وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الواقع .. ومسئولية المثقف والسلطة
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 10 - 2015


مشهد للقراءة
شاركت مؤخرا بأحد المؤتمرات التي ضمت العديد من المثقفين والباحثين المصريين والعرب المنتمين للطوائف المختلفة من الاتجاهات الفكرية والعقائدية الموجودة بمصر والوطن العربي من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.
وبعد إحدي الجلسات الساخنة بين المشاركين حول وضع استراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب خرجت إلي البهو الخارجي في حالة من الدهشة والقلق وتساءلت: هل يمكن لجلسات الحوار التي من المفترض أن تضع إستراتيجية عمل مشترك لسنوات ممتدة لمواجهة قضية "الأصوليات الدينية" وتبعاتها التي هي الأهم لتحديد مصير المنطقة كلها أن تحتمل كل هذا الاحتدام في الرأي والخلافات المستعرة التي تتطاول أحيانا للسباب، والاتهام بالعمالة، أو التكسب، أو الجبن والموالاة للسلطات؟ أو معايرة البعض بضياع صوت المثقف تماما في بعض البلاد العربية وتحدثهم فقط بما يملي عليهم و يسمح لهم التصريح به؟
ثم نظرت لمشهد أعلام الثقافة والسياسة والإعلام ورجال الدين الإسلامي والمسيحي بأنواعهم ممن يدعون التشدد أو الوسطية أو العائدين من الانتماء للجماعات المتطرفة أو الإرهابية وإذا بي أجد البهو يضج بالحياة والضحكات، الجميع في حلقات نقاش ودي للغاية يتبادلون الأحضان وكلمات الترحيب والتحية كما يتبادلون بالضبط أكواب الشاي والقهوة والنكات والسخرية من كل شيء.
هم ذاتهم الشخوص الذين كانوا منذ دقائق يتبادلون الاتهامات بالتقصير والموالاة من جانب أو التشدد من جانب آخر في داخل القاعة.
نظرت للجدار الفاصل بين قاعة الحوار وبهو الاستقبال وتمليته جيدا كأن سر التحولات الحادة تلك التي تحدث لمن يطلقون علي أنفسهم المثقفين يكمن في هذا الجدار .. انتفض عقلي ليدرك: ليس الجدار فقط .. فالأهم في هذا المشهد الميكروفون والكاميرات فهما الفيصل المحوري في سر هذه التحولات الحدية التي شاهدتها الآن وتتكرر في كثير من محافلنا الثقافية المتنوعة ونتابعها جميعا.
بدا أن الجميع يعرف مواقعه علي رقعة الشطرنج المرسومة لهم سلفا داخل القاعة الرئيسية، يتنقلون ويتحولون بحسب توجهات السلطة التي تدير المنظومة الثقافية السياسية المرسومة برمتها بطرق سياسية أو أمنية، فالنظم لا تهب شيئا بالمجان.
بعد أن انتهي المشهد الذي سيذاع عبر الشاشات والصحف في القاعة بدأت الأقنعة في التساقط مباشرة في البهو، وتلاشي تقمص الأدوار، وإذا بالمشهد الثقافي يطفح بزيفه الفكري والأيديولوجي، بالطبع الأمر لا يعود للعرف الأخلاقي: أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، القضية تحتمل أبعادها الأكثر خطورة.
فكما جرفت الأرض المصرية من خيراتها و مواردها لعقود جرفت من كوادرها الصادقة، أصحاب المعتقد والإقتناعات الأيدولوجية الحقيقية، المؤمنين بامتلاكها لنسب عالية من الصواب، اُستلب من كثير من شرائح المثقفين صدق إيماناتها، فأصبحنا نجد في طبقة المثقفين كما يوجد في كل مؤسسة في هذا البلد كثيرا من الأدعياء المجوفين، وكثيرا من المتحولين الذين لهم سمت الحرباء والثعابين، فكأن المثقفين قد تحولوا لملاك دكاكين كما يبدو من أشكال المعارضة المحددة الملامح التي من شأنها أن تتحول بحسب متطلبات كل نظام حكم يتتابع علي الدولة، الفيصل أن يظل لهم وجود في المنظومة وتحت الأضواء. عساكر المثقفين .. ولعبة الشطرنج:
مشهد المثقفين داخل القاعة أمام الميكريفون وعدسات الكاميرات مصنوع بعناية فائقة الإخراج الفني، صنعته السلطات السابقة منذ سنوات كثيرة تقارب سبعة عقود، بتواطؤ متفق عليه بين الأنظمة السياسية الحاكمة وكثير منهم، وتجري عملية تشكله أيضا ما بعد الثورتين، بوعي من الأطراف مجتمعة، أو دون وعي من قليل من المثقفين، اتفاق مدفوع الأجر، فما من وجبة عشاء بلا مقابل مثلما يقول المثل الإنجليزي.
فمنذ أن حل اليسار تنظيماته واعتقل من اعتقل بالسجون من أصحاب الأيديولوجيات المخالفة للنظام ، وحين اُلغيت الحياة الحزبية جميعها ثم تحللت وفرغت من مضمونها وجدواها رغم ظهورها كمنابر بعد فترة، ثم الإعلان عن عدد من الأحزاب كأطر إعلامية في نظام الحكم، وواجهة لادعاء وجود حياة حزبية لكنها ظلت كيانات مجوفة بلا طائل سوي أنها تخدم شكل الحكم الديمقراطي الوهمي. هناك دائما اتفاق ضمني بين السلطة السياسية الحاكمة وبعض من المثقفين "المفكرين والكتاب والمبدعين ورجال الإعلام" علي الوجود المحدد إقامته علي الخريطة السياسية، فالسلطة القابضة علي الدولة بحاجة إليهم في بعض الأوقات إما بتعليقهم في عروة عباءة الحكم والمباهاة بهم وقت الحاجة أمام الغرب، أو عندما يتخذون مواقف المعارضة الصورية والمدجنة والمعلومة الأبعاد، أو عندما تنبري أقلامهم وألسنتهم ليبرروا للسلطة أفعالها ويزينوها للآخرين فيصبحوا أبواقا لها لكنهم في النهاية يؤدون الأدوار الموكلة لهم من قبل النظام، يلهون الرأي العام أو يضللونه كثيرا. وفي بعض الأحيان يصبحون الكارت الذي يرفعه الحاكم في مواجهة بعض القضايا الدولية حين يريد الهروب من عقد اتفاق، فيدعي وقتها أنه سيقف في مواجهة مثقفي بلده فهم من يشكلون الرأي العام في الداخل ويوجهونه، هذا في حين أننا نتحدث دوما عن الأبراج العاجية التي انعزل فيها مثقفو هذا البلد، وهو الدور الذي قامت به بالفعل الأنظمة السابقة عامدة ومع سبق الإصرار والدأب وساعدهم في ذلك كثير من المثقفين .
