التاريخ يدلنا على أن مصر تمر عادة بمراحل متتابعة متباينة من النهضة والازدهار والتقدم إلى الانكفاء والتراجع والانحطاط، فى دورات أشبه بتتابع فصول السنة، أحيانا تطول فترة الازدهار، فيرتقى البلد إلى مصاف القوى الإقليمية الكبرى التى يعمل لها العالم حسابا ويضعه رقما صعبا فى توازنات الأمم، وأحيانا أخرى تمتد فترة الانكفاء، تتدهور أحوال البشر والأرض وتتراجع الموارد ليعيش الناس زمنا فى ضنك مادى ومعنوى، يتطلعون خلاله إلى الزعيم المنقذ أو الإمام الذى يملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت جورا. الإنسان كان دائما القاسم المشترك بين دورات الازدهار والانكفاء فى مصر، وكلما اهتم الولاة والحكام والرؤساء بالمواطن، ووضعوا البرامج للارتقاء به فى مجالات التعليم والصحة، وسنوا القوانين المتوازنة الكفيلة بتنظيم حياته، انطلقت ملكاته وإبداعاته وحقق فى سنوات قليلة ما توصل إليه الآخرون فى عقود، والعكس أيضا صحيح، فالتراجع والانكفاء مرتبط ارتباطا وثيقا بتهميش الإنسان المصرى، وعادة ما يتحقق ذلك، كما حدث فى عهد مبارك، من خلال استغلال فئة قليلة لموارد البلاد على حساب الأغلبية. سكان العشوائيات بين الواقع المر والوعود البراقة للمسؤولين كتب أحمد حسن حصر الأسواق العشوائية من أجل تطويرها، وتقنين أوضاع الباعة الجائلين، وتخصيص مخصصات مالية للنهوض بمناطق بعينها بمحافظات مختلفة، واتفاقيات يعقدها الصندوق، ووعود بحل مشاكل المناطق العشوائية كافة والانتهاء من تطويرها فى عام 2017.. كلها وعود وتصريحات تصدر من صندوق تطوير العشوائيات الذى يرأسه الدكتور على الفرماوى، وتحت إشراف مباشر من مجلس الوزراء رغم تبعيته لوزارة التنمية المحلية. الوعود التى تكررت خلال 2011 ضاعف من تبددها تغيير المحافظين الذى تسبب فى شل حركة صندوق تطوير العشوائيات نظرا لكونه المسؤول عن عقد الاتفاقيات مع المحافظين من أجل تطوير المناطق العشوائية المتواجدة بها، كما أن المبادرات التى أعلن عنها البعض بشأن تطوير العشوائيات لم يتم تنفيذ منها سوى القليل. الدكتور على الفرماوى، المدير التنفيذى لصندوق تطوير العشوائيات، سبق أن أكد أن الصندوق أعدّ خطة إستراتيجية لتطوير الأسواق العشوائية فى المحافظات كافة، حيث تم الانتهاء من حصر كل الأسواق فى عدد 11 محافظة خلال عام 2011، وذلك من أجل تطويرها وإنشاء أسواق حديثة بديلة للأسواق العشوائية، وجاءت محافظات القاهرة، ودمياط، والدقهلية، والبحيرة، وكفر الشيخ، والمنوفية، والشرقية، والغربية، والمنيا، والقليوبية، وسوهاج، فى مقدمة تلك المحافظات، وبلغ عدد الأسواق العشوائية فى هذه المحافظات 599 سوقاً عشوائياً، تحتوى على 161 ألفاً و101 وحدة نشاط، ولكن فى زحمة السياسة كأن شيئا لم يكن. من ناحية أخرى أكد المستشار محمد عطية، وزير التنمية المحلية، أن صندوق تطوير العشوائيات يقوم بإعداد خطة لتطوير الدعم الفنى وتنمية القدرات والتى تعد أحد المكونات الرئيسية للخطة القومية، لتطوير المناطق غير الآمنة، التى بلغ عددها 383 منطقة، تحتوى على 209 آلاف و468 وحدة سكنية، مضيفا أن الخطة تشمل تنفيذ أنشطة عديدة منها توفير ونقل المعلومات ودلائل الأعمال وأفضل الممارسات المحلية والدولية. من جانبه أكد الدكتور شريف الجوهرى، أن الخطة التى تقدم بها الصندوق لمجلس الوزراء بشأن تطوير منطقة السماكين بمحافظة سوهاج تضمنت تخصيص أراض فضاء مجاورة لمنطقة التطوير من قبل وزارة الزراعة والهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بالمحافظة لإنشاء 5 عمارات سكنية وتوفير وحدة صحية ووحدة خدمات اجتماعية و15 ورشة كدعم اجتماعى للأسر لرفع مستوى المعيشة وزيادة دخل الأسرة. قضايا «التعليم» فى انتظار البرلمان الجديد كتب حاتم سالم مليون ونصف المليون معلم و16 