تلعب الأسرة والمدرسة والمجتمع المحيط دوراً رئيسياً في تنشئة الأجيال وتشكيل شخصياتهم والقيم الأخلاقية والإنسانية التي يكتسبوها ويتعايشون بها مع مجتمعهم، لذلك بات من الضروري أن تتكاتف جميع المؤسسات وكل من له دوراً في تربية الأطفال، للعمل على إعادة قيم وتقاليد مجتمعنا وغرس القيم الأخلاقية في أبنائنا للقضاء على الصورة المشوهة التي بدأت تظهر من حين لآخر في مجتمعنا من الأطفال والمراهقين والتي ظهرت معها حالات عنف بين الأطفال والنشء لم نعتد عليها في مجتمعاتنا. فلم تعد مشاهد العنف والبلطجة حكرا على الكبار أو المراهقين في الشوارع المصرية، بل أصبحنا نشاهدها يوميا على ألسنة وأفعال أطفال لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات والخمسة عشر سنة، وكأنهم خُلقوا في عالم لا يعرف سوى القوة وفرض السيطرة، آخر تلك المشاهد ما رأيناه من الطفل شهاب، سائق التوك توك، الذي تصدرت تصرفاته المشينة مواقع التواصل، وأعاد للأذهان تساؤلات خطيرة حول مصير جيل بأكمله. لكن السؤال الأهم: من المسؤول؟ هل هو الطفل؟ أم الأسرة؟ أم المدرسة؟ أم الدولة؟ في الحقيقة أن المسؤولية مشتركة، لكن العبء الأكبر يقع في البداية على الأسرة التي تمثل أول مجتمع يتعامل معه الطفل منذ ولادته، الأسرة ليست مأوى مادي، بل هى أول مدرسة للقيم، وأول مصدر للوعي والإدراك.. حين يتعود الطفل منذ سنواته الأولى على سماع الشتائم، أو رؤية عنف منزلي، أو عدم تلقي النصح والتوجيه، لا يمكن أن نتوقع منه أن يصبح شابا سويا لاحقا. التربية لا تعني فقط إطعام الأبناء أو توفير احتياجاتهم الدراسية، بل تعني غرس القيم، تعليم الاحترام، ترسيخ معنى الكلمة الطيبة، وتعليمهم أن القوة الحقيقية ليست في اليد بل في العقل والأخلاق، للأسف، نجد أن العديد من الأسر تتعامل مع الطفل باعتباره مشروعا اقتصاديا صغيرا، ينزل إلى الشارع في سن مبكرة ليعمل، يقود توك توك، أو يبيع المناديل، أو يتعلم الحيل لاكتساب المال، بدلا من أن يتعلم السلوك القويم والتفكير السليم والنتيجة الطبيعية هى أطفال بلا وعي، يرون في العنف وسيلة وحيدة لإثبات الذات. بعد الأسرة، تأتي المدرسة باعتبارها المؤسسة التربوية الثانية التي ينبغي أن تكمل ما بدأه البيت.. لكن الواقع يقول إن المدارس – خاصة الحكومية – فقدت دورها التربوي وأصبحت مجرد أماكن لحشو المناهج الدراسية، دون أي اهتمام حقيقي بتنمية شخصية الطفل أو غرس القيم الأخلاقية داخله، لذلك لابد أن تعود المدرسة إلى وظيفتها الأساسية ك"مؤسسة تربية قبل أن تكون مؤسسة تعليم"، بمعنى أن يُعاد التفكير في المناهج لتتضمن قيما إنسانية، أن يُدرب المعلمون على التعامل النفسي مع الطلاب، أن تُعاد تفعيل الأنشطة المدرسية التي تسهم في بناء شخصية متوازنة بعيدة عن العنف، بالإضافة إلى التعامل مع سلوكيات الطلاب المنحرفة – مهما بدت صغيرة – باعتبارها إنذارات حقيقية تتطلب تدخلا تربويا عاجلا. أما الدولة، فعليها مسؤولية لا تقل أهمية عن الأسرة والمدرسة، وذلك من خلال وضع تشريعات صارمة لمنع عمالة الأطفال، وتفعيل الرقابة على الأسر التي تدفع أبناءها للعمل مبكرا، مع ضرورة تكثيف الحملات الإعلامية التوعوية التي تخاطب الأمهات والآباء بشكل مباشر، كما أن الدولة مسؤولة أيضا عن دعم التعليم الإلزامي، وتطوير المدارس، وضمان توافر الأنشطة التي تبعد الطفل عن الشارع، مع ضرورة العمل على إعادة تفعيل دور الإعلام كوسيلة لبناء الوعي وليس مجرد أداة للترفيه أو تسويق العنف كقوة. وختاما .. من السهل جدا أن نلوم طفلا مثل شهاب، أو غيره من الذين أصبحوا رموزا لمشاهد البلطجة اليومية، لكن الأصعب أن نعترف أننا جميعا أخطأنا في حق هذا الجيل.. نحن من تركنا الأطفال في الشوارع دون تربية، نحن من جعلناهم يسيرون في طرق مظلمة بلا وعي أو حماية.. الأسرة والمدرسة والدولة، ثلاثية أساسية يجب أن تتكامل لإنقاذ أطفال اليوم من مصير مظلم، وإلا سنظل نشاهد كل يوم "طفل شهاب جديد"، يحمل لنا جرس إنذار أخطر من سابقه.. يجب الاهتمام بالأطفال وتوعيتهم وتعزيز الوعي لديهم بخطورة وأضرار الأفكار والسلوكيات العنيفة والمشوهة وأن يكون هناك اهتمام أكبر بتعظيم دور الأسرة والمدرسة.