ما بعد الكاميرات والمكيرفونات:
كيف نأمن للقلم في يد المثقف غير الحقيقي، الذي لا يدرك القضايا المحورية التي يواجهها مجتمعة ومدي خطورتها، المنافق المتحول الذي ليس له معتقد حقيقي صادق ولا قناعة؟ لمن نبيح شاشات التليفزيون والفضائيات، لمن نترك آذان شعب قد تجاوز التسعين مليون مواطن؟ هل لمن تكلست أفكارهم في حدود قضايا لم يزل يرددون لحنها الجنائزي: الصهيونية، والإمبريالية، والقومية العربية، .. ؟ هل للذين تتغير انتماءاتهم بتغير النظم الحاكمة؟ أم لمن يركبون أكتاف كل تيار فكري وعقائدي جديد ويسوغون له قرارته وأفعاله؟ ما هو شكل الإبداع ومضمونه الذي ننتظره ممن لا يعرف له هدف سوي ذاته واستمرار بقائه تحت دائرة الضوء، بالوقت الذي يجب فيه أن يحمل رسالة المثقف فلا تقتصر أهدافه علي نفسه ومصالحه الخاصة، بل تعلو لتشمل الإنسان وخاصة المستضعفين من الطبقات العريضة التي تمثل الأغلبية في دولة نامية واقعة بين براثن اضطرابات فكرية وعقائدية لا حصر لها ؟ نسيج من العلاقات الشائكة بالغة التعقيد صنعه ووقع فيه مثقفو هذا البلد مع نظم الحكم وأرض الواقع. أذكر أنني سمعت اعترافا من أحد شيوخ المثقفين بأنهم جيل أفسد الحياة الثقافية المصرية لمدة تجاوزت الستة عقود، ثم أكمل أنه يأمل في نقاء طوايا الأجيال الأحدث لأنهم لم يمروا بما عاشوه .
فحين تختلف الرؤي وهذا هو الطبيعي ويمثل المثقفون ألوانا من المعارضة الحقيقية المنبثقة عن مناهج آيديولوجية لها جذورها المعرفية الثقافية المتبحرة لا يمكن أن تشاهد هذا المشهد الذي يقطر زيفا، فلقد بدا كأنه ملهاة سوداء يتصافح فيها الجميع في عزاء لتشييع الصدق والحقيقة ومواجهة الخطر الحقيقي، يشيحون بوجوهم لبعضهم البعض وكأنهم يقولون لا فائدة .
مع وجود اختلافات الرؤي والمنطلقات الفكرية المتعددة هناك مساحات من الاحترام بين من يمثلون التيارات الفكرية، وهو ما يحرص عليه العقلاء خاصة بين من يدركون معني الثقافة الحقيقية، ما قصدته بالزيف هو معرفتهم بكونهم يؤدون مشهدا موضوعون فيه بأماكن محددة مسبقا علي رقعة شطرنج هذا الوطن، يصنفون ذواتهم والآخرين في أدراج دون وعي بالعناوين الحقيقية المخزية التي يدرجون أنفسهم فيها والتي أصبحت تحسب عليهم لا لهم، تدينهم وتقلل من فرص المصداقية التي كان من المفترض أن يحظوا بها ليشكلوا نخبا حقيقية تقود البلاد إلي التطور وتحسين أوضاع الجموع.
مثقفو مصر أحد أهم أسباب أزمتها فأغلب مثقفيها ومبدعيها وعلمائها يهربون من مواجهات مصيرية يجب أن يتصدوا لها بكل قوتهم وتكاتفهم معا، فلقد أصبحت الأصوليات الدينية وكشف كل المحاور التي تغذيها للرأي العام قضية وجود يجب ألا يتم التهاون معها علي كل المستويات مهما تعاظمت قوة المؤسسات أو الجماعات أو الدول التي تغذيها، كما أن قضايا الفساد التي باتت مستنقعا يطفو فوقه هذا الوطن يجب أن يتصدي لها المثقفون الحقيقيون بكل أشكال الكشف والتحليل والحوار، فكلنا يعلم أن المواجهات الأمنية لا يمكنها أن تصل إلا للظاهر والمكتمل من القضايا لكن المواجهة الحقيقة تتمثل في المواجهات الفكرية الثقافية التي تخاطب العقول.
فمن المشاهد المتكررة في هذه المؤتمرات الفكرية المهمة أن نجد أحد كبار المثقفين يتحدث عن أحد محاور الخلل الخطيرة في مؤسسة من المؤسسات في الوقت الذي يميل فيه مثقف آخر علي الجالس بجواره ليهمس : أعرف لماذا يثير هذه القضية الآن لأنه مختلف مع أحد الوزراء، أو لأن لديه حاجة عند فلان، أو عينه علي جائزة الدولة في أحد الفروع، أو منصب من المناصب وهكذا .. لتكتشف أن الكثير إلا من عصم نفسه تحركه أسباب شخصية بحتة، كما تلمس شيوع اللاثقة والتوجس بين الجميع، وأن أوراق لعبة تبادل المصالح برمتها مكشوفة علي طاولة هذا الوطن الذي خلا من حراس قيمه ومقدراته وهويته ألا وهم المثقفون.
ولعل قراءة هذا المشهد المتكرر بأشكال مختلفة تنبئ بما يحدث الآن في فترة التجهيز للانتخابات البرلمانية الجديدة، وسيكتوي المجتمع بنتائجها المتوقعة فلا قدرة علي توحيد صفوف الرموز السياسية والثقافية المنادين بمدنية الدولة وفصل الدين عن السياسة، فالخلافات مستعرة بينهم والكل يبحث عن مصالحه أو زعامته الشخصية، ومن نقطة الضعف هذه والرغبة في الزعامات الفردية والمصالح الخاصة ستتلقي مصر لطمة أخري مدوية للمرة الثانية، تتمثل في غلبة الأحزاب الدينية السلفية ومن انضم إليهم من الجماعة المحظورة في البرلمان القادم؛ لقدرتهم علي تجميع صفوفهم وتأثيرهم علي أرض الواقع.
