سلطت ورقة بحثية جديدة الضوء على المؤامرة التي يدبرها نظام الانقلاب برئاسة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي لنهب أموال الوقف الخيري الإسلامي؛ وذلك في إطار مخططات السيسي للسطو على أصول الدولة المصرية وبيعها لسد العجز المزمن في الموازنة العامة في ظل التدهور الحاد الذي يشهد الاقتصاد المصري خصوصا بعد تفشي جائحة كورونا مع بداية سنة 2020م. و تعد الأوقاف أغنى الوزارات في مصر، وذلك وفقا لحجم أملاكها ؛حيث تبلغ المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد محروس سنة 2018م. وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر ب759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه. وعلى الرغم من ضخامة تلك الأموال فإن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الشيخ سلامة عبد القوي إبان فترة حكم الرئيس محمد مرسي (2012- 2013) شكك في صحتها، مؤكدا أنها تفوق ذلك بكثير. وبحسب الورقة البحثية التي جاءت بعنوان «قوانين الوقف في عهد السيسي..محطات على طريق النهب المنظم" والتي نشرها موقع "الشارع السياسي"، فإن الحكومات العسكرية المتعاقبة تعمل منذ سنوات على أمرين: الأول الاستيلاء على أموال التأمينات والمعاشات والمضاربة بها في البورصة لتحقيق مكاسب للحكومة رغم أنها أموال خاصة وليست ملكا للحكومة، وهو ما استطاعت حكومة أحمد نظيف خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك تنفيذه؛ واستولت على نحو 600 مليار من أموال التأمينات دون محاسبة أو مساءلة من أحد حتى يومنا هذا. و الثاني هو السيطرة على أموال الوقف الإسلامي، والذي يعمل نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي منذ اغتصابه للحكم في 3 يوليو 2013م على تحقيقه خصوصا وأن الأوقاف هي أغنى وزارة مصرية تدير أكثر من ألف مليار جنيه عبارة عن أصول وعقارات وشركات وأسهم وأراضي زراعية.[ ] وخلال الشهور والسنوات الماضية، خطا نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي خطوات كبيرة في طريق عمليات تقنين السيطرة على أموال وأصول الوقف الخيري الإسلامي، آخر هذه الخطوات ما جرى يوم الإثنين 5 أبريل 2021م حيث وافق مجلس الشيوخ في جلسته العامة على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن الوقف الخيري، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب، والتصويت نهائياً على مواده، وهو القانون الذي يمهد للاستيلاء على أموال صندوق الوقف الخيري في مصر، من خلال منح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال الصندوق، وتوجيهها لصالح إقامة المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بحجة معاونة الدولة في ملف التطوير. ويستهدف نظام السيسي من هذا القانون السطو على أموال صندوق الوقف الخيري وفتح أبواب جديدة لتمويل العجز المزمن في الموازنة العامة، وأن يكون "صندوق الوقف الخيري" بابا من أبواب الحكومة للإنفاق على المشروعات الحكومية والبنية التحتية باعتبار ذلك شكلا من أشكال التعاون المجتمعي مع الحكومة. قانون هيئة الأوقاف وتشير الورقة البحثية إلى أن مشروع مشروع قانون "صندوق الوقف الخيري" يعتبر تشريعا مكملا لقانون رقم 209 المعروف بقانون "إعادة تنظيم "هيئة الأوقاف" المصرية" الذي وافق عليه البرلمان في جلسة يوم الأحد 28 يونيو 2020م، وصدَّق عليه السيسي يوم الخميس 3 ديسمبر 2020م، والذي ألغى بمقتضاه القانون رقم 80 لسنة 1971م وقرار رئيس الجمهورية رقم 1141 لسنة 1972م بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف واستمرار العمل باللوائح والقرارات السارية لحين إصدار وزير الأوقاف اللائحة التنفيذية للقانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به (مايو المقبل 2021). وبقانون هيئة الأوقاف ومشروع قانون صندوق الأوقاف الخيرية يسعى نظام 3 يوليو إلى قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت ذريعة تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظم الاستفادة منه، وذلك استجابة لتوجيهات زعيم الانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي في شأن حصر أصول وأموال الوقف؛ وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه السيسي منذ سنوات يستخدم ترزية القوانين عبارات منمقة حول حسن إدارة واستثمار أموال الوقف على أسس اقتصادية وحصر وتقييم هذه الأموال من أجل اتخاذ الإجراءات التي تكفل المحافظة على الهيئة في مواجهة المستأجرين أو المستبدلين أو واضعي اليد فضلا عن تحديد مشروع القانون للحالات التي يجوز فيها الاستبدال والبيع لهذه الأوقاف، وتوجيه حصيلتها لصالح الدولة. وتتيح المادة الثانية من قانون هيئئة الأوقاف للحكومة ممثلة في مجلس هيئة الأوقاف المعين من جانبها صلاحيات ممارسة جميع التصرفات والأعمال حيث تنص على أنّ "للهيئة أن تتعاقد وتجرى جميع التصرفات والأعمال، التي من شأنها تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله في مجال إدارة واستثمار أموال الأوقاف". محطات على طريق النهب المنظم وفي 20 نوفمبر 2016، أصدر وزير الأوقاف مختار جمعة القرار رقم "274" والذي يسمح لأول مرة التصرف في بعض أصول الوقف بناء على تقديرات هيئة الأوقاف سواء بالبيع عبر المزاد العلني أو استبدالها بأراضي أخرى لبناء مشروعات تحتاج إليها الحكومة. وهو ما يخالف الأحكام الشرعية والقوانين المعنية بإدارة شئون الوقف الخيري؛ الغريب في الأمر أن هذا القرار جاء باسم (قرار تحصين وحماية مال الوقف". وفي 25 ديسمبر 2017، دعا الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى استثمار أموال الأوقاف ومساهمتها فيما أسماها بالمشروعات القومية، حيث وجّه السيسي، خلال اجتماع مع وزير الأوقاف، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية، بضرورة تحقيق الاستفادة المثلى من أصول وممتلكات الأوقاف، مشدداً على أهمية حصْر وتقييم تلك الممتلكات بشكل شامل، والنظر في تنفيذ "خطط استثمارية متطورة" لأصول وممتلكات الأوقاف، وتعظيم مساهمتها في المشروعات القومية، بما يساعد على نمو الاقتصاد ويضمن زيادة قيمة الأصول ومواردها؛ الأمر الذي رضخت له الأوقاف رغم مخالفة ذلك للشرع وقوانين الوقف". بوابة الصندوق السيادي من أبعاد الملف أيضا أن سن هذه القوانين الشاذة تزامنت مع تعديلات جرى إقرارها على قانون إنشاء الصندوق السيادي رقم 177 لسنة 2018م؛ وهي التعديلات التي تمنح رئيس الجمهورية سلطة بيع أصول الدول المصرية بدعوى تعظيم الفوائد والاستثمار، والذي يهدف إلى إعفاء المعاملات البينية للصندوق، والكيانات المملوكة له، من جميع الضرائب والرسوم. واشترط تعديل القانون ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استناداً لتلك العقود أو التصرفات، إلا من أطراف التعاقد من دون غيرهم، بهدف تحصينها من الملاحقة القضائية. وكشفت قائمة أصول الدولة التي أعدتها جهات حكومية بالتزامن مع إنشاء الصندوق السيادي في 11 إبريل 2018م، عن مجموعة من المفاجأت، حيث ضمت القائمة عدة أصول، وعلى رأسها أملاك هيئة الأوقاف المصرية من الأراضي والمباني، ومباني وزارة الداخلية الموجودة في مقر منطقة وسط البلد فى لاظوغلى. وتكتسب ممتلكات وزارة الأوقاف أهمية كبيرة بالنسبة للسيسي ويصر على السيطرة عليها ووضعها فى حيازة الصندوق السيادى الجديد، حيث تقدر أصول الوقف التي ستضم للصندوق كمرحلة أولى بنحو 180 مليار جنيه، و114 ألف قطعة، ونحو نصف مليون فدان زراعى وحدائق مستولى عليها، بالإضافة إلى 104 ألف فدان زراعية و65 ألف فدان مزارع حدائق فواكة، كما تدير هيئة الإصلاح الزراعى 420 ألف فدان من جملة النصف مليون فدان، وتملك وتشارك الأوقاف فى نحو 20 شركة وبنك. فتوى تاريخية كانت هيئة كبار العلماء تصدت لهذا العبث ومحاولات النظام للسطو على أموال الأوقاف؛ وفي اجتماعها برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في 28 مارس 2018، اعتمدت الهيئة القرار الصادر عن مجلس مجمع البحوث الإسلامية، في جلسته المنعقدة 24 جمادى الآخرة 1439ه الموافق 12 من مارس 2018، برفض نص المادة الأولى من مشروع القانون المقترح والوارد للأزهر من اللجنة الدينية بمجلس النواب لبيان الرأي الشرعي في النص التالي: (يجوز