سئلت عدة مرات الاسبوع الماضي هل ستحتفل الكنيسة بعيد الميلاد في ظل الاحداث الارهابية التي حدثت مؤخرا وأودت بحياة 26 شهيدا من المصلين في الكنيسة البطرسية؟ فأجبت ان احتفالنا بعيد ميلاد السيد المسيح لا يعني اننا تجاهل آلام واحزان اسر الشهداء لان احتفالنا بالميلاد لا يتشابه مع احتفالات العالم التي تتميز بالتجمع في الشوارع والميادين وقضاء الوقت في الملاهي الليلة وفي الاكل واللهو فإننا عندما نحتفل بعيد الميلاد نتذكر قصة الميلاد. لذلك فإن ميلاد المسيح يمنحنا الرجاء وقت اليأس، والفرح وقت الحزن لان المسيح جاء ليعطينا حياة أبدية، حياة أفضل من الحياة التي نعيشها الآن. يا أحبائي إننا اليوم نصلي من أجل كل الاسر التي فقدت أحباءها نتيجة الارهاب والحروب والكوارث، ولكي يمنحهم رئيس السلام سلاماً وعزاء ونصلي أيضاً من أجل كل المصابين الذين يرقدون في المستشفيات لكي ما يختبروا شفاء الله، وأيضاً أتينا رافعين بلادنا طالبين بركة وحماية الرب لها، فمصر هي التي فتحت أذرعها لترحب بالطفل يسوع اللاجئ اليها من بطش الرومان. أحبائي ونحن نتأمل في قصة ميلاد المسيح وأيضاً النبوات عن الميلاد فإننا نجد كلمتين يتكرران هما النوروالظلمة. فالنبي اشعياء يتنبأ قائلا »اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. حقا يا أحبائي لقد جاء المسيح ليشرق بنوره في ظلمة هذا العالم لعلنا ندرك مدي ظلمتنا ونقبل النور الحقيقي الذي يقودنا الي طريق الحق.. طريق الله. والقديس يوحنا في روايته لقصة الميلاد كتب واصفاً المسيح بهذه الكلمات »فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، 5وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ»(يو 1 : 4-5 ) ثم أضاف قائلا»9كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَي الْعَالَمِ. 10كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. 11إِلَي خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يو1 : 9-11) وهنا أيضاً نجد أن النور الحقيقي هو السيد المسيح الذي جاء الي خاصته التي كانت تعيش في الظلمة. فلقد كانوا يهتمون بمظاهر الدين لكن قلوبهم كانت ملآنة بظلمة الخطية. واليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح نري الظلمة تتكرر، ظلمة البعد عن الله التي تدفع الي الصراعات والحروب والارهاب والكراهية والالحاد وظلمة التدين الظاهري التي تدفع البعض الي قتل اخوتهم في البشرية باسم الدين، وظلمة الجشع التي تتجاهل حاجة الفقراء فيموتون جوعاً أو يخاطرون بحياتهم محاولين اجتياز البحار حتي يصلوا إلي دول الاغنياء ليجدوا فرصة للحياة. وهناك بعض الارقام التي تُظهر مدي الظلمة التي نعيش فيها الآن فحتي 19 ديسمبر حدث 2400 هجوم ارهابي في 59 دولة من دول العالم قتل فيها 20879 واصيب 26194، وغرق في البحر المتوسط 6000 من المهاجرين غير الشرعيين و5 ملايين سوري تركوا بلادهم الي بلاد مجاورة و6 ملايين منهم تركوا بيوتهم ونزحوا الي مناطق اخري داخل سوريا. انها حقا ظلمة سببها البعد عن الله وعن طريقه. في ظل هذاكله نحتفل اليوم برئيس السلام بالسيد المسيح نور العالم. فهل نقبله لينير حياتنا أم نرفضه أو نتجاهله فنبقي في ظلامنا؟ أحبائي أمامنا فرصة في كل مرة نحتفل فيها بميلاد المسيح، فرصة ان نقبله وندع سلامه يملأ قلوبنا حتي نصبح أبناء النور لأن فيه الحياة والحياة هي نور الناس.