ضمانا لأداء المهمة الأولى، قرر جهاز أمن الدولة، وجمال مبارك، وأحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل، إسقاط كل نواب الإخوان وكل النواب المشاغبين الذين سببوا أرقا وصداعا فى رأس النظام السابق، ضمانا لتشكيل برلمان أكثر ولاء للسلطة من سابقه. وكان برلمان 2005، والذى لعب فيه أحمد عز أمين تنظيم المنحل دور المايسترو، عزف هو ونوابه أسوأ مقطوعات برلمانية فى تاريخ مصر، فجددوا الطوارئ مرتين ووافقوا على تصدير الغاز لإسرائيل، وأهالوا التراب على دماء شهداء عبارة السلام 98، ورفعوا أسعار البنزين، ووافقوا على قوانين تم تفصيلها بالمقاس لحساب رجال الأعمال الذين يديرون الاقتصاد غير الشرعى للنظام، قبل أن يختموا كشف حسابهم، ب«سب الدين» لنواب الإخوان بسبب دعمهم لقطاع غزة وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» ومناهضتهم لإقامة الجدار العازل.
لكن هذا تغير بعد أن جاءت الثورة وأسقطت النظام، وحبست الوريث فى سجن طرة على ذمة المحاكمة، وبدلت قاعدة الهرم برأسه، ليحصل الإخوان على أكثر من 50% فى المرحلتين الأولى والثانية فى برلمان 2011 وبقيت لهم مرحلة من المتوقع أن يحصدوا فيها عددا كبيرا من المقاعد تضمن لهم أغلبية مريحة تحجز لهم الكلمة العليا والنافذة فى أول برلمان بعد الثورة، بعد أن كانوا أقلية «مضطهدة» فى برلمان 2005، على الرغم من حصولهم على 88 مقعدا.
أغلبية نواب الإخوان داخل البرلمان المقبل طرحت عددا من التساؤلات، أبرزها هل ينتقل استبداد الأغلبية الميكانيكية من الحزب الوطنى إلى الاخوان؟ وهل سيقبل نواب الإخوان بمشروعات قوانين واقتراحات تتقدم بها الكتل البرلمانية الأخرى؟ أم أنهم سيستخدمون أغلبيتهم فى إسقاطها لأنها ليست على هواهم؟ هل تترك الجماعة قليلا من المرونة لأعضائها انطلاقا من قاعدة «أنتم أعلم بأمور مجلسكم» أم سينزل النواب على رأى مرشد العام للجماعة؟
المهندسان.. الشاطر وعز
الرابط الوحيد بين خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، وأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل، أن كليهما رجل أعمال وخريج كلية الهندسة، الشاطر دخل المعتقل بعد محكمة عسكرية بتهمة غسل الأموال، فى عملية قيل إنها هدفت لتجفيف منابع الثروة الإخوانية، فى الوقت الذى كان فيه عز يصول ويجول تحت قبة البرلمان وخارجها.
الآن، وبعد تغير الأحوال، يرشح الشاطر أن يكون اللاعب الرئيسى فى تحريك نواب الحرية والعدالة تحت القبة، وهو ما يطرح سؤالا هل سيكرر الشاطر وجماعته اخطاء عز وحزبه وسيصيبهم الاستعلاء وغرور الاغلبية؟ مثلما أصاب عز الذى كان يحرك أعضاء الوطنى برسائل الsms، بالإضافة إلى سبابته وبعض تعبيرات وجهه وغمزات عينيه، وكان غالبية نواب الاغلبية عينهم على عز طول فترة الجلسات انتظارا لأى إشارة، وحينما تأتى الاشارة تجد القاعة وقد امتلأت صياحا وضجيجا وسبابا، وقد تجد نائب وطنى من مفتولى العضلات قد توجه إلى مقعد نائب اخوانى او مستقل للاشتباك معه، وقد تجد عددا من النواب يقدمون طلبا بإغلاق باب المناقشة والانتقال إلى جدول الاعمال، وتجد المراسلات الورقية السريعة قد اشتعلت بين عز الذى كان مقعده فى القاعة على شمال الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق والمحبوس فى طرة لاتهامه بالمشاركة فى موقعة الجمل.
السمع والطاعة لنواب الجماعة
المعلقون السياسيون انقسموا إلى فريقين، يرى أحدهما أنه من حق أى فصيل سياسى فى حال حصوله على الاغلبية البرلمانية أن يرجع لمنبع التيار الذى يعبر عنه للتشاور بشأن القرارات المصيرية ومشاريع القوانين، وانه من حق اعضاء حزب الحرية والعدالة باعتبارهم الاغلبية ان يتشاوروا مع قادة جماعة الاخوان ولكن ليس من اجل تحقيق مصالح ذاتية وتوسعية للجماعة بل من أجل البحث عن أفضل الطرق لحل الأزمات وتحقيق مشروع النهضة، وأن نواب الجماعة سيرفعون شعار «السمع والطاعة» تحت القبة، وأن من يخالف هذا المبدأ او يخرج عنه فإنه قد يواجه ما واجهه نواب الوطنى الذين خالفوا قاعدة الاتزام الحزبى والعقوبة هنا الفصل من الجماعة، ويتوقع اصحاب هذا الفريق انه فى حال وجود صدام بين اغلبية الإخوان وبعض الكتل الاخرى فى قضايا حساسة قد يحاول بعض الاصلاحيين فى فريق الاغلبية الاخوانية اتخاذ موقف موضوعى وهو ما قد يعرضه لعقوبة الفصل لأنه خرج عن قاعدة السمع والطاعة.
