خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    غداً.. بدء اقتراع المصريين بالخارج بجولة الإعادة بانتخابات النواب    انخفاض أسعار النفط وسط ترقب خطوة أمريكية بشأن خام فنزويلا    أسعار الخضراوات والفواكه بأسواق كفر الشيخ.. البسلة ب15 جنيها    وزير العمل يصدر قرارا بشأن ضوابط الوفاء بحقوق العمال عند إغلاق المنشآت    هجمات روسية تتسبب في انقطاع الكهرباء بأوكرانيا، والجيش يطالب السكان بالبقاء في الملاجئ    أخبار مصر: صندوق النقد يحسم مصير قرض 2.5 مليار دولار لمصر، جنون غير مسبوق في الذهب، ثورة في ليفربول ومان سيتي بسبب صلاح ومرموش    وكان منتخبنا مؤدبا بزيادة    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    أليك بالدوين في عين العاصفة مجددًا... قضية Rust تعود وتثير قلقًا واسعًا على حالته النفسية    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    ارتفاع صاروخي لأسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    عمر مرموش يؤكد: فوز منتخب الفراعنة على زيمبابوي أهم من أي إنجاز فردي    محدود دون إصابات.. التحقيقات تكشف تفاصيل حريق قاعة أفراح بأبو النمرس    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    اليوم، بدء إعادة جثامين 14 مصريا ضحايا غرق مركب هجرة غير شرعية باليونان    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    استشاري تغذية علاجية بالفيوم ل"أهل مصر": دودة الطماطم خطر صحي وآفة زراعية.. ولا علاقة لها بالقيمة الغذائية    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    أجواء شديدة البرودة والصغرى 12 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    مشروع قومى للغة العربية    نقابة أطباء الأسنان: أعداد الخريجين ارتفعت من 45 إلى 115 ألفا في 12 عاما فقط    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    رئيس هيئة المستشفيات التعليمية يُكرّم مساعد وزير الصحة للمبادرات الرئاسية    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    استغاثة عاجلة إلى محافظ جنوب سيناء والنائب العام    شعبة الاتصالات: أسعار الهواتف سترتفع مطلع العام المقبل بسبب عجز الرامات    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    مصرع شخص صدمته سيارة نقل أثناء استقلاله دراجة نارية فى المنوفية    استكمال الاختبار التجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي على منصة كيريو في محافظات الجمهورية يوم 23 ديسمبر    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    ليفربول يعلن نجاح جراحة ألكسندر إيزاك وتوقعات بغيابه 4 أشهر    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث اصطدام جرار زراعي ودراجة نارية بالبحيرة    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    جامعة بنها تتابع امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الفنون التطبيقية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة شرم الشيخ.. مصر ترسم حدود الحق والسلام بين شظايا العدوان
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 10 - 2025

من بين العواصف والحرائق كانت شرم الشيخ البارحة أشبه بميناء للعقل فى زمن يغرق فيه الجميع فى دوامة الدماء والخيانات. لم تكن القمة التى استضافتها مصر مجرد اجتماع دبلوماسى جديد حول القضية الفلسطينية، بل كانت إعادة تعريف للضمير العربى والإرادة الإقليمية ورسما دقيقا لحدود الحق والسلام فى منطقة تتنازعها النيران والمصالح. فى قاعة جمعت العالم على شاطئ البحر الأحمر، لم ترفع القاهرة صوتها بحثًا عن مجد شخصى أو نفوذ سياسى بل عن عدالة غابت وإنسانية تُستباح وشعبٍ فلسطينى يدفع ثمن الاحتلال والعجز الدولي. ومن خلف الكلمات كان الحضور يدرك أن ما تقوله مصر ليس مجرد بيان بل عقيدة دولة تعرف ثمن الحرب وتدرك قيمة السلام.
حين تتكلم مصر يتغير المعنى فهذه الدولة التى عرفت الحرب والسلام والمفاوضات والدم لا تتحدث من فراغ ولا من موقع المراقب. منذ النكبة الأولى وحتى اللحظة كانت القاهرة على العهد: لا قبول بالتهجير ولا تنازل عن الهوية الفلسطينية ولا مساومة على القدس.
وفى قمة شرم الشيخ أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسى التأكيد على هذه الثوابت لكن بلغة تناسب زمن الانكشاف الدولى قائلا للعالم إن العدوان مهما تجمّل بمبرراته يظل عدوانا، وإن القوة لا تصنع شرعية وإن الحق لا يموت بتقادم الصمت. لم يكن حضور الرئيس فى القمة حضورا بروتوكوليا ، بل قيادة تتقدّم الصفوف وتعيد ترتيب الموقف العربى على قاعدة جديدة: أن فلسطين ليست ورقة فى مفاوضات بل بوصلتنا الأخلاقية والسياسية. وفى كلمته لم يكتف بتوصيف المأساة بل قدّم رؤية لما بعد الحرب محذرا من تكرار سيناريو التهجير الذى تسعى إليه إسرائيل، ومؤكدا أن مصر لن تسمح – ولن تسمح أبدا – بأن يُفرض على غزة واقع جديد ينسف التاريخ والهوية. لقد تحدث الرئيس بثقة من يعرف التاريخ والجغرافيا والقدر فالقاهرة لا تنطق باسم نفسها بل باسم أمة أرادت أن تبقى على قيد العدالة.
