كنت سأختار عنواناً لتلك المقالة وهو العبور من الماضى لكن أيقنت أن المسألة أعمق بكثير من مجرد العبور، بل هو انتصار على كل المخاوف الهدامة التى تربطنا بأحداث ماتت نحاول أن نعطيها من أرواحنا حياتها ومن أفكارنا عقلها ومن رعبنا هيبتها ومن خضوعنا عزتها، نجلها نقدسها نقف لها احتراماً إن مر طيفها على القلب فترتعد فرائسنا وتدمع العيون وتتفتت عزيمتنا بعنفوان قوتها. إن حال تلك الذكريات على أعمارنا كاللص على أموالنا والنصاب على ممتلكاتنا والمغتصب على شرفنا، فهذا اللص يعرض المساعدة فى البداية، وذلك النصاب يعرض المشروع ذو الربح السريع والمغتصب الذى يظهر بوجه الملائكة حتى يستدرج ضحيته، يتشارك الجميع فى أروع البدايات الخلابة، ثم تسير أحداث القصة حتى أقسى مشاعر الندامة. حرر نفسك من خداع النصاب، وفتنة المغتصب، وأظهر للسارق أنك عرفته قبل أن يسرق باقى أيامك، دقق النظر فى شمسك ستجدها شمساً جديدة استعدت بنورها لك خصيصاً، انتبه لنفسك ستجدها بصفات فريدة وأحلام جميلة رسمت خصيصاً لك. إن ما بقى من عمرك هو أثمن ما تمتلكه فى تلك اللحظة، أنت الغنى الذى عاد إليه ماله قبل أن ُيسرق، لا تظن أن غناك فى مال ولا جاه ومنصب، ما قيمتهم لمن شارف وقته على الانتهاء، أنت صاحب اختيار وقتك، فلا تهبه إلا لما يحفظ قدرك العالى وقدرتك الفائقة، لا تنفقها على ذكريات آلمتك اعترف أنها علمتك واستغل علمك فى نجاحاتك المثمرة. أنت الآن صاحب خبرة بالحياة، تعرف النصاب فتكشفه، والسارق فتمسكه، والمغتصب فتردعه، لن تكافئ لحظة من ثروة أيامك إلا ما يستحق أن ينال شرف وضعه فى ذكرياتك، أما ما لا يستحق، فقد كشفته وألقيته فى سلة مهملاتك، هل عرفت قيمة أيامك؟