تشهد المجتمعات العربية تحولات ثقافية وإعلامية متسارعة نتيجة التطور التكنولوجي وتوسع المنصات الرقمية، مما يفرض على المؤسسات الأكاديمية دورًا فاعلًا في حماية الهوية الثقافية العربية وتعزيز الوعي المجتمعي. وتُعد الشراكات بين الجامعات والمجتمع إحدى أهم الآليات لتحقيق هذا الدور، خصوصًا في مجالات الإعلام والاتصال و التي تتوافق مع الوعي، والهوية، والرأي العام، والتنشئة الثقافية. أصبحت الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية والمجتمع ركيزة أساسية في تعزيز الثقافة العربية ودعم الوعي الإعلامي. فالجامعات اليوم لم تعد مصادر للمعرفة النظرية فقط، بل باتت شريكًا فاعلًا في بناء الهوية الثقافية وتنمية الوعي المجتمعي من خلال برامج الإعلام والاتصال. وهناك العديد من الأهداف لتفعيل وتطبيق الشراكات الاكاديمية مع المجتمع ومنها إبراز دور الجامعات في تعزيز الثقافة العربية عبر الشراكات المجتمعية. وتسليط الضوء على النماذج التطبيقية الناجحة في مجال الإعلام والاتصال. ومناقشة الآليات التي تجعل الشراكات الأكاديمية أداة حقيقية للتأثير الثقافي. وتقديم توصيات عملية قابلة للتطبيق في المؤسسات الأكاديمية والإعلامية. وتُعرَّف الشراكات الأكاديمية بأنها التعاون المنظم بين الجامعات ومؤسسات المجتمع بهدف تحقيق مصالح مشتركة علمية أو ثقافية أو تنموية ومن أبرز أشكالها:التعاون مع وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية. والشراكات مع المنظمات الحكومية والمدنية والتدريب والتأهيل والتطوع المجتمعي ودعم البرامج التوعوية والمبادرات الثقافية. والإعلام والاتصال يمثلان حلقة الوصل بين المعرفة الأكاديمية والوعي المجتمعي، مما يجعل هذا القطاع نموذجًا مثاليًا لتجسيد الشراكات. وتواجه الثقافة العربية تحديات عديدة، أبرزها هيمنة المحتوى غير الموثوق على المنصات الرقمية. وتراجع حضور اللغة العربية في الخطاب الإعلامي ما يؤدي الي الحاجة إلى تعزيز الهوية واللغة والقيم العربية ودعم المحتوي الرقمي العربي. وضعف الثقافة الإعلامية لدى الجمهور و العولمة، المنصات الرقمية والحاجة لتعزيز الانتماء والهوية والوعي النقدي وذلك عن طريق الدور الذي تلعبه كليات الإعلام والاتصال في حماية الصورة الثقافية. وتلعب كليات الإعلام والاتصال دورًا محوريًا في إعداد كوادر إعلامية قادرة على إنتاج محتوى مسؤول. والتصدي للتشويه الثقافي والسطحية الرقمية وبناء خطاب إعلامي يعزز القيم واللغة والهوية. ومؤخراً عقدت إدارة الثقافة وحوار الحضارات بجامعة الدول العربية مؤتمراً متميزا حول ذات الفكرة من خلال المنتدي الدولي للملحقين الثقافيين الذي عقد في رحاب الجامعة بحضور عدد كبير من الاكاديميين والمثقفين والدبلوماسيين الذين قدموا عدد من الأطروحات المتميزة كل في مجال تخصصه من أجل تفعيل دور الانخراط المجتمعي للجامعات والأكاديميات في شراكات اجتماعية متكاملة من اجل تحقيق اهداف التنمية المستدامة. وفي هذا الملتقي تتم عرض مبادرة «جسور الجامعات» وهي مبادرة طموحة اطلقها الإتحاد العربي للإعلام والثقافة لتعزيز جسور التواصل بين الجامعات العربية ومؤسسات المجتمع الثقافي والإعلامي الي داخل المجتمع لتنميته والنهوض به وتستهدف هذه المبادرة بناء