هنا فى لشبونة وبالتحديد فى الطابق الرابع بأحد المبانى السكنية خلف حلبة كامبو بكيينو لمصارعة الثيران عاشت تيريزا دورادو البالغة من العمر سبعة وسبعين عاماً مع زوجها وهنا تربى ولديهما الاثنين فى كنفهما. لقد ظل هذا الطابق بيتا للعائلة منذ عام 1966، دورادو التى تعيش حالياً بمفردها بين صور ابنيها الفوتوغرافية القديمة وبين رسومات زوجها تدفع إيجاراً شهريا لهذا السكن قيمته مائة يورو (128 دولار). تسمح ميزانية السكن المحدودة تلك لها بالعيش من معاشها الشهرى البالغ 414 يورو (535 دولار امريكي). لكن البرتغال تعمل حاليا على إلغاء الضوابط التى تفرضها على الإيجارات فى أحد أكثر الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية راديكالية منذ احتياجها لحزمة إنقاذ مالى العام الماضى بقيمة 78 مليار يورو. تقول دورادو إنه لن يكون بمقدورها تغطية نفقات زيادة قيمة إيجار مسكنها، وتعلق على ذلك بالقول "أعانى بالفعل من دفع 100 يورو". يقول ملاك العقارات، إن القانون الجديد لا يذهب بعيداً، لكنه على الأقل يبدأ فى معالجة المشكلة قديمة الأزل من خلال إلغاء الحماية التى يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين والتى ينظر إليها على أنها أحد أسباب اضمحلال الاقتصاد البرتغالى. ولا زالت عقود الإيجارات السابقة لعام 1900 تخضع لقانون ضبط التضخم لعام 1910 الذى ينص على أن الإيجار المبدئى يمكن أن يزيد فقط من خلال معدل زيادة سنوى يصدر بقرار من الحكومة وتكون الزيادة عادة نسبتها بسيطة. يقول جواو غاغو دا غراسا وهو أحد الملاك "فى هذا المبنى ما زال لدى سيدة تدفع نحو 190 يورو (وفق عقد إيجار يعود لعام 1962) وتشغل شقة بمساحة 160 مترا مربعا ومؤخرا قمت بتأجير مسكن مشابه لقاء 1600 يورو". ويهدف القانون الجديد الى تحرير تأجير السكن ليكون من الأسهل على العمال طلب وظائف فى أنحاء البلاد. كما يهدف إلى مساعدة الناس على تجنب ديون الرهن العقارى المرهقة والاستفادة بشكل أكثر إنتاجية من العقارات الممتازة وتشجيع الملاك على تجديد المبانى المتداعية وتوفير فرص عمل أمام شركات الإنشاء. لكن المنتقدون يقولون ان الارتفاعات المتوقعة فى أسعار الإيجارات بدءا من الشهر المقبل قد تكون معضلة لآلاف العائلات التى تعانى بالفعل وهو الأمر الذى قد يؤدى إلى طردهم من مساكنهم. يقول روماو لافادينهو رئيس جمعية مستأجرى لشبونة، إن "الفرد لا يمكن أن يعيش فى الشارع من دون سقف ومن دون منزل لكن من وجهة نظرنا فإن هذا ما سيحدث على نطاق واسع". أضاف "نعتقد أن أكثر من مائة ألف أسرة من أصل 250 ألف (يستأجرون وفق العقود القديمة) سيكونون فى موقف بالغ الصعوبة والتعقيد"، إلا أن ملاك المبانى مثل سوزانا بايفا يقولون إن القوانين القديمة تمنعهم من الحصول على ايجار بسعر السوق. تمتلك أسرة بايفا مبنى فى ميدان روسيو بوسط لشبونة مقام على جزء منه فندقا. وتقدر القيمة العقارية للمبنى بنحو 4.5 مليون يورو (5.8 مليون دولار أمريكى) وهى قيمة يفترض معها أن يكون إجمالى مبالغ إيجاره شهريا نحو ثلاثين ألف يورو (35779 دولار أمريكى) وفق سعر السوق. لكن الفندق الذى يضم 34 غرفة والذى يبدأ سعر الغرفة الواحدة فيه بنحو 150 يورو (193 دولار أمريكى) إلى ضعف هذا المبلغ تقريبا تتحصل هى منه على 633 يورو فقط شهريا (818 دولار أمريكى). ويعود تاريخ الإيجار الى عام 1919. وقالت بايفا إن المحال ذات الطراز القديم التى تديرها أسر والتى ما زالت موجودة فى محيط مبناها قائمة فقط لأنها تدفع حفنة من اليورو على سبيل الإيجار شهريا، أضافت أن هذا يعنى أن الملاك باتوا يقدمون الدعم للأعمال التجارية. وقالت ان "الإيجارات المنخفضة ضارة فى القرن الواحد والعشرين" لأن "المسؤولين عن الشركات ليسوا بحاجة إلى التحديث أو إيجاد أسواق جديدة وسبل لأن يصبحوا أكثر تنافسية". وكان تغيير فوانين الإيجارات من بين الخطوات المطلوبة مقابل تقديم حزم مساعدات مالية من جانب المقرضين الأجانب. فقد صنف هؤلاء الضوابط المفروضة على الإيجارات على أنها أحد المعوقات التى تترك البرتغال فى مستنقع الركود. وتقول الحكومة إن القوانين الجديدة بها ضمانات لأصحاب الدخول المنخفضة. وسيكون رفع القيمة الإيجارية التى سيدفعها أشخاص مثل تيريزا دورادو محددة بنحو عشرة إلى خمسة عشر فى المائة خلال السنوات الخمس المقبلة قبل التحرير الكامل. لكن دورادو تتعهد بمواصلة مناهضة سياسات الكومة المنتمية الى يمين الوسط والخروج فى التظاهرات التى باتت حدثا شبه أسبوعي. تقول دورادو "أنهم يخرجوننى من هنا (المنزل).. إذا كان على أن ارحل فسأخرج من النافذة وليس الباب".