تحدثت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن الزيارة التى قام بها مبعوث اللجنة الرباعية الدولية، تونى بلير، إلى قطاع غزة لأول مرة، والتى تزامنت مع مؤتمر إعمار غزة المنعقد فى مصر. وقالت الصحيفة فى افتتاحيتها الاثنين، إنه لم يكن هناك توقيت أفضل لأول زيارة يقوم بها مبعوث اللجنة الرباعية الدولية "التى تضم الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة" إلى قطاع غزة. فبعد مرور أسابيع على الهجوم الإسرائيلى على القطاع والذى استمر 22 يوماً، فإن إعادة الإعمار واجهت صعوبات كبيرة بسب قضيتين منفصلتين، وإن كان هناك صلة بينهما. القضية الأولى هى عدم رغبة الدولتين المواجهتين لقطاع غزة "مصر وإسرائيل" فى فتح حدودهما بحرية لمرور المساعدات إلى داخل القطاع. ويعود هذا بشكل جزئى إلى خشية القاهرة وتل أبيب من أن يؤدى تسليم بعض المواد التى تبدو بسيطة مثل الرمال والأسمنت ليس إلى بناء المنازل التى تم تدميرها، وإنما يتم استخدامها فى تصنيع الأسلحة والمتفجرات. وهناك سبب آخر يتعلق بعدم رغبة مصر وإسرائيل فى فعل شىء قد يمثل اعترافاً ضمنياً بسلطة حماس فى قطاع غزة. وفى الوقت نفسه، فإن التبرعات الاقتصادية التى تقدمها الدول العربية من أجل إعادة الإعمار، محتجزة بسبب إصرار السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية والمعترف بها على المستوى الدولى على أن يتم تمرير أى مساعدات خاصة بغزة عبرها. وليس من السهل مواجهة هذه المعضلة. والتى كان إحدى نتائجها أن ظلت العائلات الموجودة فى غزة تقيم فى مخيمات بجوار منازلها المدمرة.. فهناك رغبة حقيقية فى إعادة إعمار غزة، لكن إضفاء الشرعية على حركة حماس، وهذا ما تسعى إليه الحركة، يظل معضلة التى ستظل معلقة فى أذهان ممثلى الدول المانحة الحاضرة فى مؤتمر إعمار غزة والمنعقد اليوم الاثنين فى شرم الشيخ بمصر. وفى الوقت الذى أبقى فيه الأوروبيون على مقاطعتهم لحركة حماس، إلا أنهم رغم ذلك يرغبون فى رؤية مزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية بشأن مسألة دخول مساعدات إنسانية أكبر إلى غزة. وستقدم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون التى تقوم بأول زيارة لها إلى المنطقة، مبلغاً أكبر لإعمار غزة يقدر بحوالى 629 مليون دولار بحسب ما ذكرته بعض التقارير. وهو ما يقدر تقريباً ثلث المبلغ الذى قدرته السلطة الفلسطينية.. إلا أن كلينتون أوضحت أن تسليم هذه الأموال يتوقف على نبذ حماس للإرهاب والاعتراف بإسرائيل. وحقيقة أن بلير ذهب إلى غزة بعد أن أكد عدد من الشخصيات الغربية الأساسية بمن فيها خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، أن كل شخص عليه أن يقبل بحقيقة أنه لا يمكن تحقيق التقدم إزاء عملية سلام شاملة بالادعاء بأن غزة أو حكومة حماس غير موجودة. وتوضح أجواء زيارة بلير المعضلات التى يواجهها الغرب عندما يحاول رسم خط فاصل بين الرفض الأساسى للفكر الإسلامى الذى تتبناه حماس، وبين الاعتراف بالحقائق الموجودة على أرض الواقع. وبينما كان بلير حذراً فى عدم الاجتماع بأى مسئول من حركة حماس خلال زيارته. فإنه من الواضح أيضا أن فريقه اضطر إلى تنسيق هذه الجولة مع مسئولين من حكومة حماس فى غزة. ولا ينبغى النظر إلى مثل هذه التسويات باعتبارها فوضوية أو نوعا من النفاق، ولكنها ضرورية وتمثل عناصر براجماتية لسياسة جديدة وإن كانت لا تختلف كثيراً. وحتى الآن، فإن اتجاه الغرب نحو عزل حماس بشكل كلى فشل تماماً فى إضعاف الحركة فى قطاع غزة. وإذا كانت زيارة بلير وآخرين تؤسس لبداية تدخل أكثر مباشرة وفعالية فى شئون القطاع، فإن هذا يعد أمراً جيداً.