بعيداً عن الحصار ورائحة الدم ودوى قذائف القصف الصهيونى، الذى لا يمر يوم إلا ويتلقى الغزاويون فوق رؤوسهم المئات منها، لازلت أتذكر ملامح شباب غزة بصمودهم.. لازلت أسمع عباراتهم باللغة القروية الفلسطينية المميزة، يجسدون أبعاد أزمتهم وحصارهم داخل القطاع، والتى انعكست على كل شرائح المجتمع من عمال وصيادين ومزارعين تأثروا بالقصف ومن قبله الحصار ومن قبلهم الانقسام الفلسطينى. من هنا فتحت دفاتر رحلاتى إلى قطاع غزة فى الشتاء الماضى لأجد مجموعة من شرائط الكاسيت التى تضم أصواتاً كثيرة للعديد من الغزاويين الذين قابلتهم بالقطاع. أسمع صوت الماضى على لسانهم وأتمنى أن يكونوا مازالوا على قيد الحياة. هذا هو ماهر الطباطيبى من خان يونس، أب لخمسة أطفال فى مراحل مختلفة من التعليم، يقول تحصيل التعليم عندنا أصبح صفر، المناهج صعبة والحصار والانقسام السياسى والقصف جعل الطفل مضطرباً، والتيار الكهربى الذى لا يصل إلا 8 ساعات يومياً جعل الطفل الفلسطينى يحرص على الاهتمام بالشأن العام على حساب التحصيل العلمى، مع ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية والدفاتر لعدم توفرها، ناهيك عن المصاريف المدرسية التى وصلت إلى أكثر من 40 شيكل للمرحلة الابتدائية، 50 شيكل للمرحة الإعدادية، 70 شيكل للمرحلة الثانوية، مؤكداً أن سلطة حماس رفعتها فى الفترة الأخيرة بعد تضييق الحصار على القطاع. تطول البطالة 90% من الشعب الغزاوى وفرص العمل لا تتوفر إلا فى القوة التنفيذية، وهى مخصصة لأجهزة حماس، أما القطاع الخاص فقد أفلس. والمسئول الأول والأخير عن تردى الوضع فى القطاع هم حماس وفتح ومعهم الصهاينة. عمار البس الطبيب فى مستشفى العودة، تناول الوضع الصحى لسكان القطاع، مؤكداً أن المستشفيات تفتقر لمواد الإسعافات الأولية مع تعطيل شبه كامل لمراكز العناية المركزة بسبب انقطاع الكهرباء، ومشيراً إلى أن دور وكالة غوث اللاجئين ينحصر فى توفر الأدوية والعلاج للاجئين داخل القطاع فقط، عكس ما هو معروف. أما الحالات الحرجة والأمراض، فتقبلها المستشفيات فى القدس وداخل إسرائيل بموجب موافقة علاج لعبور المعابر التى عادة ما تمنعها قوات الاحتلال أى "تدفعنا للموت ببطء"، حسب قوله. من بين الظلام الدامس الذى يخيم على القطاع مع انقطاع الكهرباء يقف عرفات عكيلة بشمعة نور. وتحتاج غزة ليعم فيها النور إلى 200 ميجاوات يومياً من الكهرباء فى الصيف و240 ميجاوات فى الشتاء. توفر محطة كهرباء غزة منهما 140 ميجاوات فقط، و60 ميجاوات كانت تمدنا بها إسرائيل، كما يقول عكيلة، وفى الشتاء يكون هناك فاقد 40 ميجاوات يومياً، ولكن بعد أن قامت إسرائيل بقصف المحطة لم يتبقَ إلا 60 ميجاوات، توزع على 8 ساعات يومياً أى 1/3 مما نحتاجه من كهرباء. شمالاً من بيت لاهيا، يقف عبد اللطيف العطار مزارع ليقول، نحن نعانى الأمرين بسبب نقص احتياجاتنا من أدوات الزراعة والتقاوى والمياه والقصف والتجريف الإسرائيلى لأراضينا، مشيراً بيده إلى الأرض الخضراء قائلاً، هنا استشهد ابن عمى من قذيفة فى العام الماضى وهو يحرث أرضه، مؤكداً أنه لا يتلقى دعماً لا من حماس ولا فتح، فما نزرعه نحن مثلا وهو التوت الأرضى (الفراولة) ينتج منه الدونم 2.5 طن ويكلفنا إنتاج الكيلو منه 30 شيكل، وبعد الحصاد نبيعه ب 3 شيكل بسبب غلق السوق الإسرائيلى أمامنا وصعوبة التسويق فى القطاع. الحصار خلفهم والبحر من أمامهم.. رمضان سلطان صياد يبحث عن رزقه فى بحر