نقابة الصحفيين المصرية تصدر قرارا بمنع بلوجر من دخول النقابة.    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    محافظ مطروح يناقش استعدادات الاشتراك في المبادرة الرئاسية للمشروعات الخضراء الذكية    تراجع جديد لسعر الدولار في البنوك خلال التعاملات المسائية    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    مصر للمقاصة تفوز بجائزة أفضل شركة للمقاصة في الوطن العربي    البيت الأبيض: احتمال تغيير سياستنا في حال اقتحام رفح الفلسطينية دون تأمين المدنيين    «بلومبرج»: «تركيا تعلّق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل»    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 Tom and Jerry لمشاهدة حلقات توم وجيري الكوميدية    "برنامج علاجي لتجهيزه".. الأهلي يكشف حجم إصابة أحمد عبدالقادر    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    ظاهرة جوية تضرب البلاد خلال ال72 ساعة المقبلة.. 10 نصائح للتعامل معها    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    أحمد السقا عن مشهد الرمال بفيلم السرب لفاطمة مصطفى: كنت تحت الأرض 4 ساعات    ارسم حلمك ب«الكارتون».. عروض وورش مجانية للأطفال برعاية «نادي سينما الطفل»    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    «مايلستون» تنطلق بأول مشروعاتها في السوق المصري باستثمارات 6 مليارات جنيه    الصلاة والقراءات الدينية والتأمل في معاني القيامة والخلاص أبرز أحداث خميس العهد    بالصور.. كواليس حلقة "مانشيت" من داخل معرض أبوظبي الدولي للكتاب غدًا    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة فرضت عقوبات ضد 280 كيانا روسيا    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    نادي الأسير الفلسطيني يعلن استشهاد معتقلين اثنين من غزة بسجون الاحتلال    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    إمام الحسين: كبار السن يلاقون معاملة تليق بهم في مصر    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    كريم بنزيما يغادر إلى ريال مدريد لهذا السبب (تفاصيل)    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين القضية المركزية للأمة في ذكرى نكبتنا: لتتفرغ الفصائل لإدارة معركة التحرير (9)
نشر في مصر الجديدة يوم 15 - 06 - 2011

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ {التوبة:122}.
لقد وردت روايات متعددة في تفسير هذه الآية وتحديد الفرقة التي تتفقه في الدين وتنذر قومها إذا رجعت إليهم؛ وعن نفسي أميل إلى تفسير الأستاذ سيد قط: أن المؤمنين لا ينفرون كافة ولكن تنفر من كل فرقة منهم طائفة -على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون- لتتفقه في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة; وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم, بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة. والوجه في هذا الذي ذهبنا إليه - وله أصل من تأويل ابن عباس، ومن تفسير الحسن البصري, واختيار ابن جرير, وقول لابن كثير- أن هذا الدين منهج حركي, لا يفقهه إلا من يتحرك به; فالذين يخرجون للجهاد به هم أولى الناس بفقهه; بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه; وبما يتجلى لهم من آياته وتطبيقاته العملية في أثناء الحركة به، والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه. ولعل هذا عكس ما يتبادر إلى الذهن, من أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة, هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين! ولكن هذا وهم, لا يتفق مع طبيعة هذا الدين، إن الحركة هي قوام هذا الدين; ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به. والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه; مهما تفرغوا لدراسته في الكتب - دراسة باردة! - وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية; ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق! نفس المعنى ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل عندما اعتبر أن أهل الثغور -المجاهدون- أفقه من أهل الدروس –المتفقهون- من خلال الكتب والدراسة الباردة كما وصفها الأستاذ سيد قطب!.