الحرية للنواب الكبار
فيما ذهب الفريق الآخر إلى أن المرشد سيترك الملف البرلمانى مع خطورته لرجل الأعمال خيرت الشاطر ليديره كيف يشاء، ويرى اصحاب هذا الاتجاه ان قيادات الاخوان داخل البرلمان، ومن بينهم عصام العريان وحلمى الجزار ومحمد البلتاجى وسعد الكتاتنى وغيرهم سيكون لهم حرية حركة فى ضبط أداء الأغلبية داخل البرلمان دون ان يكون هناك صدام مع مكتب الارشاد أو قيادات الجماعة لأن القناعات حول الخطوط العامة لفكر الإخوان ثابتة لدى من هم تحت القبة أو من هم فى المقطم.
الكورنيش والمقطم.. مقر القيادة
الكورنيش هو مقر القيادة للحزب الوطنى فى 2010 التى أدار منها الانتخابات البرلمانية، والمقطم هو مقر جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير.
فى الكورنيش حينما قدم نائب الكرامة سعد عبود استجوابا عن تربح داخلية حبيب العادلى من موسم الحج، كشر عز وأتباعه عن أنيابهم وعقدوا اجتماعا مغلقا ل«فتوات» الوطنى فى المقر الرئيسى للحزب على كورنيش النيل وتسابق الجميع فى طرح مقترحات للقصاص من عبود فمن نواب الوطنى من اقترح ضربه ومنهم من اقترح إسقاط عضويته وانتهى الامر إلى التصويت على حرمانه من حضور جلسات الدورة البرلمانية.
تكرر الأمر حينما قررت لجنة الخطة والموازنة اعتماد تقرير لزيادة اسعار البنزين ومشتقاته، حيث اجتمع عز مع مجموعة من نواب الوطنى فى نفس المقر واتفقوا على آلية تنفيذ سيناريو رفع الأسعار، ففى كل مرة يخطط فيها النظام لتمرير أمر ما عبر بوابة البرلمان كانت توضع اللمسات الأخيرة للمؤامرة فى المقر الرئيسى على الكورنيش لذلك كان هذا المبنى هو أول المبانى التى احرقها الثوار فى ثورة يناير، باعتباره «مقر المؤامرات».
ترى هل سيكون مقر مكتب الإرشاد لجماعة الاخوان الذى لم يكن يبعد عن مقر الوطنى سوى 4 أو 5 كيلو مترات ويقع على نفس الكورنيش وانتقل أخيرا إلى المقطم هو المكان الذى ستخرج منها كل مشاريع القوانين والقرارات التى يريد الاخوان تمريرها؟
يرفض صبحى صالح القيادى بجماعة الإخوان المسلمين المرشح لرئاسة اللجنة التشريعية تشبيه البرلمان القادم الذى يستحوذ على غالبيته التيار الإسلامى وبخاصة حزب الحرية والعدالة بالبرلمانات السابقة من حيث سيطرة الأغلبية على مجريات الأمور بداخله، معتبرا أن سيطرة لون سياسى واحد على البرلمان أمر مستحيل، مشيرا إلى أنه قبل بداية الجولة الثالثة من انتخابات مجلس الشعب يوجد 20 لونا سياسيا وهو لم يتوافر من قبل فى أى من البرلمانات.
يضيف صالح أن النسبة التى حصل عليها التحالف الديمقراطى حتى المرحلة الثانية ليست خاصة بحزب الحرية والعدالة ولكن كل الحزاب المكونة للتحالف، متابعا أن التحالف يجمع بين طياته تيارات واتجاهات متعددة ومتغيرة، مشددا على أنه يستحيل احتكار الغلبية بالبرلمان القادم قائلا: «الاحتكار يلزم الحصول على ثلثى مقاعد البرلمان وهذا لن يحصل عليه اى حزب أو تيار».
ويؤكد صالح ان «مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين لا يتدخل بأى حال من الأحوال فى عمل حزب الحرية والعدالة، كما أنه ليس حريصا على ذلك»، بنص تعبيره.
وأضاف صالح إن هناك اتفاقا على الخطط والاستراتيجيات العامة بين كل النواب وما دون ذلك فأداء النائب متروك له كيفما يشاء، مشيرا إلى وجود هامش كبير لنواب الجماعة سابقا للاختلاف داخل برلمان 2005 2010.
