التصرف السليم فرع عن التصور السليم.. " وما سلوك الإنسان وتصرفاته إلا نتيحه لأفكاره، فإذا تغيرت هذه الأفكار سواء بجهده أو بجهد غيره، فإن سلوكه يتغير لا محالة إلى درجة ربما تصل إلى النقيض"، فهناك فكرة قد تجعل إنساناً ينحنى ويسجد لصنم، وفكرة أخرى تجعل إنساناً آخر يحمل الفأس ليكسر ذلك الصنم!! ولأن الأفكار بهذا القدر من الأهمية، فإنه ومنذ أن تقرر فى أوكار الصهيونية تدمير الخلافة الإسلامية وأعداء الأمة الإسلامية يحرصون على تخريب الفكر الإسلامى، وتشويه العقل المسلم، وفى نفس الوقت يقومون برصد الأفكار الفعالة التى تحاول إحياء الأمة للقضاء عليها فى مهدها، وقبل أن تصل إلى جماهير الأمة، فتصحح وجهتها، أو تُعدّل انحرافات أفرادها، ولتبقى الجماهير إذا اجتمعت تجتمع على أساس العاطفة وتحت سلطانها، وليس على أساس (الفكرة والمبدأ).. ومن هنا كانت أخطر المخططات التى تحاك للأمة هى هزيمة الأمة (فكرياً)، فيسهل بعد ذلك احتواؤها وتفكيك معتقداتها".. إذن فالمعركة بين الأمة الإسلامية وأعدائها.. ليست معركة واحدة فى ميدان الحرب، بل هى معركة فى ميدانين.. ميدان الحرب، وميدان الفكر.. والأعداء حريصون فى ميدان الفكر على (احتلال) عالم (الأفكار) فى أمتنا، وحريصون، فى نفس الوقت، على توزيع (نفاياتهم) الفكرية إلى أمتنا، حتى نصبح أسرى لهذه الأفكار الفاسدة، ومن ثم نصبح غثاء تدور به "الدوّامات السياسية العالمية، ولا يملك نفسه عن الدوران، ولا يختار حتى المكان الذى يدور فيه، وهذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منه: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا: أمن قلة يومئذ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن"، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت" أخرجه أحمد وأبو داود"(2). إن إحاطة عدونا بنا، ووصولنا إلى مرحلة الشتات والفرقة، ودخول أمتنا مرحلة (القصعة).. كل ذلك "دليل على وجود خلل فى البنية الفكرية والطروحات العقيدية التى أثمرته، مهما كانت دعاوانا عريضة، وأصواتنا مرتفعة بالادعاء أننا على النهج السليم، ولذلك فإن العاملين فى ميدان (إحياء) الأمة، لابد لهم التمييز بين (أسباب) مرض أمتنا، و(أعراض) هذا المرض، الأسباب فى الحقيقة (فكرية) أساسها المعتقدات والقيم والأفكار، أما الأعراض فهى سياسية واقتصادية واجتماعية. ومن هنا فإن بداية أى تغيير لابد أن تحدث فى الأفكار، وبقدر ما تملك الأفكار رصيداً قوياً من الاستجابة لدى الأمة، وتغييراً ملحوظاً فى مجال سلوكيات أفرادها، وعلاقاتهم الاجتماعية، ستتحول هذه الأفكار ثقافة معطاءة يمكن أن نقول: إنها تشكل نقطة البدء فى التغيير المنشود؛ لأننا نكون قد أدركنا معنى الآية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهذه أولى الخطوات نحو ريادة الأمة، كما يقول الدكتور محمد البدرى فى كتابه الرائع "الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة".