لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد روائى أو مترجم أو مثقف فقط، بل كان نموذجا للتطابق بين ما يقوله وما يؤمن به وما يفعله، ونادرا ما نجد هذا تطابقا بين هذه العناصر الثلاثة فى شخص واحد، لذلك فهو مشروع متكامل ومهم فى تاريخنا الحديث، مشروع مصرى خالص بحجم مؤسسة مستقلة قادرة على صنع خطابها الخاص، ذلك المشروع في صورة إنسان ربما يرثيه البعض لأنهم لا يستطيعون فعل مثله، وربما لأنهم رأوا أنه بمواقفه يمثلهم، أو حتى يرفضون تلك المواقف لكنهم لا يستطيعون سوى احترامها لأنهم يرونها مواقف حقيقية، نتجت عن قناعة استطاعت التخلي فكانت قدرته على اتخاذها. أدى صنع الله إبراهيم دورا حيويا مهما في المشهد المصري الثقافي والسياسي على مدار أكثر من ستة عقود كان يعمل فيها مستقلا حين انضم الجميع إلى المؤسسة، وكانت آراؤه ومواقفه خلال تلك الرحلة الطويلة تعبر عن قناعاته التي بناها بنفسه دون خوف أو طمع، وحتى في الوقت الذي وقف فيه عام 2004 رافضا لجائزة ملتقى القاهرة الدولي الثاني للرواية أمام حشد رسمي من المثقفين والإعلاميين لم يستطع حتى من رفضوا موقفه أو اعتبروه هجوما عليهم أن يتهموه بمحاولة الاستعراض، بل كانت المؤسسة التي شعرت بإحراج وقتها تحترم هذا الموقف وربما ترفض الطريقة التي اختارها للإعلان عنه. كان صنع الله حتى وفاته المثقف القوي، الذي يعبر بقوته عن قوة المشهد كاملا، وهو نتاجه الحي، والدليل على أن المؤسسة الثقافية عندما تكون قوية فإنها تصنع مثقفا قويا حتى لو كان ناتجا عن معارضتها، أو عاملا خارجها، والعكس صحيح. إن صنع الله إبراهيم الذي عرفناه روائيا كاسرا للتقاليد والأعراف وأحيانا للطابو ظل رمزا لإمكانية الفعل الفردي القوي حين يكون متكئا على مجتمع ثقافي كامل بمؤسساته الرسمية والمدنية، كما كان كاتبا محترفا للسيناريو ومترجما صاحب رؤية واضحة فيما يختاره للترجمة استنادا إلى احتياج ثقافته إليه، وهو نفسه صنع الله إبراهيم الذي مثل حلما لكثيرين من أقرانه، حلما كان قريبا فابتعد، حلما بصناعة المثقف القادر على الفعل والتغيير والتطلع لمستقبل أفضل، والقدرة على الرفض حين يكون ضرورة. لكن هذه الصدمة تكشف عن صدمة أخرى يجب أن نستشعرها جميعا؛ وهي أن صنع الله كان نتاجا للحظة تاريخية كانت فيها المؤسسة الثقافية قوية وفاعلة وصاحبة رؤية واضحة وقادرة على صنع مثقف بهذا الحجم، فهل نرثيه أم نرثيها؟