شبكة تفاعلية اعلامية مع مختلف الجامعات بهدف إبراز مبادراتها وإنجازاتها الأكاديمية والثقافية وتسليط الضوء على المشاريع البحثية والتنموية في مجالات الإعلام والهوية العربية. كما يسهم الاتحاد في نشر الثقافة العربية بصيغ معاصرة من خلال دعم الفعاليات المشتركة، وتبادل الخبرات، وتوفير منصات للحوار والتكامل الأكاديمي. وتكوين حلقة وصل فعالة تسهم في تشكيل وعي ثقافي عربي مشترك وتفعيل دور الجامعات كمحركات رئيسية للثقافة والإعلام في المجالين الوطني والإقليمي. كذلك تعتمد هذه المبادرة علي التدريب العملي مع المؤسسات الإعلامية وتدريب الطلاب في القنوات والمنصات الرقمية وإنتاج محتوى يخدم الوعي الثقافي. إشراك المؤسسات الإعلامية في التأطير المهني للطلبة من خلال الحملات الثقافية المشتركة لمبادرات لتعزيز اللغة العربية وحماية الهوية وحملات لمكافحة الشائعات والمحتوى المضلل وعقد شراكات مع وزارات الثقافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وتقديم دراسات حول تأثير الإعلام على الجمهور ودعم صناعة القرار الوطني في القضايا الثقافية. وتوفير بيانات علمية للمؤسسات الإعلامية. كذلك العمل علي دمج الإنتاج الطلابي في الفعاليات الوطنية وتعزيز التفاعل بين الأكاديميا والمؤسسات الثقافية. وتحويل المهرجانات إلى منصات لنشر الثقافة العربية. وتفعيل التأثيرات الإيجابية للشراكات من خلال نشر الوعي الثقافي وتعزيز الهوية وتمكين الشباب في الإعلام المسؤول ورفع كفاءة الكوادر الإعلامية الوطنية. وربط الجامعة بالمجتمع في قضايا التواصل والثقافة ودعم الاستدامة المعرفية والثقافية. ولكن هذا المشروع الطموح يقابله عدد من التحديات منها ضعف التمويل والتخطيط طويل المدى والبيروقراطية الأكاديمية والمؤسسية. وغياب رؤية إعلامية مشتركة بين الطرفين ونقص المنصات التطبيقية الداعمة للثقافة العربية. مع محدودية التنسيق بين الإعلام التقليدي والرقمي. وتطرح المبادرة عدد من التوصيات العملية منها إنشاء وحدات إعلامية متخصصة للشراكة المجتمعية في كليات الإعلام.وربط الأبحاث ومشاريع التخرج بقضايا الثقافة العربية. وتوقيع بروتوكولات تعاون مع المؤسسات الحكومية والإعلامية. - دعم المحتوى العربي الرقمي من خلال منصات جامعية. مع إشراك صناع الإعلام في المناهج التطبيقية وتوفير تمويل مشترك للمبادرات الثقافية الطلابية. وإقامة منتديات دورية تجمع الأكاديميين والمجتمع ودمج التقنيات الرقمية في دعم الشراكات الثقافية. وختاما، إن الشراكات الأكاديمية مع المجتمع ليست خيارًا تكميليًا، بل ضرورة لتعزيز الثقافة العربية في عصر التغيير الإعلامي المتسارع. ويُعد قطاع الإعلام والاتصال نموذجًا واضحًا لإمكانية تحويل الجامعة إلى شريك ثقافي واستراتيجي للمجتمع، لا مجرد مصدر للتعليم. إن تبني نماذج الشراكات الناجحة وتطويرها يسهم في حماية الهوية وبناء وعي تنموي مستدام وإنتاج خطاب إعلامي عربي واثق ومؤثر. وتجارب الإعلام والاتصال الاستراتيجي الناجحة تثبت أن الجامعات قادرة على قيادة التحول الثقافي حين تعمل بتكامل مع المجتمع ومؤسساته وتقدم هذه الصورة المؤسسية بكل علمي واحترافي يتبني أهداف التنمية المستدامة ويعمل على بناء الإنسان العربي وصناعة مستقبله الأفضل بإذن الله.