عندما نريد قياس مدي صدق الإنسان مع نفسه واتساقه مع ذاته ننظر لمدي تطابق فكره ومعتقده وأقواله وما يؤمن به قياسا بسلوكه، أي ترجمة المعتقد المجرد إلي سلوك وأفعال علي أرض الواقع. وبالطبع من المفترض أن المثقف هو الأقدر علي تحقيق هذا التوازن لحجم ما حصل من معارف، ولتخصصه في أحدها أو بعضها، ولاضطلاعه بتجارب حياتية واسعة ومتنوعة بمدلولاتها الفكرية والثقافية، وتأسيسه لكل هذا فلسفيا بما يجعله قادرا علي بلورة رؤية مميزة للحياة والكون والإنسان من حوله.
كما أن المثقف "المفكر والكاتب والمبدع والعالم والمعارض" يجب أن يكون علي مسافة من السلطة أو أي نظام حكم، ينبغي أن يدرك أن ثمن الحرية باهظ .. وأن المثقف الحقيقي حر بالضرورة، وزاهد في المكاسب الشخصية التي تجعله عبدا لأي من القوي الداخلية أو الخارجية ، ولا بد أن يتملكه هاجس العدل الاجتماعي، ليعلو سقف طموحاته للفرد والمجتمع بما لا تتحمله أية سلطة، وإن حققته ينبغي ألا ينخرط بها لاستحالة أن يتحقق الكمال والعدل التام في أي نظام حكم، أي إنه دور لا ينتهي كما أدعت بعض التنظيمات الشيوعية اليسارية بعد ثورة 1952 م ، فحتي لو تحققت طموحاته مع سلطة تقدمية فإنه يعود ليقف منها موقف النقد ليكون مرة أخري الصوت الطامح لمزيد من العدل والحقوق والحريات في المجتمع.
ومن المفترض أن المثقف شخص فريد يتمتع بموهبة خاصة يستطيع من خلالها حمل رسالة أو تمثيل وجهة نظر معينة، فلسفة ما أو موقف من أجل المجتمع، كما أن بعض المثقفين يجمع بين المعرفة والحس الجمالي الإبداعي.
المثقف الحقيقي الصادق مع نفسه يمثل عادة الشوكة التي تقف في مواجهة السلطة لتعدل من غطرستها وأطماعها. هذا الموقف المعارض من المثقف عادة ما يجلب العداء في مجتمعاتنا التي لم تمارس الديمقراطية في حقيقتها, العداء من السلطة أو من بسطاء الناس الذين لا يدركون حقوقهم، فتلهو بهم السلطة ومثقفوها الأدعياء عن طريق ماكينة الدعاية التي تعمل علي دغدغة المشاعر وخلط الحقائق والبعد عن الموضوعية.
اُعتقل منذ عقود أحد المثقفين اليساريين ومر القطار أثناء ترحيله مع آخرين إلي سجن الواحات بمجموعات من أفراد الشعب البسطاء، يقول إنهم انهالوا عليهم بالسباب وقذفوهم بالأحجار واتهموهم بالكفر والإلحاد .. ويحكي أنه كان يتساءل مذهولا هل هؤلاء هم من كان يدافع عنهم ويقف ضد النظام وقتها مناديا بحقوقهم (حقوق الشعب) ، ويذكر أن هذه المفردة ذاتها أصبحت غائمة لديه منذ تلك اللحظة.
2
مظاهر سلبية تشوه صورة المثقف وتضر بالثقافة:
ليس من المنطقي أن يوضع المثقفون المصريون في زمرة واحدة وكأن جميعهم صناع هذا المشهد الخاص، فلبعض المثقفين المصريين منذ بداية النهضة الحديثة وحتي الأن كثير من المواقف المشرفة التي دفعت بهذا الوطن إلي التطور والانتفاض ضد أنظمة تغولت علي المجتمع المصري، لكن يمكن تقسيم المثقفون فيما أري للعديد من الشرائح و الفئات، كما ينبغي الإشارة إلي أن الأجيال الأكبر من المثقفين تجمعهم صفات خاصة، وأن الأجيال الأحدث تتفق وتختلف معهم في بعض السمات.
وينقسم المثقفون في مجتمعنا إلي ثلاث شرائح : الأولي هي من فضلت الانسحاب من المشهد العام إلا قليلا، تلعب في محيطها التخصصي الضيق سواء الأكاديمي داخل أسوار الجامعات، أم من خلال بعض الكتابات التي لا تنتشر علي نطاق مناسب، ومنهم المبدعون الذين ينسحبون من أي مواجهات بالرأي، فقط الكتابة والطنطنة في التجمعات الخاصة والحوارات الضيقة، وهؤلاء يرون أنه لا سبيل للتغيير في ظل هذه الظروف التي نعيشها، وأنهم مهما فعلوا أو قدموا من فكر هم فئة قليلة لن تؤثر ضمن مناخ عام من القمع والتدني الفكري والأخلاقي، والأهم لديهم شعورهم بالعيش في مناخ قامع لحرية الفكر والإبداع الحقيقي وهؤلاء عدد لا يستهان به من المثقفين الجادين، حاولوا مرات المواجهة والقيام بدور المثقف الحقيقي فاعتقل بعضهم لفترات في نظم الحكم السابقة لكن ظلت لديهم بعض المقاومة والسعي لقول الحقائق غير الملوثة، الخالصة لصالح الإنسان المصري والعربي، لكن تبقي أصواتهم صدي لصوت ضعيف في قباب خانقة لتجمعات خاصة ومحدودة العدد، آثروا الانسحاب من المشهد الثقافي العام وخاصة حين تستدعي الحاجة وجود علاقة مباشرة مع السلطة. أتذكر أني سألت أحد نماذج هذه الشريحة منذ أربع سنوات، أثناء حكم الرئيس مبارك عندما تم اختيار مجموعة من المثقفين لمقابلته والحوار معه لماذا لا يتم اختيار مفكرين قادرين علي المواجهة، مواجهة القضايا المصيرية وقتها مثل التوريث وزواج السلطة بالطبقة الرأسمالية، مواجهته بضرورة تداول السلطة والعدل الاجتماعي؟ لا يزينون له الأمر، ولا يسبحون بحمده ويصفونه بأنه الملهم القائد، بل يقدمون رؤي حقيقية صادقة للواقع وعيوبه، يحذرونه مما يصنعه هو ومن حوله، ويطرحون تصوراتهم عن المستقبل، فكان رده أنهم يختارون من يضمنون ولاءه النسبي، ممن لا يتشدق كثيرا بالديمقراطية والحريات، والمنخرطين ضمن النظام في الأساس والمستفيدين من عطاياه. ثم أضاف أنه لو عُرض عليه الذهاب فلن ينضم إلي هذه التمثيلية، وأذكر أني ناقشته وقتها بأن هناك من المثقفين من يعارض أفكار السلطة الحاكمة المسيطرة لكنه يسهم في المنظومة الكلية للدولة علي أمل أن يكون بإمكانه التغيير في أداء مؤسساتها، وضربت له مثلا رئيس إيران السابق "رافسنجاني" الذي حكم منذ 1988، وبعد رحيله عن الحكم استمر في المشهد السياسي ضمن التيار الإصلاحي المطالب بمزيد من الحريات مخالفا لخامئني ، ورغم اعتراضه علي عصمة الولي الفقية كان ممثلا لبلاده في الخارج وذلك لإيمانه بمعتقده. فكان أن فكر مليا وقال: تضيع جهود الفرد عبثا لو أن الغالبية تنخرط كلها في توجه عام ممالئ للسلطة، بل علي العكس يفقد المثقف ذاته، ويخضعونه لمنظومتهم الخاصة التي يتحالف فيها الجميع لصالح نظام الحكم لا الشعوب. هذه الفئة من المثقفين تعرضت للإقصاء ثم استطابت الحياة علي الهامش ولم تقاوم كثيرا.
