحده، بينما يستأثر الآخر (وهو التاجر) دائمًا أيضًا بالأرباح لنفسه!! أما وأن حكومتنا لا تملك آلياتٍ تضمن بها حمايتنا، وعدم انفراد التجار بنا يفعلون فينا ما يشاءون، فإن لسان حال الناس جميعًا يقول: يا حكومة "لا تُقرصينى ولا عايز علاوة منك"!