لرئيس مجلس الوزراء – وذلك في الوقف الخيري- تغيير شروط الواقف إلى ما هو أصلح، وذلك تحقيقًا لمصلحة عامة تقتضيها ظروف المجتمع). وكان المجمع قد انتهى إلى أنه (لا يجوز شرعًا تغيير شرط الواقف، فشرط الواقف كنص الشارع، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء قديمًا وحديثًا، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه، وبناء على ذلك لا يوافق مجمع البحوث الإسلامية على مشروع النص المقترح على خلاف هذه القواعد الشرعية المتفق عليها)، وهو ما أيدته هيئة كبار العلماء في اجتماعها. وبحسب الورقة البحثية فإن نظام السيسي العسكري يتجاهل عدة قواعد وأصول فقهية تتعلق بأحكام الوقف في الإسلام، أولها أن الوقف هو مؤسسة من مؤسسات الأمة لا مؤسسة من مؤسسات الدولة، والأصل في أموال الأوقاف أنها زكاة أو صدقة، وتقوم مؤسسة متخصصة فى الأعمال الخيرية بإدارة هذا المال للإنفاق من ريعه على عموم المجتمع، كبناء مساجد ومستشفيات، أو على أفراد كالفقراء والمحتاجين، هكذا تعى وزارة الأوقاف، وهكذا تعى الحكومة، وهكذا تعى كل الجهات المسؤولة، بما يعنى أن التصرف فى مال الوقف فى غير محله، أو فى غير المصارف المحددة، لا يحل شرعاً ولا يجوز قانوناً. ثانيا، إذا كان هناك فساد فى إدارة أموال الأوقاف وهو قائم بالفعل والفساد للركب ، فهو ما يجب تقويمه، لكن ذلك لا يمنح أحد حق الاستيلاء عليه أو جعله مشاعاً مع أموال أخرى للصرف فى أوجه أخرى بخلاف المصارف الخيرية، فهو ليس كأموال الضرائب، ولا أموال الجمارك، ولا الجبايات، ولا التبرعات، بل ولا يتبع خزينة الدولة بأى شكل من الأشكال. ثالثا، هناك مخاطر شديدة وانعكاسات سلبية من إصرار النظام على نهب أموال الأوقاف والتعامل معها على أنه مشاع والعمل على السيطرة عليها والتصرف فيها على غير شروط الواقفين ما يفضي إلى خسارة هذه الأموال الضخمة التي تعد رصيدا للأجيال القادمة والتي يتعين حمايتها من نهب العصابات والمسئولين الفاسدين أو النظام الطامع والذي سيبدد كل شيء كما بدد من قبل آلاف المليارات التي اقترضها على مشروعات وهمية لم تسهم بأي قيمة مضافة للاقتصاد أو للمواطنين. رابعا، نظام السيسي لا يكترث بأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بتحريم التصرف في أموال الوقف الخيري والأهلي إلا وفقا لشروط الواقفين، ولا يضع اعتبارا للفتوى التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بهذا الشأن، ويتجه بإصرار نحو تقنين إجرءات ضم أصول الأوقاف إلى الصندوق السيادي رغم شذوذ هذه الإجراءات ومخالفتها للشريعة الإسلامية بما يسمح له بالتصرف المطلق في هذه الأصول بالبيع والشراء والاستبدال وغير ذلك من التعاملات، خصوصا أن قانون الصندوق السيادي يمنع الرقابة على أمواله وتصرفاته من أي جهة رقابية في الدولة. خامسا، سيطرة السيسي على أموال الوقف تمثل امتدادا لمخططات القضاء على العمل الخيري والأهلي الذي بدأه السيسي بانقلابه حيث استولى على أموال وأصول آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية وضم أموالها لخزانة الدولة، في إجراء شاذ سعى إلى تقنيه بتشريعات أكثر شذوذا. فالسيسي ينظر إلى أموال الوقف باعتبارها بلا صاحب وما دام أصحابها الذين أوقفوها ليسوا موجودين فإنه أحق بها من غيره. وهي نظرة تعبر عن نوازع السطو والاغتصاب واستحلال أموال الناس بالباطل حتى لو كانت وقفا لله من أجل الإنفاق على مصارف البر والخيرات. سادسا، السيسي في سعيه الحثيث نحو السطو على أموال الوقف الخيري الإسلامي بدعوى استثماره وتعظيم موارده لم يجرؤ على التعامل بنفس الطريقة مع أموال الوقف القبطي التي تشرف عليها الكنيسة الأرثوذوكسية، والتي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي والمزراع والشركات وآلاف الأديرة المنتشرة بجميع محافظات الجمهورية؛ فلماذا استبعد السيسي أوقاف الكنيسة من خططه؟ ولماذا يتسلط على الوقف الإسلامي دون غيره فهل يخشى الكنيسة ونفوذها الواسع؟ أم يخشى غضب أمريكا وأوروبا الذين لن يقبلوا مطلقا بسطو السيسي و حكومته على أموال الوقف القبطي كما فعل مع الوقف الإسلامي؟