في كل عام تأبى ذكرى انتصارات حرب السادس من أكتوبر المجيدة عام 1973 أن تمر دون ان تمنحنا كمصريين الهدايا الثمينة والقيمة لتؤكد قيمة هذا النصر الذي تحقق بدماء الشهداء وتضحياتهم و بإيمان الشعب بقدرته على الانتصار والعبور وهزيمة العدو المغرور واذلاله في حرب مازالت تكشف عن أسرارها كل عام. لا ننسى وقبل أن تمر ذكرى الانتصار في عامه الأول بتشكيل لجنة اجرانات الإسرائيلية برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا شمعون اجرانات عقب انتهاء الحرب مباشرة للتحقيق في القصور الذي تصرف به الجيش الإسرائيلي والهزيمة التي لحقت به . وجاء الاعتراف بالهزيمة في التقرير الذي أصدرته اللجنة في نهاية يناير عام 74 وكان عبارة عن 1500 صفحة لم ينشر منها سوى 42 صفحة فقط لكنها كانت كافية بالاعتراف الدامغ بالهزيمة الساحقة على أيدي أبطال مصر البواسل. وتوالت هدايا النصر في كل ذكرى باعترافات القادة الإسرائيليين في الحرب أو بالكشف عن بطولات جنود مصر وفي عام 95 تفرج إسرائيل عن التقرير الكامل للجنة اجرانات وتم ترجمته ونشره في كتاب بعنوان " التقصير" لاعترافات قادة إسرائيل من السياسيين والعسكريين بالهزيمة وأبقت إسرائيل على 84 صفحة اعتبرتها معلومات سرية. وفي الذكرى 34 من الانتصار أفرجت إسرائيل عما تبقى من التقرير في 30 يناير 1975 أصدرت اللجنة تقريرًا من 1500 صفحة تم اعتبار 1458 صفحة منها سرية وتم نشر 42 صفحة -هي عبارة عن المقدمة- فقط. في 1 يناير 1995 افرجت الحكومة الإسرائيلية عن التقرير بالكامل باستثناء 48 صفحة اعتبرت معلومات سرية، وفي 2007 أفرجت عن ما تبقى من التقرير. تناول التقرير الأحداث ببعض التفصيل وانتقد الجيش الإسرائيلي بشدة لافتقاره إلى التأهب والخلل في التنسيق بين مختلف الوحدات ليؤكد باليقين بأن أكتوبر 73 كانت شر هزيمة للجيش الذي لا يقهر..! وردا على بعض المشككين – للأسف- من المثقفين العرب الذي اعتبر بعضهم ما جرى مجرد " تمثيلية",,!! العام الجاري و في الذكرى العطرة للانتصار العظيم تستمر الهدايا باعترافات العدو في رواية أغلقت مصر فصولها و كرمت بطلها بما يليق به وما قدمه من مجهود ودور وطني لوطنه وأمته وتعتبره بطل قومي، في الوقت التي تناولته بعض الأقلام بالتشكيك واتهامه بالعميل المزدوج وتصديق الرواية الصهيونية في البطل الدكتور أشرف مروان صهر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وزوج ابنته منى بغرض تشويه سمعة الزعيم الراحل والهجوم عليه. تعترف إسرائيل في تحقيق استقصائي مطول في ملحق لأشهر صحيفة إسرائيلية وهي يديعوت احرونوت – ومعناها في العربية آخر الاخبار- وعلى لسان قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية بأن البطل أشرف مروان خدع إسرائيل في حرب أكتوبر ووجه صفعة قوية لأجهزة مخابراتها وأنه كان يعمل مخلصا لصالح وطنه وأنه لم يكن جاسوسًا إسرائيليا، لكنه كان يعمل بتوجيهات وإشراف من الرئيس السادات شخصيا، وكان جزءًا من خطة الخداع المصرية قبيل حرب 1973 وعقب قتله أو مقتله في 27 يونيو 2007، قال عنه الرئيس الأسبق حسني مبارك :" «مروان لم يكن جاسوسا بل على العكس كان وطنيًا مخلصًا.. وقام بأعمال