الشريحة الثانية من المثقفين تري أن الانضواء داخل منظومة السلطة قد يوفر لها فرصة سانحة لتغيير سلطة أي نظام وتحويله للأفضل، وأن الوجود داخل النظم بمؤسساتها المختلفة هو من أدوار المثقف الحقيقي، استنادا علي أن من يقود فكر السلطات والنظم الحاكمة التي تتمتع بالديمقراطية أو الأنظمة التي تثمن حرية الفرد وقدراته هم النخب المثقفة المفكرة، وهو ما يحدث بالبلاد صاحبة الديمقراطيات العريقة، ولذا يسعون أو يقبلون القيام بأدوار في مؤسسات الدولة ويقتربون من صانعي القرار بالفعل، وعادة ما يحمل هؤلاء المثقفون ذاتا حالمة تميل إلي المثالية، وبعد انخراطهم الفعلي في هذه المؤسسات تتفاوت ردود فعلهم فبعضهم ينسحب سريعا بعد اصطدامه بطريقة إدارة البلاد في مجتمعات مثل مجتمعاتنا نحن، وبعضهم تأكله تروس السلطة، ومفرمتها، ويظل يقاوم علي أمل أن يكون هناك بصيص أمل ربما يلوح في الأفق، الآخرون يعتادون الإذعان والسلبية فيتحولون لممسحة أقدام في قبضة السلطات التي تتعمد إقصاء الجميع تحت إدعاء أنها أكثر إحاطة بخبايا الأمور كما أنها تمتلك شبكة خيوط الأحداث مجتمعة، فيصبح هؤلاء المثقفون أدواتا لتزيين صورتها، وكثيرا ما يتحول هؤلاء إلي متملقين للسلطة بكل أشكالها، ويمتلئ خطابهم بالماينبغيات للتعتيم علي تحولاتهم، يدعون أهمية ما يقولونه وإن نظرت إليه مليا لا تجد فيه شيئا ذا بال، ويسعون إلي إرضاء الجميع ولذا تجد خطابهم يتفاوت في مستويات الأداء، وبين الفصحي والعامية، وأحيانا بعض اللهجات العربية، بحسب المنتدي الذي يضمهم.
الشريحة الثالثة هي التي باعت نفسها للشيطان منذ البداية وهي لا تعرف علي الأصح ماهو المثقف ولا دوره بالمجتمع، لكنهم ضمن تخصصاتهم اشتغلوا منذ البداية كماكينات لتبرير أفعال السلطة وتسويغها في أعين المجتمع مع استغلالهم للجهل والفقر والمرض، لأوضاع مجتمعية مزرية يعاني فيها أكثر من نصف الشعب المصري من الأمية أو ثلاثة أرباعه علي الأصح نتيجة لنظام تعليم فاشل ومتدني لذا يسهل تَقبل ترهاتهم وتنطلي علي الكثير حيث لا مراجعة واعية من قبل متلقيهم، وتشغل هذه الفئة معظم مقاعد وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والمنابر الصحفية، وتتحرك كعساكر رقعة الشطرنج و لأمانة التصنيف هي لم تتخل عن صفتها المعرفية والاحترافية واندراجها ضمن شريحة المثقفين بل والمعارضة أيضا ، لكن من يصدق كل هذا الهراء أو تنطلي عليه هذه الخدعة سوي نصف الشعب المصري، لا أعتذر ربما ثلاثة أرباعه وهنا الطامة الكبري، ولعلنا نري نماذج إعلامية تمتلك القنوات الفضائية أو تشتغل بها أو ضيوفا دائمين عليها، وتتعدد مجالاتهم المعرفية والمهنية: السلك القضائي أو الأكاديمي أو الفني والأمني، قبلت هذه الشريحة كل أنواع الجزر حتي المر منه. من دون أن يدرك هؤلاء أن الدولة تبقي وأن النظم الحاكمة زائلة بحكم تاريخية الظواهر . أدعياء الثقافة في هذه الفئة لا يتوجهون إلي العقل بل إلي الأذان و الألسنة حيث يتخفون وراء العبارات الإنشائية ويثيرون المعارك الشخصية التي تميل إلي الفضائح والي التشفي في الآخرين، وتترهل أحاديثهم ويمل منها سامعوها لكثرة تكرارها.
