انعقدت أولى جلسات البرلمان هذا الأسبوع، وشاهدنا جميعا المعارك والمشادات التى صاحبت أداء القسم وعدم الالتزام بأداء القسم الرسمى، وعدم الالتزام بالقانون منذ اليوم الأول، ووضع البعض إضافات مختلفة كل حسب أفكاره، مما فتح باب فوضى الإضافات أثناء أداء القسم، حتى توقع بعض المشاهدين أن يفاجئهم أحد النواب ببدء القسم بعبارة «على الطلاق بالتلاتة». وقد كان السؤال الدارج فى ذلك اليوم من العديد من وسائل الإعلام، أو المتابعين للشأن المصرى، حول رأينا فى هذا البرلمان الذى يسيطر عليه أغلبية من التيار الإسلامى، وهل وجود البرلمان يلغى دور الميدان وشباب الثورة؟ فمنذ بداية إعلان خارطة الطريق المفروضة علينا منذ مارس الماضى وهذه النتيجة متوقعة، وهذا البرلمان لن يكون برلمان الثورة للأسف الشديد، فالانتخابات البرلمانية لا تؤثر فيها النوايا الحسنة، ولكن تحكمها قواعد تعتمد على الأموال والقدرات التنظيمية والعددية والقواعد الجماهيرية، وهذا غير موجود لدى الشباب الذين رفضوا من الأساس الدخول فى المعركة الانتخابية قبل تغيير نظام مبارك. ولا توجد بالفعل أى مشكلة لدينا مع وجود أغلبية فى البرلمان من التيار الإسلامى، فهذا هو اختيار الشعب، وعلينا أن نحترم اختيار الشعب ونتيجة الصندوق، ولكن ليس معنى انتهاء الانتخابات وبدء انعقاد جلسات البرلمان، أننا أعطينا شيكا على بياض لنواب البرلمان أو أننا سنترك أى سلطات تفعل ما يحلو لها. فالثورة خرجت للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ويندرج تحت هذه العناوين عدد لا نهائى من الإجراءات التى يجب أن تتم من أجل إصلاح ونهضة مصر. من بينها تطهير المؤسسات، وإصلاح التشريعات والقوانين، بما يخفف المعاناة على الناس ويقطع الطريق على منظومة الفساد المتبقية من النظام القديم. ولكى لا يتحول أحد الأحزاب للحزب الوطنى مرة أخرى، ولكى لا يتحول الرئيس القادم إلى مبارك جديد، ولكى لا يتحول الوزراء الجدد إلى نماذج يوسف والى، ويوسف بطرس غالى، وصفوت الشريف، يجب أن يستمر دور الميدان وجماعات الضغط السياسى. وهذا ليس بدعة، فالكثير من دول العالم لديها جماعات ضغط سياسى، تراقب أداء البرلمان والحكومة، والرئيس، وأى سلطة موجودة فى هذا البلد لمنع انحرافها عن المسار، وتوجد فى كل البرلمانات فى الدول المتقدمة جلسات استماع لرأى الشباب وجماعات الضغط، والجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى، والخبراء فى جميع المجالات، أثناء صياغة القوانين أو شهادة فى موضوع معين حول قضية معينة، ويمكن لأى جماعة ضغط زيارة البرلمان، وحضور الجلسات بهدف الرقابة على أدائه وأداء النواب داخل البرلمان، وهذا سيكون مطلوبا أكثر فى مصر خصوصا فى الفترة الانتقالية. فالميدان هو ضمير هذه الأمة، وهو البوصلة التى ستحدد الاتجاهات، وهو الذى سيمنع الانحراف مرة أخرى، وسيقف حائلا أمام إعادة إنتاج الاستبداد السياسى الذى أفسد وأفقر مصر طوال هذه السنوات. سيظل الميدان هو الرقيب الشعبى على أداء الجميع، وجميع السلطات، فلو هناك ملاك فى موضع رئيس الجمهورية، ولكن بدون رقابة.. فسيتحول لمبارك جديد، ولو هناك حزب من الملائكة يحتمى بأغلبيته البرلمانية، ولا يخضع أداؤه لرقابة شعبية لتحول إلى حزب وطنى جديد. ولن يلغى البرلمان دور الميدان، بل سيحدث تكامل بين أداء الاثنين فى أوقات كثيرة، وربما تحدث مواجهات وتقويم فى أحيان أخرى.. ولولا الميدان ما كان هناك هذا البرلمان.