وطنية ولم يحن الوقت بعد للكشف عنها. كان بالفعل مصريًا وطنيًا ولم يكن جاسوسًا على الإطلاق. وما نُشر بأنه أبلغ إسرائيل بموعد حرب أكتوبر 1973 لا أساس له من الصحة.. لا أشك إطلاقا في وطنية الدكتور أشرف مروان، وكنت أعلم بتفاصيل ما يقوم به لخدمة وطنه أولًا بأول..» وقرر مبارك تنظيم جنازة عسكرية رسمية وشعبية للفقيد الراحل. هدايا ذكرى الانتصار تتدفق وكلنا يتذكر مع بداية حكم الرئيس السيسي عندما قرر وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة أن يعيد تسليح الجيش المصري بأحدث المعدات والسلاح بتنويع مصادره مدارسه ليصبح في عدد قليل من السنوات الجيش الأقوى في المنطقة والذي ينظر له بحساب. في ذات الوقت كانت حملات التضليل والأكاذيب والتشويه تهاجم الرئيس وتحاول تأليب الرأي العام ضد مجهودات تجهيز الجيش لحماية منجزات التنمية والمشروعات القومية و حدود الدولة وتحسبا لأية تطورات في المنطقة . وهو ما كشفته عنه الأيام و ثبتت صحة الرؤية الاستراتيجية للقيادة المصرية والتي لولاها لحدث ما لا يحمد عقباه عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2007 ومحاولات تنفيذ مخططات التهجير واستفزاز مصر. وفي الذكرى ال52 للنصر...بات الجميع في الداخل وفي الخارج على يقين بصواب الرؤية المصرية في التعامل مع أزمة الحرب على غزة فلم تتورط القيادة المصرية في دخول حرب لا معنى لها والانسياق وراء دعوات خبيثة كانت تستهدف التورط في حرب تستنزف مصر. خاضت مصر حرب دبلوماسية في كافة الاتجاهات لصالح القضية الفلسطينية ووقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات الى أهالي القطاع وبدت هذه الدبلوماسية في مرات كثيرة دبلوماسية خشنة . وحافظت مصر على جيشها القوي الرشيد القادر على الدفاع عن الدولة المصرية وعلى علاقتها المتوازنة مع القوى الفاعلة في العالم شرقا وغربا حتى. وراهن الرئيس السيسي على وعي الشعب المصري واصطفافه خلف قيادته في هذه الازمة وغيرها من الأزمات التي تواجه مصر ولم تنزلق مصر في حرب عبثية نيابة عن الآخر. الآن وبعد موافقة كافة الأطراف على مبادرة ترامب التي يدرك الجميع الدور المصري فيها، خرجت مصر منتصرة بحكمة وادراك قيادتها وبوعي شعبها وقوة جيشها وتحملت من أجل ذلك الكثير من حملات للأكاذيب والتطاول والشائعات وبمصاعب اقتصادية جمة. نأتي الى آخر الهدايا- التي لا ولن تنتهي- في ذكرى الانتصارات وهي ايمان العالم وتصديقه لتحذيرات مصر من مخاطر بناء سد النهضة الأثيوبي وافتتاحه دون التنسيق والتشاور والاتفاق مع دول المصب- السودان ومصر- وما نشاهده حاليا من كوارث وفيضانات بسبب قيام الجانب الأثيوبي بالتخلص من فائض المياه لتتدفق وتغرق قرى ومدن سودانية ولولا السد العالي والإجراءات الاحترازية للحكومة المصرية لغرقت مصر وهو ما يستدعي التحرك لتوثيق تلك الكارثة وتقديمها الى الأممالمتحدة. ما كان يخطط له الآخرون بتعطيش مصر أو منع المياه عنها قد فشل وانقلب السحر على الساحر واتسع الرتق على الراتق وفاضت المياه في بحيرة السد ومفيض توشكي وفي النهر الجديد في الصحراء الغربية لتستفيد منها مصر...انها بركات وهدايا ذكرى انتصارات أكتوبر.