وللمثقف المصري والعربي ضمن هذه الشرائح عدد من النماذج الشائعة التي يمكن ملاحظتها لمن يحاول قراءة واقع المثقفين بلا تزيد أو ادعاء والقليل فقط من ينجون منها، هذه السمات والمظاهر هي التي تشوه صورة المثقف وتضر بالثقافة:
مثقف التوازنات: الحريص علي مصالحه وبقائه تحت الأضواء، لا يريد أن يفقد خيوط تواصله مع الجميع، وهو يدرك الحقائق ويعرف ما ينبغي المواجهة به وأي القضايا التي يجب توجيه كل طاقة المثقفين نحوها لو أردنا تقدما لهذا الوطن، وأي القوي والمؤسسات التي يجب يغربل خطابها، لكنه لا يصرح بهذا إلا لماما لأنه لو واجه سيوضع في القوائم السوداء لدي النظام الحاكم، وقتها لن يحظي بالمناصب، أو بتمثيل الدولة الذي اعتاده في المحافل. وقد يسعي للمهادنة مع سلطة المؤسسات الدينية ، لكي لايُكفر نتيجة لأرائه أو يصبح من المغضوب عليهم، من العلمانيين السيئي السمعة لدي رجال الدين ومن ورائهم جموع الشعب، فيلجأ مثل هذا المثقف إلي الإفراط في التجريد والكلام العام المرسل الذي يخلو من أي إشارة إجرائية محددة، وهو بهذا يتصور أنه يقول أشياء في حين أنه لا يقول أي شيء بل تتسم كتابته بالحياد الباهت الممج والعموميات التي شبعنا من سماعها دون أن تترجم إلي إجراءات للتنفيذ. ربما كانت الطامة مع هذه النماذج المثقفة أيضا أنهم يدركون مواطن الخلل السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي لكنهم لا يجرؤن علي الحرب من أجلها ، بزعم أن الصدام مع الجميع قد يفقد كل أنواع التواصل ويتعرضون بسببه للإقصاء فيذهبون أكباش فداء وهم لا يحتملون ذلك، يؤمنون بالتغيير البطيء وضرورة بقاء أرضية للتواصل، لا يدرك هؤلاء أن المجتمعات القديمة تحتاج إلي بعض الصدمات بعد أن أصبحت علي الحافة، فإما أن تبقي وتتطور أو تتلاشي وتضيع فهي بحاجة إلي قدر من المواجهات الجذرية.
المثقف الاستحواذي: وهو غالبا من جيل المثقفين الكبير الذي تربي في حضن السلطات السابقة ثم ورثت النظم الحالية نفس سياساتها معهم ، ولقد اعتاد هذا النموذج أن يمثل هو وزمرة من هذه الوجوه كافة المحافل واللجان والمؤتمرات والندوات والبرامج والتصريحات ، اعتاد هذا واستمرأه، كما استسهلته وسائل الإعلام فصار مقررا علي المجتمع وكأنهم العلامات الفارقة في الحياة التي لا يشق لها غبار، في حين أن كثيرا من هذه النماذج لم تعد قادرة علي التجدد الفكري، وقفت إسهاماتهم عند حدود معينة بحكم تقدم السن، وعدم القدرة علي المتابعة لما يحدث ويستجد بالعالم من تطورات في كل المجالات. حين يشعر هذا النموذج أن هناك نوعا من الإحلال والإبدال لبعض النماذج المثقفة الشابة يقف ليشكك في إمكانات الأجيال الجديدة وعدم قدرتها علي التصرف الأمثل في المواقف المتباينة، أو أن هذه الأجيال الأحدث لا تملك من المنتج والتاريخ ما يجعلها قادرة علي التمثيل. في حين لو رعيت هذه الأجيال وشجعت لصنع ذلك تدرجا وتتابعا في أجيال المثقفين، وحرر عقولهم من فائض الذاتية والأنانية. يتمركز هذا النموذج حول ذاته وعادة ما ينسي موضوع الحوار ليتحدث عن مواقفه وتلامذته ومؤلفاته، تتضخم كينونته بداخله فيصبح الحديث هو لا الموضوع.
المثقف المزدوج : وهو الذي تحتار في شخصه ويختلط لديك مع مفهوم العميل المزدوج ، لا تعرف هل هو هذا الكاتب والمبدع الذي ينطلق من قناعاته الخاصة ويمتلك مشروعه الفكري والإبداعي أم أنه مثير المعارك الذي يستخدم قلمه، الموجه من قبل نظم الحكم، فعلي سبيل المثال عندما تريد جهة سيادية كما يطلقون عليها التخلص من أحد الأشخاص التي تتقلد أحد الوظائف القيادية أو هدم صورة أحد الرموز تدفعه إلي المقدمة ليثير لها المعارك وينبري قلمه بالكتابة وعادة ما تختلط هذه المعارك بأسباب شخصية خاصة بهذا النموذج من المثقفين.
ما يدعو للحيرة أنك تتساءل مع ذاتك ماذا يدعو هذه النماذج لانتهاج هذا السبيل؟ فهم يملكون كل الأسباب التي لا تجعلهم مجرد أدوات في يد أي نظام : الموهبة والأصالة والاشتغال علي الذات وتثقيفها وامتلاك مشروع، لماذا تظل بذاتهم درجات من النقص والاحتياج؟ ربما للرغبة في وجود سند يتكؤون عليه يتمثل في قوة أعلي، لها صفة الانتماء للدولة ذاتها، وهذا نتاج نقص استمر لعقود من حريات مسلوبة، فالتصق بهم شعور بعدم الأمان، وربما أيضا نتيجة لأصول متواضعة اقتصاديا فكلنا يدرك الأوضاع الاقتصادية الضيقة التي يعاني منها غالبية الشعب المصري، أو ربما لأن ظهير المثقف الأساسي الذي ينبغي أن يستند عليه المتمثل في الطبقات العريضة من الشعب غير واع بالحقائق وخيوط العلاقات التي تدير شئون الدولة، أعود ثانية لأركز علي المنافع والمصالح الشخصية التي تستحوذ علي عقل المثقف المصري وهي منافع من قبيل المناصب أو المكافآت والعطايا والجوائز أو الانتشار الداخلي والخارجي وغيرها مما لا أعلمه، الذي أعلمه أننا كما نطالب بفصل الدين عن الدولة علينا أن ندرك ضرورة فصل المثقف عن المنفعة المادية المباشرة من نظم الحكم.
