منذ زمن طويل لم تتناول الرواية والقصة القصيرة تفاصيل وحكايات وعوالم القرية المصرية. كثير من النقاد يعتبرون أن الرواية هي ابنة المدينة بتفاصيلها وسكانها ولذلك لم يكتب نجيب محفوظ رواية واحدة أو مجموعة قصصية عن الريف لأنه ابن المدينة. على عكس الدكتور محمد حسين هيكل صاحب أول رواية حديثة عن الريف المصري وهي رواية "زينب" أو "زينب: مناظر وأخلاق ريفية"- هكذا سمها بالكامل- والصادرة عام 1913 . وبعدها تتوالى الأعمال على فترات متباعدة، فتصدر " الأيام" لطه حسين عام 27 ويكتب توفيق الحكيم "يوميات نائب في الأرياف" عام 37 تناول فيها الحياة في الريف المصري في النصف الأول من القرن العشرين، والظلم والإهمال الذي يتعرض له الفلاحون،وهي تجربة شخصية للحكيم يصور فيها معاناته وهو وكيل النيابة القادم من القاهرة إلى الأرياف، وصدامه مع الرموز التقليدية في القرية مثل المأمور وكاتب النيابة باسلوب ساخر ومضحك. وينشر الأديب الكبير يوسف ادريس رواية "الحرام" عام 59 وهي إحدى أهم الروايات التي صورت حياة عمال التراحيل الكادحين فى المجتمع القروى المصري. وتصور الرواية جوانب الظلم الاجتماعى الذى تعيشه طبقة مهمشة من طبقات المجتمع وتصدر رواية " أيام الإنسان السبعة" للأديب عبد الحكيم قاسم. صدرت عام 1969 والتي تدور في القرية المصرية وتركز على حياة الدراويش، الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى «الحضرة» حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا وتمثل رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي عام 70 ملحمة مصرية، ارتبط أبطال العمل بوجدان الشعب المصري حتى الآن، مثل محمد أبو سويلم وعبد الهادى، وصيفة ومحمد أفندى، الشيخ يوسف والعمدة هى شخصيات حقيقية أكثر من كونها روائية. وتتوالى الروايات التي تتناول القرية والريف المصري عموما في عالم خيري شلبي الروائي فالقرية تلعب دورًا رئيسيًا في أعماله، فهي موطن أصوله، ومصدر إلهامه. يتذكرها بوضوح ويستحضرها في رواياته وقصصه مثل " الوتد"، "السنيورة" ، "الأوباش" ،"وكالة عطية". في السنوات الأخيرة يظهر جيلا جديدا من الروائيين لعد سنوات من جيل الرواد مازال تستهويه بيئة الريف المصري وتشكل له مصدر الهام للكتابة الأدبية بكل تفاصيله ومفرداته وشخوصه. فنقرأ روايات صادرة حديثا ترصد تحولات الريف المصري وتطرح أسئلة معقدة ومركبة ووجودية بين الواقع المتغير بين المدينة والقرية،والنستالوجيا-الحنين الى الماضي- أو ما يطلق عليه البعض " الزمن الجميل"، مثل روايات "بياض على مد البصر" لمحمد عبد الرازق، رواية" أول دروب العودة ..آخر دروب الحنين" لشكري سلامة، "يوم آخر للقتل" لهناء متولي، "" قرية المائة " لرحاب لؤي، "" أيام العائلة الكبيرة " لأحمد والي. ومنذ شهور قليلة أصدر الصديق الكاتب والروائي عاطف عبيد مجموعة قصصية بعنوان " راوتر شيخ البلد" عن دار بتانة" ليؤكد من جديد أن الريف مازال يمثل عامودا و ركنا أساسيا من أعمدة و أركان الهوية الثقافية والأدبية المصرية، وقادرا على جذب اهتمام الكتاب والأدباء، ملهما وموفرا فرصة للتعبير عن التجارب والمشاعر الانسانية في عالم شديد الخصوصية بحكاياته وأسراره. وأنه-أي الريف-مازال يشكل مصدر الهام الأجيال الجديدة من الروائيين والأدباء. " رواتر شيخ البلد" هي ثالث مجموعة قصصية لعاطف عبيد فقد صدرت له مجموعة " سماوي"، " السيدة كاف" يحرص فيها على انتماءه الأزلي لعالم قريته/ مشدودا اليه بحنين مدهش إلى الماضي ليعود به الى ذكريات الطفولة والشباب ويصور حياة البساطة والنقاء الى جانب حياة البؤس والشقاء والظلم والاهمال الريف هو مرتع خصب للخيالات، ويستوحى منه الشعراء والكتاب أجمل الصور والأفكار. مرآة للمجتمع:يعكس الأدب الريفي صورة الحياة في القرى، وواقع الفلاحين، وتغيرات المجتمع الريفي بمرور الزمن. نقد للمجتمع:استخدم الأدب الريفي أحياناً كوسيلة لنقد المجتمع وتصوير الظلم والإهمال الذي يعاني منه الفلاحون. الحياة في الريف، وصورت البساطة، والجمال، والأشياء الصغيرة التي تهم الفلاحين. تأثير اللغة:استخدم الأدب الريفي لهجات أهل الريف في الحوارات، مما