جاء قانون العمل الجديد الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2025، بعد مناقشات مطولة وحوارات مجتمعية امتدت لسنوات في أروقة البرلمان وفي جلسات واجتماعات حكومية شهدت الحرص على الاستماع إلى وجهات نظر ومطالب جميع الأطراف، حتى خرج هذا القانون المهم جداً إلى النور، وسط حالة توافق كبير حوله. قانون العمل بعد من أهم التشريعات الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ أنه يطبق على أكثر من 30 مليون عامل، ويكتسب قانون العمل أهميته أيضاً في مصر من الدستور ذاته حيث اعتبره الدستور " قانوناً مكملاً للدستور"، باعتباره منظماً لأحد الحقوق والحريات الهامة وفقاً لما تضمنته المادة رقم 121 من الدستور. كما تنص المادة رقم 12 من الدستور على أن "العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل. وتوافق قانون العمل مع نص المادة رقم (13) من الدستور التي تنص على أن " تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الانتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفياً، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون. وهذا القانون الجديد به العديد من المميزات والضمانات التي تحمي حقوق العمال وتساهم في توفير بيئة عمل آمنة، كما يتضمن مزايا لأصحاب الأعمال في نفس الوقت بما يحقق التوازن بين صاحب العمل والعامل لتحقيق الصالح العام وتوفير مناخ آمن في العمل، بما يشجع الاستثمار ويفتح بابا واسعا لفرص عمل للشباب. ومن الأمور المبشرة ما أعلنه وزير العمل بأن قانون العمل الجديد أخرج مصر رسميًا من القائمة السوداء لمنظمة العمل الدولية بعد تأكيد جدية الدولة في حماية حقوق العمال، وذلك يأتي بعد جهود كبيرة بذلتها الدولة المصرية لتلافي ملاحظات منظمة العمل الدولية، وتم إصدار قانون عمل يتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويراعى معايير العمل الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ويوفر الضمانات اللازمة لحماية حقوق العمال، حيث إن منظمة العمل الدولية أصدرت 191 اتفاقية عمل دولية صدقت مصر على 65 اتفاقية منها، تنظم جميعها حقوق العمال في العمل وما يرتبط به من حقوق كالحق في الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية وحرية العمل وحظر العمل الجبري وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة وغيرها من الحقوق. فالقانون الجديد تضمن نصوصاً هامة تستهدف التوازن بين أطراف العملية الإنتاجية، وصولاً إلى وضع قواعد تعبر عن الواقع الفعلي لسوق العمل وتحقيق مصالح الدولة والمجتمع وأصحاب العمل والعمال، فالتعامل يريد الحفاظ على حقوقه وتوفير حياة مهنية مستقرة، ومقابل أجر عادل، ورعاية اجتماعية وصحية، ونظام تأميني يحقق له الأمان، والاطمئنان على مستقبله المهني، والأسري وهذه حقوقه الدستورية، وصاحب العمل يبتغى نظام يؤمن له استثماراته، ويضمن له قيام العامل بواجباته، ويعزز إنتاجه، والدولة تبتغي تحقيق الاستقرار، وزيادة الإنتاج، وتحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإنتاجية لتنمية الاقتصاد، وتوفير فرص عمل للشباب والحد من معدلات البطالة، وتنظيم سوق العمل. فمن الضروري والمهم أن يقوم أي قانون عمل على فلسفة جديدة مفادها بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، والحفاظ على حقوق العمال لضمان استمرارية العمل وزيادة الإنتاج، ويعالج فجوة المهارات، ويوائم بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل، ويعمل على دمجهما، وأن يساعد في توفير مناخ جاذب للاستثمار دون إخلال بحقوق العمال، مع توفير ضمانات الأمن الوظيفي للعمال. فقانون العمل الجديد استجاب لتوصيات منظمة العمل الدولية، وجاء اتساقاً مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ولإحداث التوازن المأمول في العلاقة بين العامل وصاحب العمل، بما يضمن حقوق وواجبات كل منهما، وبما يضمن توفير مزيد من الحماية الكاملة للعمال الذين تشكل ظروف عملهم خطراً على حياتهم، ونظم حق الإضراب عن العمل في ضوء الالتزام بأحكام الدستور، وحماية العامل من الفصل التعسفي. والأهم حاليا التطبيق العملي والسليم لقانون العمل على أرض الواقع وتشديد الرقابة والتفتيش على المؤسسات لضمان التزامها بأحكام القانون، وكما يجب أن يكون هناك التزام من صاحب العمل بالتزاماته تجاه العامل يجب أن يكون هناك التزاما من العمال بواجباتهم.