مثقف الدرهم والدينار والدولار: تتعدد نماذج هذا المثقف فمنهم من يبدأ حياته منطلقا مثل شهاب يمثل نموذجا واعدا لبلده ثم ما يلبث نتيجة للظروف الاقتصادية أن يقنع ذاته بالسفر عدد من السنوات للعمل في بلاد النفط، ومع فتحه لحسابه البنكي يتقزم قلمه ويهذب، ويوصد فمه إلا في حدود المسموحات التي تحددها البلاد التي مع الوقت تخبو فيها مواهبه وتدجن بقدر مسموحاتها، نموذج آخر منهم: يتحول إلي المفكر الإسلامي بعد تحولات حدية عاصفة من يساري إلي اشتراكي إلي رأسمالي ثم يستقر به المطاف متطلعا إلي خزائن التيارات الفكرية الإسلاموية، ومن العجيب أن الكثير من المثقفين يبدأون ثوريين لتنتهي رحلتهم طلبا للدعة والسكينة التي تعود إلي الفكر الديني الذي يمثل المراحل الأولي من تطور الفكر البشري. الثالث: من بهرته أضواء الغرب وأفكاره ونمط حياته فتغرب عن واقع مجتمعه واكتفي بالتنظير من بعيد دون اعتراك حقيقي بواقع مجتمعه.
المثقف المنسحب بشعار اللاجدوي: وغالبا ما ترتكز هذه النماذج في الأجيال الجديدة من المبدعين والكتاب بعد الثورتين الأخيرتين، أصابتهم الأوضاع السياسية الأخيرة بنكسات ضربت أحلامهم بمقتل في قيام نظام حكم مدني ديمقراطي حقيقي لا وجود فيه للإقصاء أو هيمنة إحدي القوي علي الدولة؛ لذا آثروا الانسحاب التام من المشهد العام بل كثيرا ما يصرحون بأن حلمهم قد اقتصر علي العيش، وانكفأت ذواتهم علي اليومي فقط ، يصبون حمم غضبهم فوق مواقع التواصل الاجتماعي رمزا وتصريحا، لا يلتزم معظم هذه الأجيال بإنجاز أعمال جماهيرية سوي بشروطهم التي غالبا ما تفتقد الواقعية ، كما أنهم لا يقيمون وزنا لمفهوم المثقف العضوي.
يصوبون أعينهم علي الثقافة الغربية ربما لطبيعة إجادتهم للغات الأجنبية واطلاعهم علي الإبداع والفكر الغربي، لا يدركون كثيرا اختلاف السياق الاجتماعي الثقافي لهذا الوطن. كما تتجه أهداف بعض المبدعين منهم صوب ترجمة أعمالهم ونشرها بالغرب في المقام الأول. ربما بدا بعضهم صريعا للانهزام السريع، يترك حروبه قبل أن يبدأها وأتصور عودة هذا للحياة الجامعية والعامة التي خلت من المشاركات السياسية في العقود الماضية، وطبيعة النظم الحاكمة السابقة التي زرعت اليأس في نفوسهم. بدت بعض السلبيات وقد توطنت بهذه النماذج مثل إيثار الذات والعناية بالشأن الخاص فقط والبعد المتعمد عن قضايا الشأن العام وغيرها من الصفات التي تعتمد علي ثقافة السلعة. ظاهرة ملفته في الأجيال الجديدة من المبدعين والمثقفين تتمثل في تباعدهم عن قراءة منتج الأجيال التي سبقتهم، بل ربما أستطيع القول أن الكبار والأحدث عمرا نادرا ما يقرأون لبعضهم البعض.
المثقف الموظف : عندما تضاف صفة الموظف هذه إلي المثقف تتنافي تماما مع طبيعة تكوينه الحقيقي وتلك هي الكارثة الكبري التي حدثت علي نحو فج بعد ثورة يوليو 1952 م فلقد اعتمد نظام الحكم منذ هذا التاريخ سياسة العصا والجزرة فكانت حركة الاعتقالات الواسعة للمثقفين، تلاها بعد سنوات متفاوتة المدة خروجهم من السجون، ثم محاولة إدراجهم في منظومة مؤسسات الدولة الإعلامية والصحفية وفي وزارة الثقافة، وزعت الدولة علي بعضهم مناصب رؤساء التحرير، ومناصب في الهيئات الثقافية، وسلاسل النشر وغيرها من وظائف فاعتادوا المكافآت المجزية والرحلات الخارجية وجوائز الدولة وتشكلت بهم اللجان المتنوعة بالمجلس الأعلي للثقافة وفي الوزارة ذاتها، ثم استطابوا أخذ عطايا السلطان المقنعة، وتحولت صرر الدنانير التاريخية إلي أشكال متعددة. لا تتلخص القضية في الوظائف والمرتبات والتمييز بقدر ما تتلخص في خلق نموذج المثقف الذي عُذب لفترة ثم خرج ليستقر في وظيفة، ويتمتع بموقع لائق وأصبح يخشي علي دخله الرئيسي، يخاف من حجبه لو أنه أعلن عن موقف معارض من أحد الأنظمة التي توالت علي حكم مصر، أو كتب إحدي المؤلفات أو الإبداعات التي تعرضت للمصادرة لتعرضها لمحظورات السلطات الكثيرة في مجتمعنا. هل تتفق شخصية المثقف والمبدع مع هذا الحرص الذي يصل أحيانا إلي الجبن الذي قد دجنهم في ملذاته أو عذاباته ؟ أذكر أني سمعت أحدهم يحكي أنه بعد خروجه من المعتقل ظل لسنوات يفضل السير بجوار حائط أو أي جدار، كان يمرر أصبعه طيلة سيره عليه، ربما يدلل هذا المشهد علي مقدار الخلل النفسي والاضطراب، وعدم الإحساس بالأمان الذي أصبح يلازم تكوينهم الشخصي.
ويسوغ المثقفون الموظفون لأنفسهم هذه الأموال التي يتكسبونها من المؤسسات الثقافية كمكافآت أو للتفرغ من منطلق أنها أموال الدولة ودافعي الضرائب وهذا هو حقهم كمواطنين ، قد يحتمل هذا بعض الحقيقة، لكن السؤال الذي لم يوجهوه لذواتهم هل الثقافة فعل للتكسب، وهل هي وظيفة؟ ولو أخذنا بالاعتبار منطقهم؛ لظروف البلد الاقتصادية واحتياجاتهم ألا يستحقون هذه الأموال علي ضآلتها ليقوموا بدور المثقفين القادرين علي رسم الرؤي والسياسات للدولة، والوقوف متحلين بالمعارضة الشجاعة عندما تحتاج نظم الحكم عند طغيانها وخروجها عن المسار الديمقراطي مواجهات صارمة وقوية مع الأخطاء التي يرونها في هذه الأنظمة؟ وظائفهم في المؤسسة الثقافية تجعلهم يلتزمون الصمت كثيرا خوفا علي مصالحهم الضيقة والذاتية.
