ميلاد المسيح حدث محورى فى تاريخ البشرية، كلما قرأناه واقتربنا منه نجد فيه فكرًا روحيًّا وإنسانيًّا أعمق. والعجيب فى حدث الميلاد، هو ما ورد بشأنه من نبوءات فى العهد القديم، فها هو إشعياء النبى، يتنبأ قبل ميلاد السيد المسيح بنحو سبعة قرون، ويقول: «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِى الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِى أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (إشعياء 9: 2). ومعنى الظلام الذى يستخدم هنا، وربما لا يزال يستخدم فى الكتابات الأدبية يشير إلى حالة من اليأس والقنوط، وانعدام الرجاء، والتشوش وعدم إدراك معنى الحياة، فيما يشير النور إلى الحرية والرجاء والأمل. الكتاب المقدس يصف حالة من الصراع المستمر بين النور والظلمة، ويؤكد أنهما لا يجتمعان أبدًا، لكنه يؤكد أن النور يبدد الظلام، وأن المعركة بينهما محسومة لصالح النور. وبمجىء المسيح جاء النور لأرضنا، فشهد زكريا، والد يوحنا المعمدان عن هذه النبوة قائلا عن الله إنه: «يُضِىء عَلَى الْجَالِسِينَ فِى الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَى يَهْدِى أَقْدَامَنَا فِى طَرِيقِ السَّلاَمِ». السيد المسيح كما يشهد عنه يوحنا البشير هو «النُّورُ الْحَقِيقِى الَّذِى يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ...» (إنجيل يوحنا 1: 9). ففى زمن ملىء بالظلمة واليأس، أتى ميلاد المسيح ليجلب نورًا عظيمًا يضىء الطريق ويمنح الرجاء. النور الذى ذكره النبى إشعياء يشير إلى خلاص الإنسان وعودته إلى الله، يعكس معنى كون النور يهزم الظلام ويفتح الباب أمام الأمل والفرح، كما أن هذا النور لم يكن مقتصرًا على شعب معين، بل كان للعالم أجمع. المسيح أضاء الطريق للجميع وأكد أن الرجاء متاح لكل من يطلبه ويسعى إليه. واليوم، إذ نرى الظلام فى أماكن عديدة حولنا فى العالم، متجسدًا فى الظلم والعنف، فى استباحة الإنسان لحياة أخيه الإنسان، والحروب والصراعات والنزاعات، متمثلًا فى الفقر والعوز، وقد نتصور أن العالم مكبلٌ بشرور جسيمة، وغارق فى ظلام دامس، لكن نرى فى معنى الميلاد، وقد جاء فى ظروف يسودها الظلام، أنه غيَّر الصورة، وحول الظلام إلى نور، والحزن إلى ترنيمات ملائكية تغنت بالسلام على الأرض، وأكدت أن السلام على الأرض والفرح والمسرة لدى الناس هى خطة الله الصالحة للبشرية. تلهمنا رسالة الميلاد أن نكون نورًا للعالم، من خلال التعاون، والتعاطف، وتعزيز قيم السلام والتسامح. يمكننا أن نعكس نور الميلاد فى حياتنا من خلال خدمة الآخرين، ومساعدة المحتاجين، لنساعد الجالسين فى ظلمة الفقر والمعاناة على رؤية نور الحياة الكريمة. ميلاد المسيح ليس مجرد حدث تاريخى، بل هو دعوة لكل فرد ليبدأ تغييرًا داخليًّا؛ فعندما يبصر النور العظيم الذى أتى به المسيح، يجد دعوة ليترك الظلمة التى قد تكون فى داخله؛ ظلمة الأنانية، الغضب، والابتعاد عن الله. هذا النور يمنحنا القوة لنكون أشخاصًا أفضل ونساهم فى جعل العالم مكانًا أفضل. يُتوَّج ميلاد المسيح كواحةٍ من النور فى صحراء الظلام، يفتح أمامنا أبواب الرجاء، والسلام، والمحبة. فى عالم اليوم، نحن بحاجة ماسة إلى إعادة اكتشاف هذا النور والسير فى هديه. من خلال تطبيق معانى الميلاد فى حياتنا، يمكننا أن نصبح نورًا للآخرين ونساهم فى بناء عالم ملىء بالرجاء والسلام. «الشعب السالك فى الظلمة أبصر نورًا عظيمًا» - دعونا نكون جزءًا من هذا النور العظيم الذى يغير العالم. فى بداية العام، وذكرى الميلاد، أصلى لأجل سلام العالم، ليحل الله بنور السلام والطمأنينة فى ربوعه، ويمنح الأمان والكفاية لكل محتاج. أصلى لأجل بلادنا وقيادتها، ليحفظ الله سلامها، وتكون منارةً للعالم.