وراء هذا الموقف الثابت جيش يعرف متى يصمت ومتى يتكلم. جيش لا يبيع الشعارات بل يصنع الأمن ويحمى الحدود ويقدّم الدعم الإنسانى عند الحاجة ويظل على استعداد لأن يكون درعا يحمى الأرض والعرض وصوتا يعيد التوازن إلى المنطقة. فى ظل الانفجار الإقليمى أدركت مصر أن دورها لا يقتصر على البيانات بل على أن تكون صخرة تتهشم عليها مشاريع الفوضى. لذلك ظلّ الجيش المصرى عنوانا للصبر والقوة والانضباط الوطنى وسندا حقيقيا لسياسات الدولة التى تمزج بين الحكمة والحزم.
أما الشعب المصرى فلم يكن غائبا عن المشهد فمن شرفات القاهرة إلى شوارع المحافظات ومن المساجد إلى الجامعات ظلّ الوجدان المصرى متوهجا بالعروبة والإنسانية رافضا الظلم داعيا للسلام العادل ومتضامنا مع فلسطين لا من باب الشعور بل من عمق التاريخ والمصير المشترك. وحين تهتف القلوب قبل الألسنة تحيا مصر.. تحيا فلسطين يدرك الجميع أن هذه العلاقة ليست شعارا موسميا بل عقد دم وتاريخ لا يُكسر.
ما يميّز قمة شرم الشيخ عن غيرها أنها لم تكن مسرحا للخطب التقليدية بل منبرا للوعى الجمعى العربي. ففى زمن تتصارع فيه العواصم على النفوذ وقفت القاهرة لتذكّر الجميع أن القيادة ليست فيمن يملك المال أو السلاح بل فيمن يملك الرؤية والقدرة على جمع الفرقاء حول كلمة سواء. لقد نجحت مصر فى تحويل القمة إلى منصة حقيقية للحقيقة وضعت العالم أمام مسؤوليته وكشفت ازدواجية الخطاب الغربى الذى يتحدث عن حقوق الإنسان فى كل مكان ثم يصمت أمام مشهد الأطفال فى غزة تحت الأنقاض.
الخطوة القادمة هى الاختبار الحقيقى فمصر التى أدارت معارك التفاوض لسنواتٍ بذكاء وصبر تدرك أن السلام لا يُمنح بل يُنتزع. ولهذا كانت رسالتها واضحة: التهجير خطٌ أحمر والاحتلال لا يُشرعن والسكوت على الجريمة جريمة أخرى. وفى الوقت الذى تتعثر فيه بعض القوى أمام ضغوط الخارج تمضى القاهرة بخطى ثابتة فى ميدان مزدوج: تفتح المعابر لإغاثة المدنيين وتفتح العقول لتصحيح المفاهيم. لقد قدّمت مصر نموذج الدولة التى تعرف كيف تحمى حدودها دون أن تغلق قلبها وكيف تُوازن بين أمنها القومى والتزامها الأخلاقى تجاه الأمة.
إن ما ميّز قمة شرم الشيخ أنها لم تُدفن فى المجاملات ولم تتوقف عند الشعارات. كانت قمةً استثنائية لأنها وضعت النقاط على الحروف: أن القضية الفلسطينية هى جرحنا المفتوح وأن من يتجاهل هذا الجرح يكتب نهايته الأخلاقية بنفسه. حين تصنع مصر الحدث لا تبحث عن الأضواء بل عن البقاء فى جانب التاريخ الصحيح. وموقفها من العدوان على غزة ليس طارئا ولا انتقائيا بل امتدادٌ لثوابت رسختها الجغرافيا وصقلها الضمير. ومصر التى استضافت القمة ورفعت صوتها من أجل العدالة تقول للعالم بلغة لا تقبل التأويل: إننا لا نطلب المستحيل بل نطالب بالإنصاف لا ندعو إلى الحرب بل إلى سلام يستند إلى الحق لا إلى ميزان القوة.
قمة شرم الشيخ لم تكن حدثا سياسيا فحسب بل إعلان جديدا لولادة وعى عربى يرفض التلاعب بالمصير الفلسطيني. لقد قدّمت مصر ما يشبه الدرس فى الثبات إذ أثبتت أن الحياد فى القضايا الأخلاقية خيانة وأن السكوت على القتل ليس موقفا بل سقوطا. وحين تنتهى القمم وتُطوى البيانات يبقى موقف مصر ثابتا: الحق الفلسطينى لا يُنسى والعدوان لا يُبرر والسلام لا يُبنى على الركام. قمة شرم الشيخ لم تكن لحظة عابرة فى التاريخ بل إعادة كتابة لمفهوم الدور المصري: أن تكون القائد لا المتفرج أن تكون صوت الضمير حين يصمت العالم وأن تبقى دائما فى قلب المعادلة لا على هامشها.
فى زمن تتشظى فيه الحقائق تظل مصر – بجيشها وقيادتها وشعبها – الحدّ الفاصل بين الفوضى والنظام بين الصمت والضمير بين الانكسار والكرامة. ومن شرم الشيخ انطلقت الرسالة التى لن تُنسى: إنّ السلام لا يولد من الخوف بل من القوة الأخلاقية لدولةٍ تعرف كيف تكتب التاريخ بالحق لا بالحبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.