أ ش أ تحدث صنع الله إبراهيم أخيرا قائلا في تصريح مهم: "أنتظر الثورة الثانية، أو الجولة الثانية من الثورة، التي ستحدث بشكل أو بآخر، رغم أني لا أعلم متى وكيف ستنطلق".
وقد كان صنع الله إبراهيم من الكتّاب الذين وجّهوا لنظام مبارك صفعة هائلة لم يجرؤ عليها الكثيرون، فقد كانت مواقف صنع الله إبراهيم قوية.. ولا يمكن أن ننسى صفعته التاريخية للنظام السابق في عام 2003 في الاحتفال الذي أراد له رجال النظام أن يكون احتفالا بدخول الرجل الصعب إلى "الحظيرة" الثقافية التي افتتحوها للمثقفين، من خلال منحه أكبر جائزة مصرية للرواية العربية (مائة ألف جنيه) برعاية فاروق حسني -وزير الثقافة- وجابر عصفور -الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة- وأعضاء لجنة التحكيم.
حيث انتقد بكل شدة ما يتعرض له العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وتواطؤ الحكومات العربية، ومهانتها أمام أمريكا وإسرائيل.
مؤكدا أنه لم يعد لدينا مسرح ولا سينما ولا بحث علمي ولا تعليم، لدينا فقط مهرجانات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة ولا زراعة ولا صحة ولا عدل، تفشّى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب، انتزعت القلة المستغلة الروح منا، الواقع مرعب.
وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسئوليته، "لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكر ويشجب، فلم يعد هذا يجدي، لن أطالبكم بشيء، فأنتم أدرى مني بما يجب عمله".
ثم يعلن على الملأ اعتذاره عن عدم قبول الجائزة؛ لأنها صادرة عن حكومة لا تملك -في نظره- مصداقية منحها، وخاصة بعد أن أحنى لها كبار المثقفين رؤوسهم، ولم يعد يصدر منهم مجرد انتقاد إلا في جلسات النميمة والغرف المغلقة.
وكشف صنع الله إبراهيم عن أن شاكر عبد الحميد -وزير الثقافة- قد اعتذر له بعد الثورة عن موقفه منه حين رفض جائزة الرواية العربية عام 2003، وقال صنع الله إبراهيم ردا على الانتقادات التي وجّهت له بعد رفضه الجائزة: "إن البعض غيّر مواقفه، والدكتور شاكر عبد الحميد مثلا اتصل بي قبل توليه الوزارة وأبلغني اعتذاره عن موقفه السابق في هذا الصدد".
وأوضح أنه فوجئ بإبلاغه بفوزه بالجائزة، وقال: "لم أكن أتوقع أن أفوز بها، وفوجئت بهذا القرار، لكن بعد أن ذهب وقع المفاجأة شعرت بضغوط شديدة جدا؛ فلو قبلتها سيضيع تاريخي وقناعاتي التي ظللت أدافع عنها على مدار سنوات، ولو اعتذرت سيجدون البديل في دقائق".
وأشار إلى أنه قرر أن يذهب، ويقرأ البيان الذي يرفض فيه الجائزة، حتى يمكنه التأثير على الجو السياسي في البلاد في هذه الفترة، موضحا أنه شعر براحة كبيرة جدا بعد رفضه الجائزة بهذه الطريقة، وأكد أن أسرته أيّدته في هذا التصرف، لكن بعض أصدقائه فضّلوا لو أنه حصل على مبلغ الجائزة (100 ألف جنيه) وقام بالتبرع به للفلسطينيين مثلا، موضّحا أنهم لم يكونوا مستوعبين تأثير تصرفه على الجماهير، وهو تأثير قوي.
وقال الروائي الكبير صنع الله إبراهيم إن فاروق حسني -وزير الثقافة الأسبق- نفّذ خطة ذكية جدا لاحتواء المثقفين، وإبعادهم عن السياسة، وبدا أن صنع الله إبراهيم يلتمس العذر للمثقفين في هذا الصدد حول دور المثقفين الضعيف في معارضة سياسات النظام السابق، مشيرا إلى أن هناك أشياء لا يمكن تجاهلها في السنوات العشر الأخيرة، منها أنه كان هناك رخاء مصطنع، ونوع من الاسترخاء، فرضه عمل الآلاف في الخارج، خصوصا في الخليج.
وأضاف: "كما ظهرت الدعوة إلى التفريق بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، بمعنى أن المثقف من الممكن أن يكون صاحب رأي معارض للنظام سياسيا، وفي نفس الوقت يعمل ضمن مؤسساته، تطبيقا لقاعدة التفريق بين السياسي والثقافي".