وإذا أردنا أن نربط بين ذلك المعنى العظيم الذي أِشار إليه القرآن الكريم وبين واقع الأمة وصراعها مع أعدائها في هذا لعصر ونستخلص العبر والدروس من تجارب الصراع؛ فأنه يمكننا القول: أن هناك فرق بين مجاهد ومناضل ومثقف ومفكر وآخر، وأنه ليس كل من زعم أنه قائد أو مجاهد أو مناضل أو مثقف كان كما يزعم وكان على مستوى المرحلة والقيادة! يمكننا أن نفرق بين مجاهد ومناضل تحققت فيه تلك الصفات العظيمة فاستفاد من الرؤية القرآنية ومن تجارب الواقع وتجارب مَنْ سبقه في إدراك حقيقة أبعاد الصراع والهجمة اليهودية- الغربية ضد الأمة والوطن وفي تحديد أقصر الطرق وأفضل الوسائل لمواجهتها، وبين مجاهد أو مناضل علم كل ذلك وتكشفت له حقائق وتجارب أكثر من سابقيه ولكنه غلبته شهوة الدنيا وغره الكرسي والمنصب فصدق فيه قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ {الجمعة:5}. وأمثالهم كُثر في هذا الزمن! فكثير من القيادات والزعامات عجزت عن إدراك العلاقة الوثيقة بين اغتصاب فلسطين والتحالف اليهودي-الغربي ضد الأمة والوطن! وكثير مِمَنْ يزعمون أنهم قادة الجهاد والمقاومة أدركوا ذلك بألسنتهم ولم تفقه قلوبهم وعقولهم لذلك لم تُصدقه أفعالهم وممارستهم بعد أن تحقق فينا حديث رسول الله : "يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" قال قائل: أمن قلة يومئذ؟ قال : "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن". قال قائل: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: "محبة الدنيا وكراهية الموت". نعم إنها أمة "الغثاء" الكثرة، و"الوهن" حب الدنيا وكراهية الموت! أضاع مَنْ يزعمون زوراً شرف الجهاد وقتها وتضحياتها في الصراع والبحث عن ما حذرنا منه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم!.
لذلك سأُذكِر أولئك المصابون ب(الوهن) الذين غرتهم الدنيا ولم تعودا القدس والأقصى –ومثلهما المقاومة- بكل ما لهما من مكانة وأهمية على أجنداتهم السياسية أي أهمية إلا بقدر ما يخدم الذات والأنا لديهم في صراعهم على الكرسي وشرعية يرضى عنها الاحتلال! أكتفي بالتذكرة ورجائنا أن نُعذر عند الله تعالى بعد أن حرمنا سماسرة الدين والدم أدعياء الجهاد والمقاومة الجهاد بالبندقية فاكتفينا بالجهاد بالكلمة بعد أن كنا مجاهدين بكليهما، نذكر بالرؤية القرآنية التي تُصدق الواقع لأنها ليست بحاجة لِما يُصدقها عن دور أهل فلسطين في المواجهة كطليعة للأمة في معركة التحرير الكبرى وتحقيق ﴿وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ {الإسراء:7}.
قال تعالى: ﴿لَتَجِدّنَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ﴾ {المائدة:82}، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ {المائدة:51}. وقال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ {البقرة:120}. وروى الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله "أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتل منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد". ويَخُص رسول الله بيت المقدس بالاسم بشرف تمركز الطائفة المنصورة فيها، قال أبي أمامة: قال رسول الله : "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". قال الإمام أحمد: هم أهل الشام. والغرب: إما العرب أو أهل الشدة أو أهل بيت المقدس. وهناك روايات كثيرة عن الطائفة الظاهرة موجودة في صحيح مسلم، الجزء الثالث، من رقم 1920 وما تلاه.
وخلاصة تلك الرؤية بالمصطلحات الفكرية والسياسية المعاصرة: أن اليهود هم أشد أعداء الأمة وليسوا أعداء الفلسطينيين وحدهم. وأن التحالف اليهودي-الغربي يستهدف الأمة كلها (العربية بالمفهوم القومي والإسلامية بالمفهوم الإسلامي) وليس أهل فلسطين بعينهم، وأن استهدافه فلسطين لتكون مركز الهجمة جاء لمكانتها الدينية المشتركة بين أتباع الرسالات السماوية ولأهمية موقعها الجغرافي والإستراتيجي لإحكام الأقوى سيطرته وهيمنته على العالم. فالقضية هي قضية الأمة وليس قضية الفلسطينيين فقط، ومسئولية مواجهة الهجمة والتحالف اليهودي-الغربي واقتلاع كيان العدو الصهيوني من قلب الأمة والوطن هي مسئولية الأمة كلها وليس مسئولية الفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين يمثلون طليعة الأمة في التحرير من خلال