في الجزء الثامن وربما الأخير من سلسلة المهمة المستحيلة، لا نرى إيثان هانت فقط كعميل يركض لإنقاذ العالم من مخطط إجرامي، بل نراه كرجل ستيني تتثاقل روحه من حمل الذكريات والندوب، رجل ينظر إلى حياته متأملًا بعين الطائر، كما لو كان يودعها ببطء. كان البوستر وحده كافيا ليختصر كل ما يريد الفيلم قوله، فقط وجه توم كروز، هذه المرة ليس معلقا في برج خليفة، ولا متشبثا بباب الطائرة، يودعنا إيثان هانت في مغامرته الأخيرة، محملا بندوب الماضي التي تركت آثارها في كل مهمة خاطر فيها بحياته، الحياة كبطل في الظلال لها ثمن دفعه بتضحياته وشعوره بالذنب تجاه من تركهم خلفه، منهم من أدانه، ومنهم من عاش حياة أفضل وشكره، لهذا بدا الملصق لهذا الجزء وكأنه يختزل رحلته كلها، نظرة وداع على وجه رجل في الستين ما زالت روحه شابة، ووجهه يحمل آثار ما فعله طوال سنوات من التمرد والمطاردة. يواجه إيثان هذه المرة عدوا لا يُرى، ذكاء اصطناعيا متطورا لا يملك وجها ولا ملامح، لكنه يتسلل إلى كل شيء، عدو بلا ماض، بلا نوايا واضحة، فقط رغبة في الهيمنة والسيطرة والتدمير، كيان رقمي ظن نفسه إلهًا، يعرف كل شيء ويرى كل شيء، إيثان يصارع في نهاية مشواره شيئا بلا قلب، لا يشعر، ولا يمكن خداعه. منذ ظهوره في الجزء السابع Dead Reckoning، شكل هذا العدو تحولا جذريا في طبيعة الخصوم الذين واجههم إيثان من قبل، لم يعد الخصم شخصا يمكن خداعه بالتنكر ومفاجأته لحظة خلع القناع، فنحن أمام كيان رقمي قادر على التنبؤ بكل خطوة، لهذا اختفت الأقنعة، لأن الأدوات القديمة لم تعد تصلح في مواجهة خصم من هذا النوع، في Mission: Impossible – The Final Reckoning، لم تكن المعركة فقط جسدية، بل نفسية ووجودية. توم كروز، كما عودنا يصر على فعل المستحيل، ويقدم مشاهد حركة جنونية بواقعية تليق بخاتمة المسيرة، ومع ذلك، بدت النهاية وتحديدًا مصير العدو باهتة، وكأن الحبكة لم تعرف كيف تنهي هذه المواجهة، العدو البشري والرقمي، كلاهما بديا أضعف من أن يشكلا التهديد الختامي الذي تستحقه هذه السلسلة، ولا يزال فيليب سيمور هوفمان، من الجزء الثالث، يحتفظ بلقب أقوى خصم واجهه إيثان. منذ ظهوره الأول عام 1996، لم يكن إيثان هانت مجرد بطل أكشن، بل كان انعكاسًا لفكرة "الواجب فوق الذات"، في البداية كان مجرد عميل مثالي، لكن مع مرور الأجزاء، تغير وجه إيثان، لا فقط بفعل الزمن بل بفعل الخسارات، فقد أصدقاء خسر حبيبة، وكلما وُضع تحت الشك والاتهام، تمرد على الجميع ليثبت أنه كان على حق، بطل يتحدى قوانين مؤسسته ليحمي العالم وينقذ ما يمكن إنقاذه. في الجزء الثالث، رأيناه أكثر إنسانية، مرتبطًا بجوليا، يبحث عن الاستقرار العائلي بعيدًا عن المخاطر التي خاضها، بدأنا نلمح صراعه الداخلي؛ كيف يمكن لرجل أن يواصل إنقاذ العالم، بينما يعجز عن حماية أقرب الناس إليه، هذه هي أزمته في كل جزء، خياراته التي تصطدم بمحاولته إنقاذ الجميع. السلسلة بدأت ببطل لا يتراجع عن هدفه، وانتهت برجل يتألم لخسارة صديق لكنه يواصل الطريق لإنهاء المهمة المستحيلة، ونظرة الوداع تلك في البوستر الدعائي ما هي إلا مرآة لرحلة كاملة لوجه امتلأ بالندوب وقلب لم يكف عن الركض في الظلال. وقد تكون هذه أعظم مهمة مستحيلة للعميل إيثان هانت، أن يترك كل شيء خلفه ويواصل الحياة، هذه الحياة قد تصير هادئة مستقرة مؤقتًا، إلى أن تصله مهمة جديدة في نهايتها العبارة التي حفظناها عن ظهر قلب: "هذه الرسالة ستدمر نفسها تلقائياً بعد خمس ثوانٍ".