وزير التعليم يشهد فعالية "اللغة العربية مصدر الإلهام والإبداع"    أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة بدون مصنعية.. «اعرف عيار 21 وصل كم»    أيمن الرقب: «القاهرة» استقبلت آلاف الجرحى في مستشفياتها.. والمصريون فتحوا منازلهم لأشقائهم    فيورنتينا يهزم مونزا.. وأودينيزي يواصل الهروب من شبح الهبوط في الدوري الإيطالي    منتخب الإسماعيلية يتأهل إلي دور 16 من دوري مراكز الشباب    شركة «أوبر» تعلق على تعدي أحد سائقيها على فتاة بالقاهرة بعد القبض عليه.. عاجل    أخبار الفن اليوم: أزمة بين أشرف زكي وطارق الشناوي بسبب روجينا.. وبيان صادم من شيرين عبدالوهاب حول أحدث ألبوماتها    طارق الشناوي يرد على بلاغ أشرف زكي: 3 بطولات لروجينا كثير.. ومش موجودة في الشارع    عاجل: مناظرة نارية مرتقبة بين عبدالله رشدي وإسلام البحيري.. موعدها على قناة MBC مصر (فيديو)    رئيس لجنة الدواء ب«الصيادلة»: تكلفة صناعة الأدوية ارتفعت وتحريك السعر ضروري    «متحرميش نفسك في الرجيم».. أسرار فيليه الدجاج مع البروكلي والمشروم    نوع خطير من الملح احذر تناوله في طعامك.. يسبب مشاكل صحية    مدرب توتنهام: جماهير الفريق لا ترغب في فوزنا على مانشستر سيتي    تطورات أحوال الطقس في مصر.. أجواء حارة على أغلب الأنحاء    بعد موافقة الشيوخ.. ننشر أهداف قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي    برج الجوزاء.. تعثر من يوم 16 إلى 18 مايو وانفراجة في هذه الإيام    فرديناند يهاجم تين هاج بسبب كاسيميرو    خلع البدلة الحمراء.. المؤبد لقاتل زوجته لتقديمها "قربانا للجن" في الفيوم    مواعيد قطارات عيد الأضحى الإضافية.. الرحلات تبدأ 10 يونيو    أحدهما محمد صلاح.. تطور عاجل في مفاوضات أندية السعودية مع ثنائي ليفربول    تعرف على شروط التقديم للوظائف في المدارس التكنولوجية    إيرادات الأحد.. "السرب" الأول و"فاصل من اللحظات اللذيذة" بالمركز الثالث    حجازي: فلسفة التعليم المجتمعي إحدى العوامل التي تعمل على سد منابع الأمية    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: لو بتسرح في الصلاة افعل هذا الأمر «فيديو»    بدء التشغيل التجريبي للتقاضى الإلكتروني بمحاكم مجلس الدولة .. قريبا    «التعليم» تلوح ب «كارت» العقوبات لردع المخالفين    40 صورة ترصد الحشد الكبير لمؤتمر اتحاد القبائل العربية    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    إيسترن كومباني بطلًا لكأس مصر للشطرنج    أفغانستان: استمرار البحث عن مفقودين في أعقاب الفيضانات المدمرة    رشا الجزار: "استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطنيين"    سينتقل إلى الدوري الأمريكي.. جيرو يعلن رحيله عن ميلان رسمياً    مياه الشرب بالجيزة تستطلع رأى المواطنين بمراكز خدمة العملاء    مشاورات بين مصر والولايات المتحدة بشأن السودان    "نيويورك تايمز": حماس راقبت النشطاء المعارضين لها من خلال جهاز سري    "عاشر طفلتين وأنجبتا منه".. الجنايات تقضي بإعدام مُسن ببورسعيد    كروس يتخذ قراره النهائي حول مصيره مع ريال مدريد    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    وزيرة التضامن تشارك في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال ومبادرة العيش باستقلالية بالبحرين    افتتاح أول فرع دائم لإصدارات الأزهر العلمية بمقر الجامع الأزهر    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    قمة مرتقبة بين رئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء كمبوديا لبحث التعاون المشترك    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    تحرير 92 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز البلدية والأسواق    تطوير مطارات وموانئ.. مشروعات عملاقة بمحافظة البحر الأحمر لجذب السياحة والاستثمارات (صور)    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    شقق المصريين بالخارج .. خطوات حجز الوحدات السكنية بجنة ومدينتي والأوراق المطلوبة وسعر المتر    بينها 1000 لتر خل، إعدام 2.5 طن أغذية ومشروبات فاسدة بأسيوط    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    هيئة التنمية الصناعية تستعرض مع وفد البنك الدولى موقف تطور الأعمال بالمناطق الصناعية بقنا وسوهاج    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    مستشار خامنئي: طهران مستعدة لإجراء محادثات مع واشنطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل السمرى يكتب: الإمام محمد عبده..مجدد الإسلام وسراج المسلمين..قال: إذا تعارض العقل وظاهر الشرع أخذنا بما دل عليه العقل متفقا مع آراء الإمام الغزالى وأفتى بتحليل الرسم وحارب جهل الناس بالسنة النبوية
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 08 - 2012

الأمة العاقلة لا تظلم، تلك هى القاعدة والمبدأ، والسبيل والغاية، والمشكلة والحل.. جملة أطقلها الإمام محمد عبده بعد أن أيقن من أن الإصلاح يبدأ أولاً من إصلاح الأمم، فعمل بكل ما أوتى من قوة على الإصلاح، مردداً قوله تعالى: «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» فأناب إلى الله معتمداً على نوره المنثور فى الأكوان والأرواح، محتسباً أجره عند ربه، صانعاً اتجاهاً فكرياً محافظاً ومتجددا، أنار لنا قرنا من الزمان بنور المعرفة الحقة والاستبصار السليم، غير عابئ بأنصار الظلام ومروجى ثقافة الخنوع والاستسلام.
هو الإمام محمد عبده (1849/ 1905) المولود فى محافظة البحيرة بقرية محلة نصر بمركز شبراخيت، هو ذلك المناضل الذى عاش حياته يدافع عن القيم الإسلامية النبيلة منتصراً للشعوب العربية والإسلامية، مدافعاً عن ثوراتها، وقائداً لنهضتها، ومحارباً من أجل إعلاء كلمة دينها وارتفاع قامتها فى دنياها، حيث رافق الإمام جمال الدين الأفغانى فى دعوته إلى توحيد كلمة المسلمين وجاهد معه فى السراء والضراء وحينما أتت الثورة العرابية انضم إليها مدافعاً عنها مكتويا بنارها، وصار من قادتها، ليذوق بعد انتهاء الثورة مرارة النفى وقسوة السجن بعدما تجرع آلام الهزيمة، وأثناء منفاه يدعوه أستاذه جمال الدين الأفغانى إلى السفر إلى باريس ليؤسسا جريدة «العروة الوثقى» التى تبنت منهجاً إصلاحياً ثورياً إسلاميا يدافع عن العقيدة والشريعة ويرد اتهامات المستشرقين، ويحث المسلمين على الجهاد والتوحد والنهوض، وبعد تضييق كبير ووساطة بعض أصدقائه فى القاهرة يعود الإمام إلى وطنه بشرط اشترطه الخديو توفيق عليه وهو ألا يعمل فى السياسة، فقبل الإمام الشرط راضيا غير مستسلم، فقد عزم على استكمال الجهاد بثورة فى الفقه والفكر والتعليم والإصلاح لأنه أيقن من حقيقة أن «الأمة العاقلة لا تظلم».
استمر الإمام فى نهجه الإصلاحى حتى تدرج فى المناصب ووصل إلى منصب مفتى الجمهورية وقد كان أول شاغل لهذا المنصب الرفيع، بعد أن كان قديماً ملحقاً بمشيخة الأزهر، ولأن الإمام كان يعرف أنه إمام أمة فقد تبنى منهجاً إصلاحياً جدد به شباب الإسلام ظهر فى كتبه وفتاواه، فجذب حوله التلامذة من مختلف التخصصات، فأصبح منهم السياسى ومنهم رجل الدين ومنهم الأديب، فتحلق حوله كل من الشيخ محمد مصطفى المراغى والشيخ مصطفى عبدالرازق والشيخ محمد رشيد رضا والشاعر حافظ إبراهيم، والشيخ المجاهد الفلسطينى الشهيد عز الدين القسام وشيخ العروبة محمد محيى الدين عبدالحميد والزعيم الكبير سعد زغلول والمصلح الاجتماعى قاسم أمين والأديب طه حسين وغيرهم كثيرون.