الحفاظ على جذوة المقاومة متقدة وشعلة الثورة والنضال مشتعلة لتحريك الأمة لتتفاعل معهم إلى أن تتهيأ أسباب وحدتها وأخذها دورها الرئيس في معركة التحرير. لذلك لا أحد يمن على الفلسطينيين بالدعم أو المساعدة فذلك أقل الواجب عليهم لأنه لو سقطت البندقية الفلسطينية فستسقط عواصمهم وتنتهك حرماتهم وأعراضهم في وسط بيوتهم. تلك المركزية لفلسطين في فكر الهجمة اليهودية-الغربية ضد الأمة والوطن تُحتم على مَنْ يعيها أن يدرك أبعاد الهجمة وخطورة اختزال القضية في شعب فلسطين، واعتبارها قضية وطنية ذات أبعاد قومية وإسلامية وإنسانية عالمية، لأنه بهذا الخطاب يفكك العلاقات الوثيقة بين الأمة وقضيتها المركزية ويُعطي فرصة للمنافقين والمهزومين والمستسلمين للتخلص من مسئوليتهم نحوها، فالقضية لها بُعد رئيس هو: أنها قضية الأمة المركزية كل الأمة. وإن كان هناك بُعد آخر فرعي يكون: البُعد الإنساني والعالمي، بمعنى أن على جميع دعاة حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى كل أحرار العالم الذين يرفضون الظلم واغتصاب ومصادرة حقوق المستضعفين أن يدعموا القضية من هذه الناحية. أما البُعد العالمي فيتمثل في مكانة فلسطين الدينية في الفكر والعقيدة والممارسة اليهودية، وفي أهمية السيطرة على القدس والمسجد الأقصى خاصة لِما لها من رمزية في مفهوم السيادة اليهودية على العالم واستعباد ومحاسبة كل شعوب الأرض على ما اقترفوه من جرائم مالية أو بشرية في حق اليهود طوال التاريخ. ذلك الفهم والإدراك لشمولية الهجمة يُحتم على العالم أن يشارك في تحرير فلسطين من اليهود!.
وأخيراً أن اليهود لا يمكن هزيمتهم بالمفاوضات أو المؤامرات أو الصراع السلمي وغيره لأنهم أخبث خلق الله وأشدهم مكراً وقد اخترقوا العالم على جميع الصٌعد ودمروا جميع الحضارات وخاصة الحضارة الإسلامية في أكثر من مكان وعصر، ولا يفل من عزمهم وقوة مكرهم إلا المواجهة المسلحة والعسكرية فهم أجبن خلق الله وأحرصهم على حياة وإن كانت حياة الذل ولذلك جاءت صفة أهل فلسطين ودورهم في الرؤية القرآنية أنهم الطائفة الظاهرة على عدوها وعلامة ظهورهم هي الجهاد والرباط، الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين وليس شيء آخر مما عليه مجاهدي وقادة (الوهن) المعاصرين، وقد رأينا كيف تفاعل العالم أجمع عرب ومسلمين وغربيين وكل أحرار العالم مع انتفاضة شعبنا طوال سنوات وكيف ضاع كل ذلك بعد البحث عن الكرسي والمنصب؟!.
ذلك الفهم والإدراك لأبعاد الرؤية القرآنية لخصه أبا المجاهدين الشيخ العالم العامل المجاهد الشهيد عز الدين القسام الذين صفت روحه لله وخلصت نفسه من أي شبهة دنيوية في شعاره الذي يرفعه هذا وذاك وهو برئ منهم: هذا جهاد .. نصر أو استشهاد! كما أن الأستاذ أحمد الشقيري أيضاً أدرك من خلال ممارسته السياسية والعملية أبعاد الهجمة اليهودية-الغربية ضد الأمة والوطن واستفاد من نضاله ضدها طوال عقود، فهو عاش ويلات شعبنا ومعاناته أيام الاحتلال البريطاني ورأى بأم عينيه دعمه للعصابات الصهيونية لاغتصاب وطننا، وقد شرع قلمه سيفاً مسلطاً في الصحف الوطنية ضدهم حتى ضاقت السلطات البريطانية ذرعاً بنشاطاته وفرضت عليه الإقامة الجبرية نهاية العشرينيات. ثم توجه لدراسة الحقوق في القدس عله يدافع عن المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم البريطانية وقد كان له ذلك. وبعد أن شارك في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) لاحقته سلطات الاحتلال البريطاني واعتقلته ولجأ بعدها إلى القاهرة، وعاد إلى ساحة الجهاد مرة أخرى مع أوائل الحرب العالمية الثانية ومارس عمله كمحام واختص بالدفاع عن المناضلين الملاحَقين وبقضايا الأراضي فعمل على إنقاذ قسم من الأراضي الفلسطينية ومنع تسربها لليهود. ثم انتقل بنشاطه إلى الساحات الدولية حيث أسس عام 1945 مكتباً إعلامياً عربياً في واشنطن وعُين مديراً له لشرح القضية الفلسطينية وبعدها نُقل مديراً لمكتب الإعلام العربي المركزي في مدينة القدس. وخلال نكبة 1948م واشتداد شوكة اليهود في فلسطين انتدبته الحكومة السورية ممثلاً لها في الأمم المتحدة ثم عُين أميناً مساعداً للجامعة العربية وقد كان الشقيري خلال وجوده في الأمم المتحدة خير محام عن القضية الفلسطينية ثم شغل منصب ممثل فلسطين في الجامعة العربية.
