هناك وجع لا يُرى، لكنه يسكن الملامح، ويغفو بين التفاصيل الصغيرة، وجع لا يحتاج إلى دموعٍ ولا إلى حكاية، فقط صمت عميق يشبه التعب بعد معركةٍ لم يكن فيها انتصار ولا هزيمة، فقط خسارات متراكمة ووجوه تغيّرت. كم مرّ من الوقت حتى أصبح القلب هشًّا إلى هذا الحد؟ ربما ثلاث وثلاثون عامًا من التحمّل، من التجمّل، من محاولة فهم الناس الذين كنا نظنهم ظلّنا، فإذا بهم أول من يتركوننا في العراء، صداقات عمرها أكثر من نصف العمر، تذوب فجأة كأنها لم تكن، وكأن كل العشرة السابقة كانت مسرحية طويلة بُنيت على المجاملة. الوحدة ليست في غياب الناس، بل في وجودهم بلا دفء. أن تتحدث فلا يسمعك أحد، أن تتعب ولا يُلاحظ أحد، أن تكون حاضرًا في الحياة لكنك غائب في قلوب من حولك. الوجع الحقيقي ليس فقدان من تحب، بل أن تكتشف أنك لم تكن محبوبًا كما ظننت. هناك لحظات يتمنى فيها المرء أن يجد يدًا تُمسك به، حتى لو كان هو من أفلتها في البداية لا لأنه يريد العودة، بل لأنه يريد أن يطمئن أن أحدهم لا يزال يراه جديرًا بالتمسّك. لكن الحقيقة القاسية أن أغلب الناس يتخلّون، وبعضهم يرحل قبل أن تُعلن سقوطك ومع ذلك، يبقى فى الداخل شيء صغير يصرّ على النهوض، ولو من تحت الركام، يصرّ على الحياة رغم الوحدة، وعلى النقاء رغم الخذلان.