نظر الإمام إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية، فأيقن من أن الركود والجمود الضاربين فى جسد الأمة العربية بسبب ابتعاد الناس عن روح الإسلام التى أنارت العالم وأضافت إليه وجددته وطورت معارفه، ولما تأمل الإمام الفرق بين زمنه وزمن الحضارة الإسلامية وجده يكمن فى أن الزمن الحضارة كان يحتضن عشرات الأئمة المجددين، أما زمنه فيس به إلا المقلدون التابعون المزيفون الذين اختصروا الدين فى بعض الشكليات التى لا تنفع وتفيد، ولذلك كان من أوائل الداعين إلى فتح باب الاجتهاد، والذى كان إغلاقه سبباً من أسباب أزمة المجتمع الإسلامى وجمود الفكر، وانصراف الكثير عن الأخذ بأحكام الشريعة، كما دعا إلى قراءة النصوص الدينية فى ضوء المتغيرات الحديثة، واضعاً مصالح الأمة فوق كل اعتبار دون الخروج عن ثوابتها القطعية، متبنياً نظرية مقاصد الشريعة التى تبلورت على يد الإمام الغزالى والعز بن عبدالسلام والإمام الشاطبى، وفى ذلك يقول الإمام محمد عبده: إن الدين أنزل لمصلحة الناس وغيرهم، وأن من أصوله منع الضرر والضرار، كما دعا إلى الاستفادة من الفقه الإسلامى كله وعدم الاقتصار على مذهب واحد، فدرس مذهب الإمام مالك والإمام أبى حنيفة وحينما تولى الإفتاء كان يستفيد من منجزات المذاهب الأربعة بالإضافة إلى المذهب الجعفرى، معتمداً على عقله الذى يعرف المصالح من المفاسد من دون أن يجور على شريعة الله ولا منهجه الذى أضاء العلم وهو فى ذلك يقول: «إن الإسلام يقاضينا إلى العقل، ومن قاضاك إلى حاكم فقد أذعن لسلطته، فكيف يمكنه بعد ذلك أن يجور أو يثور عليه؟»، ومعنى هذا أن الإسلام خاطب العقل فى الإنسان وأن سبب دخول الناس إليه هو الاقتناع العقلى وسبب التزام الناس بتعاليمه هو اقتناعهم العقلى فكيف بالإسلام وهو الذى ارتضى أن يكون العقل حاكما أن يلغيه أو يهمشه؟ وهو أيضاً صاحب المقولة الشهيرة: «إذا تعارض العقل وظاهر الشرع أخذنا بما دل عليه العقل»، متفقاً فى ذلك مع الإمام الغزالى الذى قال: «إن لنا معياراً فى التأويل، وهو أن ما دل نظر العقل ودليله على بطلان ظاهره، علمنا ضرورة أن المراد غير ذلك»، بما يعنى أنه إذا وجدنا نصاً من نصوص الشرع، لا يتفق معناه الظاهر مع حكم العقل، علمنا أنه لا بد من أن يكون لذلك النص معنى غير معناه الظاهر، ووجب علينا أن نحاول تأويله تأويلا يخرج منه المعنى المقبول عقلاً.
من هنا بدأ الإمام فى إبعاد الشبهات حول الإسلام، وكان السائد وقتها فى أوروبا أن الإسلام لا يعلى من شأن العقل وأن الأمة الإسلامية تعتقد أنها مجبرة على أفعالها، وأن علينا أن نستسلم لما يمليه علينا المحتل لأن الله كتب ذلك، فكانت انتفاضة الإمام الكبيرة من أجل الدفاع عن دين الإسلام واستقلال بلاد الإسلام، مؤكداً أن الحرية مبدأ إسلامى واضح، وهو الأمر الذى «اهتدى إليه سلف الأمّة فقاموا من الأعمال بما عجبت له الأمم»، وأن الحرية لا تتجزأ.. حارب الإمام حرباً ضروساً من أجل إنصاف المرأة المسلمة التى ظلمتها عصور التخلف وأرجعتها متاعاً يستهلكه الرجل بعد أن أنصفها الإسلام وساوى بينها والرجل واعتمد عليها فى ازدهار حضارته وتقوية مجتمعه.
فيقول الإمام إن الإسلام: أبعد من أن يكون حجر عثرة فى سبيل تطور المرأة، وإنه على العكس من ذلك يميل إلى رد حقوقها»، مؤكداً أن أن المسلمين لم يأخذوا بما جاء به القرآن من أحكام فى شأن المرأة بل أهملوه، وارتدوا فى كثير منها إلى ما كانت عليه المرأة فى «جهالة الجاهلية».
مستشهداً بالقرآن والسنة والتاريخ صرخ الإمام مطالباً بحرية المرأة، قائلاً إن الله خلق الذكر والأنثى «مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» فكيف يفرق بينهما؟ موضحاً أن «كلاًّ منهما بشر تام، له عقل يتفكر فى مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسرُّ به، ويكره ما لا يلائمه، وينفر منه»، ومؤكداً أن احتكار المرأة الذى تتسرب إلى بعض الدعاوى المنتسبة إلى الإسلام ناتج عن الإسرائيليات التى كانت تحتقر المرأة وتعتبرها مخلوقا غير كامل، وفى ذات الوقت يؤكد الإمام أن للرجال على النساء درجة كما هو واضح فى القرآن الكريم، وهذه الدرجة راجعة لأمور «كسبية» أى مكتسبة من الحياة من حيث إن الرجل يسافر ويتاجر ويعرف ما لا تعرفه النساء، وهو الأمر الذى يتغير بتغير العصر، أما الأمر الثانى فهو راجع إلى الفطرة التى فطرنا الله عليها من حيث إن المرأة أضعف جسمانياً من الرجل، ولهذا كفل الله للرجل «القوامة» غير أنه يجتهد مع قول المفسرين بأن الرجل مفضل عن النساء لأن شهادة رجل بشهادة امرأتين، فقال الإمام إن هذا الحكم ينطبق على المعاملات المالية فقط، وذلك لأن المرأة لم تكن وقت نزول القرآن تخرج من بيتها ولا تتاجر ولذلك فإنها معرضة للسهو والنسيان، فهذا الحكم ليس لنقصان فى عقل المرأة أو أهليتها ولكن لعدم خبرتها بهذه الأمور، ومع ذلك فقد اكتفى الإسلام بشهادة امرأة واحدة فى أمور الرضاعة والولادة وعدده المحرم وهذا يدل على أن الخبرة هى الفيصل وليس نقصان الأهلية فى جنس النساء عن جنس الرجال، أما فى الميراث فيستشهد الإمام بقول الله تعالى: «للرِّجَالِ نَصِيبٌ ممَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْربَوُنَ وَاِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْواَِلدَانِ وَالأَقْربُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرََ نَصِيباً مَفْرُوضاً» وهى الآية الى فسرها بأن فيها تقريرا لحق المرأة فى الميراث وأنه ليس للرجل وحده، كما أنصف الإمام المرأة وطالب بتعليمها قائلاً: كيف تسعد فى الدنيا أو الآخرة أمة نصفها كالبهائم لا يؤدى ما يجب عليه لربه ولا لنفسه ولا لأهله ولا للناس، والنصف الآخر قريب من ذلك، مؤكداً أن الإسلام أمرنا بتعليم المرأة حينما أمرنا باتباع أهل العلم وحثه على التعليم واكتساب الخبرات والمشى فى الأرض متأملين حكمة الله فى خلقه، كما كان الإمام واضحاً فى مسألة تعدد الزوجات، مؤكداً أن الإسلام لم يقر تعدد الزوجات كهدف فى ذاته وإنما أقره كهدف اجتماعى وهو الحفاظ على أموال اليتيمات كما اشترط الإسلام فيمن يتزوج بأكثر من واحدة أن يكون عادلاً وفى ذلك طالب بتقييد تعدد الزوجات وضبطه وناشد العلماء إعادة النظر فى هذه المسألة وتحريم تعدد الزوجات إلا فى حالة الضرورة.