من المشاهد المعتادة بالاجتماعات واللجان الثقافية أن تجد أمامك أثناء مناقشة موضوع عام مثل حرية التعبير علي سبيل المثال أحد أعلام المبدعين يفند مذكرة بأداء موظف بيروقراطي خبر كل معوقات الدولة المصرية العميقة والقديمة وتربي عليها، فتسمعه يقول: هذه لن توافق عليها الجهة الرقابية العليا، أو لن تعتمد المالية هذا الاقتراح، أو أن تلك المذكرة لن تمر لحسها الثوري أو أنها لن تعجب المرؤسين فعلينا استبدالها بصيغة أخري أكثر دبلوماسية ومهادنة، فيستدعي مشهد المثقف الموظف هذا بالخيال الموظف الحكومي الذي يرتدي بدلة أكل عليها الزمان وشرب وطربوشا تراثيا وهو يحمل بطيخة في رحلة عودته من المصلحة كما صورتها السينيما المصرية، وتتباعد صورته كمثقف ثائر في معظم الأوقات.
المثقف ضحل التكوين: معرفيا وعقليا وهو الذي يتخفي خلف العبارات الإنشائية، كما تجده يتعالم في الحديث بذكره للأعلام الغربية ومقولاتهم والمصطلحات التي يحفظها من باب توشية الكلام لا من باب الفهم أو التطبيق في موضعها، كأنها حلية يعلقها بكلامه مثلما كانوا يعلموهم صغارا ضرورة الاستشهاد بحديث نبوي وآية قرآنية في كتابة الإنشاء، شخصيات تقليدية لا تعبر عن أصالة فكرية، وأعني بالأصالة هنا تعبيره عن نفسه ورؤاه واجتهاداته هو، وغالبا ما يقفز هذا النموذج إلي تداعيات الخلط والتشويش بين الأفكار المجردة العامة والمفاهيم الخاصة ، ويشخصن كل حديثه وتصبح ذاته هي المحور الوحيد لاهتماماته كافة. وينسي عادة الموضوعية ليتحدث فقط عن وجوده، ويتخيل مواقفه التي لا يتذكرها غيره.
في مرات تتكرر يمكنك أن تحضر أحد الندوات لتجد أن بعض المتحدثين لا يملكون تصورا عما يناقشونه سواء كان العمل إبداعا أو فكرا، وتعجب من جرأتهم علي تعريض أنفسهم لهذا الهوان يتعاملون مع ذواتهم حالة رؤية الأجزاء الناتئة منها فقط، تلك التي تختص بمجرد التواجد والظهور دون أن يدركوا إساءاتهم لذواتهم وللثقافة في الأساس.
لهذا النموذج الضحل سمة جوهرية فهو لا يطيق النماذج الناجحة من حوله لذا يتعمد التشكيك فيها ونثر الشائعات حولها مثل ادعاء أن كل نموذجا ناجحا محترف لسرقة الأفكار والتقنيات من الغرب أو أن هناك من يكتب لهم وتطال هذه التهمة النساء في الغالب، محترفي شائعات ويتنفسون كراهية وتوجس تجاه الجميع.
المثقف البارد التقني.. باهت الأداء: وهو عادة يتمتع بقدرة علي التنظير الجيد والتبحر في القراءة والوعي بما يحدث من حوله لكنك تشعر أنه قد وضع علي وجهه قناعا ممحو الملامح والتعبيرات، كما علي كلماته المكتوبة التي تفتقر إلي الحيوية أيضا، لا تشعر أنه يبعث من روحه في أفكاره فتنصرف عنه لأنه دون وعي منه يترك بذهن متلقيه عدم إيمانه بما يقوله، وحياده تجاهه.
المثقف أو المبدع الشهاب الذي ما يلبث أن ينطفئ: ربما بدت هذه الظاهرة في أجيال المبدعين الأحدث مع ما عرف بما يسمي بمثقفي الفضائيات أو متحدثيها، أو النشطاء السياسين، أو الخبراء الاستراتيجيين، وكُتاب الرواية الأكثر رواجا وغيرها من الظواهر التي تومض سريعا وتسرق الاضواء لفترة ثم ما تلبث أن تخبو، وأتصور أن لظهور هذا النموذج أسباب مثل ملء ساعات المشاهدة، وتحبير صفحات الجرائد، وإشعال الحرائق الموجهة ، كما ترجع أيضا كما ذكرت سابقا لشيوع ثقافة الاستهلاك وتفشيها وتلبية احتياجات السوق الثقافية الاجتماعية السياسية.
مثقف المقاهي: وهو من لا يستطيع أن يدرك من الحياة من حوله سوي المعارف السطحية والإبداع في مستواه المتوسط، يعتمد في ثقافته علي الجدل والحوارات التي تدور بين جلوس هذه المنتديات والمقاهي الثقافية التي يعرفها المبدع والمثقف المصري جيدا، ويفر هذا النموذج فرارا متعمدا من أي طرح شامل لبعض المفاهيم والأطروحات الجذرية، المقهي الذي يأخذ لقب الثقافي صك مسجل في الوسط الثقافي المصري، وقد تأخذ دور النشر هذا التقليد أيضا، و لن يستطيع أحد الانتماء لهذا الوسط دون أن يأخذ صك هذه الشريحة من المجتمع بمنتدياتها، يحجز مقعدا دائما بها أو بأحدها. و كثيرا ما تساءلت متي تبدع وتفكر هذه الفئة وهم في تنقلهم الدائم بين هذه المنتديات والمقاهي والندوات؟ كيف يمتلكون وقتا للقراءة والتأمل والتبحر في تخصصاتهم الدقيقة الفكرية أو الإبداعية؟ المثقف الذي يدعي معرفة كل شيء ويمكن أن يدلو برأيه فيه وثقافته لا تتجاوز ما يسمعه من مناقشات تلتقط سطوح الأفكار المشتت منها لا جوهرها وفلسفتها.