غزة الذى يقسم إلى 3 قطاعات شمال ووسط وجنوب، طول كل قطاع 4 كم ويعمل بها 30 ألف صياد ينضمون إلى 3 نقابات بمعدل نقابة لكل قطاع. تتلقى النقابات دعم للصيادين من الاتحاد الأوروبى لم يستفد منه قطاع عريض من الصيادين. فلا توفير لمستلزمات الصيد. بل نشتريها بمعرفتنا.. كما يقول سلطان صياد، وتكلفنا مبالغ باهظة، بالإضافة إلى أننا نعانى كثيراً من معوقات الصيد. فأيام الفتحاوية (أيام حكم فتح) كان لنا حرية فى الصيد فى البحر بطول 20 ميلاً فى البحر، ولكن الحمساوية (المسئولين فى حماس) قسموا لنا البحر، وأعطوا كل مركب فرصة الصيد فى مساحة 100 م2 فقط. فنحن بين نارين: قصف الصهاينة وتقسيم الحمساوية للبحر، وغياب النقابات التى يسيطر عليها الفتحاوية. من بين نيران الاجتياحات الإسرائيلية المتعددة، يتذكر شادى الطناطنى أحد شباب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المصابين فى اجتياح القطاع عام 2003 ويقول، أصابتنى طلقات من على مدفع الميركافا، واحدة منهم بجوار القلب وواحدة فى رجلى الشمال وأعاقتنى هذه الإصابة لمدة 3 شهور عن المشاركة فى الفعاليات الشعبية، ولكن زادتنى الإصابة وعياً أكثر بأهمية النضال من أجل طرد المحتل عند طريق خيار مقاومة المحتل والتمسك بحق عودة اللاجئين وتحرير القدس لتكون عاصمة عربية لفلسطين. لمعلوماتك.. ◄ "حركة فتح" هى اختصار معكوس لحركة التحرير الوطنى الفلسطينى، وهى جزء رئيسى من الطيف السياسى الفلسطينى وأكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتعتبر فى يسار الوسط. ◄ "فتح" حركة وطنية انطلقت فى 1 يناير 1965 على يد مؤسسها ياسر عرفات ومجموعة من رفاقه فى الكويت فى نهاية الخمسينيات من أجل تحرير فلسطين. وظل عرفات يشغل منصب القيادة فيها حتى وفاته فى 2004، حيث انتخب فاروق القدومى خلفاً له. ◄ وفى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، طرحت فتح محمود عباس ليكون مرشحها لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعتبر كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح. ◄ "كتائب شهداء الأقصى" بدأت نشاطاتها منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بالإضافة إلى "جماعة الفهد الأسود" و"الجيش الشعبى" التى نشطت خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ◄ أما حركة حماس فهى اختصار لعبارة "حركة المقاومة الإسلامية". وهى حركة مقاومة شعبية وطنية تنادى بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر على أن تكون عاصمتها القدس. ◄ جذور حماس إسلامية، حيث يرتبط مؤسسوها فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين، وأعلن عن تأسيسها الشيخ أحمد ياسين فى 6 ديسمبر 1987 إبان الانتفاضة الفلسطينية التى اندلعت فى الفترة من 1987 وحتى 1994. ◄ وجود التيار الإسلامى فى فلسطين له مسميات أخرى ترجع إلى ما قبل عام 1948، حيث تعتبر حماس نفسها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى مصر عام 1928. وقبل إعلان الحركة عن نفسها عام 1987 كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم "المرابطون على أرض الإسراء". موضوعات متعلقة.. ◄ هنا غزة التى مازالت على قيد الحياة ◄ عائلة سويلم أول من يستقبل الاجتياحات الصهيونية ◄ العامل الفلسطينى آلة متوقفة عن الإنتاج فى ظل الحصار ◄ الصياد الفلسطينى يعمل فى جزء من البحر ◄ حصاد الفلاح الفلسطينى فى موسم الحصار