نتابع خلال الأيام الجارية فعاليات زيارة ملك وملكة إسبانيا لمصر، والتى بدأت الثلاثاء الماضى، على أن تنتهى يوم الجمعة الموافق 18 من سبتمبر الجارى، 4 أيام أثمرت صورة ونتائج إيجابية فى هذا الصدد، فصدى واسع لاقته الزيارة عبر الصحف والمواقع الإسبانية وصفحات السوشيال ميديا الخاصة بالبيت الملكى الإسبانى، وغيرها من الصفحات التابعة لعدد من الصحفيين عبر موقع التواصل الاجتماعى «X». وحملت كلمة الملك الإسبانى الكثير من الحب والتقدير والاحترام لمصر، حيث أكد على عظمتها وقوتها وعمقها الاستراتيجى، مشيدا بتاريخها وحضارتها، مستندا إلى كلمات المؤرخ الإسبانى العاشق لمصر، إدوارد تودا، والذى وصفها ب«مهد الأعراق البشرية وأساس العلوم والفنون»، مُستعيدا أيضا كلمات عالم اللغة المصرى، أحمد زكى، خلال زيارته لقصر الحمراء بغرناطة فى القرن ال19، والتى أكدت على طباع الإسبان المُتشابهة مع العرب فى أخلاقهم وكرامتهم وكرمهم، وبالفعل من يتعامل مع الإسبان لا يشعر باختلاف كبير فى كثير من الطباع، حتى اللغة الإسبانية تحتوى على آلاف من الكلمات التى تتشابه مع العربية إلى حد التطابق فى النطق. كما أعرب الملك عن رغبته فى زيارة الأهرامات، وهو ما تحقق له فى نهاية اليوم الثانى من وصوله إلى القاهرة، حيث أقيمت له مأدبة عشاء فى أجواء ساحرة بجانب الأهرامات وأبوالهول، وقد كانت بمثابة المفاجأة بالنسبة لعدد من الصحفيين الإسبان، فهى لم تُدرج فى الجدول المنشور بحسب الصحف الإسبانية، وقد لاقت صور هذه المناسبة استحسان الكثير من الإسبان المتابعين للزيارة، إلى حد وصفها الحدث الأهم فى هذا اليوم من وجهة نظرهم، فحضارة وعظمة مصر دائما حاضرة، وصور الأهرامات أينما وُجدت، تُثير الانتباه، والإعجاب الشديد. وعن قرب افتتاح المتحف المصرى الكبير، أشاد الملك فيليبى السادس بهذا الحدث كثيرا، معتبرا إياه بمثابة هدية مصر للعالم، ورمزا لمستقبلها الواعد، مؤكدا شغف الإسبان بحضارة مصر وتاريخها الفرعونى، وهو ما تؤكده البعثات الأثرية المشتركة بين الدولتين منذ عقود. ولم تكن هذه الإشادة المَلكية الأولى من نوعها، فقد سبق وأن أشاد ملك إسبانيا بمصر خلال زيارة الرئيس السيسى لبلاده فى فبراير الماضى، واصفا مصر بأنها ركيزة أساسية فى العملية الأورومتوسطية، ولاعب لا غنى عنه فى أفريقيا، كما أنها شريك استراتيجى فى الشرق الأوسط، خاصة فى ظل ما تشهده من تحديات وأحداث مؤسفة مؤخرا، بسبب التوترات والصراعات والتى تشهدها المنطقة. ولم تكن الصورة التى صدرها أصحاب الجلالة من خلال زيارتهما أو كلمة الملك الإسبانى، هى فقط حضارة مصر وتاريخها العظيم، بل أيضا جاءت صورة ذهنية إيجابية أخرى مُهمة مؤكدة على الثقل الاستراتيجى لمصر ليس فقط فى المنطقة العربية، ولكن فى العالم أجمع، حيث تحدث الملك الإسبانى عن موقف بلاده من القضية الفلسطينية وهو على أرض القاهرة، مؤكدا دعم إسبانيا للموقف المصرى بشكل كامل، سواء على المستوى السياسى أو الإنسانى، الداعم لضرورة استئناف دخول المساعدات الإنسانية لأهالى غزة. بالإضافة إلى تأكيد أهمية مصر كشريك اقتصادى، وهو ما انعكس بدوره من منتدى الأعمال المصرى الإسبانى، والذى أشاد الملك خلاله بما شهده من مشروعات كبرى بجوار الأهرامات، ما يعكس عراقة الماضى وتطلعات المستقبل، مشيرا إلى تزايد العلاقات الاقتصادية المصرية الإسبانية بين البلدين. ولعل الصورة الثالثة ظهرت خلف ملك إسبانيا والرئيس السيسى، خلال مأدبة الغذاء التى أُقيمت لجلالته وقرينته، بقصر الاتحادية، فقد كانت لوحة فنية تعكس رؤية مصر المستقبلية والقائمة على التنمية والحداثة للعالم أجمع دون كلمات، حيث تظهر بها أبراج العاصمة الإدارية والعلمين الجديدتان، ووسائل النقل الحديثة، القطار الكهربائى والمونوريل، وغيرها من المشروعات الجارية فى كل أنحاء مصر. لتأتى الصورة الإيجابية الرابعة والأهم، والتى عكستها هذه الزيارة الملكية، فى أن مصر هى بلد الأمن والأمان والاستقرار، فملك ومكلة إسبانيا كانا ضيفيها على مدار 4 أيام، تجولا خلالها من شرق القاهرة لغربها، بالإضافة إلى زيارة الأقصر، والإشارة إلى افتتاح المتحف الكبير المُرتقب فى الأول من نوفمبر المقبل، وقد شهدا على رؤيتها المستقبلية بجانب تاريخها العريق، ما يؤكد أن مصر آمنة ومستقرة، وشامخة بحضارتها القديمة ورؤيتها التنموية المُتطلعة إلى المستقبل، على الرغم من كل التحديات المُحيطة بها، فهى قادرة على العبور بشعبها إلى بر الأمان على مرّ العصور.