ليست أزمة الاقتصاد المصري ناتجة عن فقر الموارد، بل عن تجميدها. فنحن نعيش فوق ثروات عقارية هائلة، لكنها معلّقة بين ملكية ناقصة واستثمار مبتور، فلا تعود بالنفع على الدولة، ولا تمنح الأمان لمواطنيها. ومن أخطر صور هذا التجميد: أراضي الجهات العامة المقامة عليها عمارات سكنية منذ عشرات السنين، دون أن يمتلك شاغلوها الأرض. المشهد الراهن: خلل قانوني واقتصادي من خلال عملي السابق رئيسًا لهيئة الأوقاف المصرية، لاحظت ظاهرة متكررة: تقوم هيئة الأوقاف – شأنها شأن جهات عامة أخرى – ببناء عمارات على أراضيها. و بتم تمليك الوحدات فقط، دون حصة شائعة من الأرض. الأرض تبقى مسجلة باسم الجهة، بلا تصرف فعلي، وبلا عائد حقيقي. لا يمكن استرداد الأرض إلا بهدم العمارات… أي بعد مئات السنين. وهنا تصبح الأرض: لا هي مستثمرة، ولا هي مباعة، ولا يمكن استغلالها مستقبلًا. إنها ثروة معطّلة بالكامل. مفارقة الاستبدال: البيع جائز… فلماذا لا يُستكمل؟ المعلوم قانونًا وشرعًا أن: هيئة الأوقاف تقوم ببيع بعض أراضيها بنظام الاستبدال، خاصة الأراضي المتناثرة أو المعرضة للضياع. إذن البيع ليس محظورًا من حيث المبدأ. والسؤال الجوهري: لماذا نبيع أرضًا خالية، ونتردد في بيع أرض مبنيّ عليها عمارات مستقرة؟ المقترح الجوهري بيع أراضي العمارات القائمة لاتحادات الشاغلين يقوم المقترح على خطوات واضحة: حصر شامل للأراضي التابعة للأوقاف (وغيرها من الجهات) المقامة عليها عمارات. تقييم عادل للأرض فقط، دون المساس بقيمة المباني. عرض الشراء على اتحادات الشاغلين: دفع فوري أو تقسيط طويل الأجل، مع تسجيل الأرض باسم الاتحاد أو المُلّاك. توجيه الحصيلة إلى: استثمارات وقفية جديدة، سداد عجز، أو دعم الموازنة العامة. الأرقام تتكلم من خلال حصر قمت به بنفسي: قيمة أراضي عمارات الأوقاف وحدها تتجاوز 100 مليار جنيه. وإذا عممنا التجربة على: عمارات الشرطة، الجيش، السكة الحديد، الشركات العامة، الهيئات الاقتصادية… فإن العائد المحتمل يقترب من تريليون جنيه مصري. تريليون جنيه من أموال نائمة… بلا اقتراض، بلا ضرائب، بلا أعباء اجتماعية. المكاسب المتعددة للمقترح أولًا: مكاسب اقتصادية سيولة ضخمة وفورية للدولة. تخفيف الضغط على الموازنة. إعادة تدوير رأس المال المعطّل. ثانيًا: مكاسب اجتماعية استقرار نفسي وقانوني للشاغلين. شعور حقيقي بالأمان وعدم الخوف من الإخلاء. تعزيز الانتماء والمسؤولية تجاه العقار. ثالثًا: مكاسب عمرانية تحفيز الشاغلين على: الصيانة، التطوير، رفع كفاءة المباني. تحسين صورة المدن دون إنفاق حكومي. رابعًا: مكاسب إدارية إنهاء نزاعات طويلة الأمد. تقليل عبء الإدارة على الجهات المالكة. التركيز على الدور الأصلي لكل جهة. الرد على الاعتراضات المتوقعة هل في ذلك تفريط في المال العام؟ على العكس، التفريط الحقيقي هو ترك الأرض معطّلة بلا عائد. هل يخالف شرط الواقف؟ إذا كان البيع بالاستبدال وبما يحقق مصلحة الوقف، فهو جائز شرعًا وقانونًا. هل يفتح بابًا للفساد؟ بالعكس، الشفافية والتسعير المعلن يغلقان أبوابه. خاتمة: فرصة تاريخية إن مصر لا تحتاج دائمًا إلى اختراع حلول جديدة، بل إلى تحرير ما لديها من ثروات مجمّدة. هذا المقترح: واقعي، قانوني، مجرّب فكريًا، ويحقق مصلحة الدولة والمواطن معًا. إنها أموال معطّلة… ولو أُحسن استخدامها، لكانت طوق نجاة حقيقي للاقتصاد المصري.