يعكس أصالة الشخصيات، ويزيد من واقعية العمل الأدبي. تأثير الأساليب:استخدم الكتاب أساليب متنوعة في تصوير الريف، بين الوصف، والسرد، والحوار، والنقد، مما يضفي على الأعمال الأدبية عمقاً وجمالاً. تأثير الإرث الثقافي:يعكس الأدب الريفي الإرث الثقافي للمجتمع المصري، ويعبر عن القيم والعادات والتقاليد التي يتمسك بها الفلاحون. يعد الريف جزءاً لا يتجزأ من الأدب المصري، وهو مصدر إلهام دائم لكتاب وشعراء، حيث يعبر عن صورة المجتمع، وتاريخه، وقيمه. من خلال الأدب الريفي، يمكننا أن نكتشف جمال الطبيعة، وواقع الحياة في القرى، وتأثيرات التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على حياة الفلاحين في أسلوب فكاهي ساخر. تعتبر القرية مكانًا حقيقيًا وملموسًا، وليست مجرد الهاما وايحاءا للأعمال الأدبية. مما يجعلها تبدو حية للقارئ. يحكي عن عالم قريته الثري بالحكايات والأسرار يتناول عاطف عبيد عالم قريته – احدى قرى محافظة كفر الشيخ بشمال الدلتا- وما طرأ به من تغيرات سلوكية واجتماعية واقتصادية وفي مجموعته التي تضم 31 قصة قصيرة وقصيرة جدا ندخل الى عالم قريته بأبطاله وأفراده وأسراره وجدرانه المكشوفة وشوارعه الضيقة وحوانيته الفقيرة لنتعرف على هموم ومشاكل وأتراح وأفراح وجهل وتخلف مازال ساكنا ومعششا في بيوتها المظلمة رغم محاولات التمدين والتحضر المزيف والتماس مع عالم التكنولوجيا والفيس بوك والرواتر ومحاولة مواكبة التطور بصورة عشوائية وسطحية لم تقدر وتتمكن من النفاذ الى وجدان وأعماق شخوص القرية عند عاطف عبيد يستحضر عاطف عبيد قريته – رغم اصراره على أنها قرية لا وجود لها على خرائط جوجل ومصرا على أن قصصه المدهشة في دلالتها البسيطة في كلماتها عبارة عن خرابيش مبعثرة على جدار الروح-وفشل بامتياز في أن يتبرأ من واقعية قصصه واعتبرها من خياله ولكنه لم يدرك أنه الخيال المطابق تماما للواقع بمخزونه الثقافي والاجتماعي وعاداته وتقاليده وأسئلته الوجودية في قرانا المصرية في دلتا مصر. في كل قصة حكاية معبرة وأسئلة فلسفية ووجودية وصور ترصد التغييرات التي طرأت على المجتمع المصري. ففي قصة " العصص" نرى عبد العاطي الذي دخل في خصام وعداوة لا تزول مع أهله وأقاربه وجمع 100 عظمة من قبر أبيه من عظام العصوص التي تخص أهله و لا تبلى " ومنها نحيا يوم القيامة" وقموفي صيف بطحنها وحرقها حتى لا يرى من رحلوا يوم القيامة..!! في عدد من القصص المدهشة ومنها " 4 دراجات" ، " طبلية فورمايكا"،"شاحن أبيض" يرصد عاطف عبيد بلغة طريفة ساخرة مراحل تغير المجتمع المصري منذ الخمسينات والعشرينات وحتى الآن. فالحاج مصيلحي يسقي المصلين بالمسجد كل يوم جمعة في زمن الستينات، وفي صيف التسعينات ابنه عثمان واخوته الثلاثة يوزعون ماكينات حلاقة في مزدلفة لمساعدة الحجاج على حلاقة او تقصير شعرهم، والأن يبيع الحفيد حسام ابن عثمان ابن الحاج مصيلحي غندور شواحن الباور بنك..!! صورة مختلفة شديدة البساطة والتعقيد للقرية بعلاقات أفرادها الذين تشبثوا بتراث وميراث القرية رغم كل محاولات التمدين والاختباء من الفقر والبؤس بالفيس بوك ورواتر شيخ البلد الذي لم يكن سوى " ثمن وضريبة التعاون" مع مأمور المركز بالقرية..!! يستحضر عاطف القرية بكل بؤسها وفقرها وعلاقاتها المشوهة والمريبة أحيانا والحميمية أحيانا أخري، ويستحضر أيضا مسحة المدنية الحديثة بوسائل التواصل الحديثة حيث علاقات الحب من خلال الإنترنت، والمحادثات عبر "الشات" وأخبار القرية عبر صفحة خاصة على الفيس بوك ومدى ولع أهل القرية بها حتى في لحطات الحزن والوجع والفراق. مع أبطال رواياته بأسلوب طريف وساخر مبديا تعاطفه وانحيازه في كثير من الأحيان معهم ومدافعا عن أيمانهم وأفكارهم الراسخة في عقولهم ووجدانهم. بلغة غاية في البساطة وبسرد شيق وممتع، بجمل قصيرة في عدد كلماتها شديدة الدلالة في معناها ومغزاها، تمكن عاطف عبيد ببراعة أن ينقل عالم القرية إلى ما هو أوسع من مشكلاتها المزمنة وأحلامها البسيطة ومكائدها الطريفة وتطوراتها المدهشة ، وأن ينتقل بشخصياته وأبطاله إلى آفاق رحبة ومشبعة بأسئلة وجودية حول الماضي والحاضر والمستقبل.