سياسياً لم يغب الإمام محمد عبده عن المشهد تماماً فقد كان أول نصير للنظام الديمقراطى البرلمانى ونادى قبل الثورة العرابية بتغيير النظام السياسى وإنشاء جمهورية صغيرة وهو الذى حرر بنفسه برنامج الحزب الوطنى، كما أنه تحدث بوضوح شديد عن مدنية السلطة السياسية فى الإسلام، ويظلمه من يدعى أن الإمام كان يرسخ للاستبداد حينما نادى بحكم المستبد المستنير أو المستبد العادل، لأنه حارب فكر محمد على بكل ما أوتى من قوة وكان يهاجم فترة حكمه كثيراً، مؤكداً أن كان مستبداً ولم يكن عادلاً، وإنما دعوته التى قال فيها إن الشرق لن ينصلح إلا بمستبد عادل إنما هى شىء أشبه بما نسميه بالشرعية الثورية الآن، ذلك لأن الناس بعد فترات الخمول والركود غالباً ما تستسلم لثقافة الخنوع والاستسلام، وإن ترك لها الخيار لاختارت ما تعودت عليه، ولذلك كان يرى أن الحل فى أن يتولى الحكم مستبد عادل يقيم الشرائع ويحقق المساواة ويرجع الحقوق لأصحابها ويعمق الثقافة البرلمانية والديمقراطية ومن ثم يتحول المستبد العادل إلى عادل فقط، وفى ذلك كله يؤكد الإمام أن «الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم ولا مهبط الوحى، ولا يخصه الدين بمزية فى فهم الكتاب والعلم بالأحكام، بل هو وسائر طلاب العلم سواء، وهو مطاع ما دام على الحجة ونهج الكتاب والسنة والمسلمون له بالمرصاد إذا انحرف عن النهج أقاموه عليه، وإذا اعوج قوموه بالنصيحة»، بل إنه يؤكد حق الأمة فى عزل حاكمها متى أيقنت من فساده وجوره قائلاً: «الأمة صاحبة السيطرة على الحاكم وهى التى تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها فهو حاكم مدنى من جميع الوجوه وليس فى الإسلام سلطة دينية إلا سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير عن الشر، وجزاء لهذه الرؤية العميقة فى الفهم السليم للإسلام سلط عليه الخديو شيوخه الذين كفروه وهاجموه وشوهوه.
أما عن دور الإمام فى مقاومة الاحتلال الأجنبى لمصر فيلخصه المستشار طارق البشرى فى القول إن جمال الدين الأفغانى وضع اللبنات الأولى فى فكرنا الإسلامى الحديث فى مسألة مقاومة الاستعمار، بينما محمد عبده وضع اللبنات الأولى فكرة «المقاومة للقابلية للاستعمار»، وهذا أمر ربما يكون طبيعيا، الأفغانى كان يجاهد قبل الاحتلال ومن ثم كان لابد من الوقوف بكل قوة أمام المعتدين، بينما الإمام وجد نفسه وبلده مستعمرا بالفعل فحارب تمكين الاستعمار لنفسه فى الأرض وحارب فكرة انسلاخ المسلمين من هويتهم الإسلامية، فدافع عن الإسلام ضد الشبهات التى كانت تحيط به، وأكد أنه دين العلم والمدنية، ولعل هذا ما يبرز بوضوح فى رسالته إلى الكاتب فرح أنطون التى رد فيها عليه بعدما قال إن الإسلام يعيق دولة العلم فقال فى مقالة هى نموذج للحوار الهادف ورد فيها نصا: الفاضل فرح أنطون كان ظالماً للإسلام سواءٌ لجهة قوله بالتناقَض بين الإسلام والعلم، أو لجهة قوله إنّ الإسلام مُعيقٌ للتطوير السياسى. ذلك أنّ العلومَ ازدهرت ازدهاراً عظيماً فى ظلّ الإسلام، وبتشجيعٍ منه، والأحداثُ القليلةُ المتعلقة بملاحقة بعض العلماء ومنهم ابنُ رشد، لا تدُلُّ على موقف إسلامىٍ دينىٍ من العلم، بل كانت لذلك دوافعُ سياسيةٌ فى الغالب. أمّا علاقةُ الدين بالدولة فقد كانت دائماً ذات طابعٍ انسجامى، فالدولةُ دولةُ الإسلام، وليس فى الإسلام كهنوت، ولا قولٌ بالدولة الدينية بخلاف ما كان عليه الأمر فى المسيحية.
«لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفى به لمصر عالما» تلك هى الكلمة التى قالها جمال الدين الأفغانى حينما سافر من مصر، وللحق كان محمد عبده نعم العالم، ونعم المجدد فقد ترك مجموعة فتاوى دينية كبيرة كان من شأنها أن تصالح بين الإسلام ومستجدات العصر، فحفظت الإسلام من الاصطدام بالعلوم الحديثة، فأباح إيداع الأموال فى صناديق التوفير وأخذ الفائدة عليها، وحلل ذبائح أهل الكتاب، وأجاز ارتداء ملابسهم، وانتهج نهجا يعتمد على العلوم الطبيعية الحديثة فى التفسير، وحارب جهل الناس بالسنة النبوية، مؤكداً أن أسباب هذا الجهل تنحصر فى الفهم المغلوط لمضامين الدين ومعايير الحياة والتقليد الذى تسبب فى انصراف الناس عن توظيف سنن الله لصالحهم والإفادة منها، وأن إحياء الدين يتطلب إحياء لتعاليمه الآمرة بالنظر فى التاريخ الذى يشرح ما عرفه الذين ساروا فى الأرض ورأوا آثار الذين خلوا، ثم دراسة التاريخ وأحوال البشر، والاعتبار بالقصص القرآنى، والنظر فى الكائنات وأحوالها والتعمق فى دراستها، مؤكداً أن «من وسائل الوصول إلى معرفة السنن البحث فى علوم الكائنات وجعل ذلك أصلاً من الأصول التى دارت عليها سورة الأنعام وهو الترغيب فى علوم الكائنات والإرشاد إلى البحث فيها لمعرفة سنن الله وحكمته وآياته الكثيرة فيها الدالة على علمه وحكمته ومشيئته وقدرته وفضله ورحمته».
دعوة محمد عبده للتأمل هنا تجعلنا ننظر إلى موقفه من الصوفية، فقد كان الإمام متصوفا وهو صغير وعلم دقائق هذا الاتجاه، ولذلك فقد رحب بالتصوف الحق الذى لا يرسخ الخزعبلات والطقوس الغربية وارتكاب المحرمات مثلما يحدث فى الموالد، قائلاً إن التصوف هو تهذيب أخلاق العامة وتقويم عاداتهم وترويض نفسوهم بأعمال الدين وجذبها إليه وجعله وجدانا لها»، وهو فى ذلك يفرق بين المقصد الأول للتصوف وما لحق به من شبهات أساءت إليه، فقد كان الإمام يدعم كل ما يهذب الروح وينمى الفكر ويأجج الوجدان بنور الله الممتد فى الأكوان، وهذا هو السبب الذى جعله يرغب الناس فى الفن التشكيلى مؤكدا عدم حرمته لأنه من وجه نظره «ضرب من الشعر الذى يرى ولا يسمع والشعر شرب من الرسم الذى يسمع ولا يرى»، قائلا إن الفائدة محققة من الرسم لا نزاع فيها وإن الإسلام حرمه لسببين، الأول إذا تبرك به الناس والثانى إذا كان الفن لهوا، وهذا ما لا يوجد فى الرسم الجاد الداعى إلى الجمال والتهذيب الروحى والنفسى، كما أن موقف الإمام من الرواية هو نفسه موقفه من الرسم، وليس أدل على ذلك من الخطاب الذى أرسله إلى الروائى الروسى الشهير تولوستولى حينما عاقبته الكنيسة بالحرمان حينما نشر كتابا يعلن فيه عدم اقتناعه بألوهية المسيح، فبعث إليه ببخطاب يستدل منه على أن الإمام كان قارئا متأملاً له، فقال فى هذا الخطاب مواسياً: فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثا للعزائم والهمم ولما كانت آراؤك ضياء يهتدى به الضالون كان مثالك فى العمل إماما يقتدى به المسترشدون وكما كان وجودك توبيخا من الله للأغنياء كان مددا من عنايته للضعفاء والفقراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.