وفيما اعتبر الدكتور أحمد أبوبركة، المستشار القانونى لحزب الحرية والعدالة هذا التشبيه والحديث هو صنيعة «فاقدى الوعى» ممن فشلوا فى أن يعبروا عن الشعب وينالوا أصواتهم خلال الانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أنهم يعودون إلى استخدام نفس مفردات خطاب النظام البائد.
وأكد أبوبركة أن مصر تعيش الآن فى ظل مناخ من الديمقراطية لم تشهده من قبل والشعب أصبح مصدر السلطات، موضحا أن الديمقراطية لها قواعدها من حيث وجود الأغلبية وحسمها لكل الأمور التى تطرح داخل البرلمان، مطالبا الأقلية بالتعاون مع الأغلبية من أجل تبنى مشاريع تحقق أهداف الشعب المصرى وليس أن تأخذ موقفا سلبيا من الأغلبية فقط.
وشدد أبوبركة على أن لنواب حزب الحرية والعدالة كامل الحرية داخل البرلمان لطرح رؤيته بما يحقق المصلحة العامة للشعب المصرى، مضيفا مع الاتفاق فيما بينهم على البرنامج العام الانتخابى الذى يسعى لتنفيذه بعد اختيار الشعب له.
فيما قال المهندس سعد الحسينى، عضو المكتب السياسى لحزب الحرية والعدالة، أنه لا مجال للمقارنة بين الأغلبية البرلمانية فى اى برلمان فى عهد النظام البائد والأغلبية فى البرلمان القادم، موضحا أن أغلبية الحزب الوطنى المنحل كانت تأتى عن طريق التزوير ولكن تلك المرة الغالبية جاءت عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة.
وأضاف الحسينى أن قواعد الديمقراطية واضحة حيث إقرار رأى الأغلبية، مشيرا إلى أن الأغلبية اختارها الشعب المصرى بإرادته والشعب هو المراقب لهم ويستطيع إقصاءهم فى الدورة التى تليها، خاصة بعد زيادة نسبة الوعى لدى الشعب خلال الأشهر القليلة الماضية بعد الثورة. وشدد الحسينى على انه ليس لتيار أو حزب واحد أن يحل مشكلات مصر بمفرده، ولكن من خلال ائتلاف واسع متعدد الاتجاهات للنهوض بمصر.
وكشف الحسينى النقاب عن أجندة تشريعية ورقابية يسعى الحزب لإنشائها تكون خاصة بنوابه داخل البرلمان، مؤكدا أن النواب يتمتعون بالحرية الفردية فى الأداء البرلمانى جنبا إلى جنب مع القرارات الشورية المؤسسية من خلال إطار عام يتفق عليه كل نواب الحزب، موضحا أن تحقيق الأهداف العامة لبرنامج الحزب والبرنامج الانتخابى يعد مكسبا حقيقيا للجماعة والحزب معا. من جهته، أكد د. عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن التكتلات والتحالفات هى طبيعة أى برلمان، حيث توجد أغلبية واضحة وكذلك الأقلية، مشيرا إلى أن الصورة ستكون واضحة تماما بعد إجراء المرحلة الثالثة من انتخابات مجلس الشعب لمعرفة ما إذا كان التيار الإسلامى وحزب الحرية والعدالة سيحصدان الأغلبية المطلقة من عدمها.
وشدد ربيع على ضرورة إدارة الجلسات بكل حسم خاصة مع العدد الكبير فى الجلسات حتى لا يتحول الأمر إلى نوع من الهرج كما كنا نشاهد من قبل فى البرلمان أثناء عهد النظام البائد، مشيرا إلى تدخلات غير معلنة من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسملين فى إدارة حزب الحرية والعدالة لجلسات مجلس الشعب.
وقال أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة د. حسن نافعة إن البرلمان القادم سيكون مختلفا تماما عن أى برلمان فى عهد النظام البائد من حيث سيطرة الأغلبية على مجريات الأمور به، معللا لذلك بأن التيار الإسلامى ليس كالحزب الوطنى كله متجانس، وهناك العديد من القضايا التى ستكون محل اتفاق بين التيارات الإسلامية على اختلافها مثل الهوية والمادة الثانية من الدستور إلا أنه ستكون هناك قضايا خلافية فيما بينهم مثل الموقف من الاقتصاد والسياحة والفن وغيرها.
وأكد نافعة وجود التوازن بالبرلمان القادم من خلال مجموعة من النواب من خارج التيار الإسلامى لديهم خبرة سياسية ويستطيعون مخاطبة الرأى العام وسيكونون أكثر قدرة على الإقناع من غيرهم، مشيرا إلى أننا نعيش الآن مناخا من الحرية لم تشهده مصر من قبل ويستطيع البرلمان خلاله ممارسة دوره الرقابى والتشريعى بشكل أفضل عن البرلمان فى النظام البائد.
وذهب نافعة إلى أن نواب حزب الحرية والعدالة لن يتمتعوا بأى هامش من الحرية فى أدائهم البرلمانى عن الجماعة والحزب، ولكنهم سيكونون أكثر انضباطا وتنظيما عن غيرهم.