أصبح لمصر رئيس منتخب تم تتوجيه وتنصيبه رسمياً وشعبياً ورفع له القائد العام للقوات المسلحة يده بالتحية، وألقى الرئيس الجديد ثلاث خطب حماسية منها خطبة فى ميدان التحرير وفتح صدره أمام الجماهير متحديا الموت برصاصات لم يحدد هويتها. بعد انتهاء أيام الاحتفال والاستعراض والحماسة الخطابية والانفعال الثورى أعتقد أنه علينا أن ندخل فى الموضوع، خاصة أنه منذ 25 يناير 2011 لم تشهد مصر أى إجراء تنموى اقتصادى خاص بحل مشكلات المصريين التى قامت من أجلها الثورة وظلت الأحداث اليومية تدور حول موضوعات القصاص ورحيل المجلس العسكرى ومعارك الاستقطابات السياسية من أجل الاستحواذ على مقاعد البرلمان ومقعد الرئاسة وهو ما نجحت فيه جماعة الإخوان لسابق خبرتها فى هذا المجال. فى عام 2005 كتبت مقالاً بعنوان «وما نيل المطالب بلعن الإخوان» (ويمكن العثور عليه عن طريق محركات البحث على الشبكة الإلكترونية).. انتقدت فيه الصرخات التى توحدت عليها الأحزاب المدنية والحكومة لتبرير فوز عناصر الجماعة التى كانت محظورة آنذاك بنسبة كبيرة من مقاعد البرلمان بأنه نتيجة قيام الجماعة بالتزوير، وكان بالطبع تبريرا مضحكا فى ظل وجود آلة تزوير الحزب الوطنى العظيمة، وفسرت الأمر بنص هذه العبارات: «الالتفاف الجماهيرى حول الإخوان لم يكن بسبب العلاقة الإيجابية بين تنظيم الإخوان والشعب، بقدر ما كان بسبب العلاقة السلبية بين الشعب المصرى من جهة والتحالف بين المعارضة الشرعية ومؤسسة الحكم الرسمية وحكوماتها ذات الملامح واضحة الفساد من جهة أخرى، وهو ما شكل حالة من العزوف الجماهيرى عن هذا التحالف الرسمى، والاتجاه نحو القوة الوحيدة التى حمل خطابها نوعاً من الاستقلالية عن الشرعية الرسمية ذات الصفات الخبيثة والمكروهة بوضوح من المصريين وبصرف النظر عما إذا كان لدى الإخوان برنامج سياسى واضح أم لا، فلا أحد يبحث عن مواصفات طوق النجاة، وهو ما مثله الإخوان للمصريين الذين عانوا فى الفترة الأخيرة ويلات الفقر والفساد وتخلى المعارضة الرسمية عنهم واهتمامها بالبحث عن موضع لها فى التشكيل الرسمى وفوائده العظيمة». وللأسف هذا ما تكرر بعد ثورة 25 يناير، ظلت القوى السياسية المدنية على عيوبها وأجادت الجماعة لعبتها المشهورة من حصاد نتائج صراع القوى المختلفة على طريقة المرابين اليهود الذين لا يضاربون فى الأسواق ويقفون على الحدود الآمنة ليحصدوا بقايا معارك المضاربة بأرخص الأثمان، وحصلت الجماعة على مقاعد البرلمان وركب «مرسى الجماعة» كرسى الرئاسة، أيضاً بصرف النظر عما إذا كان لدى الإخوان برنامج سياسى واضح أم لا، هذا مع استبعادى مشروع النهضة الذى تمت كتابته على طريقة استكمال الأوراق الرسمية، وتشابهت الأوضاع مع مثيلتها قبل سبعة أعوام وحصل الإخوان على هذا الوضع نتيجة العلاقة السلبية للقوى السياسية الأخرى مع الشعب وليس نتيجة علاقة إيجابية بين الإخوان والشعب. وأيضاً فى مقالى 2005 استبعدت التبرير الذى يفسر صعود الإخوان بالأرتكان إلى قيامهم بدغدغة المشاعر الدينية لدى المصريين، وقدمت دليلاً على ذلك بسنوات كان للأحزاب المدنية اليسارية تواجد إيجابى فى الشارع المصرى ولم يستطع سلاح دغدغة المشاعر الدينية النفاذ للمصريين نتيجة صدق برامج الآخرين وإيجابيتها العملية. النتيجة أن سلبية الأحزاب المدنية وانشغالها بصراعات فوقية مهدت الطريق للإخوان للسيطرة على مقدرات الأمة دون الاضطرار إلى تقديم مشروع سياسى أو اقتصادى، وبالطبع وبعد التحكم ستبدأ الجماعة فى مشروعها الذى هو ليس بالضرورة مشروع الأمة ولكنه رؤيتها الاقتصادية والتى أتوقع أنها لا تختلف كثيرا عن رؤية الحزب الحاكم السابق. ما علينا.. وكما يقولون «الميه تكدب الغطاس» وأما وقد ركب المرسى على كرسى الرئاسة فعليه أن يتجاوز أيام زهو النصر وفتح الصدر للرصاصات ويواجه متطلبات المرحلة ويجيب عن هذه الأسئلة: كيف ستكون علاقات الإنتاج فى مصر فى ظل الفقر المدقع؟ ما هو دور الدولة فى هذه العلاقات؟ ما موقف الدولة من المشروعات الإنتاجية التى أغلقتها سياسة الخصخصة الفاسدة والعمال الذين تم تسريحهم بالملايين ودفعهم إلى جيش البطالة والتهميش؟ كيف ستحل الدولة العلاقة مع رجال الأعمال المصريين الذين تعودوا طوال السنوات الماضية على الاستثمار الاستهلاكى والبعد عن المشروعات الانتاجية الثقيلة التى تدعم الدخل القومى؟ ما هو الموقف من الصناعة المصرية وكيفية تحقيق التكامل الاقتصادى مع الدول العربية؟ وبعد ذلك: ما هى الوسائل التى سينتهجها النظام الجديد فى مواجهة آثار التردى والفساد فى الشارع المصرى والمجتمع التعليمى والثقافى، خاصة المهمشين والعشوائيات ليس فى المبانى فقط وإنما فى معظم مظاهر الحياة المصرية؟ أما التساؤلات حول السياسة الخارجية والمعاهدات الدولية فلها موضع آخر. إذا حل النظام الجديد هذه المشكلات فقد انتقل من حلبة الصراع الهيكلى على السلطة إلى التمثيل الحقيقى لمصر ووجب علينا الاعتراف به، وبالطبع فنحن معه فى المسؤولية إذا سار فى الطريق الصحيح وقدم مصلحة الأمة على أشياء أخرى.