مليون طالب بمرحلة التعليم قبل الجامعى ينتظرون من البرلمان المقبل إقرار تشريعات تستهدف إصلاح العملية التعليمية بعد تدهورٍ حاد أصابها خلال العقدين الأخيرين وفاقم من أزماتها. تفاقم مشكلات التعليم دفع العشرات من المعلمين إلى الترشح كمستقلين بالنظام الفردى فى الانتخابات البرلمانية التى تجرى حالياً، غير أن غالبيتهم فشلوا فى الحصول على مقاعد فى مجلس الشعب، وهو ما أرجعه أحمد الأشقر، مؤسس اللجنة التنسيقية لمعلمى مصر، إلى نقص التمويل وعدم قدرة المعلمين على عمل دعاية انتخابية ضخمة مقارنةً بالمرشحين المدعومين من أحزاب أو رجال أعمال، قائلاً: «أنفقت على الدعاية 3 آلاف جنيه فقط وفقاً لإمكانياتى كمعلم، وهو مبلغ لا يقارن بما أنفقه منافسى المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين». أحمد الأشقر، الذى أخفق فى المنافسة على مقعد الفئات فى الدائرة الرابعة بمحافظة الجيزة «كرداسة وأكتوبر والشيخ زايد والواحات»، أكد أن البرلمان القادم مطالب بتبنى قضايا المعلمين، وعلى رأسها إقرار قانون جديد للكادر يضمن إلغاء الاختبارات لما تسببه للمعلم من متاعب، وضم فئات جديدة لمستحقى الزيادة المالية، وتوفيق وضع المعلمين المساعدين بجانب إقرار زيادات مالية فى رواتب المعلمين وفقاً لجدول الأجور المقترح الذى أعدته وزارة التربية والتعليم. فى السياق نفسه كشف الدكتور أحمد الحلوانى، مسؤول ملف المهنيين بجماعة الإخوان المسلمين، عن نجاح عدد من المعلمين على قوائم حزب «الحرية والعدالة»، الجناح السياسى للجماعة، وأوضح «الحلوانى»، ل«اليوم السابع»، أن الكتلة البرلمانية للحزب ستضع قضايا التعليم ضمن أولوياتها بمجرد بدء جلسات البرلمان. وتابع «فى البرلمانين الأخيرين أبدى الإخوان اهتماماً واضحاً بالتعليم وإصلاحه..وهو ما سنستمر فيه فى البرلمان الجديد»، متوقعاً أن يؤدى تواجد أعداد ضخمة من الإخوان فى تشكيلات نقابة المهن التعليمية إلى تعرفهم على أدق مشكلات العملية التعليمية. ويعانى ملف التعليم من أزمات على مستوى المعلمين، والأبنية التعليمية والمناهج، يأتى ذلك فى الوقت الذى أعدت فيه وزارة التربية والتعليم مشروعاً لتعديل قانون الكادر، وتتوقع مصادر حكومية أن تدفع الحكومة بالمشروع أمام مجلس الشعب المنتخب، الذى سيبدأ اجتماعاته فى ال23 من يناير المقبل. أطفال الشوارع والمولوتوف والحرائق.. يريدون حلا كتبت منال العيسوى لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد أطفال الشوارع رغم تعدد الجهات التى تهتم بهم، فالإحصائيات غير الرسمية تفيد بأن عددهم يقترب من ثلاثة ملايين طفل يشكلون قنبلة موقوتة فى المجتمع المصرى. بالقرب من ميدان التحرير، التقت «اليوم السابع» بمجموعة من هؤلاء الأطفال فبدوا وكأنهم شيوخ طاعنون فى السن دفعتهم التجارب المريرة وأيام الحرمان إلى الشيخوخة المبكرة، يتحدثون بلغة الميدان ويطرحون مشكلاتهم وأنهم فى طريقهم لتنظيم مسيرة خاصة بهم للمطالبة بحقوقهم. أصر بعضهم على تعريف نفسه بالاسم الأول فقط، والبعض الآخر أكد أنه ليس له إلا اسم واحد بس، فكان شهاب ذا ال 15 عشر عاما بوجهه الجنوبى الأسمر يروى حكايته منذ أن جاء من أسيوط هربا من زوجة أبيه ودخوله عالم الشارع بكل ما فيه قائلا: «إحنا الوقود اللى ولع الثورة، واحنا اللى كنا بندافع عن الثوار لما الجيش يضربهم، مع الأحداث جينا مجموعات للميدان ناكل ونشرب وننام ما احنا مالناش مكان نعيش فيه بنبيع مناديل ونمشى حالنا، مش متعلمين بس فاهمين، محدش سأل فينا ولا عارف احنا عايشين ازاى». إحدى الفتيات واسمها عبير 20 سنة قاطعت شهاب وصممت على عرض مشكلتها بحثا عن حل بأى شكل «يا ابلة إنتى عايزة إيه، احنا مبنخدش فلوس من حد ولا حرقنا الكتب احنا كنا بنشيلها مع الثوار وكنا فرحانين اننا بنعمل كدا، زمان أنا كنت فى مكان بيلم بنات الشوارع وكانوا بياخدو علينا فلوس ومكناش بنستفيد بيها، لكن دلوقت احنا أحرار عايزين نعيش ونتجوز، أنا وحمادة صاحبى كنا عايزين نتجوز بس معرفش يطلع بطاقة لا ليا ولا ليه، فعشنا مع بعض ودا حرام بس مش حرام نفضل فى الشارع كدا مش حرام ننام فى الطل وتحت الكبارى؟ على الأقل فى الميدان بنلاقى خيمة ننام تحتها. ومع صوت عبير الذى بدأ يتعالى ومطالبتها لى بمغادرة المكان، اندفع شلاطة 16 سنة فى الكلام قائلا احنا ما ولعناش حاجة احنا عايزين نتعلم صنعة ونشتغل ونتجوز ونعيش زيكو، هو انتى تقدرى تسيبى ابنك ينام فى الشارع، أو يشحت أو يشم كله، ياابلة. رضا 17 سنة كان له رأى آخر عن زملائه، حين قال «احنا فيه منا غلط وساب بيت أبوه وفيه مننا اللى ما يعرفش أصلا ليه أهل، وكنا عايشين مع بعض بناكل ونشرب ونشتغل وكل ما ضابط يحب يعمل شغل ييجى يقبض علينا، وربنا يكفيكى بقى شر الحبسة فى دار الأحداث. كانت دهشة سلومة 14 سنة كبيرة حين نقلت له الاتهامات بأنه ورفاقه مسؤولون عن حريق المجمع العلمى وأنهم كانوا يلقون المولوتوف على المبنى وسجلت كاميرات التليفزيون كيف كانوا يرقصون فرحا كلما ارتفعت ألسنة النيران، وقال «إحنا كنا بنحدفهم بالطوب لأنهم كانوا بيضربوا البنات اللى زى أخوتنا. «أصحاب الأمراض الخطيرة» على رأس قائمة المنسيين كتب دانة الحديدى هم المنسيون دائمًا، رغم أن ثورة 25 يناير جعلتهم يشعرون أن أبسط حقوقهم الإنسانية على وشك التحقق، لكن الحال بقى كما هو عليه، ولم يتلقوا من المسؤولين سوى مجموعة من الوعود التى لا تنطوى على رغبة فعلية فى التنفيذ، ولا تثمر سوى المزيد من الانتظار. ابتلاهم الله بأمراض خطيرة، لكن معاناتهم ليست فى المرض بحد ذاته بقدر ما هى فى المعاناة التى يشعرون بها للحصول على حقهم الأساسى من الأدوية والرعاية الطبية، وشهد العام الماضى، عقب قيام ثورة 25 يناير، مطالبات واسعة من قبل المرضى، على رأسهم مرضى الالتهاب الكبدى الوبائى «فيروس سى»، والتصلب المتعدد M.S ومرضى الهيموفيليا «النزف»، بتوفير جميع العلاجات الخاصة بهم من قبل وزارة الصحة، وبالفعل تلقوا عدة وعود مصحوبة بقرارات ينتظرون تنفيذها على أرض الواقع. شهد شهر مايو الماضى صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى، يقضى بأحقية هيئة التأمين الصحى فى استخدام عقار «الإنترفيرون المصرى»، مع مرضى فيروس سى وذلك عقب معركة قضائية بسبب اعتراض عدد من الأطباء على استخدامه على المرضى المصريين بحجة عدم فاعليته، بالإضافة إلى فرضه على المرضى، وعلى الرغم من تأييد القضاء لاستخدام هذا العقار، إلا أن ذلك الحكم أعقبه صدور قرار بإتاحة الإنترفيرون المستورد، سواء الأمريكى أو السويسرى، للمرضى بحيث يكون لهم حرية الاختيار بين العقار المصرى أو المستورد. وفى شهر يونيو، أعلن مرضى التصلب المتعدد عن غضبهم بسبب عدم توفير العلاج الخاص بهم، والذى يصل إلى 7 آلاف جنيه شهريا، من قبل التأمين الصحى، على الرغم من أن منهم أطباء، كالطبيبة داليا حسين، التى تعمل فى هيئة التأمين الصحى، إلا أنها لا تحصل على الأدوية التى تحتاجها لوقف مضاعفات المرض، التى تصل إلى الشلل، بل إنها مثل جميع المرضى اضطرت للحصول على إجازة من عملها بسبب عدم وجود مرونة فى قوانين العمل تتناسب مع حالتها المرضية، فى الوقت الذى لا يستطع فيه العديد من المرضى الحصول على فرصة للعمل، حتى ضمن نسبة ال5% المقررة للمعاقين. فئة أخرى من المرضى المنسيين، هم مرضى الهيموفيليا أو «سيولة الدم»، فعلى الرغم من خطورة مرضهم لم يتم الالتفات إليهم إلا بإضراب 4 من المرضى فى مستشفى الطلبة بالإسكندرية أغسطس الماضى، احتجاجا على عدم توافر عقار «الفاكتور»، وهو العقار الوحيد القادر على وقف النزيف فى حالة إصابة المريض به.