ذلك التاريخ النضالي والممارسة السياسية والدفاع عن القضية في قاعات المحاكم أكسبه خبرة ومعرفة وإدراك لحقيقة المشروع اليهودي-الغربي ضد الأمة والوطن أودعه في الميثاق القومي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي أكد فيه الناحيتين التنظيمية والعسكرية للكيان الصهيوني، عندما كُلف من جامعة الدول العربية بإنشاء كيان فلسطيني!.
الميثاق القومي
وافق مؤتمر القمة العربي الأول ع في يناير 1964 على إنشاء كيان فلسطيني مستقل وصدر قراره بتكليف (أحمد الشقيري) الاتصال بالدول الأعضاء والجماهير الفلسطينية من أجل الوصول إلى القواعد السليمة لتنظيم الجماهير الفلسطينية وتمكينها من القيام بدورها وتحرير وطنها وتقرير مصيرها، وقد استطاع أحمد الشقيري عقد المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الفلسطيني في 28/5/1964 في القدس وتم الموافقة فيه على إعلان منظمة التحرير الفلسطينية والمصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ومن المعروف أن الميثاق القومي الفلسطيني يعود تاريخه إلى أغسطس/آب 1922 فقد جاء رداً على قرار عصبة الأمم المتحدة بإعلان الاحتلال (الانتداب) البريطاني على فلسطين وربط (وعد بلفور) بصك الاحتلال (الانتداب). وقد تمسكت الحركة الوطنية الفلسطينية بهذا الميثاق طوال فترة جهادها ضد الاحتلال البريطاني وبعد عام 1948 أيضاً استمر التمسك بالميثاق والتأكيد على ما جاء فيه من: اعتبار فلسطين وشعبها جزءً من الأرض العربية والأمة العربية. ورفض القبول بكيان العدو الصهيوني المغتصب لوطننا. وجاء الميثاق القومي الفلسطيني الذي أعده أحمد الشقيري ليدل على وعي استراتيجي عميق وفهم للظرف الذاتي والعامل الموضوعي، حينما قال في الخطاب الافتتاحي#: "إننا نحن أهل فلسطين نرفض السير في أي طريق إلا طريق الكفاح والسلاح .. إن قضية فلسطين ليس لها حل سياسي أو دبلوماسي وليس لها حل في الأمم المتحدة ولا في المحافل الدولية الأخرى. إن قضية فلسطين، لا تُحل إلا في فلسطين. ولا تُحل في فلسطين إلا بالكفاح والسلاح. ولا تُحل في فلسطين إلا بتعبئة الأمة العربية حكومات وشعوباً وفي مقدمتها شعب فلسطين".
وفي دورته الثالثة التي عُقدت في غزة بين 20-24/5/1966 قرر المجلس تعديل (المادة 22) من النظام الأساسي للمنظمة بحيث تصبح: "تنشئ منظمة التحرير الفلسطينية جيشاً من أبناء فلسطين يُعرف بجيش التحرير الفلسطيني وتكون له قيادة مستقلة وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين" (*). لقد حُددت مهمة جيش التحرير في ظل الفهم القومي للقضية ودور الجماهير الفلسطينية كطليعة لا في ظل الفهم الوطني الضيق كما سيأتي.
وفي كانون الأول/ديسمبر بعد هزيمة 1967ومحاولة بعض الأنظمة العربية تحميله مسئولية الهزيمة والتآمر عليه لاستبداله بقيادة فلسطينية أخرى تقبل بالمعادلة العربية الجديدة بعد الهزيمة –كما سبق أن أوضحنا- تقدم أحمد الشقيري باستقالته إلى الجماهير الفلسطينية من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، فاجتمعت اللجنة التنفيذية واختارت عضو اللجنة (يحيى حمودة) نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية وأصدرت بياناً في 25/12/1967: "أعلنت فيه أنها ستعمل بالتعاون مع جميع القوى الفلسطينية المقاتلة على إقامة مجلس وطني لمنظمة التحرير تنبثق عنه قيادة جماعية مسئولة تعمل على تصعيد النضال المسلح وتوحيده وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعبئة الجهود القومية، وتطوير أجهزة المنظمة بما تتطلبه المرحلة الراهنة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.