هل تكفي ثقافة حوارات المقاهي لتنتج مثقفا له وزن في النخبة التي من المفترض أنها تقود المجتمع بإبداعاتها في كل المجالات؟
وينضم إلي هذا النموذج مثقفو الكأس والمخدرات والصعلكة وكأنها هي الأخري صك آخر يجب أن يدمغ به المثقف في النظرة العامة للكثير من الوسط الثقافي المصري، وأتصوره ميراثا قديما شاع مع مثقفي اليسار. يتطلب الفكر والإبداع الحقيقي عقلا واعيا متيقظا طيلة الوقت، قادرا علي المتابعة المتواصلة التي لا تقترب من الأوهام أو الضلالات.
مثقفو الحرائق: يعشقون العروض الإعلامية فيجيدون افتعال المعارك بأوراق لعب تافهة ومكاسب حقيرة ويشخصنون القضايا ويتحدثون عن ذاتهم وكأنهم منزهين من كل نقص، في حين أنهم لا ينتفضون هذه الانتفاضات الثورية إلا عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية. ونادرا ما يرتطمون بقضايا مصيرية وجوهرية تخص تقدم هذا المجتمع من قبيل قضايا التعليم أو الموروثات الاجتماعية وحتمية غربلتها أو الخطاب الديني المتعصب الذي يخلق مجتمعا إرهابيا أو قضايا الحريات وجور النظم الحاكمة عليها تحت دعاوي شتي، كما يلتزمون الصمت عندما يلوح لهم المسئولون ببعض المكاسب الضئيلة، هوان من قبيل كارنيه عضوية في أحد النوادي المصرية.
للمثقف في المجتمع المصري تصور ربما صنعه المثقف ذاته فهو ليس براء منه، وربما رسخته وسائل الإعلام والسينيما وهو الرجل البوهيمي غير المكترث بمظهره، الممسك بالمجلد أو المرجع الضخم، المتقعر الجمل والذي يجب أن تتخلل مفرداته العديد من المصطلحات المغلقة علي الفهم، المتعالي علي كل من هم حوله من بشر.
المثقف الحقيقي: رغم كل هذه المشاهد والنماذج التي عرضتها بهذا المقال هناك المثقف المصري والعربي الحقيقي الذي يتحلي بإنسانيته الفريدة، المؤمن بكل القيم التي انتخبتها البشرية لتطوير الوجود الإنساني، العارف المتبحر بعلمه وإبداعه، بعمقه المعرفي وحسه بالجمال، بإبداعه الذي يمتلك بصمته الخاصة التي هي مزيج من تراثه ومواكبته لكل ما يستحدث بالعالم، المدرك لكل السياقات الثقافية لوطنه، الواقف خلف الطبقات العريضة من هذا الشعب بل من الوجود الإنساني برمته، المثقف الذي نأي بحريته عن القيود، وزهد عن الأطماع التي تتزايد لدي من حوله. المثقفون كما يصفهم "جرامشي" : "المثقفون هم المنسقون المرتبطون ارتباطا مباشرا بالطبقات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها واكتساب مزيد من السلطة والرقابة" .
هذا المثقف صاحب الوقفات المتعددة والإبداعات الي حفظت مصر وساعدت علي أن يظل لها كيانها المتماسك الذي لم تفتته الطائفية والصراعات الدينية أو الحزبية حتي الأن.
ربما نتساءل في النهاية من صنع هذا في المثقف المصري بعد أن شَرُف التاريخ والواقع المصري بنماذج في قامة طه حسين وقاسم أمين وعلي عبد الرازق، محمد عبده وأحمد لطفي السيد وزكي نجيب محمود وغيرهم كثيرون؟؟ ربما يجب أن نستهل محاولة الإجابة بقولنا إنها أزمة تحول مجتمع بأكمله اتضحت أكثر ما تتضح في طبقة المثقفين التي تعد مثالا عما حدث في كل طوائف الشعب المصري ونال منها المثقف الجرعات الأكبر، مجموعة من الأسباب تجمعت معا وصنعت هذه النماذج التي حاولت رصدها ووصفها في السطور السابقة :
المناخ السياسي الفاسد والقامع للحريات بممارساته الاستحواذية المهيمنة والقادرة علي استمالة الآخرين وإغرائهم بالمناصب والعطايا، أو ممارساته الأمنية التي فعًلت قانون الطوارئ لعقود طويلة، ولم نزل نري ظلالا من التعسف في القوانين التي تصدر حتي هذه اللحظة بشأن حرية التعبير والإبداع.
خواء كل النظم التأسيسية التعليمية والثقافية والإعلامية التي من شأنها أن تصنع إنسانا حقيقيا يتمتع بالعقل الواعي الناقد، الواثق بإمكاناته وقدراته علي المواجهة، هناك خلل في نظام التعليم بمراحله المتتابعة، اهتزاز لشكل الأسرة المصرية بعد الهجرة لبلاد النفط، وبعد سياسات الانفتاح الاقتصادي التي خلقت سيولة في الطبقة الوسطي التي من طبيعتها المحافظة علي منظومة القيم.
تدني المستوي الاقتصادي وما يتبعه من تردي في المستوي الاجتماعي الثقافي في سنين التكوين الأولي للإنسان.
استشراء واسع لأفكار رجعية متخلفة تمثلت في المد الفكري للجماعات الدينية والفكر الوهابي، الأصوليات الفكرية بكل أشكالها ما يدعي وسطيته أو المتشدد منها.
انفصال المثقف وتأثيره الفعال علي أرض الواقع إما بفعل أنظمة الحكم التي تقصي كل من تستشعر أن له تأثير، أو بفعل الخطاب الديني الرجعي المتخلف الذي شكك في كل تفكير ووصفه بالجدل أو البدع والضلالات وكفر كل من خرج عن نطاق النصوص في إعمال عقله، أو بسبب طريقة بعض المثقفين في التعامل مع الواقع .
كل هذه الأسباب وغيرها مما أشرت إليها سابقا مجتمعة خلقت هذه النماذج من المثقفين التي أصابتها نفس الأعطاب التي لحقت بمصر، علينا المواجهة مع قضايانا الحقيقية إن أردنا البقاء( الأصولية الدينية، المنظومة التعليمة، كشف الفساد واستشراء الرأسمالية غير التنويرية، غربلة الموروثات الاجتماعية، قضايا المرأة، العدل الاجتماعي، التنمية الاقتصادية، الإعلاء من القيم وأولهم قيمة العمل، ...).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.